الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنهم يحسون بنشاط كبير في غالب الدنيا، وفي مكاتبات ومؤلفات، كل ذلك بحمد الله يبشر بخير، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه رضاه، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، وأن يوفقهم لقبول الحق، وإيثاره على ما سواه، إنه خير مسؤول، كما نسأله أن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على إيثار الحق والدعوة إليه، وعلى تحكيم شريعة الله في عباد الله، فهي والله الطريق الوحيد، والطريق الأمثل لصلاح الأمة ونجاتها في الدنيا والآخرة، فتحكيم الشريعة في شؤون المسلمين، هو الطريق الذي تحصل به سعادتهم ونجاتهم، وحل مشكلاتهم والقضاء على ما بينهم من الفساد، ومنع المنكر وإقامة المعروف، وزجر المبطل عن باطله، فنسأل الله أن يوفق قادة المسلمين للالتزام بها وتحكيمها، والحذر مما يخالفها إنه خير مسؤول.
264 -
بيان وجوب بذل كل أحد ما استطاع لإنكار المنكر إذا ظهر
س: بعض الرسائل التي تصل إلى هذا البرنامج يعبر أصحابها بعبارات، تدل على التألم والاحتراق، بل وربما الحسرة في بعض الأحيان، لعل لسماحة الشيخ توجيهًا حول إحساس الداعية؟ (1)
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (90).
ج: وهذا مثل ما تقدم لأن مشاهدة صاحب الغيرة، وصاحب العلم لمنكرات كثيرة، وقلة المنكرين لها وفشوِّها في غالب المجتمعات لا شك أنه يؤلم المؤمن، ولا شك أنه يجد منه عصرة في قلبه، وحسرة في قلبه؛ لكونه يعجز عن إنكار هذا المنكر، والقضاء عليه، فيتألم لذلك، حتى بلغنا عن بعض السلف أنه إذا رأى المنكر يبول دمًا، من شدة ما يقع في قلبه من التألم، فالحاصل أن أصحاب الغيرة وأصحاب العلم والفضل، يتألمون كثيرًا مما يشاهدونه من المنكرات، وهم عاجزون عن إنكارها والقضاء عليها، ويفرحون إذا وجد من ينكرها ويستطيع الدعوة إلى تركها، هذا لا شك أن يبشر بخير، ولكن نبشرهم أنهم على خير، وأنه ينبغي لهم ألَاّ ييأسوا وألَاّ يقنطوا، وأن يستمروا في إنكار المنكر حسب طاقتهم، وأنه لا يكفي مجرد التألم، بل لا بد مع التألم من إنكار المنكر، بالطرق التي شرعها الله باليد عند القدرة ثم اللسان عند القدرة، ثم القلب لكراهة المنكر، وعدم المجالسة لأهله، هكذا يكون المؤمن أينما كان، ولا ييأس أبدًا، فالله سبحانه يقول:{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، فالواجب
على المؤمن والمؤمنة وطالب العلم وطالبة العلم، أن يبذل كل منهم ما استطاع في هذا السبيل، وألَاّ ييأس بل يكون أينما كان آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر داعيًا إلى الله عز وجل، مرشدًا لعباد الله مما أعطاه الله، مما علمه الله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، ولو هدى الله على يده واحدًا كان خيرًا عظيمًا، ولو هدى الله على يدها امرأة واحدة كان خيرًا عظيمًا، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين، رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر، ليدعو اليهود سكان خيبر، ذلك الوقت إلى الإسلام، قال له صلى الله عليه وسلم:«فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خير لك من حمر النعم» (1) يبين له أنه ليس المقصود قتالهم، وليس المقصود أخذ أموالهم، وليس المقصود سبي ذرياتهم ونسائهم، لا، المقصود دعوتهم إلى الله، المقصود إخراجهم من الظلمات إلى النور، المقصود هدايتهم حتى يدخلوا في الإسلام، وحتى يسلموا من النار، ولهذا يقول سبحانه:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ، ما أنزل ليحرقهم أو ليقتلهم، أنزل
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام، برقم (2942)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم (2406).
ليخرجهم ويدلهم على الخير، هذا هو المطلوب من الدعوة، وهو المطلوب من الرسل، لكن عند المعاندة وعند عدم الإجابة من المدعوين، ينتقل حينئذ المسلمون معهم إلى الأمر الآخر، إلى القتال حتى يردوهم إلى الحق بالقوة، وحتى يخلصوا ذرياتهم ونساءهم من هذا الإثم، حتى يدخلوهم في الإسلام، وحتى يستعينوا بأموالهم وما أعطاهم الله على دين الله، وإقامته وعلى دعوة الآخرين إلى الله عز وجل، فالقتال ليس المقصود بالقصد الأول، إنما هو المقصود بالقصد الثاني، فإذا تيسر دعاؤهم إلى الخير، وهدايتهم وإقبالهم على الحق وقبولهم له هذا هو المطلوب، فإذا عاندوا وكابروا، شرع قتالهم حينئذٍ، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب، ومن المجوس كما جاءت به السنة، ودلَّ عليه الكتاب العظيم، فالمقصود من هذا كله أن الدعوة إلى الله هي الأساس الأول، وأن الصبر عليها من أهم المهمات، وأن الشخص الواحد إذا هداه الله على يد إنسان، خير له من الدنيا وما عليها، وأن له مثل أجره، كما قال صلى الله عليه وسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله» (1) هذه غنيمة عظيمة، تجعل الداعي
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، برقم (1893).