الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويميل إليه هو الحسن، وما يكرهه وينفر عنه هو القبيح، بدليل أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشّحرور ويميل إليهما، ويكره صوت الغراب وينفر عنه، وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس؛ والألفاظ جارية هذا المجرى؛ فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والدّيمة يستلذهما السمع، ولفظة البعاق «1» قبيحة يكرهما السمع، والألفاظ الثلاثة من صفة المطر ومعناها واحد؛ وأنت ترى لفظتي المزنة والدّيمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لا يستعمل، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير سليم، لا جرم أنه ذم وقدح فيه، ولم يلتفت إليه، وإن كان عربيّا محضا من الجاهلية الأقدمين؛ فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرّج على ما خرج عنها.
إذا علمت ذلك فلا يوصف اللفظ المفرد بالحسن حتّى يتصف بأربع صفات:
الصفة الأولى ألّا يكون غريبا؛ وهو ما ليس مأنوس الاستعمال ولا ظاهر المعنى
.
ويسمّى: الوحشيّ أيضا، نسبة إلى الوحش لنفاره وعدم تأنّسه وتألّفه، وربما قلب فقيل: الحوشي، نسبة إلى الحوش «2» ، وهو النّفار.
قال الجوهريّ: وزعم قوم أن الحوش بلاد الجنّ وراء رمل يبرين «3» لا يسكنها أحد من الناس، فالغريب والوحشيّ والحوشيّ كله بمعنى.
ثم الغريب على ضربين:
الضرب الأوّل- ما يعاب استعماله مطلقا، وهو ما يحتاج في فهمه إلى بحث وتنقيب، وكشف من كتب اللغة؛ كقول ابن جحدر.
حلفت بما أرقلت حوله
…
همرجلة خلقها شيظم
وما شبرقت من تنوفيّة
…
بها من وحى الجن زيز يزم «1»
فالإرقال: ضرب من السير؛ وهو نوع من الخبب، يقال منه: أرقلت الناقة ترقل إرقالا، والهمرجلة: الناقة السريعة، وقال أبو زيد: الهمرجلة: الناقة النّجيبة الراحلة. والشّيظم: الشديد الطويل، وهو من صفات الإبل والخيل والأنثى شيظمة. والشّبرقة: القطع، يقال: شبرقت الثوب أشبرقه شبرقة إذا قطعته، وشبرقت الطريق إذا قطعتها. والتّنوفة: المفازة، ويقال فيها: تنوفيّة أيضا. والوحى هنا. الصوت الخفيّ، يقال: سمعت وحاة الرعد، وهو صوته الممتدّ الخفي.
وقوله زيز يزم: حكاية لأصوات الجن إذا قالت: زي زي؛ وحاصله أنه يقول:
حلفت هذه الحلفة بما سارت هذه الناقة الشديدة السير العظيمة الخلق، وما قطعت من مفازة لا يسمع فيها إلا أصوات الجنّ؛ وهذا مما لا يوقف على معناه إلا بكدّ وتعب في كشفه وتتبّعه من كتب اللغة.
الضرب الثاني- ما يحتاج إلى تدقيق النظر في التصريف وتخريج اللفظ على وجه بعد، كلفظ مسرّج من قول العجاج «2» .
ومقلة وحاجبا مزجّجا
…
وفاحما ومرسنا مسرّجا
فالمقلة: شحمة العين. والحاجب معروف. والمزجج: المقوّس مع طول ودقّة في طرفه. والفاحم: الشّعر الأسود الذي لونه كلون الفحم. والمرسن: