الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإني وتركي ندى الأكرمين
…
وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا «1»
كمهريق ماء بالفلاة وغرّه
…
سراب أذاعته رياح السمائم
مع تغيير إحدى القافيتين، ويقال في الثاني:
وإنك إذ تهجوا تميما وترتشي
…
سرابيل قيس أو سجوف «2» العمائم
كتاركة بيضها بالعراء
…
وملبسة بيض أخرى جناحا
مع تغيير إحدى القافيتين حتّى يصح التشبيه للشاعرين جميعا.
المذهب الثالث- أن المراد بتنافر الكلمات أن تذكر لفظة
أو ألفاظا يكون غيرها مما في معناها أولى بالذكر، فتجيء الكلمة غير لائقة بمكانها، وهو ما أصطلح عليه ابن الأثير في «المثل السائر» . وهو على ضربين:
الضرب الأوّل: ما يوجد منه في اللفظة الواحدة فيمكن تبديله بغيره مما هو في معناه سواء كان ذلك الكلام نظما أو نثرا؛ وهو على أنواع شتّى:
منها فك الإدغام في غير موضع فكّه، كقول ابن أمّ صاحب «3» :
مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي
…
أني أجود لأقوام وإن ضننوا
ففك الإدغام في ضننوا، وكان الأحسن أن يقال: وإن ضنوا أي بخلوا.
وعلى حدّ ذلك ورد قول المتنبي:
فلا يبرم الأمر الذي هو حالل
…
ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم
فلو أدغم لجاءت اللفظة في مكانها غير قلقة ولا نافرة، وكذلك كل ما جاء على هذا النهج فلا يحسن أن يقال: بلّ الثوب فهو بالل، ولا سلّ السيف فهو سالل، ولا همّ بالأمر فهو هامم، ولا خط الكتاب فهو خاطط، ولا حنّ إلى كذا فهو حانن، وهذا لو عرض على من لا ذوق له أدركه، فكيف من له ذوق صحيح كأبي
الطيب؟ لكن لا بدّ لكل جواد من كبوة.
ومنها زيادة حرف في غير موضعه كقول دعبل «1» :
شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه
…
يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فالفاء في قوله فاشكر زائدة في غير محلها، نافرة عن مكانها.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير: أنشدني بعض الأدباء هذا البيت فقلت له:
عجز هذا البيت حسن، وأما صدره فقبيح لأن سبكه قلق نافر، والفاء في قوله فاشكر كأنها ركبة البعير، وهي في زيادتها كزيادة الكرش، فقال: لهذه الفاء في كتاب الله تعالى أشباه كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
«2» فقلت له: بين هذه الفاء وتلك فرق ظاهر يدرك بالعلم أوّلا وبالذوق ثانيا، أما العلم فإن الفاء في قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
فهي الفاء العاطفة إذ وردت بعد قوله: قُمْ فَأَنْذِرْ
وهي مثل قولك: امش فأسرع، وقل فأبلغ، وليست الفاء التي في قول دعبل: شفيعك فاشكر من هذا القبيل، بل هي زائدة ولا موضع لها، وإنما نسبتها أن يقال: ربك أو ثيابك فطهر من غير تقدّم معطوف عليه «3» ، وحاشا فصاحة القرآن من ذلك. فأذعن بالتسليم ورجع إلى الحق.
قال: ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظما كان أو نثرا لا يتفطّن لها إلا الراسخ في علم الفصاحة.
ومنها وصل همزة القطع في الشعر وإن كان ذلك جائزا فيه بخلاف النثر كقول أبي تمّام:
قراني اللها «4» والودّ حتّى كأنّما
…
أفاد الغني من نائلي وفوائدي
فأصبح يلقاني الزّمان من اجله
…
بإعظام مولود ورأفة والد