الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخيّاط: اطلبها في ترللج «1» ؛ فقال: ويحك ما تقول، قبّحك الله! فإني ما أعرف رطانتك؛ قال: لعن الله أبغضنا لفظا وأخطأنا منطقا.
وضرب عمر بن هبيرة «2» عيسى بن عمر النحويّ ضربا كثيرا من أجل وديعة فكان يقول وهو يضرب: ما هي إلا أثيّاب في أسيفاط أخذها عشّاروك «3» .
وسأله رجل عن مسألة. فقال: ليست مسألتك يتنا. أي ليست مستوية؛ وأصل اليتن: خروج رجل الولد قبل رأسه. وسأله آخر عن كتابته، فقال: كتبت حتّى انقطع سوائي أي ظهري، على أن أبا جعفر النحّاس قد عدّ عيسى بن عمر من المطبوعين في ذلك. قال الجاحظ: رأيتهم يديرون في كتبهم هذا الكلام، فإن كانوا إنما رووه ودوّنوه لأنه يدل على فصاحة وبلاغة، فقد باعده الله من صفة الفصاحة والبلاغة، وإن كانوا فعلوا ذلك لأنه غريب فأبيات من شعر العجّاج وشعر الطّرمّاح وأشعار هذيل «4» تأتي لهم مع الرصف الحسن على أكثر من ذلك. فلو خاطب أحد الأصمعيّ بمثل هذا الكلام، لظننت أنه يستجهل نفسه، وهذا خارج عن عادة البلغاء.
الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم
وذلك ككلام أهل البادية من العرب بالنسبة إلى أهل الحضر منهم، فإن أهل الحضر يألفون السّهل من الكلام، ويستعملون الألفاظ الرقيقة، ولا يستعملون
الغريب إلا في النادر؛ وأهل البادية يألفون اللفظ الجزل ويميلون إلى استعمال الغريب؛ وإذا نظرت إلى أهل مكة وكلام قريش الذين نزل القرآن بلغتهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرومتهم، وكلام أهل حضرموت وما جاورها من اليمن ومخاليف الحجاز، علمت فرق ما بين الكلامين، وتباين ما بين الطّرفين، حتّى كأنّ البادي يرطن بالنسبة إلى الحاضر، ويتكلم بلغة غير العربية؛ وكانت لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يتكلم بها على الدوام، ويخاطب بها الخاص والعامّ، لغة قريش وحاضرة الحجاز، إلا أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وجمع إلى سهولة الحاضرة جزالة البادية، فكان يخاطب أهل نجد وتهامة وقبائل اليمن بلغتهم، ويخاطبهم في الكلام الجزل على قدر طبقتهم.
فمن ذلك كلامه صلى الله عليه وسلم لطهفة النّهديّ وكتابه إلى بني نهد، وذلك أنه لما قدم وفود العرب على النبيّ صلى الله عليه وسلم قدم عليه طهفة بن أبي زهير النّهديّ، فقال: أتيناك يا رسول الله من غور تهامة على أكوار الميس «1» ، ترتمي بنا العيس، نستحلب الصّبير «2» ، ونستجلب الخبير «3» ونستعضد البرير «4» ، ونستخيل الرّهام «5» ، ونستخيل الجهام «6» ؛ من أرض غائلة النّطاء «7» ، غليظة الوطاء؛ قد جفّ المدهن «8» ، ويبس الجعثن «9» ؛ وسقط الأملوج «10» ، ومات العسلوج «11» ؛ وهلك
الهديّ «1» ، وفاد الوديّ «2» ؛ برئنا إليك يا رسول الله من الوثن والعثن «3» ، وما يحدث الزمن، لنا دعوة السلام، وشريعة الإسلام، ما طما البحر، وقام تعار «4» ، ولنا نعم همل أغفال «5» ، ما تبضّ ببلال «6» ، ووقير كثير الرّسل «7» ، قليل الرّسل «8» ، أصابتها سنيّة حمراء مؤزلة «9» ، ليس لها «10» علل ولا نهل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها «11» وفرقها، وابعث راعيها في الدّثر «12» بيانع الثّمر، وافجر لهم الثمد «13» ، وبارك لهم في المال والولد؛ من أقام الصلاة كان مسلما، ومن آتى الزكاة كان محسنا، ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا.
لكم يا بني نهد ودائع «14» الشّرك، ووضائع الملك «15» ؛ لا تلطط «16» في الزكاة، ولا تلحد في الحياة، ولا تتثاقل عن الصلاة» .
وكتب معه كتابا إلى بني نهد فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! السلام على
من آمن بالله ورسوله، لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة «1» ، ولكم العارض والفريش وذو العنان الرّكوب، والفلوّ الضّبيس «2» ، لا يمنع سرحكم، ولا يعضد طلحكم، ولا يمنع درّكم، ما لم تضمروا الإمآق، وتأكلوا الرّباق «3» ؛ من أقرّ فله الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبى فعليه الرّبوة «4» » .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة همدان، وذلك أنه لما قدم عليه صلى الله عليه وسلم وفود العرب قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم مالك بن نمط أبو ثور، وهو ذو المشعار، ومالك بن أيفع، وضمام بن مالك السلماني، وعميرة بن مالك الخارقيّ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعهم من تبوك، وعليهم مقطّعات الحبرات «5» والعمائم العدنيّة، برحال الميس «6» على المهريّة والأرحبيّة «7» ، ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم، يقول أحدهما:
همدان خير سوقة وأقيال
…
ليس لها في العالمين أمثال
محلّها الهضب ومنها الأبطال
…
لها إطابات «8» بها وآكال
ويقول الآخر:
إليك جاوزن سواد الرّيف
…
في هبوات الصّيف والخريف
مخطّمات «1» بحبال اللّيف
فقام مالك بن نمط بين يديه، ثم قال: يا رسول الله، نصيّة «2» من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج «3» متّصلة بحبال الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم، من مخلاف خارف، ويام، وشاكر «4» ؛ أهل السّواد والقرى، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا آلهة الأنصاب «5» ، عهدهم لا ينقض ما أقام لعلع «6» ، وما جرى اليعفور بصلّع «7» .
فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط، ولمن أسلم من قومه، على أن لهم فراعها ووهاطها «8» ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها ويرعون عافيها «9» ؛ لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدهم المهاجرون والأنصار» .
فقال في ذلك مالك بن نمط:
ذكرت رسول الله في فحمة الدّجى
…
ونحن بأعلى رحرحان وصلدد «10»
وهنّ بنا خوص طلائح «1» تعتلي
…
بركبانها في لاحب «2» متمدّد
على كلّ فتلاء الذّراعين جسرة
…
تمرّ بنا مرّ الهجفّ الخفيدد «3»
حلفت بربّ الرّاقصات «4» إلى منى
…
صوادر بالرّكبان من هضب قردد «5»
بأن رسول الله فينا مصدّق
…
رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها
…
أبرّ وأوفى ذمّة من محمّد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه
…
وأمضى بحدّ المشرفيّ المهنّد
وفي رواية أن في كتابه إليهم: «إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها «6» ، تأكلون علافها وترعون عفاءها «7» ؛ لنا من دفئهم وصرامهم «8» ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصّدقة الثّلب والنّاب، والفصيل والفارض، والدّاجن «9» والكبش الحوريّ «10» ، وعليهم فيها الصّالغ والقارح «11» » .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم لأكيدر دومة «1» . قال أبو عبيدة: أنا قرأته فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله، لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد «2» والأصنام، مع خالد بن الوليد، سيف الله في دومة الجندل وأكنافها، إن لنا الضّاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض، والحلقة والسّلاح والحافر والحصن، ولكم الضّامنة من النخل، والمعين من المعمور «3» ، لا تعدل سارحتكم «4» ، ولا تعدّ فاردتكم «5» ، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين» .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى وائل بن حجر وأهل حضر موت، وهو «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة «6» من أهل حضر موت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، على التّيعة «7» الشّاة، والتّيمة «8» لصاحبها وفي
السّيوب «1» الخمس، لا خلاط ولا وراط «2» ، ولا شناق ولا شغار «3» ؛ ومن أجبى فقد أربى «4» ، وكل مسكر حرام.
وفي رواية أنه كتب إليهم «إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب «5» ، وفي التّيعة شاة لا مقورّة الألياط ولا ضناك «6» ، وأنطوا الثّبجة «7» وفي السّيوب الخمس؛ ومن زنى من امبكر «8» فاصقعوه مائة، واستوفضوه «9» عاما؛ ومن زنى من امثيّب