الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلاصق منها أربع ميمات في موضع وميمان في موضع، مع ما اشتملت عليه من الطّلاوة والرّونق الذي ليس في قدرة البشر الإتيان بمثله، والله أعلم.
المذهب الثاني- أن المراد بتنافر الكلمات أن تكون أجزاء الكلام غير متلائمة، ومعانيه غير متوافقة
، بأن يكون عجز البيت أو القرينة غير ملائم لصدره، أو البيت الثاني غير مشاكل للبيت الأوّل، وعليه جرى العسكريّ في «الصناعتين» ؛ فمما اختلفت فيه أجزاء البيت الواحد قول السموأل:
فنحن كماء المزن ما في نصابنا
…
كهام ولا فينا يعدّ بخيل
فليس بين قوله ما في نصابنا كهام وقوله فنحن كماء المزن مناسبة لأن المراد بالكهام الذي لا غناء به ولا فائدة فيه، يقال قوم كهام أي لا غناء عندهم، ورجل كهام أي مسنّ، كذلك سيف كهام أي كليل، ولسان كهام أي عييّ، وفرس كهام أي بطيء، فهو يصف قومه بالنّجدة والبأس، وأنه ليس فيهم من لا يغني، وماء المزن إنما يحسن في وصف الجود والكرم. قال في «الصناعتين» : ولو قال: ونحن ليوث الحرب وأولو الصّرامة والنجدة، ما في نصابنا كهام، لكان الكلام مستويا، أو فنحن كماء المزن صفاء أخلاق وبذل أكفّ، لكان جيدا.
ومن ذلك قول طرفة:
ولست بحلّال التّلاع «1» مخافة
…
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
فالمصراع الثاني من البيت غير مشاكل لصورة المصراع الأوّل وإن كان المعنى صحيحا لأنه أراد: ولست بحلّال التّلاع مخافة السؤال ولكنني أنزل الأمكنة المرتفعة لينتابوني وأرفدهم، وهذا وجه الكلام، فلم يعبر عنه تعبيرا صحيحا، ولكنه خلطه وحذف منه حذفا كثيرا فصار كالمتنافر؛ وأدواء الكلام كثيرة.
ومنه قول الأعشى:
وإنّ امرأ أسرى إليك ودونه
…
سهوب وموماة وبيداء سملق «1»
لمحقوقة أن تسجيبي لصوته
…
وأن تعلمي أن المعان موفّق
فقوله: وأن تعلمي أن المعان موفق غير مشاكل لما قبله؛ وعلى نحو ذلك ورد قول عنترة:
حرق الجناح كأنّ لحيي رأسه
…
جلمان بالأخبار هشّ مولع «2»
إنّ الذين نعبت لي بفراقهم
…
هم أسلموا ليل التّمام وأوجعوا
فليس قوله: «بالأخبار هشّ مولع» من صفة جناحيه ولحييه؛ وقريب منه قول أبي تمّام:
محمّد إنّ الحاسدين شهود «3»
…
وإنّ مصاب المزن حيث تريد
فليس النصف الثاني من النصف الأوّل في شيء؛ وكذلك قول الطالبيّ «4» :
قوم هدى الله العباد بجدّهم
…
والمؤثرون الضيف بالأزواد
فلا مناسبة بين صدر البيت وعجزه بوجه.
وعدّ بعض الأدباء من هذا النوع قول أمرىء القيس:
كأنّي لم أركب جوادا للذّة،
…
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل
…
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
وقال: لو وضع مصراع كل بيت من هذين البيتين في موضع الآخر لكان أحسن وأدخل في استواء النسج، فكان يقال:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل
…
لخيلي كرّي كرة بعد إجفال
ولم أسبإ الزق الرويّ للذة
…
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
لأن ركوب الجواد مع ذكر كرور الخيل أجود، وذكر الخمر مع ذكر الكواعب أحسن.
قال في «الصناعتين» : قال أبو أحمد: «1» والذي جاء به امرؤ القيس هو الصحيح لأن العرب تضع الشيء مع خلافه، فيقولون: الشدّة والرخاء، والبؤس والنعيم، ونحو ذلك. وكذلك كل ما يجري هذا المجرى.
قال أبو هلال العسكري: أخبرني أبو أحمد قال: كنت أنا وجماعة من أحداث بغداد ممن يتعاطى الأدب نختلف إلى مدرك نتعلم منه الشعر، فقال لنا يوما: إذا وضعتم الكلمة مع لفقها كنتم شعراء، ثم قال: أجيزوا هذا البيت:
ألا إنّما الدّنيا متاع غرور
فأجازه كل واحد منا بشيء فلم يرضه فقلت أنا:
وإن عظمت في أنفس وصدور
فقال: هذا هو الجيّد المختار.
قال «2» : وأخبرني أبو أحمد الشطنيّ قال: حدثنا أبو العباس بن عربيّ، قال:
حدثنا حماد بن «3» يزيد بن جبلة، قال: دفن مسلمة رجلا من أهله ثم قال:
نروح ونغدو كلّ يوم وليلة
ثم قال لبعضهم: أجز فقال:
فحتّى متى هذا الرّواح مع الغدوّ
فقال مسلمة: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال:
فيالك مغدى مرّة ومراحا «1»
فقال: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال:
وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو
فقال: الآن تم البيت؛ وأشباه ذلك ونظائره كثيرة.
ومما اختلف فيه البيت الأوّل والثاني قول ابن هرمة «2» :
وإنّي «3» وتركي ندى الأكرمين
…
وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا «4»
كتاركة بيضها بالعراء
…
وملبسة بيض أخرى جناحا
وقول الفرزدق:
فإنّك «5» إذ تهجو تميما وترتشي
…
سرابيل قيس أو سجوف «6» العمائم
كمهريق ماء بالفلاة، وغرّه
…
سراب أذاعته رياح السّمائم «7»
كان ينبغي أن يكون بيت ابن هرمة الأوّل مع بيت الفرزدق الثاني، وبيت الفرزدق الأوّل مع بيت ابن هرمة الثاني، فيقال في الأوّل: