الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقربها، وعليها جاء الشرع، وبها نطق التنزيل قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ
«1» وفيها جملتان:
الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها
واعلم أن مسير القمر مقدّر بمعرفة الشهور والسنين قال تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ
«2» والشمس تعطيه في كل ليلة ما يستضيء به نصف سبع قرصه حتّى يكمل ثم تسلبه من الليلة الخامسة عشرة كلّ ليلة نصف سبع قرصه حتى لا يبقى فيه نور فيستتر. ويروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه سئل عن القمر فقال:
يمحق كل ليلة ويولد جديدا؛ ويبعد مثل هذا عن جعفر الصادق.
إذا علمت ذلك فللقمر حركتان: سريعة وبطيئة كما تقدّم في الشمس.
أما الحركة السريعة فحركة فلك الكلّ به من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق في اليوم والليلة.
واعلم أن الهلال إذا طلع مع غروب الشمس كان مغيبه على مضيّ ستة أسباع ساعة من الليل، ولا يزال مغيبه يتأخر عن مغيبه في كل ليلة ماضية هذا المقدار حتّى يكون مغيبه في الليلة السابعة نصف الليل، وفي الليلة الرابعة عشرة طلوع الشمس، ثم يكون طلوعه في الليلة الخامسة عشرة على مضيّ ستة أسباع ساعة منها، ولا يزال طلوعه يتأخر عن طلوعه في كل ليلة ماضية بعد الإبدار هذا المقدار حتّى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف الليل، وطلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة.
وإذا أردت أن تعلم على مضيّ كم من الساعات يغيب أو يطلع من الليل،
فإن أردت المغيب وكان قد مضى من الشهر خمس ليال تقديرا فاضربها في ستة تكون ثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى اثنان فيكون مغيبه على مضيّ أربع ساعات وثلاثة «1» أسباع ساعة، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت، وإن أردت الطلوع وكان قد مضى من الإبدار ستّ ليال مثلا فاضرب ستة في ستة يكون ستة وثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى واحد، فيكون طلوعه على خمس ساعات وسبع، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت.
وقد قسمت العرب ليالي الشهر بعد استهلاله كلّ ثلاثة أيام قسما وسمتها باسم، فالثلاث الأول منها هلال، والثلاث الثانية قمر، والثلاث الثالثة بهر، والثلاث الرابعة زهر (والزّهر البياض) ، والثلاث الخامسة بيض، لأن الليالي تبيضّ بطلوع القمر فيها من أوّلها إلى آخرها والثلاث السادسة درع، لأن أوائلها تكون سودا وسائرها بيض، والثلاث السابعة ظلم، والثلاث الثامنة حنادس، والثلاث التاسعة دآدىء (الواحدة منها دأدأة على وزن فعللة) ، والثلاث العاشرة ليلتان منها محاق وليلة سرار لإمحاق الشمس القمر فيها.
ومنهم من يقول: ثلاث غرر (وغرّة كلّ شيء أوّله) ، وثلاث شهب، وثلاث زهر، وثلاث تسع «2» ، لأن آخر يوم منها اليوم التاسع، وثلاث بهر، بهر فيها ظلام الليل، وثلاث بيض، وثلاث درع، وثلاث دهم وفحم وحنادس، وثلاث دآدىء «3» .
ويروى عنهم أنهم يسمّون ليلة ثمان وعشرين الدّعجاء، وليلة تسع وعشرين الدّهماء، وليلة ثلاثين اللّيلاء، وهم يقولون في أسجاعهم: القمر ابن
ليلة، رضاع سخيلة «1» ، حلّ أهلها برميلة؛ وابن ليلتين حديث أمتين، كذب ومين «2» ؛ وابن ثلاث، قليل اللّباث «3» ، وابن أربع، عتمة أمّ ربع «4» ، لا جائع ولا مرضع؛ وابن خمس، حديث وأنس، وعشاء خلفات قعس «5» ، وابن ستّ، سروبتّ «6» ؛ وابن سبع، دلجة ضبع، وحديث وجمع؛ وابن ثمان، قمر إضحيان؛ وابن تسع، محذوّ النّسع «7» ، ويقال الشّسع «8» وابن عشر، مخنق الفجر، وثلث الشّهر.
هذا هو المحفوظ عن العرب في كثير من الكتب.
قال صاحب مناهج الفكر: وعثرت في بعض المجاميع على زيادة إلى آخر الشهر، وكأنها والله أعلم مصنوعة، وهي على ألسنة العرب موضوعة، وهي: وابن إحدى عشرة، يرى عشاء ويرى بكرة، وابن اثنتي عشرة، مرهق البشر «9» ، بالبدو والحضر، وابن ثلاث عشرة، قمر باهر، يعشي الناظر، وابن أربع عشرة مقبل الشباب، مضيء دجنّات السّحاب، وابن خمس عشرة تمّ التمام، ونفدت الأيّام،
وابن ستّ عشرة نقص الخلق، في الغرب والشّرق، وابن سبع عشرة، أمكنت المقتفر القفرة «1» ، وابن ثمان عشرة قليل البقاء، سريع الفناء؛ وابن تسع عشرة بطيء الطّلوع، سريع الخشوع؛ وابن عشرين يطلع سحرة، ويغيب بكرة؛ وابن إحدى وعشرين كالقبس، يطلع في الغلس، وابن اثنتين وعشرين يطيل السّرى، ريثما يرى؛ وابن ثلاث وعشرين يرى في ظلمة الليال، لا قمر ولا هلال؛ وابن خمس وعشرين دنا الأجل، وانقطع الأمل؛ وابن ست وعشرين دنا ما دنا، فما يرى إلّا سنا، وابن سبع وعشرين يشقّ الشمس، ولا يرى له حسّ، وابن ثمان وعشرين ضئيل صغير لا يراه إلا البصير.
وأما حركته البطيئة، فحركته من جهة الشّمال إلى جهة الجنوب، ومن جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وتنقله في المنازل الثمانية وعشرين في ثمانية وعشرين يوما بلياليها كالشمس في البروج قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
«2» فما تقطعه الشمس من الشمال إلى الجنوب وبالعكس في جميع السنة يقطعه القمر في ثمانية وعشرين يوما. والمنازل للقمر كالبروج للشّمس، وذلك أنه لما اتصل إلى العرب ما حققه القدماء برصدهم من الكواكب الثابتة، وكان لا غنى لهم عن معرفة كواكب ترشدهم إلى العلم بفصول السنة وأزمنتها، رصدوا كواكب وامتحنوها، ولم يستعملوا صور البروج على حقيقتها، لأنهم قسّموا فلك الكواكب على مقدار الأيام التي يقطعه القمر فيها، وهي ثمانية وعشرون يوما، وطلبوا في كل قسم منها علامة تكون أبعاد ما بينها وبين العلامة الأخرى مقدار مسير القمر في يوم وليلة، وسمّوها منزلة إلى أن تحقق لهم ثمانية وعشرون على ما تقدّم ذكره في الكلام على طلوعها بالفجر، لأن القمر إذا سار سيره الوسط انتهى في اليوم التاسع والعشرين إلى المحاق الذي بدأ منه، فحذفت
المتكرّر فبقي ثمانية وعشرون ويزاد بالشّرطين، لأن كواكبه من جملة كواكب الحمل الذي هو أوّل البروج.
ثم هذه المنازل على قسمين: شماليّ وجنوبيّ كما في البروج، وكل قسم منها أربع عشرة منزلة. فالشماليّ منها ما كان طلوعه من ناحية الشام، وتسمّى الشاميّة وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال، التي هي رأس الحمل والميزان صاعدا إلى جهة الشمال؛ وهي الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، وبطلوعها يطول الليل ويقصر النهار. والجنوبيّ منها ما كان طلوعه من ناحية اليمن وتسمى اليمانية وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال المذكور هابطا إلى جهة الجنوب؛ وهي الغفر، والزّبانان، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخّر، وبطن الحوت؛ وبطلوعها يقصر الليل ويطول النهار.
ثم المنزلة عند المحققين قطعة من الفلك مقدارها ربع سبع الدور، وهو جزء من ثمانية وعشرين جزءا من الفلك عبارة عن............ «1» لا عن الكواكب وإنما الكواكب حدود تفرق بين كل منزلة وأخرى فعدل بالتسمية إليها وغلبت عليها.
ونزول القمر في هذه المنازل على ثلاثة أحوال: إما في المنزلة نفسها وإما فيما بينها وبين التي تليها، وإما محاذيا لها خارجا عن السمت شمالا أو جنوبا. وقد تقدّم الكلام على عدول القمر عن بعض المنازل ونزوله في غيرها.
ولتعلم أن المنازل مقسومة على البروج الأثني عشر موزّعة عليها، فالشّرطان والبطين وثلث الثريا للحمل، وثلثا الثّريّا والدّبران وثلثا الهقعة للثّور،
وثلث الهقعة والهنعة والذّراع للجوزاء، والنّثرة والطّرف وثلث الجبهة للشّرطان، وثلثا الجبهة والخرتان وثلثا الصّرفة للأسد، وثلث الصّرفة والعوّاء والسّماك للسّنبلة؛ والغفر والزّبانان وثلث الإكليل للميزان، وثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة للعقرب؛ وثلث الشولة والنعائم والبلدة للقوس، وسعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود للجدي «1» ، وثلث الفرغ المقدّم والفرغ المؤخر وبطن الحوت للحوت.
إذا علمت ذلك فإذا أردت أن تعرف القمر في أيّ منزلة هو أو كم مضى له فيها من الأيام، فخذ ما مضى من سنة القبط شهورا كانت أو أياما أو شهورا وأياما وابسطها أياما، وأضف إلى ما حصل من ذلك يومين، ثم اطرح المجموع ثلاثة عشر ثلاثة عشر، وهو عدد لبث القمر في كل منزلة من الأيام، واجعل أوّل كل منزلة من العدد الخرتان، فما بقي من الأيام دون الثلاثة عشر فهو عدد ما مضى من المنزلة التي انتهى العدد إليها.
مثال ذلك أن يمضي من سنة القبط شهر توت وأربعة أيام من بابه فتبسطها أياما تكون أربعة وثلاثين يوما فتضيف إليها يومين تصير ستة وثلاثين يوما فاطرح منها ثلاثة عشر مرتين بستة وعشرين للخرتان منها ثلاثة عشر وللصّرفة ثلاثة عشر تبقى عشرة، وهي ما مضى من المنزلة الثالثة وهي العوّاء.
وإن أردت أن تعرف في أيّ برج هو فاحسب كم مضى من الشهر العربي يوما وزد عليه مثله ثم زد على الجملة خمسة وأعط لكل برج خمسة وابدأ من البرج الذي فيه الشمس فأعط لكل برج خمسة فأينما نفد حسابك فالقمر في ذلك البرج والاعتماد في ذلك على كم مضى من الشهر العربيّ بالحساب دون الرؤية، والله أعلم.