الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قيل: من أخذ معنى بلفظه كان سارقا «1» ، ومن أخذ بعض لفظه كان سالخا، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده كان أولى به ممن تقدّمه، وأين من هو أولى بالشيء ممن سبقه إليه ممن يعدّ سارقا وسالخا؟ ويقال إن أبا عذرة «2» الكلام من سبك لفظه على معناه، ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب. هذا فيمن أخذ سجعة أو سجعتين في خطبة أو رسالة، أو بيتا أو بيتين في قصيدة وما قارب ذلك؛ أما من أخذ القصيدة بكمالها، أو الخطبة أو الرسالة برمّتها، أو لفّقها من خطب أو رسائل فذاك إنما يعدّ ناسخا إن أحسن النقل، أو ماسخا إن أفسده.
واعلم أن الناثر الماهر، والشاعر المفلق قد يأتي بكلام سبقه إليه غيره، فيأتي بالبيت من الشعر، أو القرينة من النثر، أو أكثر من ذلك بلفظ الأوّل من غير زيادة ولا نقصان، أو بتغيير لفظ يسير، وهذا هو الذي يسميه أهل هذه الصناعة وقوع الحافر على الحافر. وقد سئل أبو عمرو بن العلاء «3» عن الشاعرين يتفقان على لفظ واحد ومعنى فقال: عقول رجال توافت على ألسنتها.
والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين:
القسم الأوّل ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا
.
كقول الفرزدق:
وغرّ قد وسقت مشمّرات
…
طوالع لا تطيق لها جوابا
بكلّ ثنيّة وبكلّ ثغر
…
غرائبهنّ تنتسب انتسابا
بلغن الشمس حين تكون شرقا
…
ومسقط رأسها من حيث غابا
ووافقه جرير فقال مثل ذلك من غير زيادة ولا نقص.
ويروى أنّ عمر بن أبي ربيعة أنشد ابن عباس رضي الله عنه:
تشطّ غدا دار جيراننا
فقال ابن عباس رضي الله عنه:
وللدّار بعد غد أبعد
فقال عمر: والله ما قلت إلا كذلك.
قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» :
وأنشدت الصاحب إسماعيل بن عبّاد رحمه الله:
كانت سراة الناس تحت أظلّه «1»
فسبقني وقال:
فغدت سراة الناس فوق سراته
وكذلك كنت قلت: قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في كتابه «المثل السائر» : ويحكى أن امرأة من عقيل يقال لها ليلى كان يتحدّث إليها الشّباب، فدخل الفرزدق إليها وجعل يحادثها، وأقبل فتى من قومها كانت تألفه فدخل إليها فأقبلت عليه وتركت الفرزدق، فغاظه ذلك فقال للفتى: أتصارعني؟
فقال: ذاك إليك، فقام إليه فلم يلبث أن أخذ الفرزدق فصرعه وجلس على صدره فضرط، فوثب الفتى عنه وقال: يا أبا فراس هذا مقام العائذ بك، والله ما أردت ما جرى، قال: وحيك! والله ما بي أنك صرعتني ولكن كأنّي بابن الأتان، (يعني جريرا) وقد بلغه خبري فقال يهجوني:
جلست إلى ليلى لتحظى بقربها
…
فخانك دبر لا يزال يخون