الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة عليّ رضي الله عنه
بويع لعلي رضي الله عنه بالخلافة في أواسط شهر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين، غداة مقتل عثمان رضي الله عنه كما ذكرنا.
وقد تخلف جمع من الصحابة عن مبايعته؛ منهم سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وحسان بن ثابت.. وقد كانت أيام خلافته كلها سلسلة من الفتن والحروب والاضطرابات، ابتدأت بوقعة الجمل، تلتها وقعة صفين، والخصومات التي قامت بين جمهور المسلمين ومعاوية، تلتها فتنة الخوارج التي لم تنته إلّا بجريمتهم النكراء، بمقتل عليّ رضي الله عنه. ونحن نذكر ذلك كله ملخصا:
الثأر لعثمان ووقعة الجمل:
مما لا شك فيه أن قتل عثمان كان بأيدي طائفة من البغاة، ومن ورائهم يد يهودية ماكرة.
ولقد كان طبيعيا أن يتحمل القتلة جريرة عدوانهم، وأن يخضعوا لسلطان القصاص الشرعي، ومن ثم فقد كان توجه جميع المسلمين وفي مقدمتهم عليّ رضي الله عنه، إلى العمل على القصاص من قتلة عثمان. غير أن عليا رضي الله عنه استمهل المستعجلين، ريثما تستقر له الأمور أو ينجز ما قد يراه ضروريا من المقدمات التي تضمن سلامة التنفيذ وإبعاد أسباب الفتنة. وقد أجمع المؤرخون أن عليا كان يكره أولئك البغاة الذين قتلوا عثمان، وكان يتربص بهم الدوائر ويودّ لو تمكن منهم في أسرع وقت ليأخذ حق الله منهم، غير أن الأمر لم يجر على النحو الذي كان يتمناه «1» .
وخلاصة ما وقع، أن كلّا من طلحة والزبير ومعهما ثلّة من الصحابة، كان من رأيهم أن الإسراع في ملاحقة القتلة والاقتصاص منهم هو الأضمن لسلامة الأمر ودرء الفتنة، وعرضوا على عليّ خدماتهم في ذلك، وأن يستقدموا له الجنود من البصرة والكوفة ليكونوا سندا له. ولكنه استمهلهم ريثما يرتب خطته المفضلة لتنفيذ الأمر «2» .
والذي تم بعد ذلك، هو أن كلا من الطرفين سلك اجتهاده في اتباع السبيل الأمثل إلى الأخذ بدم عثمان. فكان أن تلاقى أولئك الذين رأوا الإسراع في الاقتصاص، في البصرة، وفيهم
(1) البداية والنهاية 7/ 234 وما بعد.
(2)
البداية والنهاية 7/ 235 وفتح الباري لابن حجر: 13/ 46
عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير وجمع كبير من الصحابة. ولم يكن عمل هؤلاء ولا قصدهم سوى تذكير لأهل البصرة بضرورة التعاون لمحاصرة قتلة عثمان والثأر منهم.
وعندئذ توجه جيش من قبل عليّ رضي الله عنه إلى هناك لإصلاح الأمر وجمع الكلمة.
فتواجه الكلّ على ذلك الصعيد، وليس في عزم أيّ منهم أن يبدأ قتالا أو يفجر فتنة.
توجه القعقاع بن عمرو، رسولا من قبل علي رضي الله عنه إلى عائشة قائلا: أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: الإصلاح بين الناس. ثم توجه إلى كل من طلحة والزبير فسألهما السؤال ذاته فقالا: ونحن كذلك ما جئنا إلا للإصلاح بين الناس.. وتكلم الجميع وتبادلوا الرأي واتفقوا على أن يترك الأمر بين يدي علي رضي الله عنه، على أن لا يدّخر وسعا في إقامة حدّ الله على قتلة عثمان فور تمكنه من ذلك. ورجع القعقاع إلى علي وأخبره بما تمّ الاتفاق عليه، وأشرف القوم على الصلح، وخطب علي في الناس حامدا الله على نعمة الصلح والوفاق، وأعلن أنه مرتحل من الغد.. «3» .
ولكن فما الذي تمّ بعد ذلك؟
ما إن أعلن عليّ رضي الله عنه الصلح والوفاق وأبلغ الناس أنه مرتحل من الغد، حتى اجتمع رجال من رؤوس الفتنة فيهم الأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وسالم بن ثعلبة وغلام بن الهيثم.. ولم يكن فيهم بحمد الله واحد من الصحابة، كما قال ابن كثير، فتذاكروا في خطورة أمر التصالح عليهم وأن اتفاق الصحابة يعني إحداق الخطر بهم..
وقال منهم قائل: فلنلحق إذن عليا بعثمان! ..
ولكن عبد الله بن سبأ سخّف هذا الرأي وحذّر منه، ثم قال لهم: إن نجاتكم في مخالطة الناس، فإذا التقى الناس فأنشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون! وسيمتنع من حولكم بالقتال، دفاعا عن نفسه.. وتفرق رؤوس الفتنة بعد أن اتفقوا على هذا الرأي.
وتوجه عليّ في اليوم الثاني مرتحلا، وتوجه على أثره كل من طلحة والزبير، وقد تأكد الصلح والاتفاق، وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشرّ ليلة.
أما عبد الله بن سبأ وصحبه فقد اتفقوا على أن يثيروا الحرب من الغلس ويستدرجوا الناس إليها مهما كلف الأمر.
ونهض هؤلاء المتآمرون قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فباغتوهم وهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وهبّ الناس من رقادهم إلى السلاح، وقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا وبيتونا وغدروا بنا، ظانين أنها
(3) البداية والنهاية: 7/ 239