الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقاص، وأخرج حماد بن سلمة في مصنفه من طريق أخرى رجالها ثقات، أن عمر جلد أبا محجن في الخمر أربع مرار، ثم قال له: أنت خليع، فقال: أما إذا خلعتني فلا أشربها أبدا (1). انتهى. ذكر ذلك ابن حجر.
ثالثا: سبق نقول عن أهل العلم بالقول بالنسخ، وذكر الشافعي أنه مما لا اختلاف فيه.
رابعا: إذا كان ثابتا فقد مضى حديث جابر عند الترمذي والنسائي، وفيه بيان أن القتل كان متقدما وأن تركه كان متأخرا.
الدليل الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو نفس بنفس (2)» .
وجه الدلالة: أنه لا يجوز أن يقتل أحد لم يذكر في هذا الخمر، ذكر ذلك ابن حزم، وقد يجاب عن ذلك بأن هذا مسلم لو لم يرد دليل يدل على القتل وقد ورد، ويناقش ذلك بتسليم ورود القتل ولكنه نسخ، وقد تقدم بيان ذلك.
(1) فتح الباري، 80، 81.
(2)
سنن الترمذي كتاب الفتن (2158)، سنن النسائي تحريم الدم (4019)، سنن أبو داود الديات (4502)، سنن ابن ماجه الحدود (2533)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 70)، سنن الدارمي الحدود (2297).
سابعا: نجاسة الخمر:
اختلف أهل العلم في نجاسة الخمر، فمنهم من قال: إنها نجسة. ومنهم من قال: إنها طاهرة. وفيما يلي ذكر نقول عن أهل العلم لكل قول مع بيان أدلتهم ومناقشتها:
القول الأول: أنها نجسة، وممن قال بهذا القول جمهور العلماء:
أ - جاء في الهداية: أنها نجسة نجاسة غليظة كالبول لثبوتها
بالدلائل القطعية (1).
ب - قال القرطبي: فهم الجمهور من تحريم الخمر واستخباث الشرع لها وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها؛ الحكم بنجاستها (2). انتهى.
ج - قال ابن العربي على قوله: رجس وهو النجس - إلى أن قال: ولا خلاف في ذلك بين الناس، إلا ما يؤثر عن ربيعة أنه قال: إنها محرمة وهي طاهرة كالحرير عند مالك محرم مع أنه طاهر (3) انتهى المقصود.
د - قال ابن قدامة: والخمر نجسة في قول عامة أهل العلم (4). انتهى المقصود.
هـ - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والحشيشة المسكرة حرام، ومن استحل السكر منها فقد كفر، بل في أصح قولي العلماء أنها نجسة كالخمر، والخمر كالبول، والحشيشة كالعذرة (5). انتهى.
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (6).
(1) الهداية على البداية، 4/ 109، ويرجع إلى بدائع الصنائع، 5/ 113.
(2)
تفسير القرطبي، 6/ 288.
(3)
أحكام القرآن لابن العربي، 2/ 651.
(4)
المغني، 9/ 152.
(5)
مختصر الفتاوى، 499.
(6)
سورة المائدة الآية 90
وجه الدلالة: ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى قال: " يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين؛ لأن الله تعالى قال: إنها رجس، والرجس في كلام العرب: كل مستقذر تعافه النفس، وقيل: إن أصله من الركس وهو العذرة والنتن. قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (1)؛ لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها الله تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا؛ كقوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (2)، وقوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} (3) بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول، وأهلها يصدعون أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها "(4) انتهى المقصود.
وأما السنة: فما رواه البخاري وغيره عن أبي ثعلبة الخشني قال: «قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال: أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها (5)» .
وفي لفظ لأحمد عن أبي ثعلبة الخشني قال: «قلت: يا رسول الله، إن أرضنا أرض أهل كتاب، وأنهم يأكلون لحم الخنزير
(1) سورة الإنسان الآية 21
(2)
سورة الصافات الآية 47
(3)
سورة الواقعة الآية 19
(4)
أضواء البيان 2/ 127، 128.
(5)
صحيح البخاري الذبائح والصيد (5478)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1930)، سنن الترمذي الأطعمة (1797)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4266)، سنن أبو داود الأطعمة (3839)، سنن ابن ماجه الصيد (3207)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 193)، سنن الدارمي السير (2499).
ويشربون الخمر، فكيف أصنع بآنيتهم وقدورهم؟ قال: إن لم تجدوا غيرها فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا (1)». وعنه من طريق أخرى قال: «قلت: يا رسول الله، إنا أهل سفر نمر باليهود والنصارى والمجوس، ولا نجد غير آنيتهم قال: فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء، ثم كلوا فيها واشربوا (2)» .
وجه الدلالة: ما ذكره الخطابي بقوله: والأصل في هذا أنه إذا كان معلوما من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف (3).
وقد يناقش ذلك بأن الأمر بغسلها من أجل أنهم يأكلون بها لحم الخنزير لا من أجل نجاسة الخمر.
ولا يجاب عن ذلك بأن نجاسة الخمر كانت متقررة عند الصحابة، ولهذا قال أبو ثعلبة الخشني عن المخرج من ذلك وكان السؤال عن أمرين، والجواب عنهما ولو لم تكن الخمر نجسة لما أمر بغسل الإناء الذي شرب فيه الخمر.
وأما الأثر: فروى ابن عساكر في تاريخه بسنده عن عمر رضي الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه بلغني أنك تدلك بالخمر، والله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها، وقد حرم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس (4).
(1) صحيح البخاري الذبائح والصيد (5488)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1930)، سنن الترمذي الأطعمة (1797)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4266)، سنن أبو داود الأطعمة (3839)، سنن ابن ماجه الصيد (3207)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 194)، موطأ مالك الصيد (1075)، سنن الدارمي السير (2499).
(2)
صحيح البخاري الذبائح والصيد (5488)، سنن الترمذي الصيد (1464)، سنن أبو داود الأطعمة (3839)، سنن ابن ماجه الصيد (3207)، سنن الدارمي السير (2499).
(3)
عون المعبود، 3/ 728.
(4)
التاريخ الكبير، 5/ 105.
وأما المعنى:
1 -
أن الله تعالى حرمها لعينها فكانت نجسة كالخنزير (1).
2 -
أن من تمام تحريمها وكمال الردع عنها الحكم بنجاستها حتى يتقذرها العبد، فيكف عنها قربانا بالنجاسة، وشربا بالتحريم، فالحكم بنجاستها يوجب التحريم (2).
القول الثاني: أنها طاهرة، قال القرطبي بعد ذكره لقول من قال أنها نجسة، قال: وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها، وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة. قال: ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى النبي صلى الله عليه وسلم كما نهى عن التخلي في الطريق (3). انتهى.
وقد يناقش هذا الاستدلال بالوجوه الآتية:
الوجه الأول: قد يقال: المواضع التي أريق فيها الخمر ليست مواضع للصلاة بل هي مسالك استطراق، فإما أن يقال بأنه لا يشق الاحتراز منها أو لا، وعلى القول بأنه لا يشق الاحتراز منها ووطئها المار فإنه يطهره ما بعده، فروى الإمام أحمد وأبو داود «أن امرأة قالت لأم سلمة: إني أطيل ذيلي وأمشي في
(1) المغني، 9/ 152، ويرجع لبدائع الصنائع، 5/ 113.
(2)
أحكام القرآن لابن العربي، 2/ 651.
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/ 288.
المكان القذر. فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده (1)»، وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب لهما طهور (2)» . وفي لفظ: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورها التراب (3)» .
وروى أبو داود أيضا عن امرأة من بني عبد الأشهل «قالت: يا رسول الله، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة، كيف نفعل إذا تطهرنا؟ قال: أو ليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه (4)» .
وروى الترمذي مثله عن أم سلمة.
الوجه الثاني: قد يقال: إن إراقتها في الأسواق فيه زجر بليغ ليرى الناس الخمر التي تعلقت بها نفوسهم تراق، فيبادروا إلى الامتثال، فمن كان عنده شيء منها عرف أنه لا ينتفع به بأي وجه من وجوه الانتفاع.
الوجه الثالث: قد قال: إن الخمر لما أريقت في الطلاقات ضربتها الرياح وتعلقها التراب فزالت منها المادة المسكرة فتكون متخللة بنفسها، وقد ذكر العلماء أن الخمر إذا تخللت بنفسها أنها طاهرة. وقد مضى الكلام مفصلا على ذلك في البحث الذي أعد في موضوع الاستحالة والذي بحثه المجلس في دورته التاسعة.
الوجه الرابع: وقد يقال أيضا: إنها قليلة بحيث يسهل التحرر منها بالنسبة لمن يمر بالطريق الذي أريقت فيه.
الوجه الخامس: أن التغوط في الأسواق لا يتناسب مع
(1) سنن الترمذي الطهارة (143)، سنن أبو داود الطهارة (383)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (531)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 316)، موطأ مالك الطهارة (47)، سنن الدارمي الطهارة (742).
(2)
سنن أبو داود الطهارة (385).
(3)
سنن أبو داود الطهارة (385).
(4)
سنن أبو داود الطهارة (384)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 435).