الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح:
من خلال عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم يتضح أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الكلام المتعمد في الصلاة يبطلها سواء كان واجبا أو غير واجب - هو القول الراجح، وذلك لما يلي:
1 -
لقوة ما استدلوا به، وهو عموم الأحاديث السابقة الدالة على تحريم كلام الآدميين في الصلاة مطلقا، سواء كان لمصلحتها أو لغير مصلحتها، وسواء كان واجبا أو غير واجب.
2 -
ولأن القياس الذي استدل به المخالف قياس مع الفارق؛ لأن الكلام في الصلاة لإنقاذ الأعمى ونحوه لم يجب علينا، بخلاف الكلام الواجب لإجابة النبي صلى الله عليه وسلم (1).
(1) انظر: الفروع 1/ 487، والإنصاف 2/ 137.
المبحث السابع: حكم رد السلام في الصلاة:
اتفق الفقهاء على بطلان صلاة من سلم عليه في صلاته ورد السلام بالكلام (1).
ودليل ذلك:
1 -
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة - فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال: إن في الصلاة شغلا (2)» .
(1) انظر: بدائع الصنائع 1/ 237، والمدونة 1/ 99، والمجموع 3/ 104، والمغني 2/ 460.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة 1/ 402، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 382 حديث رقم 538.
2 -
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي (1)» .
3 -
ولأنه كلام آدمي فيكون ممنوعا قياسا على تشميت العاطس (2).
واختلفوا في حكم رد السلام بالإشارة إلى قولين:
القول الأول: يكره للمصلي رد السلام بالإشارة وهو في الصلاة. وبه قال الحنفية (3).
القول الثاني: يشرع للمصلي رد السلام بالإشارة بيده أو برأسه، وإن شاء رد عليه باللفظ بعد فراغه من الصلاة. وبه قال جمهور الفقهاء من المالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
الأدلة:
أولا: استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:«إن في الصلاة شغلا (7)» .
(1) أخرجه البخاري في كتاب العمل في الصلاة، باب لا يرد السلام في الصلاة 1/ 407 واللفظ له، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 383 حديث رقم 540.
(2)
انظر: المغني 2/ 460.
(3)
انظر: الهداية 1/ 64، وبدائع الصنائع 1/ 237.
(4)
انظر المدونة 1/ 99، وقوانين الأحكام الشرعية 83.
(5)
انظر: المجموع 4/ 103، والروضة 1/ 292.
(6)
انظر: المغني 2/ 460، والمبدع 1/ 513.
(7)
صحيح البخاري الجمعة (1199)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (538)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 409).
وجه الدلالة:
دل الحديث بعمومه على منع رد السلام في الصلاة مطلقا، سواء كان باللفظ أو بالإشارة، وإلا لاستثنيت (1).
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها (2)» -يعني الصلاة-.
3 -
أن الإشارة كلام معنى (3).
4 -
أنها تفضي إلى ترك سنة وضع اليد في الصلاة وهي الكف (4).
ثانيا: أدلة الجمهور: استدلوا بما يأتي:
1 -
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه، فأشار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: إنك سلمت آنفا وأنا أصلي (5)» .
2 -
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيبا وكان معه: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه؟ قال:
(1) انظر: بدائع الصنائع 1/ 237.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الإشارة في الصلاة 1/ 581، وقال: هذا الحديث وهم.
(3)
انظر: الهداية 1/ 64.
(4)
انظر: بدائع الصنائع 1/ 237.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 383.
كان يشير بيده (1)».
3 -
حديث صهيب رضي الله عنه قال: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة (2)» .
أما دليلهم على جواز تأخير رد السلام إلى ما بعد الانتهاء من الصلاة: فحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد السلام فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: «إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة (3)» فرد عليه السلام.
الراجح:
من خلال ما سبق بيانه من آراء الفقهاء وأدلتهم يتبين أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من مشروعية رد السلام بالإشارة في الصلاة هو القول الراجح، وذلك لما يلي:
1 -
صحة دلالة السنة الصحيحة الصريحة على ذلك.
2 -
أن ما ذهب إليه المخالف مخالف لما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، إذ إنه
(1) أخرجه النسائي كتاب السهو، باب رد السلام بالإشارة في الصلاة 3/ 9، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب المصلي يسلم عليه كيف يرد 1/ 325، حديث رقم (1017)، وصححه ابن خزيمة 2/ 49 والترمذي في علله الكبرى 1/ 249.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب رد السلام في الصلاة 1/ 568، والنسائي في كتاب السهو، باب رد السلام بالإشارة في الصلاة 3/ 9 والترمذي، باب ما جاء في الإشارة في الصلاة 2/ 203 حديث رقم 367، وصححه ابن حبان، انظر: الإحسان 6/ 33.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب رد السلام 1/ 568، والنسائي في كتاب السهو، باب الكلام في الصلاة 3/ 23، وصححه ابن حبان برقم 2243، انظر: الإحسان 6/ 15. وحسنه النووي في المجموع 3/ 104.