الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز بن باز - عالم فقدته الأمة
1330 -
1420 هـ
بقلم د. محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1). والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، الذي جعل الله في موته موعظة للمعتبرين، وسلوى لمن يريد أن يتصبر ويحتسب ليطلب من ربه أجر الصابرين المحتسبين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فما أقسى فراق من ألفته القلوب، وما أشد فقدان من ظلال دوحته وارفة على المساكين والمحتاجين، وما أصعب الكلمات التي تعبر عن ذلك الألم، لأن اللسان يتعثر، والقلم يتلكأ ويعجز عن تصور الفاجعة التي حلت، ولكن العزاء يتم بالامتثال لأمر الله جل وعلا، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فعله الصحابة الكرام، عند مصابهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أعظم مصيبة على المسلمين.
والمصيبة بفراق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز،
(1) سورة الملك الآية 2
مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، الذي انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الخميس 27 / محرم 1420 هـ الموافق لتاريخ 13 / مايو 1999 م، ليس أمرها بهين، لأنه علم لا كالأعلام، وإمام حبس نفسه على خدمة الإسلام والمسلمين، والضعفاء والمساكين، يتحسس آلامهم، ويتوجع لما يصيبهم، ويسعى بجهده وجاهه في مصالحهم، ويهتم بالإجابة على تساؤلاتهم كتابيا وشفويا وهاتفيا، فيحل بذلك ما اشتد لديهم من مشكلات، وقضايا سواء كانت فردية أو أسرية، أو اجتماعية. . فيصدر الجميع عن ورده مقتنعين، ومن منهل علمه مرتوين، عللا بعد نهل.
وقد برزت آثار ذلك، ونماذج عن مكانته في النفوس، في كل مكان يوجد فيه مسلمون على وجه الأرض، بأصداء ما قيل وكتب بعد وفاته. . وهذا من باب:«اذكروا محاسن موتاكم (1)» . بل إن جنازته التي صلي عليها بعد صلاة الجمعة بالمسجد الحرام 28 محرم 1420 هـ، والجماهير التي شيعته إلى مثواه حيث وري جثمانه في مقبرة العدل بمكة، تذكر بمقولة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: الموعد يوم الجنائز، وبما ذكر ابن كثير رحمه الله في تاريخه، والذهبي في سير أعلام النبلاء، عن جنائز علماء الإسلام، وما انعكس في يوم وفاة مشاهيرهم، وعدد المشيعين، كالإمام أحمد بن حنبل الذي توفي في بغداد، والإمام أبي حنيفة الذي توفي بها أيضا، وشيخ الإسلام ابن تيمية الذي توفي في دمشق، والعز بن عبد السلام الذي توفي بمصر، وغيرهم.
(1) سنن الترمذي الجنائز (1019)، سنن أبو داود الأدب (4900).
وقد ذكرت الصحف الصادرة بعد تشييع جنازة الشيخ عبد العزيز بن باز، أن مجموع من صلى عليه في الحرم المكي تجاوز المليونين، وأن الحركة في شوارع مكة قد توقفت من شدة الازدحام، وأن وسائل الإعلام العالمية من فضائيات ومسموعة ومرئية ومقروءة قد تسابقت في نقل ذلك الحدث، الذي اهتزت له القلوب، ودمعت منه العيون، في مواقع شتى من العالم، وكأن الشاعر يعنيه بقوله:
لعمرك ما الرزية فقد شاة
…
ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص
…
يموت بموته خلق كثير
ولكن الله قد أمر المؤمنين في كتابه الكريم بالصبر والاحتساب، ويجازي سبحانه على الصبر بالأجر الجزيل، فقال سبحانه:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (1){الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (2){أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (3).
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمر الله: إنا
(1) سورة البقرة الآية 155
(2)
سورة البقرة الآية 156
(3)
سورة البقرة الآية 157
لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله خيرا منها " فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها. فأخلف الله علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من أبي سلمة (1)».
ونسأل الله أن يخلف على المسلمين خيرا، وأن يجعل في علمائهم العوض والكفاية في كل أمر، وأن يعز دينه، ويعلي كلمته.
ولا شك أن فقد العلماء، شديد الوطأة، لأنهم ورثة الأنبياء، وصمام الأمان عندما تدلهم الأمور، والمصيبة بفقد عالم جليل كالشيخ عبد العزيز بن باز، والتألم من فراقه في ساحة العلم والدعوة إلى الله، ولتحمله هموم المسلمين في كل مكان، ألم ذلك أكثر على المحيطين به، والسابرين أغوار نفسه، والعارفين بحقيقة طبعه، وحبه للخير والمساعدة في ذلك، لأنه يحثهم على التأدب بذلك الأدب الرفيع، المستمد من مدرسة دين الإسلام، وفق أعمال القدوة الصالحة من سلف الأمة، ووفق ما تحث تعاليم هذا الدين الذي رضيه الله لخير أمة أخرجت للناس. . في مثل هذه النصوص الكريمة. قال الله سبحانه:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2)
(1) رواه مسلم في صحيحه، ومالك في الموطأ، وأبو داود وابن ماجه في الجنائز.
(2)
سورة البقرة الآية 195