الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون ارتفاع القطب أربعا وثمانين درجة فهناك يكون مدار ما بين النصف من الحمل إلى النصف من السّنبلة ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا فيكون خمسة أشهر من الصيف نهارا كلّه وخمسة أشهر من الشتاء ليلا كلّه.
ومما يعرض في هذه المواضع التي تقدّم ذكرها أنه إذا كان قطب فلك البروج في دائرة نصف النهار مما يلي الجنوب كان أوّل الحمل في المشرق وأوّل الميزان في المغرب، وتكون البروج الشمالية ظاهرة أبدا فوق الأرض والجنوبيّة غائبة تحتها، وهناك يطلع ما له طلوع من آخر الفلك فيما بين الجدي والسّرطان منكوسا، فيطلع الثور قبل الحمل، والحمل قبل الحوت، والحوت قبل الدلو، وكذلك تغرب نظائرها منكوسة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعين درجة فيصير على سمت الرأس فهناك تكون دائرة معدّل النهار منطبقة على الأفق أبدا، ويكون دور الفلك رحويّا «1» موازيا للأفق، ويكون نصف السماء الشمالي عن معدّل النهار ظاهرا أبدا فوق الأرض والنصف الجنوبيّ غائبا تحتها، فلذلك اذا كانت الشمس في البروج الشمالية، كانت طالعة تدور حول الأفق ويكون أكثر ارتفاعها عنه بمقدار ميلها عن معدّل النهار، وإذا كانت في البروج الجنوبية، كانت غائبة أبدا فتكون السنة هناك يوما واحدا ستة أشهر ليلا وستة أشهر نهارا، ولا يكون لها طلوع ولا غروب. فظهر من هذا أن حركة الفلك بالنسبة للآفاق إمّا دولابيّة، وهي في خط الاستواء، وإما حمائلية، وهي في الآفاق المائلة عنه، وإما رحويّة، وهي في المواضع التي ينطبق فيها قطب العالم على سمت الرأس؛ فسبحان من أتقن ما صنع!
الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقّل الشمس في البروج
اعلم أن للشمس حركتين: سريعة وبطيئة.
أما السريعة فحركة فلك الكلّ بها في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق، وتسمّى الحركة اليوميّة.
وأما الحركة البطيئة فقطعها فلك البروج في سنة شمسيّة من الجنوب إلى الشمال ومن الشّمال إلى الجنوب، ولتعلم أن جهة المشرق وجهة المغرب لا تتغيّر ان في أنفسهما بل جهة المشرق واحدة وكذلك جهة المغرب، وإن اختلفت مطالعهما. قال تعالى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ*
«1» أي جهة الشّروق وجهة الغروب في الجملة، إلا أن الشمس لها غاية ترتفع إليها في الشّمال، ولتلك الغاية مشرق ومغرب وهو مشرق الصيف ومغربه، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السّماك الرامح «2» ، ولها غاية تنحطّ إليها في الجنوب، ولتلك الغاية أيضا مشرق ومغرب: وهو مشرق الشتاء ومغربه، ومطلعها حينئذ القرب من مطلع بطن العقرب، وهذان المشرقان والمغربان هما المراد بقوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ
«3» وبين هاتين الغايتين مائة وثمانون مشرقا، ويقابلها مائة وثمانون مغربا، ففي كل يوم تطلع من المشرق غير الذي تطلع فيه بالأمس، وتغرب في مغرب غير الذي تغرب فيه بالامس. وذلك قوله تعالى: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ
«4» ونقطة الوسط بين هاتين الغايتين وهي التي يعتدل فيها الليل والنهار، يسمّى مطلع الشمس فيها مشرق الاستواء، ومغرب الاستواء، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السماك الأعزل «5» .
وقد قسّم علماء الهيئة ما بين غاية الارتفاع وغاية الهبوط اثني عشر قسما،
قالوا: والمعنى في ذلك أن الشمس في المبدإ الأوّل لما سارت مسيرها الذي جعله الله خاصّا بها قطعت دور الفلك التاسع في ثلاثمائة وستين يوما، وسميت جملة هذه الأيام سنة شمسية ورسمت بحركتها هذه في هذا الفلك دائرة عظمى على ما توهّمه أصحاب الهيئة، وقسمت هذه الدائرة إلى ثلاثمائة وستين جزءا وسمّوا كلّ جزء درجة، ثم قسمت هذه الدّرج إلى اثني عشر قسما على عدد شهور السنة، وسمّوا كل قسم منها برجا، وجعلوا ابتداء الاقسام من نقطة الاعتدال الربيعيّ: لاعتدال الليل والنهار عند مرور الشمس بهذه النقطة، ووجدوا في كل من قسم هذه الأقسام نجوما تتشكّل منها صورة من الصّور فسمّوا كلّ قسم باسم الصورة التي وجدوها عليه، وكان القسم الأول الذي ابتدأوا به نجوما إذا جمع متفرّقها تشكلت صورة حمل، فسمّوها بالحمل، وكذلك البواقي.
قال صاحب «مناهج الفكر» «1» : وذلك في أوّل ما رصدوا، وقد انتقلت الصّور عن أمكنتها على ما زعموا فصار مكان الحمل الثور، وهي تنتقل على رأي بطليموس في ثلاثة آلاف سنة، وعلى رأي المتأخرين في ألفي سنة.
إذا علمت ذلك فاعلم أن الدّورة الفلكية في العروض الشّمالية تنقسم إلى ثلاثمائة وستين درجة، كما تقدمت الإشارة إليه؛ والسنة ثلاثمائة وستون يوما منقسمة على الاثني عشر برجا المتقدم ذكرها، لكل برج منها ثلاثون يوما، وتوزّع عليها الخمسة أيام والربع يوم، والليل والنهار يتعاقبان بالزيادة والنّقصان بحسب سير الشمس في تلك البروج، فما نقص من أحدهما زيد في الآخر، وذلك أنها إذا حلّت في رأس الحمل وهي آخذة في الارتفاع إلى جهة الشّمال، وذلك في السابع عشر من برمهات من شهور القبط، ويوافقه الحادي والعشرون من آذار من شهور السّريان، وهو مارس من شهور الروم، والرابع والعشرون من حرداد ماه من شهور الفرس، اعتدل الليل والنهار، فكان كل واحد منهما مائة وثمانين درجة، وهو أحد الاعتدالين في السنة، ويسمى الاعتدال الربيعيّ لوقوعه أوّل زمن الربيع، فيزيد
النهار فيه في كل يوم نصف درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.
ثم تنقل إلى الثور فيزيد النهار فيه كلّ يوم ثلث درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة.
ثم تنقل إلى الجوزاء فيزيد النهار فيها كلّ يوم سدس درجة وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار آخرها على مائتين وعشر درجات والليل على مائة وخمسين درجة وذلك غاية ارتفاعها في جهة الشمال. وهذا أطول يوم في السنة وأقصر ليلة في السنة.
ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا صاعدا لصعودها في جهة الشمال.
ثم تنقل الشمس إلى السّرطان وتكرّ راجعة إلى جهة الجنوب، ويسمّى ذلك المنقلب الصيفيّ، وذلك في العشرين من بؤنة من شهور القبط، ويبقى من حزيران من شهور السّريان ويونيه من شهور الروم خمسة أيام، وحينئذ يأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، فينقص النهار فيه في كل يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة.
ثم تنقل إلى الأسد فينقص النهار فيه كل يوم ثلث درجة، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.
ثم تنقل 7 لى السّنبلة فينقص النهار فيها كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخرها على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار، ويسمّى الاعتدال الخريفيّ: لوقوعه في أوّل الخريف، ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا هابطا لهبوطها في الجهة الشمالية.
ثم تنقل إلى الميزان في الثامن عشر من توت من شهور القبط، وهي آخذة في الهبوط، والنهار في النقص والليل في الزيادة، فينقص النهار فيه كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وستين درجة والليل على مائة وخمس وتسعين درجة.
ثم تنقل إلى العقرب، فينقص النهار في كل يوم ثلث درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات.
ثم تنقل إلى القوس، فينقص النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمسين درجة، والليل على مائتين وعشر درجات، وهو أقصر يوم في السنة وأطول ليلة في السنة، وذلك غاية هبوطها في الجهة الجنوبية. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج جنوبيّا هابطا، لهبوطها في الجهة الجنوبية.
ثم تنقل إلى الجدي في السابع عشر من كيهك وتكرّ راجعة، فتأخذ في الارتفاع ويأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، فيزيد النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس