الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلم تقع في كلامه من الحسن موقعا، ولا أصابت من الطّلاوة غرضا؛ وهذه لفظة واحدة لم يتغير شيء من أحوالها سوى أنها نقلت من صيغة إلى صيغة، وكذلك لفظة وذر، فإنها لا تستعمل ماضية، وتستعمل على صيغة الأمر كقوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
«1» وتستعمل مستقبلة أيضا كقوله تعالى:
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ
«2» ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هاتين الصيغتين، وكذلك في غير القرآن الكريم من فصيح الكلام، أما في حالة المضيّ، فإنها أقبح من لفظة ودع، وقد استعملت ماضية مع شذوذ، وهذه لم تستعمل أصلا.
النمط الثالث
-
ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على التثنية، وذلك في مثل لفظ الأخدع «3» ، فإنها يحسن استعمالها في حالة الإفراد دون التثنية؛ فممّا وردت فيه مفردة فجاءت حسنة رائقة، قول الصّمّة بن عبد الله «4» من شعراء الحماسة:
تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني
…
وجعت من الإصغاء ليتا «5» وأخدعا
ومما ورد فيه لفظ التثنية فجاء ثقيلا مستكرها قول أبي تمّام:
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد
…
أضججت هذا الأنام من خرقك
هكذا ذكره في المثل السائر، ثم قال: وليس لذلك سبب إلا أنها جاءت موحدة في أحدهما فحسنت، وجاءت مثناة في الآخر فقبحت.
النمط الرابع
-
ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على الجمع، وذلك
كلفظة الأرض، فإنها لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردة، سواء أفردت بالذكر عن السماء كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً
«1» أو قرنت بالسماء مفردة كما في قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ
«2» أو مجموعة كما في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
«3» ولو كان استعمالها بلفظ الجمع مستحسنا لكان هذا الموضع وشبهه به أليق لمقابلة الجمع في السموات، ولما أراد أن يأتي بها مجموعة قال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ
«4» وكذلك لفظة البقعة، وكذلك لفظة طيف في ذكر طيف الخيال، فإنها تجمع على طيوف، وهي في حالة الإفراد من أرقّ الألفاظ وألطفها، فإذا جمعت زالت عنها تلك الطّلاوة، وفارقتها تلك البهجة، ولذلك وردت في القرآن الكريم بلفظ الإفراد، قال تعالى: إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طيف «5» من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون «6» . ولم تزل الشعراء في القديم والحديث يستعملونه بلفظ الإفراد فيقع أحسن موقع، ولم يلمّوا باستعماله مجموعا.
قال في «المثل السائر» : ويالله العجب، من هذه اللفظة ومن أختها عدّة ووزنا، وهي صيف! فإنها تستعمل مفردة ومجموعة، وكلاهما في الاستعمال حسن رائق، قال: وهذا مما لا يعلم السرّ فيه، والذوق السليم هو الحاكم في الفرق بين هاتين اللفظتين وما يجري مجراهما. وكذلك يجري الحكم في جميع المصادر، فإنها في حالة الإفراد أحسن منها في حالة الجمع؛ وقد جاء منها بعض ألفاظ مجموعة فجاءت غثّة مستكرهة كما في قول عنترة: