الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح:
الذي يبدو أن الراجح هو مذهب الأحناف ومن معهم، وذلك لظاهر الأدلة وتظافرها على ذلك، وأدلة مخالفيهم غير ناهضة للمعارضة، ومحتملة للتأويل.
المسألة الحادية عشرة: التطليق على المفقود:
إذا غاب الرجل عن زوجته وانقطع خبره ولم يعلم له موضع، فهل يجوز لزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم، فيضرب لها مدة تنتظر فيها، فإن جاء وإلا فبعد انتهاء تلك المدة تعتد منه عدة المتوفى عنها، ثم يباح لها الزواج بغيره، أو أنه لا يجوز لها ذلك، بل تصبر حتى يبلغها موته أو حياته بيقين؟
أولا: اتفق الأئمة الأربعة أن الأسير في أيدي الكفار لا تتزوج زوجته، ولا يقسم ماله ما لم تعلم وفاته بيقين، أو يمضي عليه زمان لا يمكن أن يعيش بعده. أما من غاب عن زوجته، أو فقد في المعركة بين المسلمين أو في الفتن التي تقع بين المسلمين، أو يخرج لتجارة أو طلب علم أو سياحة، فلا يعود وينقطع خبره، ولا يعلم له موضع، فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: وبه قال جمهور العلماء: من فقد - أي فقد كان - لا يجوز لزوجته الزواج ما لم تعلم وفاته بيقين، بقيام بينة على ذلك، أو
مضي مدة - يقدرها الحاكم - لا يمكن أن يعيش بعدها.
وحجتهم على ذلك: أن النكاح قد ثبت بيقين، وغيبة الزوج لا توجب الفرقة بينهما كما في غير المفقود، وموت المفقود في غيبة محتمل مشكوك فيه، فلا يزال يقين النكاح بين المفقود وزوجته بالشك في موته (1).
المذهب الثاني: إذا رفعت أمرها إلى الحاكم ضرب لها مدة تنتظر فيها، فإن جاء فيها فذاك، وإلا اعتدت بعدها عدة المتوفى عنها، ثم يباح لها الزواج.
وأصحاب هذا القول انقسموا إلى قسمين، تبعا للحالة التي يفقد عليها:
الحالة الأولى: إذا كان فقده في خرجة ظاهرها السلامة، كالتجارة وطلب العلم ونحو ذلك، فإن أحمد يوافق أصحاب المذهب الأول في عدم إباحة الزواج لزوجته وتقسيم ماله، ما لم تعلم وفاته بيقين (2).
وذهب مالك إلى أن زوجته إذا رفعت أمرها إلى الحاكم ضرب لها مدة أربع سنوات من وقت رفع أمرها إليه، فإن جاء فيها فذاك، وإلا اعتدت عدة المتوفى عنها، ثم يباح لها الزواج (3).
(1) الإشراف 4/ 103 - 104، البناية 6/ 66.
(2)
الروض الندي ص 342.
(3)
الكافي 2/ 567.
وحجته على ذلك: أن هذا قضاء عمر بن الخطاب (1).
الحالة الثانية: أن يفقد في حالة ظاهرها الهلاك، كأن يفقد في المعركة بين المسلمين والكفار، أو ينكسر بهم مركب وهم في البحر، فيغرق بعض رفقته ونحو ذلك. فعند المالكية: تعتد زوجته عدة المتوفى عنها زوجها بعد مضي سنة كاملة بعد الفحص عن حاله. وعند الحنابلة: تنتظر زوجته أربع سنوات، ثم تعتد عدة المتوفى عنها، ثم يباح لها الزواج ويقسم ماله.
وحجتهم على ذلك: أن هذا قضاء عمر بن الخطاب أيضا (2).
فإن فقد في الفتن التي تقع بين المسلمين فإن مالكا لا يضرب لهذا مدة ينتظر فيها، بل يجتهد الحاكم في القدر الذي يمكن أن يتصرف فيه من هرب وانهزام، فإذا غلب على ظنه أنه مات أذن لزوجته في الزواج بعد العدة وقسم ماله.
وحجته على ذلك: قياس هذا على من فقد في أيام الوباء بجامع غلبة الهلاك في مثل هذه الأحوال (3).
المذهب الثالث: وبه قال عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، والجمهور من التابعين: أن المقصود
(1) مصنف ابن أبي شيبة 4/ 237.
(2)
المغني 7/ 489.
(3)
الخرشى 4/ 154.