الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: التفريق للعيب:
إذا وجد أحد الزوجين في الآخر جنونا أو جذاما أو برصا أو أي عيب من العيوب الآتي ذكرها، فهل يثبت للسليم منهما الخيار في النكاح، فإن شاء أمسك صاحبه، وإن شاء رفع أمره إلى الحاكم ليفرق بينهما، أو لا خيار له في ذلك، بل يثبت النكاح ويستمر في حق كل منهما؟ للعلماء في ذلك مذهبان:
المذهب الأول: وبه قال جمهور العلماء: إذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبا من العيوب الآتي تفصيلها ثبت للسليم منهما فسخ النكاح.
وحجتهم على ذلك قول عمر: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها - دخل بها - فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. قالوا: لأن مثل هذا القول من عمر لا يكون من قبل الاجتهاد في الرأي، بل من قبل أن يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه منه، فدل ذلك على أن هذا حكم من وجد به من أحد الزوجين أحد هذه العيوب أو ما كان في معناها، مما
يمنع الوطء (1).
المذهب الثاني: لا يثبت لأحد الزوجين الخيار في فسح النكاح إذا وجد بالآخر أي عيب كان.
وروي هذا المذهب عن: عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، وإبراهيم النخعي، وعطاء، وأبي الزناد، وابن أبي ليلى، وبه قال أهل الظاهر (2).
(1) الأم 5/ 4، مغني المحتاج 3/ 203.
(2)
مصنف عبد الرزاق 6/ 243، مصنف ابن أبي شيبة 4/ 175، المحلى 10/ 113. .
وحجة هؤلاء: قول عبد الله بن مسعود: لا ترد الحرة بعيب (1) ولأنه لا دليل على التفريق بهذه العيوب لا من كتاب ولا سنة ولا قياس (2)، ولأن هذه العيوب لا تخل بموجب العقد وهو حل الوطء، ولأن إمكان الجماع وقضاء الحاجة مع من وجد به أحد العيوب من الزوجين ممكن بل وحاصل، وإنما تقل الرغبة في المعيب فقط، فلا يثبت الخيار للسليم منهما، كما لو كان من به العيب سيئ الأخلاق (3)
وأجيب: بأن العيوب تمنع الرغبة في الجماع، وتوجب النفرة المانعة من قربان المعيب بالكلية، كما يخاف السليم من العدوى إلى نفسه ونسله، والمجنون يخاف منه الجناية، فصارت العيوب كالموانع الحسية من القربان (4).
الراجح:
الذي يبدو أن مذهب الجمهور هو الأولى؛ لأن العيب تنفر منه الطبيعة البشرية، والزواج مودة وراحة وسكن، فلا يتحقق المقصود من الزواج مع وجود العيب، فلا يجوز إرغام الصحيح منهما على إبقاء النكاح والحالة هذه؛ لأن الله عز وجل لا يكلف بما لا يطاق، والله أعلم.
(1) مصنف ابن أبي شيبة 4/ 176. .
(2)
المحلى 10/ 60.
(3)
المبسوط 5/ 96. .
(4)
المغني 6/ 650. .
من الذي يحق له طلب التفريق بالعيب؟
اختلف الجمهور القائلون بثبوت التفريق بالعيب، هل هو حق لكل من الزوجين أم للزوجة فقط؟
ذهب الأحناف إلى أن الذي يثبت له حق التفريق بالعيب هو الزوجة فقط، أما الزوج فلا يثبت له ذلك؛ لأنه يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق، أما الزوجة فلا يمكنها دفع الضرر عن نفسها إلا بإعطائها حق طلب التفريق؛ لأنها لا تملك الطلاق (1).
وذهب الأئمة الثلاثة إلى ثبوت طلب التفريق بالعيب لكل من الزوجين؛ لأن كلا منهما يتضرر بالعيب، ويوجد فيه نفرة من الآخر تمنعه من قربانه بالكلية، ويخاف السليم منها العدوى إلى نفسه ونسله، والمجنون يخاف منه الاعتداء.
أما اللجوء إلى الطلاق فيؤدي إلى إلزام الزوج بكل المهر بعد الدخول وبنصفه قبله، وفي التفريق يعفى الزوج من نصف المهر قبل الدخول وبعده، يجب لها المسمى عند المالكية والحنابلة، ومهر المثل عند الشافعية (2).
العيوب التي تجيز التفريق:
اتفق الجمهور القائلون بجواز التفريق بالعيب على جواز التفريق بعيبين، وهما: الجب (3)، والعنة، واختلفوا في عيوب أخرى على
(1) البناية 4/ 766.
(2)
الكافي 2/ 565 - 566، مغني المحتاج 3/ 250، المغني 6/ 656.
(3)
الجب: القطع، والرجل المجبوب: المقطوع الذكر.
مذاهب ثلاثة:
المذهب الأول: وبه قال أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف:
لا فسخ إلا بالعيوب الثلاثة التناسلية، وهي:(الجب والعنة والخصاء) إن كانت في الرجل؛ لأنها عيوب غير قابلة للزوال، فالضرر فيها دائم، ولا يتحقق معها المقصود الأصلي من الزواج، وهو: التوالد والإعفاف عن المعاصي، فكان لا بد من التفريق. أما العيوب الأخرى: من جنون أو جذام أو برص أو رتق أو قرن، فلا فسخ للزواج بها إن كانت بالزوجة أو الزوج، ولا خيار للآخر بها، وهذا هو الصحيح عند الأحناف.
وقال محمد بن الحسن: " للزوجة الخيار في فسخ النكاح إن كانت هذه العيوب بالزوج؛ دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة،
وليس للزوج الخيار إن كانت بالمرأة؛ لأنه متمكن من دفع الضرر عنه بالطلاق " (1).
المذهب الثاني: وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة: يجوز الفسخ لأي واحد من الزوجين إذا وجد بالآخر عيبا من العيوب الآتي بيانها، إلا أنهم اختلفوا في عدد العيوب التي يثبت بها طلب التفريق بين الزوجين. فعددها عند المالكية ثلاثة عشر عيبا، أربعة يشتركان فيها وهي: الجنون والجذام والبرص والعذيطة (2)، وأربعة خاصة بالرجل وهي: الجب والخصاء والاعتراض والعنة، وخمسة خاصة بالمرأة وهي: الرتق والقرن والعفل والإفضاء (3) والبخر (4).
(1) البناية 4/ 763 - 766، مجمع الأنهر 2/ 463.
(2)
العذيطة بفتح الياء: التغوط عند الجماع. منح الجليل 3/ 381.
(3)
الإفضاء: اختلاط مسلك البول بمسلك الجماع، وصيرورتهما مسلكا واحدا. منح الجليل 3/ 382.
(4)
البخر: نتن الفرج. منح الجليل 3/ 382.
وليس من العيوب: القرع (1) والسواد والعمى والعور والعرج والزمانة ونحوها من العاهات، إلا إذا اشترط السلامة منها (2).
وعند الشافعية سبعة وهي: الجب والعنة والجنون والجذام والبرص والرتق والقرن. وليس منها: البخر ولا الاستحاضة والقروح السيالة والعمى والزمانة والبله والخصاء والإفضاء والتغوط عند الجماع؛ لأن هذه الأمور لا تفوت مقصود النكاح (3).
وعند الحنابلة ثمانية، ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي: الجنون والجذام والبرص، واثنان يختصان بالرجل وهما: الجب والعنة، وثلاثة تختص بالمرأة وهي: الفتق (4) والقرن والعفل (5).
المذهب الثالث: وبه قال الزهري وشريح وابن القيم: يجوز التفريق من كل عيب منفر بأحد الزوجين، سواء كان
(1) القرع: عدم نبات شعر الرأس من علة. منح الجليل 3/ 388.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 277، منح الجليل 3/ 379.
(3)
روضة الطالبين 7/ 177، مغني المحتاج 3/ 203.
(4)
وهو: انخراق ما بين مجرى البول ومجرى المني. المغني 6/ 651.
(5)
المغني 6/ 651. الإنصاف 8/ 186.