الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية في أسمائها، وفيها روايتان
الرواية الأولى- ما نطقت به العرب المستعربة
وجرى عليه الاستعمال إلى الآن وقد نطق القرآن الكريم بصدقها قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
«1» والمراد شهور العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، ومدارها الأهلّة سواء جاء الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين. الشهر الأوّل منها المحرم؛ سمّي بذلك لأنهم كانوا يحرّمون فيه القتال، ويجمع على محرّمات ومحارم ومحاريم. الشهر الثاني صفر، سمي «2» بذلك لأنهم كانوا يغيرون فيه على بلاد يقال لها الصّفريّة، ويجمع على صفرات وأصفار وصفور وصفار. الشهر الثالث ربيع الأوّل سمي بذلك لأنهم كانوا يحصّلون فيه ما أصابوه في صفر، والرّبيع في اللغة الخصب، وقيل لارتباعهم فيه؛ قال النحاس:
والأوّل أولى بالصواب، ويقال في التثنية ربيعان الأوّلان وفي الجمع ربيعات الأوّلات، ومن شرط فيه إضافة شهر قال في التثنية شهرا ربيع الأوّلان وفي الجمع شهرات ربيع الأوّلات والأوائل، وان شئت قلت في القليل أشهر وفي الكثير شهور، وحكي عن قطرب «3» الأربعة الأوائل، وعن غيره ربع الأوائل. الشهر الرابع ربيع الآخر، والكلام في تسميته وتثنيته وجمعه كالكلام في ربيع الأوّل.
الشهر الخامس جمادى الأولى، سمي بذلك لجمود الماء فيه، لأن الوقت الذي سمّي فيه بذلك كان الماء فيه جامدا لشدّة البرد، ويقال في التثنية جماديان الأوليان وفي الجمع جماديات الأوليات. الشهر السادس جمادى الآخرة، والكلام فيه
تسمية وتثنية وجمعا كالكلام في جمادى الأولى. الشهر السابع رجب، سمي بذلك لتعظيمهم له أخذا من الترجيب وهو التعظيم «1» ، ويجمع على رجبات وأرجاب، وفي الكثرة على رجاب ورجوب. الشهر الثامن شعبان، سمي بذلك لتشعّبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب؛ وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمّي فيه. وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة «2» على حذف الزوائد، وحكى الكوفيون شعابين، قال النحاس: وذلك خطأ على قول سيبويه كما لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين. الشهر التاسع رمضان، سمي بذلك أخذا من الرمضاء لأنه وافق وقت تسميته زمن الحرّ، ويجمع على رمضانات، وحكى الكوفيون رماضين، والقول فيه كالقول في شعابين، ومن شرط فيه لفظ شهر قال في التثنية: شهرا رمضان وفي الجمع شهرات رمضان وأشهر رمضان وشهور رمضان. الشهر العاشر شوّال، سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أوّل شهور الحج، وقيل من شال يشول إذا ارتفع، ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك؛ قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم:
«تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوّال وبنى بي في شوّال فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي» ويجمع على شوّالات وشواويل وشواول. الشهر الحادي عشر ذو القعدة، ويقال بالفتح والكسر، سمّي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحرم، ويجمع على ذوات القعدة، وحكى الكوفيون أولات القعدة، وربما قالوا في الجمع: ذات القعدة أيضا. الشهر الثاني عشر ذو الحجة، سمي بذلك لأن الحجّ فيه، والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة. ثم من الأشهر
المذكورة أربعة أشهر حرم كما قال تعالى: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
«1» وقد أجمعت العلماء على أن الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب؛ ويحتجّون على ذلك بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم عدّها في خطبة حجّة الوداع كذلك فقال: «السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب» واختاره أبو جعفر النحاس. وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرّم فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجّة ليأتوا بها من سنة واحدة وإليه ميل الكتّاب. قال النحاس:
ولا حجّة لهم فيه لأنه إذا علم أن المقصود ذكرها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين. وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضّلال والكفر يعظّمون هذه الأشهر ويحرّمون القتال فيها حتّى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه، إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرّم فيؤخرونه إلى صفر فيحرّمونه مكانه وينسئون رجبا فيؤخّرونه إلى شعبان فيحرّمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم.
واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال: شهر المحرّم، وشهر صفر، وشهر ربيع الأوّل وكذا في البواقي، على أنّ منها ثلاثة «2» أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها، وهي شهرا ربيع وشهر رمضان؛ ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
«3» وقد روى عثمان بن الأسود «4» عن مجاهد «5» أنه قال: «لا تقل رمضان
ولكن قل كما قال الله عز وجل: شهر رمضان، فإنك لا تدري ما رمضان» وعن عطاء نحوه وأنه قال: لعلّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى؛ لكن قد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان أغلقت النّيران وصفّدت الشّياطين» الحديث وهذا صريح في جواز تعريته عن الإضافة.
وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحّها أنه يجوز تعريته عن لفظ شهر مطلقا، سواء قامت قرينة أم لا، فيقال جاء رمضان وصمت رمضان، وما اشبه ذلك وهو ما رجّحه النوويّ في شرح مسلم، والثاني المنع مطلقا، والثالث إن حفّت قرينة تدلّ على الشهر كما في قوله: صمت رمضان فقد جازت التعرية، وإن لم تحفّ قرينة لم تجز؛ وزاد بعضهم فيما يضاف إليه لفظ شهر رجب أيضا، وقال كل شهر في أوّله حرف راء فلا يقال إلا بالإضافة. ويقال في المحرّم أيضا شهر الله المحرّم ويقال في الربيعين: ربيع الأوّل وربيع الآخر، وفي الجماديين: جمادى الأولى وجمادى الآخرة، قال ابن مكيّ «1» : ولا يقال جمادى الأوّل بالتذكير وجوّزه في كلامه على «تثقيف اللسان» «2» .
قال النحاس: وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا: السنة الاولى والسنة والثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة، ولمّا لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل: الدنيا والآخرة؛ على أن أكثر استعمال أهل الغرب على ربيع الثاني وجمادى الثانية. ويقال في رجب الفرد: لانفراده عن بقية الأشهر الحرم، ويقال