الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما وافقهما قبل، وما خالفهما ترك، كما قال الله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1).
وفق الله الجميع، وهدى الجميع صراطه المستقيم.
(1) سورة النساء الآية 59
حكم
الصلاة في المساجد التي فيها قبور
س: هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
ج: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى فيها قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر وذم اليهود والنصارى على عملهم ذلك. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1)» قالت عائشة رضي الله عنها: "يحذر ما صنعوا". متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة فيها صور وأنها كذا وكذا فقال: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك
(1) رواه البخاري في (الجنائز) باب ما يكره من اتخاذ القبور مساجد برقم (1330)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور برقم (529).
شرار الخلق عند الله يوم القيامة (1)». وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2)» فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام.
ومعلوم أن من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه ليصلي فيه فقد اتخذه مسجدا. فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع في الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم وأن نبتعد عن طريقهم وعن عملهم السيئ. والله ولي التوفيق.
(1) رواه البخاري في (الجنائز) باب بناء المسجد على القبر برقم (1341)، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (528).
(2)
رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور برقم (532).
س: إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك،
ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك ولو مرة واحدة، وإذا مات وهو يجهل مثل ذلك، هل يعتبر مشركا؟ نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيرا.
ج: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه، واستغفر من ذلك، زال حكم ذلك وثبت إسلامه. أما إذا كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك.
وهكذا لو أن إنسانا يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، فإنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه قاعدة مهمة، قال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2){بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (3)، وأم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في الجاهلية، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له.
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2)
سورة الزمر الآية 65
(3)
سورة الزمر الآية 66
وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه: «إن أبي وأباك في النار (1)» وقد ماتا في الجاهلية.
والمقصود أن من مات على الشرك لا يستغفر له، ولا يدعى له، ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل العلم. والله ولي التوفيق.
(1) رواه الإمام مسلم في (الإيمان) باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار برقم (203).
صاحب هذا الاعتقاد كافر
س: إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر وأنه يعلم الغيب، وأن التوسل بالأولياء والأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل، فهل يدخل النار ويعتبر مشركا؟ علما بأنه لا يعلم غير هذا الاعتقاد، وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك، فما حكمه؟ وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته؟
ج: من مات على هذا الاعتقاد بأن يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببشر- أي ليس من بني آدم- أو يعتقد أنه يعلم الغيب فهذا اعتقاد كفري يعتبر صاحبه كافرا كفرا أكبر، وهكذا إذا كان يدعوه ويستغيث به أو ينذر له أو لغيره من الأنبياء والصالحين أو الجن أو الملائكة أو الأصنام؛ لأن هذا من جنس
عمل المشركين الأولين كأبي جهل وأشباهه، وهو شرك أكبر، ويسمي بعض الناس هذا النوع من الشرك توسلا، وهو حقيقة عين الشرك الأكبر. وهناك نوع ثان من التوسل ليس من الشرك، بل هو من البدع ووسائل الشرك، وهو التوسل بجاه الأنبياء والصالحين أو بحق الأنبياء والصالحين أو بذواتهم، فالواجب الحذر من النوعين جميعا. ومن مات على النوع الأول لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له ولا يتصدق عنه؛ لقول الله عز وجل:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (1).
وأما التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به فهو توسل مشروع، ومن أسباب الإجابة؛ لقول الله عز وجل:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2)، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سمع من يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب (3)».
وهكذا التوسل بالأعمال الصالحة من بر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عما حرم الله ونحو ذلك، كما ورد ذلك في حديث
(1) سورة التوبة الآية 113
(2)
سورة الأعراف الآية 180
(3)
سنن الترمذي الدعوات (3475)، سنن أبو داود الصلاة (1493).
أصحاب الغار المخرج في الصحيحين، وهم ثلاثة، آواهم المبيت والمطر إلى غار، فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم فلم يستطيعوا الخروج، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فتوجهوا إلى الله سبحانه فسألوه ببعض أعمالهم الطيبة، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أسقى قبلهما أهلا ولا مالا، وإني ذات ليلة نأى بي طلب الشجر، فلما رحت عليهما بغبوقهما وجدتهما نائمين، فلم أوقظهما وكرهت أن أسقي قبلهما أهلا أو مالا، فلم أزل على ذلك حتى طلع الفجر، فاستيقظا وشربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه.
أما الثاني فتوسل بعفته عن الزنى حيث كانت له ابنة عم يحبها كثيرا وأرادها في نفسها فأبت عليه، ثم ألمت بها حاجة شديدة فجاءت إليه تطلب منه المساعدة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها، فوافقت على هذا من أجل حاجتها، فأعطاها مائة دينار وعشرين دينارا، فلما جلس بين رجليها قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فخاف من الله حينئذ، وقام عنها وترك لها الذهب خوفا من الله عز وجل. فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل