الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في زمان يشوي الوجوه بحرّ
…
ويذيب الجسوم لو كنّ صخرا
لا تطير النّسور فيه إذا ما
…
وقفت شمسه وقارب ظهرا
يشتكي الضّبّ ما اشتكى الصّبّ فيه
…
ولحربائه إلى الظلّ حرّا
ويودّ الغصن الرّطيب به لو
…
أنّه من لحائه يتعرّى
وقال أيضا يصف ليلة شديدة الحر:
يا ليلة بتّ بها ساهرا
…
من شدّة الحرّ وفرط الأوار
كأنّني في جنحها محرم
…
لو أنّ للعورة منّي استتار
وكيف لا أحرم في ليلة
…
سماؤها بالشّهب ترمي الجمار
على أن أبا عليّ بن رشيق قد فضّله على فصل الشتاء فقال:
فصل الشّتاء مبين لا خفاء به
…
والصّيف أفضل منه حين يغشاكا
فيه الذي وعد الله العباد به
…
في جنّة الخلد إن جاؤوه نسّاكا
أنهار خمر وأطيار وفاكهة
…
ما شئت من ذا ومن هذا ومن ذاكا
فقل لمن قال لولا ذاك لم يك ذا
…
إذا تفضّل على أخراك دنياكا
سمّ الشّتاء بعبّاس تصب غرضا
…
من الصّواب وسمّ الصّيف ضحّاكا
الثالث- فصل الخريف
، وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم، وأوّله عند حلول الشمس رأس الميزان؛ وذلك في الثامن عشر من توت وإذا بقي من أيلول ثمانية أيام؛ وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من القوس؛ فيكون له من البروج الميزان والعقرب والقوس؛ وهذه البروج تدلّ على الحركة، وله من الكواكب زحل، ومن الساعات السابعة والثامنة. والطالع فيه مع الفجر من المنازل الغفر والزّبانان والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة يتداخل فيه.
وهو بارد يابس، له من السّن الكهولة؛ تهيج فيه المرّة السّوداء، وتقوى فيه القوّة الماسكة، وتهبّ فيه الرياح الشّمالية، وفيه يبرد الهواء، ويتغيّر الزمان، وتنصرم الثّمار، ويتغير وجه الأرض، وتهزل البهائم، وتموت الهوامّ، وتجحر الحشرات، ويطلب الطير المواضع الدّفئة، وتصير الأرض كأنها كهلة مدبرة. ويقال: فصل
الخريف ربيع النفس كما أن الربيع ربيع العين، فإنه ميقات الأقوات، وموسم الثّمار، وأوان شباب الأشجار؛ وللنّفوس في آثاره مربع، وللجسوم بمواقع خيراته مستمتع. وقد وصفه الصابي فقال: الخريف أصحّ فصول السنة زمانا، وأسهلها أوانا؛ وهو أحد الاعتدالين المتوسّطين بين الانقلابين، حين أبدت الأرض عن ثمرتها، وصرّحت عن زبدتها؛ وأطلقت السماء حوافل أنوائها، وآذنت بانسكاب مائها؛ وصارت الموارد، كمتون المبارد؛ صفاء من كدرها، وتهذّبا من عكرها؛ واطّرادا مع نفحات الهواء، وحركات الرّياح الشّجواء؛ واكتست الماشية وبرها القشيب، والطائر ريشه العجيب.
ومن كلام ابن شبل «1» : كلّ ما يظهر في الربيع نوّاره ففي الخريف تجتنى ثماره.
وقال أبو بكر الصنوبري «2» :
ما قضى في الربيع حقّ المسرّات
…
مضيع لحقّها في الخريف
نحن منه على تلقّي شتاء
…
يوجب القصف أو وداع مصيف
في قميص من الزّمان رقيق
…
ورداء من الهواء خفيف
يرعد الماء فيه خوفا اذا ما
…
لمسته يد النّسيم الضّعيف
وقال ابن الرومي يصفه:
لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت
…
من كلّ فنّ ورقّ الجوّ والماء
إذا لما حفلت نفسي إذا اشتملت
…
عليّ هائلة الحالين غبراء
يا حبّذا ليل أيلول إذا بردت
…
فيه مضاجعنا والرّيح شجواء
وخمّش القرّ فيه الجلد والتأمت
…
من الضّجيعين أجسام وأحشاء
وأسفر القمر الساري بصفحته
…
يرى لها في صفاء الماء لألاء
بل حبّذا نفحة من ريحه سحرا
…
يأتيك فيها من الرّيحان أنباء
قل فيه ما شئت من فضل تعهّده
…
في كلّ يوم يد لله بيضاء
وقال عبد الله بن المعتز يصفه ويفضله على الصيف من أبيات:
طاب شرب الصّبوح في أيلول
…
برد الظلّ في الضّحى والأصيل
وخبت لفحة الهواجر عنّا
…
واسترحنا من النّهار الطّويل
وخرجنا من السّموم إلى برد
…
نسيم وطيب ظلّ ظليل
فكأنّا نزداد قربا من الجنّة
…
في كلّ شارق وأصيل
ووجوه البقاع تنتظر الغيث
…
انتظار المحبّ ردّ الرّسول
وقريب منه قول الآخر:
اشرب على طيب الزّمان فقد حدا
…
بالصّيف للنّدمان أطيب حاد
وأشمّنا بالليل برد نسيمه
…
فارتاحت الأرواح في الأجساد
وافاك بالأنداء قدّام الحيا
…
فالأرض للأمطار في استعداد
كم في ضمائر تربها من روضة
…
بمسيل ماء أو قرارة واد
تبدو إذا جاء السّحاب بقطره
…
فكأنّما كنّا على ميعاد
ومما يقرب منه قول جحظة البرمكيّ «1» :
لا تصغ للّوم إن اللّوم تضليل
…
واشرب ففي الشّرب للأحزان تحليل
فقد مضى القيظ واجتثّت رواحله
…
وطابت الرّيح لمّا آل أيلول
وليس في الأرض بيت يشتكي مرها
…
إلا وناظره بالطّلّ مكحول