الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسوف نكون في الاهتمام والمتابعة بإذن الله على النهج الذي رسمه، ونفي له بالعهد الذي بدأناه معه رحمه الله أمانة للعلم، ووفاء له ولمكانته.
أخلاق الشيخ وطبائعه:
جبل الله الشيخ عبد العزيز على صفات حميدة، وطبائع فريدة، منذ حداثة سنه، فكانت خلقا فيه غير متكلفة، وسجية من سجاياه المتمكنة من نفسه، وهذه هبة من الله سبحانه، يمن بها على من يشاء من عباده {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1)، وهذه الصفات كلها خير، وتحث على الخير، يحبها الشيخ، ويدعو إليها، ولا تكلف فيها عنده. . ومن تلك الخصال:
1 -
الكرم: هذه الخصلة التي حفل بها تاريخ العرب وطبائعهم، حتى كان الكرم العربي مضرب الأمثال، واشتهر بذلك رجال عرفوا في التاريخ كحاتم الطائي وغيره كثير.
ولكن الكرم في الشيخ عبد العزيز يختلف عن أولئك بأمور فهو كريم بماله، وكريم بطعامه، وكريم بجاهه، وكريم بعلمه. . ويتمثل فيه الكرم بشتى صوره. . ينطبق عليه قول الفرزدق في علي زين العابدين عندما مدحه بقصيدة جاء فيها:
ما قال لا قط إلا في تشهده
…
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
لا يرد سائلا، ولا يرجع من عنده طالب حاجة خائبا، أذكر
(1) سورة المائدة الآية 54
في يوم من الأيام وكنت عائدا مع سماحته وفق العادة من مجلس خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في الديوان الملكي بالرياض للعلماء، لما وصلنا بيت سماحته وعند تعريجه على المجلس الذي يمتلئ بالضيوف وأصحاب الحاجات ليقول لهم: تفضلوا لتناول طعام الغداء كما هي عادته يوميا لأن سروره يزداد كلما زاد عددهم، إذا بواحد منهم، من شرق أفريقيا يقوم ليسلم على سماحته، ويطلب منه أن يعطيه " المشلح " وهو العباءة التي يرتديها سماحته لأنه معجب بها ويريد أن يلبسها في بلاده. ليقول لهم هذه عباءة الشيخ ابن باز، ولما قال له الشيخ: سأعطيك غيرها. . أصر الرجل عليها بعينها، فخلعها أمام الضيوف جميعهم، وأعطاها له:
ولو لم يكن في كفه غير روحه
…
لجاد بها فليتق الله سائله
2 -
التواضع والحلم: فهو في تواضعه لين الجانب، يألفه الصغير والكبير، النساء والرجال، يحرص في تواضعه بأن يتلطف إلى السائلين والسائلات، ويرق لهم في الإجابة، ويتبسط في عرض الجواب بحسب مقدرة وفهم السائل ومستواه. . لا يتشدد في الجواب ولا يعنف.
ويحرص في تواضعه أن يترسم خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقف للطفل إذا كان له حاجة، وينعطف بجسمه وحواسه ليستمع للمرأة: سائلة أو شاكية، ولا يصدر عن ورده أحد مهما كان صغيرا أو كبيرا، إلا ويشعر أن الشيخ عبد العزيز مختص في تفهم حاله هو، توجيها ورعاية بحيث لو عاد إليه،
تذكره، وأخبره بما عمل من أجله.
أما عن حلمه، فهو أحنف هذا الزمان، يغضب أمامه المراجعون، ويرفع أصحاب الحاجات عليه أصواتهم، فيقابلهم باللين والرفق والابتسامة، وأشد كلمة يقولها ليسكت من لم يرض بالسكوت، وليخفض من يتعالى صوته، هي قوله: سبح. . سبح. . أي قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أما الذين ينالون منه بأي أسلوب كان، فلا يزيد عن قول: غفر الله لهم. وإذا اشتكى إليه أحد ما يناله من الآخرين، مهما كانوا، كان يأمر بالصبر والاحتساب، وما أكثر ما تردد على مسمعي منه توجيها لي، وتعليما للآخرين: عليكم بالصبر فإن أجره عظيم. ويستشهد بالآية الكريمة: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1)، وقول الله سبحانه:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (2).
وكثيرا ما حدثه أناس: من الرجال والنساء، داخل المملكة وخارجها مباشرة أو هاتفيا أو برسالة يخبرونه بأنهم كانوا يتعرضون له بالقدح، ووضع المثالب ويطلبون منه المسامحة والصفح، فيجيبهم بكل ارتياح وبساطة: سامحكم الله، وغفر لنا ولكم.
3 -
حبه للعلم والعلماء، واهتمامه ببذل العلم: فقد جلس لطلاب العلم منذ تعين قاضيا في الخرج عام 1357 هـ والتأم جمعهم، حيث زاد عددهم من كل مكان داخل المملكة وخارجها
(1) سورة الزمر الآية 10
(2)
سورة آل عمران الآية 146
في فترة وجيزة عن أربعين دارسا. يجلس لهم في أوقات متعددة، بعد فراغه من أعمال القضاء اليومية، ثم بعد ما انتقل للرياض مدرسا في المعهد العلمي وكلية الشريعة، كان يخصص أوقاتا للدارسين عنده. . وزاد اهتمامه بالتعليم عندما تعين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. إذ كان يرعى الطلاب ويوجههم ويحنو عليهم حيث أصبحت الجامعة خلية نحل، ونفع الله بالمتخرجين منها في بلادهم تعلما وتعليما ودعوة إلى دين الله؛ لأنهم استرشدوا بتوجيهاته بعد أن محضهم نصحه وتوجيهه.
وفي الرياض بعد ما انتقل إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد زاد اهتمامه بالعلم والإرشاد والدعوة إلى دين الله، فحرص على تصيد العلماء العاملين، للإفادة منهم في الدعوة إلى دين الله باللسان والقلم، والترجمة وحسن التوجيه.
ولا أظن عالما في هذا الزمان اهتم بالعلم والتعليم وإرشاد الناس إلى الدرب الصحيح بصدق وإخلاص وبذل ومتابعة بلغ ما بلغ الشيخ عبد العزيز بن باز، يبرز ذلك في مثل:
أ - كثرة أحاديثه ومحاضراته في كل موقف، فلا يصلي في مسجد إلا حدث فيه، ولا يحضر وليمة زواج أو غيرها إلا تكلم وحث على الخير، وأجاب على الأسئلة. . ولا جلس مجلسا إلا طلب قراءة آيات من كتاب الله، وشغل الوقت بتفسير الآيات وما فيها من عظات وأحكام. . ثم يجيب على الأسئلة المطروحة. . حتى يشغل الناس بما فيه نفع
وخير، وحتى يرغبهم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ب - لا يترك مناسبة ذات صلة بكتاب الله، أو بالعلم في أي مدرسة أو جامعة أو جمعية إلا شارك فيها وتكلم ووجه ونصح، وأجاب على فتاوى الناس وأسئلتهم. وكذا المجلات والصحف الإسلامية التي يطمئن على سلامة عقيدة القائمين عليها.
ج - يحرص كلما التقى في أي مجلس أو مسجد، ببعض الشباب الصغار، على أن يوجه إليهم أسئلة في أمور العقيدة والفقه بالدين. . فالصغير يسأله: من ربك، ومن نبيك، وما دينك؟؟. والأكبر عن أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وما هو الإحسان، وأسئلة عن الصلاة والصيام وغير ذلك ويطلب منه الدليل. . وهكذا للجميع. . فيدعو لهم إذا أجابوا ويصحح لمن أخطأ، ويوجه لأهمية العلم، ويشجع على دخول كليات الشريعة، والاهتمام بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة، وبالحديث وبالكتب المفيدة ويسميها للطلاب. . كما يتابع ما ينشر في وسائل الإعلام ويرد على ما يتعارض مع الإسلام لينير الطريق للمسترشدين.
د - اهتم كثيرا بإيجاد برنامج في الإذاعة هو: نور على الدرب، وكان له فيه حلقتان أسبوعيا وللمشايخ الآخرين من كبار علماء المملكة نصيبهم، توزع أيام الأسبوع بينهم لإفادة الناس أمور دينهم والإجابة على أسئلة المسلمين في كل مكان. .
وقد نفع الله به وهو يقدم من إذاعة القرآن الكريم مرتين في
اليوم ومن البرنامج العام، وصوت الإسلام.
كما كان يهتم ويشجع على الأحاديث الدعوية والدينية في وسائل الإعلام كلها. . وعلى طباعة الرسائل الصغيرة وبثها بين المسلمين. ويرى رحمه الله أن وسائل الإعلام من وسائل الدعوة التي تبلغ صوت الحق في كل مكان. ويعين على الترجمة والطباعة، وإرسال الكتب لطالبها في أي مكان من العالم.
هـ - يحمل هموم المسلمين في كل مكان، ويهتم بقضاياهم ومصالحهم على اختلاف مستوياتهم سواء في داخل المملكة أو خارجها: سواء بالدعاء لهم أو إعانة جمعياتهم ومدارسهم أو بحث الناس على التبرع لهم أو بتزويدهم بالكتب النافعة، أو بتعيين الدعاة والمدرسين لهم أو بالشفاعة لأبنائهم للدراسة في جامعات المملكة في كليات الشريعة وغيرها من الكليات والمعاهد ذات الصبغة الشرعية في مناهجها وبناء المساجد لهم. فكان يسره الخبر الحسن عنهم في كل مكان، ويسوءه ما فيه ضرر عليهم، كما يهتم إعلاميا بتتبع ما يصدر في وسائل الإعلام عن أخبار المسلمين سواء كانت فردية أو جماعية. . ويسره كثيرا اعتناق الإسلام مجددا لأناس منهم، سواء كان ذلك من قبل الجاليات ومكاتب الدعوة في داخل المملكة، أو في أي مكان في العالم. . ومن بلغه عنه منهم حاجة سعى فيها بكل ما يستطيع حتى تتحقق دراسة أو مواساة مالية.
وتطبيقه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر من
أموره: الدينية والدنيوية، واهتمامه بتعليم الناس بأسلوب يفوق منهج التربويين في العصر الحاضر. . إذ لديه طريقة في تعليم الناس ذلك العمل. . فمثلا عندما يأتيه سائل أو أكثر وهو في المسجد بعد الصلاة ويلقي سؤاله. . يؤشر إليه بيده: أن تمهل قليلا. . ويستمر في التسبيح والتكبير. . والأدعية المشروعة بعد الصلاة، ويرفع قليلا ليسمع من حوله، حتى يتأسوا به، ويعد بأصابعه ليعرف السائل والحاضر عن الأذكار بعد الصلاة التي يحسن الاهتمام بها عدا. . كما ورد في السنة النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله. وهكذا في دخول المسجد والخروج منه وغير ذلك من الآداب الشرعية.
وعلى العموم فإن الشيخ عبد العزيز رحمه الله يعتبر من المحدثين القلائل في هذا العصر، والمعرفة بأسماء رجال الحديث جرحا وتعديلا.
وقد مكن هذا القول أحدهم بقوله: إنه يعرف الأحاديث: متنا وسندا. . كما يعرف أفراد أسرته.
4 -
حبه للصدقات، وسعيه في حوائج الآخرين، حيث يردد دائما على من حوله من العاملين معه حتى يشجعهم على عمل الخير:«إنما تنصرون بضعفائكم (1)» ، و «من كان في عون أخيه كان الله في عونه (2)» ، و «اشفعوا تؤجروا (3)» .
فكم من فقير جبر خاطره، وكم من سائل أجاب سؤاله، وكم من يتيم وأرملة، وشيخ كبير، أعانهم وكفكف دموعهم،
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2896)، سنن النسائي الجهاد (3178)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 173).
(2)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن أبو داود الأدب (4946)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252).
(3)
صحيح البخاري الزكاة (1432)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2627)، سنن أبو داود الأدب (5131)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 400).
وكم من لا يملك سكنا، سعى لدى أهل الخير، فحقق لهم سكنا يؤيهم، ويظلهم عن الحاجة. . وكم من مسكين ضاقت به المعيشة بدخله القليل فقرر له شهريا أو سنويا ما يعينه على متاعب المعيشة، ومتطلبات الحياة الحاضرة. . وهلم جراء.
فكان بحق أبا لليتامى، وعائلا للأرامل والمحتاجين، ومفرجا لكربات المعوزين، وسندا للفقراء والمساكين، وشافعا لذوي الحاجات والغارقين في الديون.
صفات عديدة قلما تتوفر في فرد واحد، عرفناها بالعمل مدة طويلة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وعودنا عليها طبعا، وحبا للمساعدة والسعي في مصالح المسلمين.
5 -
أما بناء المساجد، واهتمامه بإعمارها: بناء وتعليما وعبادة. فهذا مما يحث عليه ويدعو إليه، بلسانه وجاهه، وبكل قدرة تحت يديه. . ولا تجد مكانا إلا وللشيخ بصمات في هذا المجال. . فالمساجد التي بنى والتي سعى فيها لا تحصى، والشفاعات منه مقبولة في هذا الميدان، وحثه طلاب العلم الجلوس في المساجد تعلما وتعليما من لوازمه في كل حديث. ودعوته الناس صغارا وكبارا إلى الاهتمام بالصلوات، وحضورها في المساجد جماعة جزء من أحاديثه وفتاواه ويؤكد هذا دائما. . وفي كل مناسبة حتى لا يغفل الناس عن هذا الأمر الهام.
6 -
أما عباداته وورعه: فإنه يتمثل فيه طريقة السلف الصالح من هذه الأمة، وطالما توقف عند عبادات بعضهم، في سيرهم رحمهم الله، داعيا لهم، ومرغبا في اقتفاء أثرهم.
ففي الصلاة يطبق ما عرفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إليها مع سماع الأذان مباشرة، والدعوة لذلك، مع المحافظة على الرواتب والنوافل، فما كان يؤديه رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت أداه في البيت، وما كان يحرص عليه قياما في آخر الليل أداه، حيث رتب لنفسه ساعة قبل الفجر، أما التراويح فقد رأى تطبيق السنة وهو في الخرج عام 1364 هـ صلاها 13 ركعة واستمر على ذلك.
وفي الصدقات، كان لا يرد سائلا، ويعطي كلا بحسبه، وإذا قيل له بأن هذا السائل لم يقدم تزكية وتعريفا بحاجته، يرد بقوله: ما أمرنا بالسؤال عن هذا. . بل من مد يده فهو أدرى بحال نفسه {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (1){وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (2)، وإن لم يكن محتاجا فإثمه على نفسه.
وفي الحج حدثني بأن أول سنة حجها كانت وهو لا يزال مبصرا في عام 1349 هـ وهي أول سنة يعتمر فيها، وحج بعدها أربع مرات في عام 1351 هـ، وعام 1354 هـ، وعام 1363 هـ، وعام 1368 هـ، ثم من عام 1372 هـ واصل الحج حتى وفاته عدا عام 1419هـ حيث أوصى الأطباء لمرضه بعدم ذهابه للحج. . وقد جاء بعد الحج وأدى العمرة. . فتكون حججه (52) حجة، أما العمر فهي أكثر من ذلك، حيث يقصد مكة كثيرا لمحبته لها. وهكذا سائر العبادات جعلها الله مقبولة عنده.
(1) سورة الضحى الآية 9
(2)
سورة الضحى الآية 10
7 -
ويمكن الإجمال بأن الشيخ عبد العزيز رحمه الله لا يرى طريقا فيه خير للإسلام والمسلمين، إلا سلكه ولا مصلحة تهم فردا أو جماعة من المسلمين في أي مكان على وجه الأرض، إلا سعى فيها.
ولا يظن أي إنسان أن الشيخ متساهل في ذلك، بل يطلب التزكية والتعريف، بأن هذا الشخص أو تلك الجماعة يسيرون على منهج أهل السنة والجماعة، وإلا فهو شديد على أهل البدع والمنكرات، حريص على سلامة العقيدة، ولا يرضى عن أهل الباطل وأعمالهم وينصحهم كلما رأى فرصة لذلك.
8 -
كان كثير القراءة والاطلاع على أقوال العلماء، متورعا في الفتوى، يستخير الله ويصلي ركعتين عندما يشكل عليه أمر، حسن الخلق، ولا يغضب إلا لله أو عندما تنتهك حرمات الله، قريبا من قلوب الناس عند من يفتيهم، يحب الستر على ما يقع فيه الناس من خلل في العبادة والعمل، وينصح ويوجه برفق فتلين معه القلوب؛ لأن ما صدر من القلب استقر في القلب. . لا يستعجل ولا يتأثر بكلام الآخرين. . ينطبق عليه قول أبي تمام:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
…
في حلم أحنف في ذكاء إياس (1)
9 -
أما العاملون معه فإنه يرأف بهم، ولا يحب الإثقال عليهم، ويدعو لهم ويمازحهم. ولم أره طوال عملي معه، ألزم
(1) من قصيدته في مدح المعتصم العباسي.
موظفا بالحضور في أوقات معينة للعمل، لا في المساء ولا في النهار، ولا في الإجازات الأسبوعية أو الأعياد. . رغم أنه لا يتوقف عن العمل، ولا يمله مع تقدم السن عنده، إلا أنه يعرض، ولقد قال لي أكثر من مرة، ولا بد أنه قال مثل ذلك للموظفين الآخرين: لا تكلف نفسك بالمجيء؛ لأن مسكنك بعيد عنا، أو وقت الشتاء والبرد، لأنه رحمه الله يخشى المشقة وبعد المواصلات.
ولقد حكى لي الموظف عنده سابقا: عبد الله بن خريف رحمه الله أنه قد جاء إلى الشيخ في إحدى الليالي، وكاد ابن خريف يحس بالتعب، وبرأسه صداع. . فقال له الشيخ كعادته: هات ما عندك من المعاملات، فجلس عند الشيخ ساعات، وهو يقرأ عليه، حتى حس الشيخ بالنعاس، واستأذن منه للذهاب للنوم. ثم يقول عبد الله بن خريف رحمه الله: ولقد أحسست في تلك الليلة بنشاط غريب، وذهب عني الصداع الذي كنت أشكو منه أول مجيئي، فأيقنت أن الرجل معان من الله. وقد حصل لي معه رحمه الله مواقف من هذا النوع تجعل الإنسان نشيطا ويعمل براحة نفس مهما طال الوقت.
10 -
أما الوفاء لمشايخه ولمن عرفهم فهو في ذلك مثالي، فالشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية عندما يمر ذكره يترحم عليه، وتدمع عيناه ويتأثر كثيرا. . وكذلك مشايخه وزملاء الطلب يترحم عليهم ويصل أولادهم وأقرباءهم.
كما كان واصلا لرحمه قربوا أو بعدوا، ويسأل عن الصغير والكبير ولا تلهيه مشاغل العمل والرسميات عن المواصلة والبر