المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌772 - ابن زياد *

- ‌773 - ابن الشَّرْقي *

- ‌774 - الدَّغُوْليُّ *

- ‌775 - المَحَامِلِيُّ *

- ‌776 - محمَّد بن نوح *

- ‌777 - بردَاعِس *

- ‌778 - محمَّد بن مَخْلَد بن حفص *

- ‌779 - ابنُ أبي حاتم *

- ‌780 - أبو طالب *

- ‌781 - العُقَيليُّ *

- ‌782 - أبو الفَضْل *

- ‌783 - ابنُ عُبيد *

- ‌784 - محمَّد بنُ عبد الملك بن أيمن * *

- ‌785 - محمَّد بن يوسف *

- ‌786 - مُمَوَّس * *

- ‌787 - ابن عُقْدَة *

- ‌788 - ابنُ الأَنْبَارِي *

- ‌789 - محمَّد بن قاسم *

- ‌790 - الطَّحَّان *

- ‌791 - الشَّهْرَزُورِيُّ *

- ‌792 - أبو علي *

- ‌793 - ابن عَلَّك *

- ‌794 - الشَّاشِيُّ *

- ‌795 - ابن المُنَادِيّ *

- ‌796 - الأَرْدُبِيليُّ *

- ‌797 - ابنُ الأعرابي *

- ‌798 - عليُّ بنُ حَمْشاذ *

- ‌799 - قاسم بن أَصْبَغ *

- ‌800 - القَطَّان *

- ‌801 - خَيْثَمَة بن سُليمان *

- ‌802 - الأصَمُّ *

- ‌803 - ابن الأخْرم *

- ‌804 - عبد المؤمن بن خَلَف *

- ‌805 - النَّجَّاد *

- ‌806 - ثابت بن حَزْم *

- ‌807 - قاسم بن ثابت *

- ‌808 - الحسن بنُ سَعْد بن إدريس *

- ‌809 - الخُتُّلي *

- ‌810 - عليُّ بنُ الفَضْل *

- ‌811 - محمَّد بن حَمدويه * *

- ‌812 - أبو عُمَر الزّاهِد *

- ‌813 - أحمد بنُ عُبيد *

- ‌814 - أحمد بنُ عُبيد بن أحْمَد الصَّفَّار *

- ‌815 - ابن ياسين * *

- ‌816 - البَحْرِيُّ *

- ‌817 - عُمَر بن سهل * *

- ‌818 - أبو بكر الشَّافعي *

- ‌819 - دَعْلَج بن أحمد *

- ‌820 - عبد البَاقي بن قانع *

- ‌821 - أبو بكر بنُ أبي دَارم *

- ‌822 - محمَّد بن الحسن *

- ‌823 - العَسَّال *

- ‌824 - عبد الله بن مُظَاهر *

- ‌825 - أبو العَرَب *

- ‌826 - وَهْبُ بن مَسَرَّة *

- ‌827 - القَزْويني *

- ‌828 - ابن أخي رُفَيع *

- ‌829 - البَلاذُرِيُّ *

- ‌830 - البَلاذُرِيُّ * *

- ‌831 - أبو النَّضْر *

- ‌832 - أبو الوليد *

- ‌833 - الْأزْدِي *

- ‌834 - أبو الحسين الرَّازِي *

- ‌835 - أبو سعيد بن يونس *

- ‌836 - ابن الحَدَّاد *

- ‌837 - الأسَدَاباذِيُّ

- ‌838 - محمَّد بن داود *

- ‌839 - أبو علي *

- ‌840 - الرَّامَهُرْمُزِيُّ *

- ‌841 - ابن سَعْد *

- ‌842 - النَّقَّاش *

- ‌843 - أبو إسحاقَ بن حمزة *

- ‌844 - أحمَدُ بنُ مَنْصور *

- ‌845 - الطَّبَرَاني *

- ‌846 - الزَّيدِي *

- ‌847 - خالد بن سَعْد *

- ‌848 - ابنُ أبي عُثْمان *

- ‌849 - ابن حِبَّان * *

- ‌850 - ابنُ عَلَّان *

- ‌851 - الجِعَابي *

- ‌852 - الصُّكوكي *

- ‌853 - ابنُ عَلَّك *

- ‌854 - ابن رُمَيْح *

- ‌855 - أحمد بن طاهر بن النجم *

- ‌856 - حَمْزة بن محمد بن علي * *

- ‌857 - عُمَر البَصْرِي *

- ‌858 - الآجُرِّي *

- ‌859 - سَعِيد بنُ القَاسِم *

- ‌860 - ابن السَّكَن *

- ‌861 - القصَّاب *

- ‌862 - ابن السُّنِّي *

- ‌863 - ابنُ عَدِيّ *

- ‌864 - الآبَنْدُوني *

- ‌865 - الحَجَّاجِيُّ *

- ‌866 - أبو الشَّيخ الأَصْبَهاني *

- ‌867 - الإِسْمَاعِيلي *

- ‌868 - السَّبِيعي *

- ‌869 - الآبُرِّي *

- ‌870 - الماسَرْجِسيُّ *

- ‌871 - الزَّعْفَراني *

- ‌872 - النّقَّاش *

- ‌873 - الحسن بن رشيق * *

- ‌874 - غُنْدر *

- ‌875 - [غُنْدر] *

- ‌876 - [غندر] *

- ‌877 - [غُنْدر] * *

- ‌878 - [غُنْدر] * *

- ‌879 - [غُنْدر] * *

- ‌880 - [غندر] *

- ‌881 - الغَزَّال *

- ‌882 - ابن السَّقاء *

- ‌883 - عُمَرُ بنُ بِشْران *

- ‌884 - الْأَزْدِيُّ *

- ‌885 - حُسَيْنَك *

- ‌886 - ابن مِهْرَان *

- ‌887 - المِصْري *

- ‌888 - ابن حَرارة *

- ‌889 - الغِطْرِيفي *

- ‌890 - ابن المقرئ *

- ‌891 - الحَاكم *

- ‌892 - المُفِيد *

- ‌893 - محمَّدُ بنُ المُظَفَّر *

- ‌894 - أبو حَفْص *

- ‌895 - ابن السِّمْسَار *

- ‌896 - أحمد بنُ موسى * *

- ‌897 - صَالح بنُ أحمد *

- ‌898 - محمد بن أحمد *

- ‌899 - ابن شَاهِين * *

- ‌900 - أحمد بن عَبْدَان *

- ‌901 - الدَّارَقُطْني *

- ‌902 - ابن زَبْر *

- ‌903 - أبو زُرْعَة الكَشِّيُّ *

- ‌904 - أبو زُرْعة الرَّازي *

- ‌905 - أبو زُرْعة الإسْتِرَاباذي *

- ‌906 - أبو زُرْعة الرَّازي *

- ‌907 - أبو زُرْعة الدِّمَشْقي الصَّغير * *

- ‌908 - وأبو زُرْعة الإِسْتِرَاباذي *

- ‌909 - محمّد بن حارث * *

- ‌910 - ابن السَّقَّاء *

- ‌911 - الحافظ محمد بن علي *

- ‌912 - يحيى بن مالك * *

- ‌913 - ابن يَنَال *

- ‌914 - البَاجي *

- ‌915 - ابن مَسْرُور *

- ‌916 - ابن أبي ذُهل *

- ‌917 - ابن مُفَرِّج *

- ‌918 - أحمد بن منصور *

- ‌920 - المُعَافى بن زكريا *

- ‌921 - الرَّقِّي *

- ‌922 - الجَوْزَقي *

- ‌923 - أحمدُ بن أبي اللَّيث *

- ‌924 - ابنُ الفُرَات * *

- ‌925 - الطُّوْسِيُّ *

- ‌926 - ابن بُكَيْر *

- ‌927 - الخَطَّابي *

- ‌928 - ابنُ عابد *

- ‌929 - الزُّهْريُّ *

- ‌930 - السَّرَخْسِيُّ *

- ‌931 - ابن حِنْزَابَة * *

- ‌932 - الأَصِيليُّ *

- ‌933 - الوليد بن بكر *

- ‌934 - خَلَف بن القاسم *

- ‌935 - الكَلابَاذِيُّ *

- ‌936 - البَصير *

- ‌937 - الحَلِيميُّ *

- ‌938 - ابن مَنْدَه *

- ‌939 - السُّلَيمَاني *

- ‌940 - الشِّيرَازِيُّ *

- ‌941 - الحاكم *

- ‌942 - أبو عبد الرَّحمن السُّلَمي *

- ‌943 - عبد الغني بن سَعيد *

- ‌944 - ابن مَرْدُوْيَه *

- ‌945 - غُنْجار *

- ‌946 - ابن أبي الفوارس *

- ‌947 - الجارُودي *

- ‌948 - تَمَّام *

- ‌949 - النَّقَّاش *

- ‌950 - ابن البَاجي *

- ‌951 - ابن فُطَيس *

- ‌952 - الإدْرِيسي *

- ‌953 - الإسْفَرَاييني *

- ‌954 - الشِّيرَازِي *

- ‌955 - خَلَف بن محمَّد *

- ‌956 - أبو مَسْعود *

- ‌957 - المَالِيني *

- ‌958 - العَبْدُويي *

- ‌959 - البَرْقَاني *

- ‌960 - ابن الفَرَضِي *

- ‌961 - القَابِسيُّ *

- ‌962 - البَحِيري *

- ‌963 - اللالكائي *

- ‌964 - اليَزدِيُّ *

- ‌965 - أَحْمد بن عليّ *

- ‌966 - عَطِيَّة بنُ سعيد *

- ‌967 - أبو جعفر *

- ‌968 - وصاحِبُه *

- ‌969 - حَمْزة بن يوسف *

- ‌970 - أبو نُعَيْم *

- ‌971 - الطَّلَمَنْكِيُّ *

- ‌972 - القَرَّاب *

- ‌973 - المُسْتَغْفِري *

- ‌974 - أبو ذَرّ الهَرَوي *

- ‌975 - الرَّبَعي *

- ‌976 - الخَلّال *

- ‌977 - ابنُ حَمْدَان *

- ‌978 - النُّعَيْمي * *

- ‌979 - الصُّوْري *

- ‌980 - ابن ماما *

- ‌981 - مسعود *

- ‌982 - أبو نَصْر السِّجْزي * *

- ‌983 - الدَّاني *

- ‌984 - السَّمَّان *

- ‌985 - هِبَة الله بن محمّد *

- ‌986 - الخَلِيليُّ *

- ‌987 - الفَلَكِيُّ *

- ‌988 - أبو مَسْعودٍ البَجَلي *

- ‌989 - الزَّهْرَاوي *

- ‌990 - ابن عبد البَرِّ *

- ‌991 - البَيهَقِيُّ *

- ‌992 - الخَطِيبُ *

- ‌993 - ابن حَزْم *

- ‌994 - الدَّرْبَنْدِيُّ *

- ‌995 - النَّخْشَبِيُّ *

- ‌996 - عَبْدُ الرَّحيم بنُ أحمد *

- ‌997 - العَطَّار *

- ‌998 - السُّكَّري *

- ‌999 - المُؤَذِّن *

- ‌1000 - عبد الرَّحمن بن مَنْدَه *

- ‌1001 - الكَتَّاني *

- ‌1002 - الوَخْشِيُّ *

- ‌1003 - الزَّنْجَاني *

- ‌1004 - البَاجِيُّ *

- ‌1005 - شَيخُ الإسْلام *

- ‌1006 - الحَبَّال *

- ‌1007 - ابن شَغَبَة *

- ‌1008 - سُلَيمان بن إبراهيم *

- ‌1009 - الحَسْكَاني *

- ‌1010 - أبو سَعْد *

- ‌1011 - ابنُ ماكولا *

- ‌1012 - ابن خَيْرُون *

- ‌1013 - الحُسَينِيُّ *

- ‌1014 - ابن سَمْكُويه *

- ‌1015 - ابن الحَكَّاك *

- ‌1016 - هِبَةُ الله *

- ‌1017 - مَسْعُود بن نَاصر *

- ‌1018 - الحُمَيدي *

- ‌1019 - ابن مفوَّز *

- ‌1020 - ظاهر النَّيسَابوري *

- ‌1021 - ابن الخَاضِبَة *

- ‌1022 - الحَرَمِيُّ *

- ‌1023 - مَكّي *

- ‌1024 - السَّمَرْقَنْدِيُّ *

- ‌1025 - عُمر بن عليّ بن أحمد *

الفصل: ‌993 - ابن حزم *

عليه وسلم جاء ليسمع "التَّاريخ"، فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر (1).

قال غيث: أنشدنا الخطيب لنفسه:

إن كُنْتَ تبغي الرَّشادَ محضًا

لأمرِ دُنْيَاك والمَعَادِ

فَخَالفِ النَّفْس في هَوَاها

إنَّ الهوى جَامِعُ الفَسَادِ

‌993 - ابن حَزْم *

الإمام، العلامة، الفقيه، الحافظ، أحد الأعلام، أبو محمد، عليُّ بنُ أحمد بن سعيد بن حَزْم بن غالب بن صالح بن خَلَف بن مَعْدان بن سُفْيان بن يزيد، مولى يزيد بن أبي سُفْيان بن حَرْب بن أُمية،

(1)" تبيين كذب المفتري": 268 - 269.

* جذوة المقتبس: 290 - 293، مطمح الأنفس: 279 - 282، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: مج 1 / ق 1/ 167 - 180، الصلة: 2/ 415 - 417، بغية الملتمس: 415 - 418، معجم الأدباء: 12/ 235 - 257، المطرب: 92، أخبار العلماء: 156، المعجب: 46 - 49، المغرب: 1/ 354 - 357، وفيات الأعيان: 3/ 325 - 330، سير أعلام النبلاء: 18/ 184 - 212، تذكرة الحفاظ: 3/ 1146 - 1154، العبر: 3/ 239، دول الإسلام: 1/ 207، مرآة الجنان: 3/ 79 - 81، البداية والنهاية: 12/ 91 - 92، الإحاطة: 4/ 111 - 116، لسان الميزان: 4/ 198 - 202، النجوم الزاهرة: 5/ 75، طبقات الحفاظ: 436 - 437، طبقات الأمم: 75 - 77، نفح الطيب: 2/ 77 - 84، كشف الظنون: 1/ 21، 118، 466، شذرات الذهب: 3/ 299 - 300، هدية العارفين: 1/ 690 - 691، إيضاح المكنون: 1/ 319، دائرة المعارف الإسلامية: مج 1/ 136 - 144، ولمحمد أبي زهرة كتاب ابن حزم فقهه وآراؤه، وابن حزم الأندلسي لزكريا إبراهيم، ولعبد الحليم عويس ابن حزم وجهوده في البحث التاريخي والحضاري، وهو كتاب قيم، وفي كتاب ابن حزم "طوق الحمامة" بعض أخباره.

ص: 341

الفارسي الأصل، الأموي، اليَزِيدي، القُرْطُبي، الظَّاهري، صاحب التَّصانيف.

ولد بقُرْطُبة سنةَ أربعٍ وثمانين وثلاث مئة.

وسمع من أبي عمر أحمد بن الجَسُور (1)، ويحيى بن مَسْعُود بن وجه الجَنَّة، ويونس (2) بن عبد الله القاضي، وحُمام بن أحمد القاضي، ومحمد بن سعيد بن نَبَات، وعبد الله بن ربيع التميمي، وعبد الله بن محمد بن عُثْمان، وأبي عمر الطَّلَمَنْكي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، وعبد الله بن يوسف بن نامي، وخَلْقٍ سواهم.

روى عنه: أبو عبد الله الحُمَيدي -فأكثر- وابنه أبو رافع الفَضْل، وطائفة. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن شُريح بن محمد.

وأوَّل سماعه في سنة أربع مئة.

وكان إليه المنتهى في الذَّكاء والحِفْظ، والاطِّلاع على العُلُوم، وكان أولًا شافعيًّا، ثم صار ظَاهرِيًّا فجْتهدًا، وصنَّف كُتُبًا كثيرة منها: كتاب "الإِيصال" وهو كتاب كبير، وكتاب "الإحكام لأصول الأحكام"(3) وكتاب "المُجَلَّى" في الفِقْه، مجلد، وشَرْحُه هو "المُحَلَّى"(4) في ثمان

(1) في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1146 "الحسور" -بالحاء المهملة- وهو تصحيف.

(2)

في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1146 "يوسف"، وهو تحريف.

(3)

طبع في مصر 1345 - 1348 هـ، وقد عني بتصحيحه العلامة أحمد محمد شاكر، وهو في ثمانية أجزاء، وقد صورته دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة 1980 م، وقدم له الدكتور إحسان عباس.

(4)

طبع في مصر بالمطبعة المنيرية 1347 - 1352 هـ في أحد عشر جزءًا، حقق العلامة أحمد شاكر الأجزاء الستة الأولى، وحقق الجزء السابع الشيخ عبد الرحمن الجزيري، وحقق تتمة الكتاب محمد منير الدمشقي.

ص: 342

مجلدات، وكتاب "الفِصَل في المِلل والنِّحَل" (1) وكتاب " [إظهار] (2) تبديل اليهود والنَّصَارى للكتابين: التَّوْراة والإنجيل". وكتاب "التقريب لحدّ المنطق والمَدْخل إليه"، وكتاب "الصَّادع في الرَّدِّ على مَنْ قال بالتقليد"، وكتاب "شرح أحاديث المُوَطَّأ"، وكتاب "الجامع" في صحيح الحديث باختصار الأسانيد، وكتاب "التّلْخيص والتَّخْليص" في المسائل النَّظرية، وكتاب "كَشْف الالْتِباس لما بين الظَّاهرية وأصحاب القِياس" وكتاب فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشَّافعي جمهور العُلَماء وما انفرد به كلُّ واحدٍ، ولم يسبق إلى ما قاله، وغير ذلك.

قال أبو الحسن بن القَطَّان: أبو محمد بن حَزْم الحافظ الفقيه على مَذْهب أهل الظَّاهر، برع في الفِقْه والحديث، والتَّاريخ والآداب، وهو من بيتٍ وزارة، ووزَرَ بنفسه لبعض ملوك الأندلس، ثم تَخَلَّى لطلب العِلْم والانفراد له.

وقال صاعد بن أحمد: كان ابنُ حَزْم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفة، مع توسعه في علم اللِّسان، ووفور حَظِّه من البلاغة والشِّعْر، ومعرفته بالسِّيَر والأخبار، أخبرني ولده الفَضْل أنه اجتمع عنده بخَطِّ أبيه أبي محمد من تواليفه أربع مئة مجلّد تحتوي على نحوٍ من ثمانين ألف ورقة (3).

(1) طبع في مصر بالمطبعة الأدبية سنة 1317 هـ في خمسة أجزاء، وبهامشه كتاب "الملل والنحل" للشهرستاني، والفِصَل، بكسر ففتح: جمع فصلة؛ وهي النخلة المنقولة من محلها إلى محل آخر لتثمر.

(2)

ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر في التصوير، والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 3/ 1147.

(3)

انظر "طبقات الأمم": 76، و "الصلة": 2/ 416.

ص: 343

وقال الحُمَيدي: كان أبو محمدٍ حافِظًا للحديث وفقهه، مستنبطًا للأحكام من الكِتَاب والسُّنَّة، متفنِّنًا في علومٍ جَمَّة، عاملًا بعِلْمه، ما رأينا مِثْلَه فيما اجتمع له مع الذَّكاء وسُرْعة الحِفْظ، وكَرَم النَّفْس والتديُّن، وكان له في الأدب والشِّعْر نَفَسٌ واسع، وباع طويل، ما رأيت مَنْ يقول الشِّعْرَ على البديهة (1) أسرَعَ منه، وشعره كثير جَمَعْتُه على حُروف المُعْجم (2).

وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر (3) أحمد من وزراء المَنْصور محمد بن أبي عامر ثم وزر للمُظَفَّر بن المنصور، ووزر أبو محمد للمُسْتَظْهر بالله عبد الرّحمن بن هشام، ثم نَبَذ الوزَارة وأقبل على العِلْم، وبَرَعَ في المنطق، ثم أعرض عنه، وأقبل على علوم الإسلام فنال ما لم ينلْه أحد (4).

وقال أبو حامد الغزالي: وَجَدْتُ في أسماء الله تعالى كتابًا ألَّفه محمد بن حَزْم يدلُّ على عِظم حِفْظه وسَيَلان ذِهنه.

وقال اليَسَع بن حَزْم الغَافِقي (5): أما محفوظُ أبي محمدٍ فبحرٌ

(1) في الأصل: البديه، وهو خطأ.

(2)

"جذوة المقتبس": 290 - 291.

(3)

في "طبقات الأمم": 76 "أبو عمرو"، وهو وهم.

(4)

المصدر السابق.

(5)

اليسع بن عيسى بن حزم، الغافقي، الجياني، أبو يحيى، مؤرخ، من العلماء بالقراءات، سكن بلنسية، ثم مالقة، ورحل إلى مصر؛ فاستوطن الإسكندرية، ثم القاهرة، وجمع للسلطان صلاح الدين كتابًا سماه "المغرب في محاسن المغرب"، توفي بمصر سنة 575 هـ. انظر ترجمته في "الأعلام" للزركلي: 8/ 191، و"غاية النهاية": 2/ 385 - 386.

ص: 344

عَجَّاج، وماء ثَجَّاج، يخرج من بحره مَرْجَان الحِكَم، وينبت بثجَّاجه ألفاف النِّعَم في رِيَاض الهِمم، لقد حفظ من علوم المسلمين، وأربى على أهل كلِّ دين، وألَّف "المِلل والنِّحَل"، كان أولًا يَلْبَس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلَّا بالسَّرير، مَدَح المعتمد فأجاد، وقَصَد بَلنْسِية، وبها المُظَفَّر أحد الأطْواد، حدَّثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِية وهو يدرِّس المذهب إذا بأبي محمد بن حَزْم يسمعنا، ويتعجب، ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفِقْه جُووب عليه، فاعترض فيه، فقال بعض الحُضَّار: هذا العِلْم ليس من منتحلاتك. فقام وقعد، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابِلٌ فما كَفَّ، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة، قال فيها: أنا أتبع الحقَّ وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب.

وقال الشَّيخ عِزّ الدِّين بن عبد السَّلام: ما رأيت في كُتُب الإسلام مثل "المُحَلَّى" لابن حَزْم، و"المغني" للشَّيخ الموفَّق (1).

وقال أبو الخَطَّاب بن دحية: كان ابنُ حَزْم قد بَرِصَ من أكل اللُّبَان (2)، وأصابه زَمَانة، وعاش اثنتين وسبعين سنة إلّا شهرًا.

وقال أبو محمد عبد الله بنُ محمد بن العَرَبي: أخبرني ابنُ حزم أن سبب تعلُّمِه الفِقْه أنَّه شَهِدَ جِنَازةً، فَدَخل المسجد، فَجَلَس ولم يركع، فقال له رجلٌ: قُمْ فصَلِّ تحيَّة المسجد، وكان ابن ستٍّ وعشرين سنة.

(1) ستأتي ترجمة الموفق برقم (1091) من هذا الكتاب.

(2)

هو نبات من الفصيلة البخورية يفرز صمغًا، ويسمى الكندر، انظر فوائده في "المعتمد في الأدوية المفردة": 434 - 435.

ص: 345

قال: فقُمْتُ وركعت، فلما رجعنا من الجِنَازة جئتُ المسجد، فبادرت بالتحيَّة، فقيل لي: اجلسْ اجلسْ، ليس هذا وقت صلاةٍ -يعني بعد العَصْر- فانصرفت حزينًا، وقلت للأُستاذ الذي رَبَّاني: دُلَّني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دَحُّون، فقصَدْتُه، وأعلمته بما جرى عليَّ، فدلَّني على "المُوَطَّأ"، فبدأتُ به عليه قِراءةً، ثم تتابعتْ قراءتي عليه وعلى غَيرِه ثلاثةَ أعوام، وبدأتُ بالمناظرة (1).

ثم قال ابنُ العَرَبي: صحِبْتُ ابنَ حَزْم سَبْعَةَ أعوام، وسمِعْتُ منه جميع مُصَنَّفَاته سوى المجلَّد الأخير من كتاب "الفِصَل"، وقرأْنا عليه من كتاب "الإيصال" سَبْعَ مجلّدات (2) في سنة ستٍّ وخمسين، وهو أربعة وعشرون مجلَّدًا (3).

وقال أبو مروان بن حَيَّان: كان ابنُ حَزْم حاملَ فنونٍ مِنْ حديثٍ وفِقْه وجَذل ونَسَب وما يتعلَّق بأذيال الأدب، مع المُشَاركة في أنواع التَّعاليم القديمة من المَنْطق والفَلْسَفة، وله كتُبٌ كثيرة لم يَخْلُ فيها من غَلَطٍ لِجُرْأَته في التَّسَوُّر على الفُنون لا سيما المنطق، فإنهم زَعموا أَنَّه زَلّ هنالك، وَضَلّ في سلوك المَسَالك، وخالف أرسطو واضِعَه مخالفةَ مَنْ لم يفهم غَرضَه، ولا ارْتَاضَ، ومال أوَّلًا في النظر إلى الشَّافعي وناضلَ عنه حتى وُسِمَ به، فاسْتُهْدِفَ بذلك لكثير مِن الفقَهاء، وعِيب بالشُّذُوذ،

(1)"معجم الأدباء": 12/ 241 - 242.

(2)

في "معجم الأدباء": 12/ 242 "أربع مجلدات".

(3)

المصدر السابق.

ص: 346

ثم عَدَل إلى الظَّاهر، فنقَّحَه، وجادل عنه، ولم [يَكُ](1) يلطِّف صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا بتَدْريجٍ، بل يَصُكُّ به معارِضَه صَكَّ الجَنْدَل (2)، وَيُنْشِقُه إنْشَاقَ الخَرْدَل (3)، فتنفِرُ عنه القلوب، وتقع به النُّدوب، حتى استهدف إلى فُقَهاء وَقْته، فتمالؤوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذرُوا سلاطينَهُمْ من فِتْنَتِه، ونَهَوْا عوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، فطَفِقَ الملوك يُقْصُونه، ويسيِّرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به مُنْقَطَع أثره، وهي بلدة من بادية لَبْلَة (4)، وهو في ذلك غَيرُ مَرْتَدع ولا راجعٍ، يَبُثُّ عِلْمَه فيمن يَنْتَابُه من بِاديةِ بلده، من أَصَاغر الطَّلَبة الذين لا يَخْشَوْن فيه المَلامة، يُسْمِعهم ويفقِّهُهم ويُدَارسهم، [حتى](5) كَمُل من مُصَنَّفاته وقْرُ بعير لم يجاوز أكثرُها عَتَبَةَ باديته لزُهْد الفُقَهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشْبيلية، ومُزِّقت علانية، وأكبر معايبه -زعموا- عند المُنْصِف له جَهْلُه بسياسة العِلْم التي هي أعوص من إتقانه (6)، وتخلُّفه عن ذلك على قوّة

(1) ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر في التصوير، والمثت من "الذخيرة": مج 1 / ق 1/ 168.

(2)

الجندل: الحجارة، وقيل: هو الحجر كله. "اللسان"(جندل).

(3)

الخردل: نبات عشبي من فصيلة الصليبيات، ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق، تستعمل بزوره في الطب، ومنه بزور يتبل بها الطعام. "المعجم الوسيط": 1/ 224.

(4)

غربي قرطبة، بينها وبين قرطبة على طريق إشبيلية خمسة أيام. "معجم البلدان": 5/ 10.

(5)

ما بين حاصرتين ساقط في الأصل، والمثبت من "الذخيرة": مج 1 / ق 1/ 169.

(6)

في الأصل: إيعابه، وكذا في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1152، وفي "الذخيرة" أعرض من إيعابه، والمثبت من "معجم الأدباء": 12/ 249.

ص: 347

سَبْحِهِ في غِمارِه (1)، وعلى ذلك فلم يكن بالسَّليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد عِلْمه عنه عند لقائه إلى أن يُحَرك بالسُّؤال، فتَفَجَّر منه بحرُ عِلْم، لا تكدِّره الدِّلاء (2).

قال ابن حَيَّان: وكان مما يزيد في شنآنه تَشَيُّعُه لأُمراء بني أُمية ماضيهم وباقيهم، واعتقادُه لِصِحَّة إمامتهم حتى نُسِبَ إلى النَّصب (3).

وقد ذُكِرَ لابنِ حَزْم قَوْلُ مَنْ يقول: أجَلُّ المُصَنَّفات "المُؤطَّأ".

فقال: بل أَوْلى الكُتُب بالتعظيم "الصَّحيحان" و"صحيح" سعيد بن السكن، و"المنتقى" لابن الجارود، و"المنتقى" لقاسم بن أَصْبَغ [ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود، وكتاب النَّسَائي، و"مصنف" قاسم بن أَصبَغ](4) و"مصنَّف" الطَّحاوي، و"مُسْنَد" البزَّار، و"مسنَد" ابن أبي شَيبة، و"مسند" أحمد بن حَنْبل، و"مسند" ابن راهويه، و"مسند" الطَّيالِسي، و"مسند" الحسن بن سُفْيان، و"مسند" ابن سنجر، و"مسند" عبد الله بن محمد المُسْنَدي، و"مسند" يعقوب بن شيبة، و"مسند" عليّ بن المديني، و"مسند" ابن أبي غَرَزَة، وما جرَى مجرى هذه الكتب التي أُفْردتْ لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صِرْفًا، ثم بَعْدَها الكتب التي فيها كلامُهُ وكلامُ غيره مثل "مُصَنَّف" عبد الرَّزَّاق، و"مصنف" أبي بكر بن أبي شيبة، و"مصنف" بَقي بن مَخْلَد، وكتاب

(1) في "معجم الأدباء": 12/ 249: "على قوة شيخه عمارة"، وعي عبارة محرفة كما لا يخفى.

(2)

انظر "الذخيرة": مج 1 / ق 1/ 167 - 169، و"معجم الأدباء": 12/ 247 - 249.

(3)

"الذخيرة": مج 1 / ق 1/ 169، وانظر تعليق المحقق الدكتور إحسان عباس.

(4)

ما بين حاصرين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر في التصوير، والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 3/ 1153.

ص: 348

محمد بن نَصْر المَرْوَزِي، وكتاب أبي بكر بن المنذر الأكبر والأصغر، ثم "مصنف" حَمَّاد بن سَلَمة، و"مصنَّف" سعيد بن منصور، و"مصنف" وكيع، و"مصنف" الفِرْيابي، و"مُوَطَّأ" مالك بن أنس، و"موطأ" ابن أبي ذئب، و"موطأ" ابن وَهْب، و"مسائل" أحمد بن حنبل، وفِقْه أبي عبيد، وفِقْه أبي ثَوْر.

قلت: أبو محمد بنُ حزم من بحور العُلُوم، له اختيارات كثيرة حَسَنة، وافق فيها غيرَه من الأئمة، وله اختياراتٌ انفرد بها في الأصول والفروع، وجميع ما انفرد به خَطَأ، وهو كثير الوَهْم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرُّواة، وقد تكلم فيه القاضي أبو بكر بنُ العربي، وأبو بكر بن مفوّز وغيرهما، وبالغ بعضُهم في الحَطِّ عليه، وقد جرى بينه وبين أبي الوليد البَاجي مناظرة، ووقع بينهما منافرة.

قال أبو بكر بن العربي، في كتاب "القواصم والعواصم" (1) وقد ذكر الظَّاهرية: هي أُمَّةٌ سخيفة، تَسَوَّرت على مرتبة ليست لها، وتكلَّمتْ بكلامٍ لم تفهمه، تَلَقَّفُوه من إخوانهم الخوارج حيث تقول: لاحُكْم إلّا لله، وكان أوَّل بِدْعة لقِيت في رِحْلتي القَوْل بالباطن، فلما عُدْت وَجَدْت القَوْلَ بالظَّاهر قد مَلأَ بِهِ المَغْربَ سخيفٌ كان من بادية إشبيلية يُعْرف بابن حَزْم، نَشَأَ وتَعَلَّقَ بمذهب الشَّافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خَلَع الكلَّ، واستقلَّ بنفسه، وزَعَم أنَّه إمام الأمة، يَضَع ويرفع، ويحكم

(1) نشر العلامة محب الدين الخطيب جزءًا صغيرًا منه، وهو مبحث الصحابة سنة 1954 م، ثم نشر كاملًا بتحقيق الأستاذ عمار طالبي في الجزائر سنة 1974 م، وستأتي ترجمة ابن العربي برقم (1059) من هذا الكتاب.

ص: 349

ويشرع، يَنْسُبُ إلى دينِ الله ما ليس فيه، ويقول عن العُلَماء ما لم يقولوا، تنفيرًا للقلوب عنهم، وخَرَجَ عن طريق المُشَبِّهة في ذات الله وصفاته، فجاء فيه بطوامّ، واتفق كوْنه بين (1) قوم لا بَصَر لهم إلّا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدَّليل كاعوا (2)، فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعَضَدَتْه الرِّياسة بما كان عنده من أَدَبٍ، وبشبَهٍ (3) كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه ويحمونه بما كان يلقي إليهم من شُبَه البِدَع والشِّرْك (4).

ثم أطال ابن العربي في الحَطِّ على ابن حَزْم والظَّاهرية بما فيه نظر، وقد نوقش عليه، والله يحب الإِنصاف (5).

قلت: وقد طالعت أكثر كتاب "الملل والنِّحَل"(6) لابن حَزْم فرأَيتُه قد ذكر فيه عجائبَ كثيرة ونقولًا غريبة، وهو يدُلُّ على قوةِ ذكاءِ مؤلِّفِه وكثرةِ اطّلاعه، لكنْ تبيَّنَ لي منه أنه جَهْميٌّ جَلْد، لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلّا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدلُّ على معنى أصلًا كالرَّحيم والعليم والقدير ونحوها، بل العِلْمُ عنده

(1) في الأصل: من، وهو وهم. والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 3/ 1149.

(2)

أي جبنوا. "اللسان"(كيع).

(3)

في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1149 "ونسبة"، وهو وهم.

(4)

انظر "العواصم من القواصم" 2/ 336 - 337 بتحقيق الأستاذ عمار طالبي.

(5)

قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء": 18/ 190: "لم ينصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم في بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما".

(6)

هو كتابه "الفِصَل". انظر حاشيتنا رقم (1) ص (343) من هذا الجزء.

ص: 350

هو القُدْرة، والقدرة هي العِلْم، وهما عَينُ الذَّات، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجرَّدة (1) أصلًا، وهذا عين السَّفْسَطة والمكابرة، وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق والفَلْسَفة، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المَذْحجي، وأمعن في ذلك فتقرَّر في ذِهْنه بهذا السَّبب معاني باطلة، ثم نظر في الكِتاب والسُّنَّة فوجد ما فيهما من المعاني المخالفة لما تقرَّر في ذِهنه فصار في الحقيقة حائرًا في تلك المعاني الموجودة في الكتاب والسُّنَّة، فروغ في رَدِّها روغان الثَّعْلب، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي، ومرة يحمل ويقول: هذا اللّفْظ لا معنى له أصلًا، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق، كردّه الحديث المتَّفَق على صحته في إطلاق لفظ الصِّفات، وقول الذي كان يلزم قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لأنها صفة الرّحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها، ومَرَّة يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله عز وجل، وفي كلامه على اليهود والنَّصَارى ومذاهبهم وتناقضهم فوائدُ كثيرة، وتخليط كثير، وهجومٌ عظيم، فإنه رد كثيرًا من باطلهم بباطلٍ مثله، كما رَدَّ على النَّصارى في التثليث بما يتضمن نفي الصِّفَات، وكثيرًا ما يَلْعَنُ ويكفر ويَشْتِمُ جماعة ممن نقل كتبهم كمتَّى ولوقا ويوحنَّا وغيرهم، ويَقْذَع في القَدْح فيهم إقذاعًا بليغًا، وهو في الجُمْلة لَوْن غريبٌ وشيء عجيب، وقد تكلَّم على نقل القرآن والمعجزات وهيئة العالم بكلامٍ أكثره مليح حَسَن.

ومما عِيب على ابنِ حَزْم فجاجة عبارته، وكلامه في الكبار.

(1) في الأصل: المجودة، وهو تحريف.

ص: 351