الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وقد غلب على الكتّاب في زماننا من أهل الإنشاء وكتّاب الأموال اتخاذ الدّويّ من النّحاس الأصفر، والفولاذ، وتغالوا في أثمانها وبالغوا في تحسينها. والنّحاس أكثر استعمالا، والفولاذ أقلّ لعزّته ونفاسته، واختصاصه بأعلى درجات الرياسة كالوزارة وما ضاهاها.
وأمّا دويّ الخشب فقد رفضت وتركت إلا الآبنوس والصّندل الأحمر، فإنه يتعاناه في زماننا قضاة الحكم وموقّعوهم وبعض شهود الدواوين.
وأمّا التحلية، فقال الحسن بن وهب «1» : سبيل الدّواة أن يكون عليها من الحلية أخفّ ما يكون ويمكن أن تحلّى به الدّويّ، وفي وثاقة ولطف، ليأمن من أن تنكسر أو تنقصم في مجلسه، قال: وحق الحلية أن تكون ساذجة بغير حفر ولا ثنيات فيها ليأمن من مسارعة القذى والدّنس إليها. ولا يكون عليها نقش ولا صورة. وحقّ هذه الحلية مع ما ذكره ابن وهب أن تكون من النحاس ونحوه دون الفضّة والذهب. على أن بعض الكتّاب في زماننا قد اعتاد التحلية بالفضة، ولا يخفى أنّ حكم ذلك حكم الضبة في الإناء فتحرم مع الكبر والزينة، وتكره مع الصغر والزينة والكبر والحاجة، وتباح مع الصغر والحاجة من كسر ونحوه، كما قرّره أصحابنا الشافعية رحمهم الله، نعم يحرم التكفيت بالذهب والفضة، وكذلك التمويه إذا كان يحصل منه بالعرض على النار شيء، والله أعلم.
الجملة الرابعة في قدرها وصفتها
قال الحسن بن وهب: سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، لا بالقصيرة فتقصر أقلامها وتقبح، ولا بالكثيفة فيثقل محملها وتعجف. فلا بدّ لصاحبها أن يحملها ويضعها بين يدي ملكه أو أميره في أوقات مخصوصة، ولا يحسن أن يتولّى ذلك غيره. قال الفضل: ويكون طولها بمقدار عظم الذراع أو
فويق ذلك قليلا لتكون مناسبة لمقدار القلم. قلت: وقد اختلفت مقاصد أهل الزمان في هيئة الدواة: من التدوير والتربيع. فأما كتّاب الإنشاء فإنهم يتخذونها مستطيلة مدوّرة الرأسين، لطيفة القدّ، طلبا للخفّة، ولأنهم إنما يتعانون في كتابتهم الدّرج، وهو غير لائق بالدواة في الجملة. على أن الصغير من الدّرج لا يأبى جعله في الدواة المدوّرة. وأما كتّاب الأموال، فانهم يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا، ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديوانيّ المناسب لهذه الدواة في القطع. وعلى هذا الأنموذج يتخذ قضاة الحكم وموقّعوهم دويّهم؛ إلا أنها في الغالب تكون من الخشب كما تقدّم.
واعلم أنه ينبغي للكاتب أن يجتهد في تحسين الدواة وتجويدها وصونها.
ولله المدائني حيث يقول:
جوّد دواتك واجتهد في صونها
…
إن الدّويّ خزائن الآداب
وأهدى أبو الطّيّب عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن الفرج الكاتب إلى صديق له دواة آبنوس محلّاة وكتب معها:
لم أر سوداء قبلها ملكت
…
نواظر الخلق والقلوب معا
لا الطّول أزرى بها ولا قصر
…
لكن أتت للوصول مجتمعا
فوقك جنح من الظّلام بها
…
وبارق بائتلاقها لمعا
خذها لدرّ بها تنظّمه
…
يروق في الحسن كلّ من سمعا
أما المحبرة المفردة عن الدواة فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من رجّحها ومالوا إلى اتخاذها لخفّة حملها، وقالوا: بها يكتب القرآن والحديث والعلم.
وكرهها بعضهم واستقبحها من حيث إنها آلة النسخ الذي هو من أشد الحرف وأتعبها، وأقلها مكسبا.
ويروى أن شعبة «1» رأى في يد رجل محبرة فقال: ارم بها فإنها مشؤومة لا