الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصافي من كل شيء، قال ابن أحمر «1» يذكر امرأة:
تتيه بفاحم جعد
…
وأبيض ناصع الحبر
يريد سواد شعرها، وبياض لونها؛ وفي الخبر «يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره» بكسر الحاء المهملة والسين فيهما. قال ابن الأعرابي: حبره:
حسنه، وسبره هيئته، وقال المبرد: قال التوزيّ: سألت الفرّاء عن المداد لم سمّي حبرا، فقال: يقال للمعلّم حبر وحبر يعني بفتح الحاء وكسرها، فأرادوا مداد حبر أي مداد عالم، فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبرا. قال: فذكرت ذلك للأصمعيّ فقال: ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره، يقال: على أسنانه حبر إذا كثرت صفرتها حتّى صارت تضرب إلى السواد، والحبر: الأثر يبقى في الجلد، وأنشد:
لقد أشمتت بي آل فيد وغادرت
…
بجلدي حبرا بنت مصّان باديا
أراد بالحبر الأثر، يعني أثر الكتابة في القرطاس، قال المبرد: وأنا أحسب أنه سمّي بذلك لأن الكتاب يحبّر به أي يحسّن، أخذا من قولهم: حبّرت الشيء تحبيرا إذا حسّنته.
الوجه الثاني في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك
في الخبر «يؤتى بمداد طالب العلم ودم الشهيد يوم القيامة فيوضع أحدهما في كفّة الميزان والآخر في الكفّة الأخرى فلا يرجح أحدهما على الآخر» قال بعض الحكماء: صورة المداد في الأبصار سوداء، وفي البصائر بيضاء. وقد قيل:
كواكب الحكم في ظلم المداد. ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد، وهو يستره منه، فقال له: يا هذا، إن المداد من المروءة. وأنشد أبو زيد:
إذا ما المسك طيّب ريح قوم
…
كفتني ذاك رائحة المداد
وما شيء بأحسن من ثياب
…
على حافاتها حمم السّواد
وقال بعض الأدباء: عطّروا دفاتر الآداب بسواد الحبر. وكان في حجر إبراهيم بن العباس قرطاس يمشق فيه كلاما فأسقط فمسحه بكمه، فقيل له: لو مسحته بغيره؟ فقال: المال فرع والقلم أصل، والأصل أحق بالصون من الفرع.
وأنشد في ذلك:
إنّما الزّعفران عطر العذارى
…
ومداد الدّويّ عطر الرّجال
وأنشد غيره:
من كان يعجبه أن مسّ عارضه
…
مسك يطيّب منه الريح والنّسما
فإن مسكي مداد فوق أنملتي
…
إذا الأصابع يوما مسّت القلما
على أن بعضهم قد أنكر ذلك، وقال: المداد في ثوب الكاتب سخافة، ودناءة منه وقلة نظافة، قال أبو العالية: تعلمت القرآن والكتابة، وما شعر بي أهلي، وما رؤي في ثوبي مداد قط. وأنشدوا:
دخيل في الكتابة يدّعيها
…
كدعوى آل حرب في زياد
يشبّه ثوبه للمحو فيه
…
إذا أبصرته ثوب الحداد
فدع عنك الكتابة لست منها
…
ولو لطّخت وجهك بالمداد
وقال فارس بن حاتم: ببريق الحبر تهتدي العقول لخبايا الحكم، لأنه أبقى على الدهر، وأنمى للذّكر وأزيد للأجر.
واعلم أن المداد ركن من أركان الكتابة، وعليه مدار الربع منها وأنشدوا في ذلك:
ربع الكتابة في سواد مدادها
…
والرّبع حسن صناعة الكتّاب
والرّبع من قلم تسوّي بريه
…
وعلى الكواغد رابع الأسباب
قال بعض العلماء رحمهم الله: وإنما اختير فيه السواد دون غيره لمضادّته