الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونزلت سورة المنافقين تصديقا لقول زيد بن أرقم عن عبد الله بن سلول، وفيها يقول الله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «60» [المنافقون 63/ 8] .
وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا إلى المدينة- فقال:
«إنه بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه. فإن كنت لابدّ فاعلا، فمرني فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.
وجعل بعد ذلك إذا حدث عبد الله بن أبي بالحديث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويعنفونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. فقال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري» .
خبر الإفك
وفي منصرف المسلمين من هذه الغزوة كان حديث عائشة وقول أهل الإفك فيها. ونحن نسوق لك خلاصة ما جاء في الصحيحين من ذلك.
فقد روت رضي الله عنها أنها خرجت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة..
قالت: «فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، آذن ليلة بالرحيل. فقمت إلى بعض شأني، فلما رجعت إلى الرحل، لمست صدري فإذا عقدي قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه، قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحّلوني فاحتملوا هودجي- وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب- فرحّلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه.. فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليّ، وكان صفوان بن المعطل من وراء الجيش فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان، فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب.
وكنت قد غلبتني عيناي فنمت، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي،
(60) رواه بهذا الشكل ابن إسحاق مرسلا، ورواه مختصرا عن هذا ابن سعد، والبيهقي عن جابر، وأحمد وابن جرير عن زيد بن أرقم، وابن أبي حاتم عن عمرو بن ثابت الأنصاري وجميع الروايات متقاربة في التفصيل، متفقة في الخلاصة وكلها ما عدا مرسل ابن إسحاق موصولة السند وراجع تفسير ابن كثير: 4/ 370، وتاريخ ابن جرير: 2/ 606، والفتح الرباني: 21/ 70 و 18/ 306، وسيرة ابن هشام: 2/ 291
وو الله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. وهوى حتى أناخ راحلته، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة، وهم نزول، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول.
قالت واشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك غير أني لا أعرف من رسول الله عليه الصلاة والسلام اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فلما نقهت خرجت ذات ليلة مع أم مسطح لقضاء حاجة- ولم نكن قد اتّخذنا الكنف- فلما رجعنا عثرت أم مسطح في مرطها، فقالت تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟!. قالت أولم تسمعي ما قال؟
قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي.. وبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير بعض أصحابه في الأمر وفي فراق أهله، فمنهم من يقول: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، ومنهم من يقول: لم يضيق الله عليك، النساء كثير، واسأل الجارية- يعني بريرة- تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، وسألها: هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فأخبرته أنها لم تعلم عنها إلا الخير. فقام عليه الصلاة والسلام على المنبر، فقال: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا. فقام سعد بن معاذ، فقال أنا أعذرك منه يا رسول الله. إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فتلاغط الناس في المسجد حتى أسكتهم رسول الله.
ثم دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبواي عندي، وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد حين جلس، ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه. قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال والله لا أدري ما أقول. فقلت لأمي: أجيبي عني، فقالت والله ما أدري ما أقول، فقلت: والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم أني برئية- لا تصدقوني في ذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني بريئة- لتصدقنني. إني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ، قالت: ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي.
قالت: فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله