الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاوز الحزام الطبيين وبلغ السيل الزبى. والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها، خير من توبة خوفا عليها.. وإنك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرّ لنا بالخطيئة.
ثم أخبره مروان أن بالباب جمعا من الناس، ففوضه عثمان أن يخرج إليهم فيكلّمهم كما يشاء، فخرج مروان وقال كلاما سيئا أفسد به ما أصلحه عثمان بحديثه إلى الناس، فقد قال لهم فيما قال:
ولما علم عليّ بالخبر، جاء مغضبا حتى دخل على عثمان فقال له: «أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بتحويلك عن دينك وعقلك؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه.
وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد هذا لمعاتبتك» .
فلما خرج عليّ دخلت نائلة على عثمان، وكانت تسمع كلام عليّ له، فقالت له: أتكلم أم أسكت؟ فقال تكلمي. قالت: سمعت قول عليّ أنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان حيث شاء. قال: فأشيري عليّ. قالت: تتقي الله وحده لا شريك له، وتتبع سنّة صاحبيك من قبلك. فإنك متى أطعت مروان قتلك. ومروان ليس له عند الله قدر ولا رهبة ولا محبة.
فأرسل إلى عليّ فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى.
فأرسل عثمان إلى عليّ، فأبى أن يأتيه. وقال: لقد أعلمته أني لست بعائد.
كان هذا الموقف بداية العقدة التي أشعلت نيران الفتنة، ويسرت للمختبئين والمتربصين، سبيلا وأي سبيل لإذكاء وقودها، والوصول بها إلى أسوأ المآرب المطلوبة.
أول الفتنة، ومقتل عثمان:
تولى عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة، لا ينقم الناس عليه شيئا، بل كان أحب إلى كثير من القرشيين، من عمر بن الخطاب، لأن عمر كان شديدا عليهم، أما عثمان فلان لهم وواصلهم..
ولكنهم تغيروا له لما أخذ يستعمل أقاربه وأهل بيته- كما سبق أن أوضحنا-. وكان يتأول عثمان في ذلك صلة الرحم التي أمر الله بها، وقد انتهى هذا الأمر بمقتل عثمان رضي الله عنه.
وقد أخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قلت لسعيد بن المسيب، هل أنت مخبري كيف قتل عثمان؟ وما كان شأن الناس وشأنه؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوما، ومن قتله كان ظالما، ومن خذله كان معذورا. ثم إن ابن المسيب قصّ على الزهري أسباب مقتله وكيفية ذلك، ونحن نذكره هنا مختصرا:
جاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فكتب عثمان إليه كتابا ينصحه ويتهدده فيه.
فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وأغلظ في معاملة من ذهبوا فشكوه..
ثم إن كبار الصحابة، كعليّ وطلحة وعائشة، اقترحوا على عثمان عزل ابن أبي سرح وأن يولّي على مصر غيره. فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه مكانه. فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عثمان عهدا بذلك وولّاه، وتوجّه معه عدد من الأنصار والمهاجرين إلى مصر لتنفيذ الأمر وفيهم محمد بن أبي بكر. فلما كانوا على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير يخبطه ويستعجله. فاستوقفه أصحاب رسول الله وقالوا له: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب؟ فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين وجّهني إلى عامل مصر، ولما قيل له: غلام من أنت؟ تلعثم وأخذ يقول مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، ويقول أخرى: أنا غلام مروان.. ثم استخرجوا من أمتعته كتابا، فجمع محمد بن أبي بكر من كان عنده من الأنصار والمهاجرين وغيرهم، ثم فضّ الكتاب بمحضرهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد وفلان وفلان.. فاحتل في قتلهم وأبطل كتابه، وقرّ على عملك حتى يأتيك رأيي واحبس من يجيء إليّ يتظلم منك.
فرجع هؤلاء الصحابة بالكتاب إلى المدينة، وجمعوا طائفة من أبرز رجال الصحابة وأطلعوهم على الكتاب وقصة الغلام، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان.. فلما رأى علي رضي الله عنه ذلك دعا بعضا من كبار البدريين منهم طلحة والزبير، وسعد وعمار، ودخل بهم على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير. فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم. قال:
والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لي به. قال له علي: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: كيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عليه خاتمك لا تعلم به؟ فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط.
ثم نظروا في الخط، فعلموا أنه خط مروان، فسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى. وكان مروان عنده في الدار. فخرج الجمع من عنده غضابا، وعلموا أن عثمان لا يحلف كاذبا، إلا أنهم غضبوا من عدم تسليم عثمان مروان لهم.
وانتشر الخبر في المدينة، وأقبل الناس فحاصروا عثمان ومنعوه الماء، ولما اشتدّ به وبأهله الظمأ أشرف عليهم قائلا: ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ الخبر عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه إلا بجهد.
وبلغ عليا أن في الناس من يريد قتل عثمان، فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما قتل عثمان، فلا. وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحدا يصل إليه، وفعل مثل ذلك عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتزاحم الغوغاء على باب عثمان يريدون الوصول إليه لقتله، فيصدهم عن ذلك السبطان ومن معهما من بعض الصحابة.