الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
941 - الحاكم *
الحافظ الكبير، شيخُ أهل الحديث في عَصْره، أبو عبد الله، مُحَمَّد بنُ عبد الله بن محمَّد بن حَمْدُويه بن نُعيم، الضَّبِّيّ، النَّيسابوري، المعروف بابن البيِّع (1)، صاحب التصانيف.
ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة في ربيع الأول.
وطلب الحديث من صغره باعتناء أَبيه وخاله. فسمع سنة ثلاثين، ورحل إلى العِراق وهو ابن عشرين، وحَجَّ ثم جال في خُرَاسان وما وراء النَّهْر، وسمع من قريب ألفي شيخ.
وروى عن: أَبيه، ومحمَّد بن عليّ بن عمر المُذَكِّر، وأبي العباس الأصَمّ، ومحمَّد بن صالح بن هانئ، ومحمَّد بن عبد الله الصَّفَّار،
* الإرشاد للخليلي (خ): ورقة 172 - 173، تاريخ بغداد: 5/ 473، الأنساب: 2/ 370 - 372، تبيين كذب المفتري: 227 - 231، المنتظم: 7/ 274 - 275، اللباب: 1/ 162، وفيات الأعيان: 4/ 280 - 281، سير أعلام النبلاء: 17/ 162 - 177، تذكرة الحفاظ: 3/ 1039 - 1040، ميزان الاعتدال: 8/ 603، العبر: 3/ 91 - 92، الوافي بالوفيات: 3/ 320 - 321، البداية والنهاية: 11/ 355، طبقات الشافعية للسبكي: 4/ 155 - 171، طبقات الشافعية للإسنوي: 5/ 401 - 407، غاية النهاية: 2/ 184 - 185، لسان الميزان: 5/ 232 - 233، النجوم الزاهرة: 4/ 238، طبقات الحفاظ: 409 - 411، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 123 - 125، كشف الظنون: 2/ 1672، شذرات الذهب: 3/ 176 - 177، هدية العارفين: 2/ 59، الرسالة المستطرفة: 21 - 23، أعيان الشيعة: 4/ 381، تاريخ التراث العربي: مج 1 / ج 1/ 454 - 457.
(1)
قال السمعاني: "هذه اللفظة لمن يتولى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة". انظر "الأنساب": 2/ 370.
وأبي عبد الله بن الأخَرْم، وأبي العباس بن محبوب، وأبي حامد بن حَسْنويه، والحسن بن يعقوب البخَاري، وأبي النَّضْر محمَّد بن محمَّد بن يوسف، وأبي الوليد حَسَّان بن محمَّد، وأبي عمرو بن السَمَّاك، وأبي بكر النَّجَّاد، وأبي سهل بن زياد، وعبد الرَّحْمَن بن حمدان الجَلَّاب، وعلي بن محمَّد بن عُقْبة الشَّيْبَاني، وأبي علي الحافظ، وانتفع بصحبته وما زال يسمع حتَّى سمع من أصحابه.
روى عنه: الدَّارَقُطْني، وأبو الفتح بن أبي الفَوارس، وأبو العلاء الواسطيّ، ومحمَّد بن أَحْمد بن يعقوب، وأبو ذَرّ الهَرَوي، وأبو يعلى الخَليلي، وأبو بكر البَيهَقي -وأكثر عنه - وأبو القاسم القُشَيريّ، وأبو صالح المُؤَذِّن، وأبو بكر أَحْمد بن عليّ بن خَلَف الشِّيرَازي، وخَلْق.
وكتب أبو عمر الطَّلَمَنْكي علومَ الحديث للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاث مئة عن شيخٍ له عن آخر عن الحاكم.
قال الخَطيب: كان الحاكم من أهل الفَضْل والعِلْم والمعرفة والحِفْظ، وله في علوم الحديث مصنَّفَات عِدَّة، قَدِم بغداد في شبيبته فكتب بها عن ابن السّمَّاك، والنَّجَّاد، وَدَعْلَج، ونحوهم، ثم وردَها وقد عَلَت سِنُّه، فحدَّث بها عن الأصَم وابن الأخْرم، وأبي علي الحافظ، وغيرِهم من شيوخ خُرَاسان، وكان ثِقةً (1).
وقد ذكَر الخليليُّ الحاكمَ فقال: له رِحْلتان إلى العراق والحَجّ، ناظَر الدارَقُطْني فَرَضِيَه، وهو ثِقَةٌ، واسع العِلْم، بلغت تصانيفُه قريبًا من
(1)"تاريخ بغداد": 5/ 473.
خمس مئة جزْء. ثم قال: سألني في اليوم الثاني لما دخلتُ عليه وهو يُقرأ عليه في فوائد العراقيين: سُفْيان الثّوْري عن أبي سَلَمة عن الزُّهْرِيّ عن سهل بن سَعْد، حديث الاسْتِئذَان فقال لي: مَنْ أبو سَلَمة؟ قلت: هو المغيرة بن مسْلم السَّرَّاج. قال: وكيف يروي المُغيرة عن الزُّهْرِيّ؟ فبقيت (1). ثم قال: قد أمهلتكَ أُسبوعًا. قال: فتفكرْتُ ليلتي، فلما وقعتُ في أصحاب الجزيرة تذكرتُ محمَّد بن أبي حَفْصة، [فإذا كنيتُه أبو سَلَمة، فلمَّا أصبحتُ، حضرت مجلسه، فلم أذكر شيئًا حتَّى قرأت عليه مما انتخبت قريبًا من مئة حديث، فقال لي: هل تفكَّرْتَ فيما جرى؟ فقلت: نعم، هو محمَّد بن أبي حفصة](2)؛ فتعجب، وقال: أنظرت في حديث سُفْيان لأبي عمرو البَحِيري؟ فقلت: لا، وذكرت له ما أَمَمْت في ذلك. فتحيَّر، وأثنى عليَّ. ثم كنت أسأله فقال لي: أنا إذا ذاكرت اليوم في بابٍ فلا بُد من المُطَالعة لكبر سِنِّي، فرأَيتُه في كل ما أُلقي عليه بحرًا. وقَال لي: أعلم بأن خُرَاسان وما وراء النهر لكلٍ بلدة تاريخ صنَّفَه عالم منها، ووجدتُ نَيسَابور مع كثرة العُلَماء بها لم يُصنِّفوا فيه شيئًا؛ فدعاني ذلك إلى أن صنَّفْتُ "تاريخ النيسَابوريين"(3). فتأملْتُه، ولم يسبقه إلى ذلك أحد (4).
(1) أي بقي مبهوتًا، دهشًا.
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر كاملًا في التصوير، والمثبت من "الإرشاد" للخليلي (خ): الورقة 173.
(3)
يبدو أن أصل الكتاب قد فقِدَ. انظر ما كتبه عنه سزكين في "تاريخ التراث العربي": مج 1 / ج 1/ 456.
(4)
"الإرشاد" للخليلي (خ): ورقة 173.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل (1): أبو عبد الله الحاكم هو إمام أهل الحديث في عَصْره، العارفُ به حَقَّ معرفته، وبيتُه بيت الصَّلاح والورع والتأذين في الإِسلام، لقي أَبا علي الثَّقَفي، وأبا محمدِ بن الشرْقي -ولم يسمع منهما- وسمع من أبي طاهر المحَمَّداباذي، وأبي بكر القَطَّان -ولم يقع بمسموعه منهما- وتصانيفُه المشهورة تطفَح بذكْرِ شيوخه، وقرأ على قُرَّاء زمانه؛ وتفقَّه على أبي الوليد، وأبي سهل الأستاذ، واختصّ بصُحبة إمام وقته، وأبي بكر الصِّبْغي، فكان يراجعه في السُّؤال والجَرْح والتّعديل والعِلل، وذاكر مثل الجِعابي، وأبي علي الماسَرْجِسِي، واتَّفَقَ له من التَصَانيف ما لعله يبلغ قريبًا من أَلْف جُزْء من تخريج "الصحيحين"، والعِلل والتّراجم والأبواب والشُّيوخ، ثم المجموعات مثل "معرفة علوم الحديث"(2)، و "مُسْتَدرك الصَّحيحين"(3) و "تاريخ نَيسَابُور"(4) وكتاب "مُزكي الأخبار" و "المَدْخل إلى عِلْم الصحيح" وكتاب "الإِكليل"(5) و"فَضَائل الشَّافعيّ" وغير ذلك (6). ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مُقَدَّمي عصره مثل الصُّعْلوكي والإمام ابن فُوَرك، وسائر الأئمة يقدِّمونه على أنفسهم ويراعون حَقَّ فَضْله، ويعرفون له الحُرْمة الأكيدة -ثم أَطنب في تعظيمه وقال:
(1) ستأتي ترجمته برقم (1051) من هذا الكتاب.
(2)
نشره معظم حسين في القاهرة سنة 1937 م.
(3)
طبع مع "تلخيص" الإِمام الذهبي في حيدرآباد 1334 - 1342 هـ.
(4)
انظر حاشيتنا رقم (3) ص (239) من هذا الحزء.
(5)
طبع في حلب سنة 1932، ثم نشره المستشرق روبسون في لندن سنة 1953 م.
(6)
انظر النسخ الخطية لبعض مصنفات الحاكم في "تاريخ التراث العربي": مج 1 / ج 1/ 454 - 457.
هذه جُمَل يسيرة، هي غَيْض من فَيضِ سِيَرِه وأحوالِهِ، ومَنْ تأمل كلامَه في تصانيفه، وتصرُّفه في أماليه، ونظرَه في طُرُق الحديث أذعن بفَضْله، واعترف له بالمَزِيّة على مَنْ تَقَدَّمه، وإتعابَه مَنْ بعده، وتعجيزَه اللاحقين عن بلوغ شَأوه. عاش حميدًا، ولم يخلِّف في وقته مِثْلَه.
وقال الحافظ أبو حَازم العَبْدويي: سَمِعْتُ الحاكم يقول -وكان إمامَ أهلِ الحديث في عَصْره-: شربت ماء زَمْزَم، وسألت الله أن يرزقني حُسْنَ التّصنيف (1).
وقال الحافظ مُحَمَّد بن طاهر: سمعت سَعْد بن عليّ الزَّنْجَاني الحافظ بمكة، وقلت له: أربعة من الحُفَّاظ تعاصروا، أيهم أحفظ؟ قال: مَنْ هم؟ قلتُ: الدَّارَقُطْني ببغداد، وعبد الغني بِمْصر، وابن مَنْدَه بأصْبَهان، والحاكم بنيسابور. فسكتَ، فألححت عليه، فقال: أما الدَّارَقُطْني فأعلمهم بالعِلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنْسَاب، وأما ابنُ مَنْدَه فأكثرهم حديثًا مع معرفة تامَّة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفًا.
وقال أبو عبد الرَّحْمَن السُّلَمي: سألت الدَّارَقُطْني: أيهما أحفظ: ابنُ مَنْدَه أو ابن البَيِّع؟ فقال: ابن البيع أتقنُ حِفْظًا (2).
وقال ابن طاهر: سَأَلْتُ أَبا إِسماعيل الأنْصَاري عن الحاكم، فقال: ثقَة في الحديث، رافضي خبيث. ثم قال ابن طاهر: كان شديدَ التعصب للشِّيعَة في الباطن، وكان يظهر التَّسنن في التقديم والخِلافة، وكان منحرفًا عن معاوية وآله، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه.
(1)"تبيين كذب المفتري": 228.
(2)
"تبيين كذب المفتري": 229 - 230.
قلت: الحاكم ليس برافضي، وهو معظِّم للشَّيخين، بل هو شيعي فقط (1).
قال الخَطيب: كان يميل إلى التَّشَيُّع، فحدَّثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد الأُرْمَوي بنَيسَابور -وكان شيخًا فاضلًا صالحًا عالمًا- قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شَرْط البُخَاري ومسلم يلزمهما إخراجُهما في صحيحهما، منها حديث الطائر (2)، "ومَنْ كنتُ مَوْلاه فعليٌّ مولاه"(3). فأنكر عليه أصحابُ الحديث ذلك، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوَّبوه في فعله (4).
قلت: لو لم يصنِّف الحاكم "المُسْتَدْرك" كان خيرًا له، فإنَّه غَلِطَ فيه غَلَطًا فاحشًا بذكره أحاديثَ ضعيفة، وأحاديث موضوعة، لا يخفى بُطْلانها على مَنْ له أدنى معرفة، وتوثيقه جماعة ضعفهم في موضع آخر، وذكر أنَّه تبين له جَرْحُهم بالدَّليل.
وقد ذكره ابن القَطَّان فقال: له كتبٌ كثيرة، وقد نُسب إلى غفلةٍ.
وذكره ابن الدَّبّاغ في الطَّبقة الثامنة من الحُفاظ.
(1) انظر "طبقات الشافعية" للسبكي: 4/ 161 - 171، فيه دفاع جيد عنه.
(2)
انظر حاشيتنا رقم (2) ص (156) من هذا الجزء.
(3)
حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه (121) من حديث سعد بن أبي وقَّاص، وأَحمد 4/ 368، والتِّرمذيّ (713) من حديث زيد بن أرقم، وأخرجه أَحْمد 1/ 84 و 118 أو 119 و 152 من حديث علي، و 331 من حديث ابن عباس، و 4/ 281 من حديث البراء، و 4/ 368 و 370 و 372 من حديث زيد بن أرقم، و 5/ 347 من حديث بريدة، و 419 من حديث أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ.
(4)
"تاريخ بغداد": 5/ 474.