الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ
«1» وعلى هذا النحو لفظ رجا بالقصر، ومعناه الجانب، فإنها قد وردت في القرآن بلفظ الجمع في قوله تعالى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها
«2» أي جوانبها، ولم تستعمل مفردة: لأن الجمع يكسبها من الحسن ما لم يوجد لها حالة الإفراد، فإن أضيفت حالة الإفراد كرجا البئر ونحوه حسنت كما في حالة الجمع.
قال في «المثل السائر» : وليس كذلك لفظ الصّوف والأصواف، وإن كان لم يرد في القرآن الكريم إلا مجموعا حيث قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ
«3» لأن لفظ الصوف مستحسن في حالة الإفراد كما في حالة الجمع. قال: وإنما قبح ذكره في قول أبي تمّام:
كانوا برود زمانهم فتصدّعوا
…
فكأنّما لبس الزمان الصّوفا
لأنها جاءت مجازية في نسبتها إلى الزمان. قال: وعلى هذا النّهج وردت لفظة حبر وأحبار فإنها مجموعة أحسن منها مفردة، ولم ترد في القرآن الكريم إلا مجموعة.
النمط السادس
-
ما يترجّح فيه بعض الجموع في الاستعمال على بعض كما في جمع صائب من قولك: سهم صائب، فإنه يقال في الجمع سهام صوائب وصائبات وصيّب بالتشديد، وهذه الجموع كلها حسنة، رائقة، معجبة، دائرة على ألسنة أرباب النثر والنظم، ويقال في جمعه أيضا صيب على وزن كتب، وهو جمع قبيح، مرفوض الاستعمال، ثقيل على النطق، جاف عن السمع، وقد استعمله أبو نواس في شعره حيث قال:
ما أحلّ الله ما صنعت
…
عينه تلك العشية بي
قتلت إنسانها كبدي
…
بسهام للردى صيب
فجاءت غثّة كريهة نابية عن السمع، نافرة عن اللسان؛ وكذلك الجمع في قيد، فإنه يجمع على قيود، وهو جمع سائغ القبول، شائع الاستعمال؛ ويقال في جمعه أيضا: أقياد، وهو من الجموع المستكرهة الخارجة عن الاستعمال، وقد ورد في قول عويف «1» القوافي من أبيات الحماسة:
ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد
…
مما شجاك ونامت العوّاد
لما أتاني من عيينة أنه
…
أمست عليه تظاهر الأقياد
فلم يحسن ولم يرق، وكذلك القول في جمع قبّة، فإنه يجمع على قباب وهو جمع حسن دائر على ألسنة الفصحاء من أهل النظم والنثر، ويجمع أيضا على قبب، وليس بمستحسن، وإن كان هو في الكراهة دون أقياد في جمع قيد وقد استعمله ابن محكان التّميميّ «2» في قوله:
ماذا ترين أندنيهم لأرحلنا
…
في جانب البيت أم نبني لهم قببا؟
فلم يحسن كحسن قباب بل جاءت كريهة مستشنعة؛ وأعجب ما في هذا الباب أن الجمع قد يكون متفقا في لفظة واحدة إلا أنها مختلفة المعنى، فيختلف الاستعمال في الجمع باختلاف المعاني، حتى لو جيء بجمع في مكان جمع لم يحسن استعماله وإن كان جائزا من جهة العربية؛ كلفظ العين، فإنها تطلق من جملة مدلولاتها على العين الباصرة، والعين من الناس، وهو النّبيه منهم، والعين الباصرة تجمع على عيون، والعين من الناس تجمع على أعيان، وقد شذ هذا