الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعالم المالكية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن العجوز الكُتَامي السَّبْتي. ومحدِّث نَيسَابور المفيد أبو بكر محمد بن أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد المُزَكِّي النَّيسَابوري، وكان يروي عن خمسين من أصحاب الأَصَمّ.
1005 - شَيخُ الإسْلام *
الإمام، الحافظ، الزَّاهد، أبو إسماعيل، عبد الله بنُ محمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن متّ، الأَنْصَاري، الهَرَوي، من ذرِّيَّة أبي أيوب الأنْصاري، رضي الله عنه.
وله سنةَ ست وتسعين وثلاث مئة (1).
وسمع أبا منصور محمد بن محمد الأزْدي، والحافظ أبا الفَضْل محمد بن أحمد الجَارُودي، وأحمد بن علي بن مَنْجويه الأصْبَهاني الحافظ، وأبا سعيد محمد بن موسى الصَّيرَفي [وأبا منصور أحمد بن أبي العلاء، ويحيى بن عمَّار السِّجِسْتَاني، ومحمد بن جبريل
* دمية القصر: 2/ 888، طبقات الحنابلة: 2/ 247 - 248، المنتظم: 9/ 44 - 45، سير أعلام النبلاء: 18/ 503 - 518، تذكرة الحفاظ: 3/ 1183 - 1190، العبر: 3/ 297 - 298، دول الإِسلام: 2/ 10، البداية والنهاية: 12/ 135، ذيل طبقات الحنابلة: 1/ 50 - 68، النجوم الزاهرة: 5/ 127، طبقات الحفاظ: 441 - 442، طبقات المفسرين للسيوطي: 15 - 16، طبقات المفسرين للداودي: 1/ 249 - 240، تاريخ الخميس: 2/ 360، كشف الظنون: 1/ 56 ، 420، 828، و 2/ 1828، 1836، شذرات الذهب: 3/ 365 - 366، إيضاح المكنون: 1/ 310 و 2/ 118، هدية العارفين: 1/ 452 - 453، الرسالة المستطرفة: 45، وذكره السبكي في "طبقاته": 4/ 272 - 273 في ترجمة أبي عثمان الصابوني.
(1)
في "المنتظم": 9/ 45 "ولد في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة".
المَاحي] (1) وعليَّ بن محمد بن محمد الطِّرَازِي، وأحمد بن محمد السَّلِيطي، والقاضي أبا بكر الحِيري، ولم يحدِّث عنه، وأكثر عن أبي يعقوب القَرَّاب وطبقته. وسمع "جامع" التِّرْمِذِي من عبد الجبار بن محمد الجَرَّاحي.
حدث عنه: المُؤْتَمن الساجي، وابن طاهر المَقْدسي، وعبد الله بن أحمد بن السَّمَرْقَنْدي، وعبد الصَّبور بن عبد السَّلام الهَرَوي، وعبد الملك الكَرُوخي، وحَنْبَل بن علي البُخَاري، وأبوالفتح محمد بن إسماعيل الفَامي، وأبو الوقت عبد الأوَّل بن عيسى السِّجْزي، وغيرهم، وآخر مَنْ روى عنه بالإِجازة أبو الفتح نَصْر بن سَيَّار.
وله مُصَنَّفَات عِدَّة منها: كتاب "الفاروق في الصِّفات" وكتاب "ذَمّ الكلام وأهله"(2)، وكتاب "منازل السَّائرين"(3) و"مناقب الإمام أحمد بن حنبل".
وكان سَيفًا مسلولًا على المخالفين، وجِذْعًا في أعين المتكلِّمين، ومناقبُه كثيرة، وقد امْتحِن غَيرَ مَرَّة.
(1) ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل، ولم يظهر في التصوير، والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 3/ 1184.
(2)
في المكتبة الظاهرية بدمشق نسحة كاملة في سبعة أجزاء بعضها قديم كتب في حياة المؤلف من سماع المؤتمن الساجي، وبعضها كتب في القرن السابع، ينقص منها الورقة الأولى. حديث 337 (ق 1 - 149).
(3)
طبع الكتاب مستقلًا بالقاهرة بالمطبعة الميمنية سنة 1328 هـ، ثم طبع مع شرحه "مدارج السالكين" للعلامة ابن القيم بتحقيق محمد حامد الفقي سنة (1956 م)، وكان قد طبع في مطبعة المنار سنة (1334 هـ).
قال ابنُ طاهر: سمِعْتُه يقول بهَرَاة: عُرِضتُ على السَّيف خمس مَرَّات، لا يقال لي: ارجعْ عن مَذْهبك، لكنْ يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت.
وسمِعْتُه يقول: أحْفَظَ اثني عشر ألفَ حديثٍ أسرُدها سَرْدًا.
قال أبو النَّضْر الفامي: كان أبو إسماعيل بِكْر الزّمان، وواسِطَة عِقْد المعاني، وصورةَ الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نُصْرة الدين والسُّنَّة من غير مُدَاهنة ولا مراقبة لسُلْطان، ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصدَ الحُسَّاد في كل وقت، وسَعَوْا في رُوحه مرارًا، وعَمَدُوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شَرَّهم، وجعل قَصْدهم أقوى سببٍ لارتفاع شأنه.
وقال أبو الوقت عبد الأوَّل: دَخلْتُ نَيسَابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجُويني، فقال: مَنْ أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأَنْصَاري، فقال: رضي الله عنه.
وقال ابنُ السّمْعَاني: سألْتُ إسماعيل الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال شيخنا العلَّامة أبو العَبَّاس (1): هو إمام في الحديث والتّصوف والتَّفسير، وهو في الفِقْه على مَذْهب أهل الحديث، يُعَظِّم الشافعي وأحمد ويَقْرُن بينهما، وفي أجوبته في الفِقْه ما يوافق قَوْلَ الشَّافعي تارة، وقول أحمد أخرى، والغالب عليه اتِّباع الحديث على طريقة ابنِ المُبَارك ونحوه.
(1) هو العلامة ابن تيمية، وستأتي ترجمته برقم (1156) من هذا الكتاب.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حَظٍّ تامٍّ من معرفة العربية والحديث والتَّواريخ والأنْساب، إمامًا كاملًا في التَّفسير، حسنَ السِّيرة في التصوف، غيرَ مشتغلٍ بكسب، مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مَرّتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدَّنَانير وأعدادٍ من الثِّيَاب والحُلِيِّ، فيأخذها، ويفرِّقها على اللَّحَّام والخَبَّاز، وينفِق منها، ولا يأخذ من السَّلاطين ولا من أَرْكان الدَّوْلة شيئًا، وقَلَّما يُراعيهم (1)، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزًا مقبولًا قَبولًا أَتمّ من الملك، مُطاعَ الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمةٍ، وكان إذا حَضَر المجلس لَبِسَ الثِّياب الفَاخرة، وركب الدَّوابّ الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدِّين، ورَغْمًا لأعدائه، حتى ينظروا إلى عِزّتي وتجمُّلي فيرغبوا في الإسلام، ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المُرَقَّعَة (2) والقعود [مع الصُّوفية](3) في الخانقاه (4) يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهلُ هَرَاة التبكيرَ بالفجر، وتسميةَ أولادهم -في الأغلب- بعبدٍ المضاف إلى أسماء الله.
وقال أبو سَعْد السَّمْعَاني: كان مُظْهِرًا للسُّنَّة، داعيًا إليها، محرِّضًا عليها، وكان مُكْتفيًا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظَّلَمَةِ شيئًا، وما كان يتعدَّى إطلاق ما وَرَدَ في الظَّواهر من الكتاب والسُّنَّة،
(1) في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1190 "يرى عنهم"، وهو تصحيف.
(2)
من لباس الصوفية؛ لما فيها من الرقع. "المعجم الوسيط": 1/ 366.
(3)
ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل.
(4)
الخانقاه: كلمة فارسية معناها بيت، جعلت لتخلي الصوفية فيها لعبادة الله تعالى انظر "خطط المقريزي": 2/ 414.
معتقدًا ما صَحَّ، غيرَ مُصَرِّح بما يقتضيه تشبيه. وقال: مَنْ لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن فيّ فهو مني في حِلٍّ.
وقال السِّلَفي: سألت المؤتَمن عن أبي إسماعيل الأَنْصاري فقال: كان آيةً في لسان التذكير والتَّصوف، من سلاطين العُلَماء، سمع ببغداد من أبي محمد الخَلَّال وغيرِه، يروي في مجالسه أحاديثَ بالأسانيد، وينهى عن تعليقها عنه، وكان بارعًا في اللُّغة، حافظًا للحديث، قرأت عليه كتاب "ذم الكلام"، وقد روى فيه حديثًا عن علي بن بُشْرى عن أبي عبد الله بن مَنْدَه عن إبراهيم بن مرزوق، فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم، وإبراهيم هوشيخ الأَصَمّ وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ (1).
قال المُؤْتمن: وكان يَدْخُل على الأمراء والجبابرة فما يُبالي بهم، ويرى الغريب من المحدِّثين فيبالغ في إكرامه، قال لي مَرَّة: هذا الشَّأْن شأنُ مَنْ ليس له شأن سوى هذا الشأن -يعني طلب الحديث- وسمعته يقول: تركت الحِيريَّ لله (2). قال: وإنما تركَهُ؛ لأنه سمع منه شيئًا يخالف السُّنَّة (3).
(1) قال الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1186 "قلت: وهكذا سقط عليه رجلان من حديثين مخرجين من جامع الترمذي، نبهت عليهما في نسختي، وهو على الخطأ في غير نسخة".
(2)
مَرَّ في صدر الترجمة أنه سمع منه ولم يرو عنه، قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء": 18/ 506 "قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثريًّا قحًا، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس".
(3)
في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1186 "وإنما تركته لأنه سمعت منه"، والعبارة غير مستقيمة، فالقائل هو تلميذه المؤتمن الساجي، لا شيخ الإسلام.
وقال ابنُ طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: إذا ذكرتُ التَّفْسير، فإنما أذكره من مئة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على مِنْبره:
أنا حَنْبليٌّ ما حييتُ وإنْ أَمُت
…
فوصيَّتي للنَّاس أَنْ يتَحَنْبَلُوا
قال ابنُ طاهر: حكى لي أصحابنا أن السُّلْطان ألب أرْسْلان قَدِمَ هَرَاة ومعه وزيره نظامُ الملك، فاجتمع إليه أئمة الفَريقين: الحنفِيّة والشافعية للشَّكْوى من الأَنْصَاري، ومطالبته بالمُنَاظرة، فاستدعاه الوزير، فلمَّا حَضَر قال: إنّ هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحقُّ معك رجعوا إلى مَذْهبك، وإن يكن الحق معهم؛ إمَّا أن ترجع أو تسكت عنهم. فقام الأَنْصاري وقال: أُناظر على ما في كُمِّي. قال: وما في كُمِّك؟ قال: كتاب الله -وأشار إلى كمه اليمين- وسُنَّة رسول الله- وأشار إلى كُمِّه اليسار، وكان فيه "الصّحيحان"- فنظر الوزير إليهم؛ مُسْتفهمًا لهم، فلم يكن فيهم مَنْ ناظره من هذا الطّريق.
وسمعت أحمد بن أميرجه؛ خادم الأنصاري يقول: حَضَرْتُ مع الشَّيخ للسَّلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلَّفوه الخروجَ إليه، وذلك بعد المِحْنة ورجوعه من بلْخ (1). قال: فلما دخل عليه أكرَمَه وبجَّلَه، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتَّفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدَّبُّوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل؟ قال: سَلْ. قال: لِمَ تلعن أبا الحسن الأشْعَري؟ فسكتَ، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعةٍ قال له الوزير: أَجِبْه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن
(1) قال الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ": 3/ 1186 "قلت: كان قد غرب إلى بلخ".
من يعتقد أن الله في السَّمَاء، وأن القرْآن في المُصْحف، ومن اعتقد أن النبيَّ اليوم ليس بنبيٍّ. ثم قام فانصرف، فلم يمكِّن أحدًا أن يتكلَّم من هَيبته. فقال الوزير للسَّائل: هذا أردتم، أن نسمع ما كان يذكره بهَرَاة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصِلة وخِلَع، فلم يقبلْها، وسار من فَوْره إلى هَرَاة.
قال: وسمِعْتُ أصحابنا بهَرَاة يقولون: لما قَدِمَ السلْطَان ألب أرسلان هَرَاة في بعض قَدْماته اجتمع مشايخُ البلد ورؤساؤه، ودَخَلوا على أبي إسماعيل، وسَلَّموا عليه، وقالوا: ورَدَ السُّلْطان ونحن على عَزْم أن نخرج ونسلِّمَ عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسَّلام عليك. وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنمًا صغيرًا من نحاسٍ، وجعلوه في المِحراب تحت سَجَّادة الشيخ، وخرجوا. وقام الشيخ إلى خَلْوته، ودخلوا على السُّلْطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مُجَسِّمٌ، وأنه يترك في مِحْرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته، وإن بعث الآن السُّلطان يجده. فعَظُمَ ذلك على السُّلْطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة، فدخلوا الدَّار، وقصدوا المِحْراب، فأخذوا الصَّنم، ورجع الغلامُ بالصَّنم، فألقاه، فبعث السُّلْطان مَنْ أحضر الأَنْصَاري، فأتى فرأى الصَّنَم والعُلَماء، والسُّلْطان قد اشتدَّ غضبه، فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: صنم يُعمل من الصُّفْر (1) شبه اللُّعبة. قال: لست عن ذا أسأَلُك. قال: فَعَمَّ يسالني السُّلْطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبدُ هذا، وأنك تقول: إن الله على صُورته. فقال الأنْصَاري بصَوْلةٍ وصوتٍ جَهْوَريٍّ: سبحانك! هذا بُهْتان عظيم. فوقع في قلب السُّلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأُخرج إلى داره
(1) الصُّفْر: النحاس الجيد، وقل: ضرب من النحاس. "اللسان"(صفر).