الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس لتعليمهم مبادئ الإسلام
وكما أقبلت الوفود تسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامها: فقد أخذ هو أيضا يبعث رسله يتفرقون في شتى الجهات، وخاصة في جنوب الجزيرة، لتعليم الناس مبادئ الإسلام وأحكامه.
فقد انتشر أمر الإسلام في الجزيرة ومختلف أطرافها، وأصبحت الحاجة داعية إلى معلمين ودعاة ومرشدين يشرحون للناس حقائق الإسلام حتى يستقر في قلوبهم بعد أن انتشر في ربوعهم.
فأرسل صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى نجران ليدعو من هناك إلى الإسلام ويعلمهم مبادئه وأحكامه، كما أرسل عليا رضي الله عنه إلى اليمن «129» .
وأرسل صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن أيضا بثّ كلّا منهما إلى طرف من أطرافها، ووصّاهما قائلا:«يسرا ولا تعسّرا، وبشرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» «130»
وقال لمعاذ:
وفي مسند الإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم خرج مع معاذ إلى ظاهر المدينة يوصيه ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته. ثم قال:«يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا! ولعلك أن تمرّ بمسجدي هذا وقبري» فبكى معاذ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم «132» .
ولبث معاذ في اليمن إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الأمر كما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
العبر والعظات:
أهم ما ينبغي على المسلم أن يفهمه من أمر هؤلاء الرسل وأمثالهم الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(129) طبقات ابن سعد، وسيرة ابن هشام، وفي البخاري: أرسل خالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب إلى اليمن، وانظر صحيح البخاري: 5/ 110
(130)
متفق عليه.
(131)
متفق عليه.
(132)
مسند الإمام أحمد: 21/ 214
لأمر الدعوة إلى الإسلام وتعليم مبادئه وأحكامه أن مسؤولية الإسلام في أعناق المسلمين في كل عصر وزمن ليست من السهولة واليسر كما يتصور معظمهم اليوم.
فلا يكفي أن ندّعي الإسلام بألسنتنا المجردة، كما لا يكفي أن يكون نصيبه من حياتنا بعض أعمال يسيرة، كانت في أصلها جليلة، ثم تحولت في حياتنا إلى عادات وتقاليد، بل ولا يكفي أن يتمسك الواحد منا بالإسلام لنفسه فقط، ثم يغلق بابه دونه لا يسأل عن شيء.
لا ترتفع مسؤولية الإسلام عن أعناق المسلمين حتى يضيفوا إلى هذا، القيام بواجب الدعوة إليه والتبشير به، والسفر في سبيل ذلك إلى شتى الجهات والقرى والبلدان.
تلك هي الأمانة التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقنا، وذلك هو الواجب الذي لا محيص عنه في كل عصر ومكان. وقد أجمع العلماء والأئمة الأربعة أن القيام بحق هذه الدعوة في داخل البلدة التي يقيم بها المسلمون وخارجها، فرض كفاية على كل المسلمين، ولا يتحللون من مسؤوليته وجريرة التقصير فيه إلا بقيام جمهرة منهم تنتشر فيما تستطيع أن تنتشر فيه من الجهات والبلدان داعية إلى الله تعرض حجج الإيمان وبراهين الإسلام وتزيل ما قد يعترض أذهان الناس إلى ذلك من الشبه والوساوس المختلفة، بحيث تقع أعمال هذه الجمهرة موقعا من الكفاية في القيام بهذا الواجب. وما لم تتوفر هذه الفئة في كل بلدة من بلاد الإسلام فجميع أهل تلك البلدان آثمون.
والصحيح الذي ذهب إليه جمهور الأئمة والفقهاء، أن هذا الواجب الخطير لا يتعلق بأعناق الذكور من المسلمين فقط، بل هو عام يشمل الرجال والنساء والأحرار والعبيد، ما داموا داخلين في ربقة التكليف قادرين على القيام بأعباء الدعوة والتوجيه، كل حسب حدود إمكاناته ووسائل استطاعته 13» .
*** ثم إن التوصية التي زود بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى الأشعري، تدل على بعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله تعالى أثناء ما يقوم به من توجيه وتعليم.
فمن ذلك أن يغلّب جانب التيسير على التشديد والتضييق، وأن يعتمد على التبشير أكثر من الإنذار أو التهديد، وهو ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنفير.
وقد أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثال تطبيقي، فأمر معاذا أن يدعو الناس أولا إلى الإقرار بالشهادتين، فإن هم استجابوا لذلك، فليدعهم إلى إقام الصلاة، فإن هم استجابوا لذلك، فليدعهم إلى دفع الزكاة.. وهكذا.
(133) انظر مغني المحتاج: 4/ 211، والأحكام السلطانية للماوردي.