المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سادسا: حكم من تكرر منه شربها القتل أو الجلد - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: معنى الخمر لغة وشرعا:

- ‌ثانيا: عقوبة من ثبت عليه شرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين:

- ‌ثالثا: خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر: هل هي حد أو تعزير

- ‌رابعا: هل تجوز تجزئة عقوبة شارب الخمر

- ‌خامسا: ما يثبت به شربها من شهادة أو رائحة أو قيء ونحو ذلك:

- ‌ نقول عن فقهاء الإسلام في ذلك مع أدلتهم ومناقشتها:

- ‌سادسا: حكم من تكرر منه شربها القتل أو الجلد

- ‌سابعا: نجاسة الخمر:

- ‌ثامنا: هل ينطبق على الكلونيا تعريف الخمر أو لا؟ وما حكم شربها واستعمالها

- ‌الفتاوى

- ‌ الأخذ من اللحية وتغيير الشيب بالسواد

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ التوسل بالموتى وزيارة القبور

- ‌ الاحتفال بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بمناسبة المولد النبوي

- ‌معنى البدعة وإطلاقها في أبواب العبادات

- ‌ الذبح عند الأضرحة ودعاء أهلها

- ‌بدع في شهر رجب

- ‌ حفلات أعياد الميلاد

- ‌ الصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌ التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قراءة سورة يس عند المحتضر

- ‌ وضع المصحف على بطن الميت

- ‌ قراءة القرآن على الأموات

- ‌ وضع الحناء في يد المرأة المتوفاة التي تحتضر

- ‌بعض البدع التي تقال عند المحتضر

- ‌ توجيه المحتضر للقبلة

- ‌كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

- ‌ تقبيل الميت

- ‌تارك الصلاة لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين

- ‌ سؤال المغسل عن حال الميت

- ‌ الأولى بتغسيل الميت

- ‌ غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة

- ‌ غسل الرجل لامرأته والبنت الصغيرة

- ‌العلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا يغسلها زوجها

- ‌عدد من يتولى غسل الميت

- ‌ استخدام السدر في الغسل

- ‌ الأخذ من شارب وإبط وأظفار وعانة الميت

- ‌ نزع أسنان الذهب من الميت

- ‌تطييب الميت وكفنه

- ‌ تسويك الميت

- ‌حث النساء على المشاركة في غسل الميتات

- ‌ إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات

- ‌ تصوير غسل الميت للتذكير أو للتعليم

- ‌تغسيل المحرم إذا توفي

- ‌ تغسيل جريح المعركة إذا مات بعدها

- ‌المظلوم يغسل ويصلى عليه

- ‌كيفية تغسيل من مات في حادث وقد تشوه جسده

- ‌المغسل يخبر بعلامات الخير لا الشر

- ‌ حديث من غسل مسلما فستر عيوبه

- ‌كيفية تكفين الميت

- ‌كيفية تكفين المحرمة

- ‌عدد العقد في الكفن

- ‌حكم جعل كيس بلاستيك على من به جروح

- ‌يغير الكفن أو يغسل إذا خرج دم بعد التكفين

- ‌الصلاة على الجنازةمشروعة للجميع الرجال والنساء

- ‌له بكل جنازة قيراط

- ‌ السفر لأجل الصلاة على الميت

- ‌ تكثير الصفوف

- ‌ قراءة سورة بعد الفاتحة في صلاة الجنازة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ يطالب الورثة بالتعويض عن خسارته الفرصة للتقديم للبنك العقاري

- ‌ صادف يوم عرفة يوم جمعة

- ‌ إقامة الصلاة قبل الإمام الراتب

- ‌ الأب من الرضاعة هل تتحجب عنه زوجة الابن وكذلك زوجة ابن الابن أم لا

- ‌ يتزوج أخت أخيه من الرضاع

- ‌ عمرة المرأة التي تحرم بالبنطال والنقاب

- ‌ أقسم بكلمة " علي الطلاق بالثلاث لا أشرب الخمر ثانية "، وبعد ذلك وقع بالمحظور

- ‌ أفضل الشكوى، الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌ الرضاعة الصحيحة

- ‌ ينتسب إلي غير قبلته من أجل طلب العلم أو طلب الرزق

- ‌ الفرق بين المتمتع والقارن والمفرد

- ‌ رمي الجمرات عن والدي خوفا من الزحام

- ‌ لبس الإحرام بعد الوضوء في المدينة لأداء العمرة

- ‌ تقديم ذبح هدي التمتع أو القران قبل يوم النحر وقبل يوم عرفة

- ‌ من أهل مكة وأريد الحج فهل يجوز لي الإحرام من منى

- ‌ خطبة عرفة خاصة بإمام المسلمين أو هي عامة

- ‌ انتسب إلى غير قبيلته لأجل المعيشة أو طلب العلم

- ‌عبد العزيز بن باز - عالم فقدته الأمة

- ‌من هو الشيخ:

- ‌أخلاق الشيخ وطبائعه:

- ‌مكانته عند الآخرين:

- ‌وفاته:

- ‌الصور التي ينقض فيها الحاكم النكاح بين الزوجين

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المسألة الأولى: عدم حضور الشهود عند النكاح:

- ‌المسألة الثانية: تزويج الوليين المرأة:

- ‌المسألة الثالثة: إذا تزوج الكافر إحدى محارمه وأسلموا:

- ‌المسألة الرابعة: إسلام أحد الزوجين قبل صاحبه:

- ‌المسألة الخامسة: التفريق للعيب:

- ‌المسألة السادسة: التطليق للشقاق والضرر:

- ‌المسألة السابعة: الخلع:

- ‌المسألة الثامنة: التطليق على المولي:

- ‌المسألة التاسعة: التطليق على المظاهر:

- ‌المسألة العاشرة: التفريق بين المتلاعنين:

- ‌المسألة الحادية عشرة: التطليق على المفقود:

- ‌المسألة الثانية عشرة: التطليق للعجز عن النفقة:

- ‌المسألة الثالثة عشرة: التطليق بالإعسار بالمهر

- ‌الفصل الثاني: الصور التي لم تذكر إلا في مذهب واحد:

- ‌المسألة الأولى: الاختلاف في قدر المهر قبل البناء:

- ‌المسألة الثانية: إذا وطئ بعد الإشهاد على الطلاق:

- ‌الشك في عدد الركعات في الصلاةحكمه، أسبابه، علاجه

- ‌المبحث الأول: في بيان معاني بعض الألفاظ التي لها صلة بالبحث

- ‌أولا: الشك:

- ‌ثانيا: اليقين:

- ‌ثالثا: التحري:

- ‌رابعا: الظن:

- ‌خامسا: غلبة الظن:

- ‌سادسا: الوهم:

- ‌سابعا: الاشتباه:

- ‌المبحث الثاني: خلاف الفقهاء في المسألة:

- ‌المبحث الثالث: موضع سجود السهو لمن شك في عدد الركعات:

- ‌المبحث الرابع: في أسباب وقوع المصلي في الشك والنسيان وعلاجه:

- ‌أولا: أهم أسباب الشك والنسيان في الصلاة:

- ‌ثانيا: علاج هذه المشكلة:

- ‌الخاتمة: وفيها بيان لأهم نتائج وفوائد البحث:

- ‌الفصل الأول:

- ‌المبحث الأول: حكم الكلام الأجنبي المتعمد في الصلاة إذا كان لغير مصلحتها:

- ‌المبحث الثاني: حكم كلام الجاهل في الصلاة:

- ‌المبحث الثالث: حكم كلام المكره في الصلاة:

- ‌المبحث الرابع: حكم كلام الناسي:

- ‌المبحث الخامس: حكم الكلام الأجنبي المتعمد لإصلاح الصلاة:

- ‌المبحث السادس: حكم الكلام الواجب في الصلاة:

- ‌المبحث السابع: حكم رد السلام في الصلاة:

- ‌المبحث الثامن: حكم تحميد العاطس وتشميته في الصلاة:

- ‌المبحث التاسع: حكم التسبيح والفتح على الإمام في الصلاة:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌المبحث الأول: حكم الضحك في الصلاة:

- ‌المطلب الأول: حكم التبسم في الصلاة:

- ‌المطلب الثاني: حكم الضحك قهقهة في الصلاة:

- ‌المبحث الثاني: حكم التنحنح في الصلاة:

- ‌المبحث الرابع: حكم البكاء والأنين والتأوه في الصلاة:

- ‌الخاتمة:

- ‌ التمهيد:

- ‌ أقل التعزير:

- ‌ الزيادة في التعزير على عشر جلدات:

- ‌ أساس الخلاف:

- ‌ إيرادات ابن دقيق العيد:

- ‌الخلاصة:

- ‌ الزيادة في جلد التعزير على الحد:

- ‌ الرأي المختار:

- ‌ الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌سادسا: حكم من تكرر منه شربها القتل أو الجلد

وأطلقهما في الرعاية الكبرى (1). انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والحد واجب إذا قامت البينة، أو اعترف الشارب، فإن وجدت منه رائحة الخمر، أو رؤي وهو يتقيؤها، ونحو ذلك؛ فقد قيل: لا يقام عليه الحد؛ لاحتمال أنه شرب ما ليس بخمر، أو شربها جهلا بها، أو مكرها ونحو ذلك.

وقيل: يجلد إذا عرف أن ذلك مسكر، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة كعثمان وعلي وابن مسعود، وعليه تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اصطلح عليه الناس، وهو مذهب مالك وأحمد في غالب نصوصه (2). انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وحكم عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة بوجوب الحد برائحة الخمر من قيء الرجل أو قيئه خمرا اعتمادا على القرينة الظاهرة (3). انتهى.

(1) الإنصاف، 10/ 233.

(2)

السياسة الشرعية، 51.

(3)

الطرق الحكمية، 6.

ص: 59

‌سادسا: حكم من تكرر منه شربها القتل أو الجلد

؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

أحدهما: أنه يقتل، وبه قال ابن حزم ومن وافقه من أهل العلم.

والثاني: أنه لا يقتل، وبه قال جمهور أهل العلم.

وفيما يلي بيان القولين

ص: 59

مع الأدلة والمناقشة:

القول الأول: أن شارب الخمر إذا شرب ثم حد، ثم شرب ثم حد، ثم شرب ثم حد، ثم شرب الرابعة قتل، وهذا يقول به ابن حزم ومن يوافقه من أهل العلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقيل هو محكم، وقد يقال هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة، وقال أيضا: وطائفة يقولون إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك (1). انتهى المقصود.

والحجة لهذا القول:

1 -

قال ابن حزم: نا أحمد بن قاسم، نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم، نا جدي قاسم بن أصبغ، نا الحرث - هو ابن أبي أسامة - نا عبد الوهاب بن عطاء، نا قرة بن خالد، عن الحسن بن عبد الله بن النصري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال:" ائتوني برجل أقيم عليه الحد في الخمر فإن لم أقتله فأنا كاذب "(2). انتهى.

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه قال عبد الله: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة، فلكم علي أن أقتله (3)» . وأجيب عن هذا الحديث بأنه منقطع فلا حجة لهم فيه. قال ابن حجر: وهذا منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو،

(1) السياسة الشرعية، 49، 50.

(2)

المحلى لابن حزم 11/ 366.

(3)

سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 93).

ص: 60

كما جزم به ابن المديني وغيره، فلا حجة فيه، وإذا لم يصح هذا عن عبد الله بن عمرو لم يبق لمن رد الإجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره أنه لم يبلغه النسخ وعد ذلك من نزره المخالف، وقد جاء عن عبد الله بن عمرو أشد من الأول، فأخرج سعيد بن منصور عنه بسند لين قال: لو رأيت أحدا يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتلته (1). انتهى.

2 -

عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم (2)» ، رواه الخمسة إلا النسائي.

قال الشوكاني: قال البخاري هو أصح ما في هذا الباب، وأخرجه أيضا الشافعي والدارمي وابن المنذر وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة، وأخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد، والمحفوظ أنه عن معاوية، وأخرجه أبو داود من رواية أبان العطار، وفيه:«فإن شربوا - يعني بعد الرابعة - فاقتلوهم (3)» ، ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمر: قال: وأحسبه قال في الخامسة: «ثم إن شربها فاقتلوه (4)» ، قال: وكذا في حديث غطيف في الخامسة (5). انتهى.

3 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه (6)» ، رواه الخمسة إلا الترمذي.

(1) الفتح، 12/ 80.

(2)

سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 95).

(3)

سنن النسائي الأشربة (5662)، سنن أبو داود الحدود (4484)، سنن ابن ماجه الحدود (2572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 280)، سنن الدارمي الأشربة (2105).

(4)

سنن أبو داود الحدود (4482)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 95).

(5)

نيل الأوطار، 7/ 325.

(6)

سنن النسائي الأشربة (5662)، سنن أبو داود الحدود (4484)، سنن ابن ماجه الحدود (2572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 504)، سنن الدارمي الأشربة (2105).

ص: 61

وأجيب عن هذه الأحاديث وما في معناها أن القتل منسوخ، وأدلة النسخ:

أ - قال الترمذي: إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد. هكذا روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه. قال: ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله (1)» ، وأخرجه النسائي أيضا.

2 -

عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في - الثالثة أو الرابعة - فاقتلوه. فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة (2)» رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه، وأخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي، وأخرجه أيضا الخطيب، عن ابن إسحاق عن الزهري، عن قبيصة، قال سفيان بن عيينة: حدث الزهري بهذا، وعنده منصور بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما: كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث. وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة ولد عام الفتح، وقيل إنه ولد أول سنة من الهجرة، ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعده الأئمة من التابعين، وذكروا أنه سمع الصحابة. قال المنذري: وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إنه أتي به

(1) سنن الترمذي كتاب الحدود (1444)، سنن أبو داود الحدود (4482)، سنن ابن ماجه الحدود (2573)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 96).

(2)

سنن أبو داود الحدود (4485).

ص: 62

النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له، وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال: كان من علماء هذه الأمة. وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة. انتهى. ورجال الحديث مع إرساله ثقات، وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الأوزاعي أن الزهري راويه قال: بلغني عن قبيصة ولم يذكر أنه سمع منه. وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال: أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه، أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي، وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله (1). انتهى، من كلام الشوكاني.

وقال ابن حجر: وأخرجه الخطيب في المبهمات من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري، وقال فيه:«فأتي برجل من الأنصار يقال له: نعيمان، فضربه أربع مرات، فرأى المسلمون أن القتل قد أخر وأن الضرب قد وجب» .

وقال ابن حجر على قوله (بلغه): والظاهر أن الذي بلغ قبيصة ذلك صحابي فيكون الحديث على شرط الصحيح؛ لأن إبهام الصحابة لا يضر، وله شاهد أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: حدثت به ابن المنكدر، فقال: ترك ذلك، فقد «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بابن نعيمان فجلده ثلاثا ثم أتي به في الرابعة فجلده ولم يزد (2)» ، ووقع عند النسائي من طريق محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر «فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا قد شرب في الرابعة فلم يقتله» .

(1) نيل الأوطار، 7/ 326.

(2)

صحيح البخاري الحدود (6775)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 8).

ص: 63

وأخرجه من وجه آخر عن محمد بن إسحاق بلفظ: «فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع» . انتهى (1).

القول الثاني: أنه لا يقتل، وأن القتل منسوخ، وهذا قول جمهور العلماء. وفيما يلي بيان بعض من قال بذلك مع الأدلة والمناقشة:

قال الشوكاني: ذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ، قال الشافعي: والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره - يعني حديت قبيصة بن ذؤيب - ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. وقال الخطابي: قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير، وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. انتهى.

وحكى المنذري عن بعض أهل العلم أنه قال: أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر، وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه، إلا طائفة شاذة قالت: يقتل بعد حده أربع مرات للحديث، وهو عند الكافة منسوخ. انتهى.

وقال الترمذي: أنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث، وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث

(1) الفتح، 12/ 80.

ص: 64

" إذا سكر فاجلدوه " المذكور في الباب، وحديث الجمع بين الصلاتين (1). انتهى.

وقال ابن حجر: وأما ابن المنذر فقال: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به، ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعا قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة، وبإجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعد خلافه خلافا (2) انتهى.

وقال شيخ الإسلام: والقتل عند أكثر العلماء منسوخ (3) انتهى.

وقال شيخ الإسلام أيضا: وقد روي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها - في الثالثة أو الرابعة - فاقتلوه (4)» فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة، وأكثر العلماء لا يوجبون القتل، بل يجعلون هذا الحديث منسوخا وهو المشهور من مذاهب الأئمة. وبعد ذكره للقول بالقتل ودليله قال: والحق ما تقدم - ثم ذكر حديث عبد الله الحمار الثابت في الصحيح وسيأتي ذكره (5).

وقال ابن حزم: وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم: لا قتل عليه، وذكروا ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي

(1) نيل الأوطار، 7/ 326 - 327.

(2)

فتح الباري، 12/ 80.

(3)

السياسة الشرعية، 50.

(4)

مسند أحمد بن حنبل (2/ 214).

(5)

مجموع الفتاوى، 34/ 217.

ص: 65

وقاص (1). انتهى.

الأدلة:

الدليل الأول: روى ابن حزم: بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب الرجل فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه. فأتي برجل منا فلم يقتله (2)» . ونوقش بأنه لا يصح؛ لأنه لم يروه عن ابن المنكدر أحد متصلا إلا شريك القاضي وزياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر، وهما ضعيفان. ذكر ذلك ابن حزم (3).

وقد يجاب عن ذلك أولا بأن زياد صدوق، وثبت في روايته عن ابن إسحاق لا مطعن فيها عند أئمة الحديث. وقد يجاب عن ذلك ثانيا بأن الضعف الذي ادعاه بعض أئمة الحديث في شريك، وبعضهم في زياد يزول هنا بمتابعة أحدهما للآخر في رواية هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، كما تزول تهمة التدليس من ابن إسحاق برواية قبيصة بن ذؤيب الآتية، لأن المدلس إذا تابعه غيره من المعتبرين صار حديثه حسنا لغيره.

الدليل الثاني: ما رواه ابن حزم بسنده عن ابن شهاب، أن قبيصة بن ذؤيب حدثه، أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «قال لشارب الخمر: إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه. فأتي برجل قد شرب

(1) المحلى، 11/ 366.

(2)

مسند أحمد بن حنبل (2/ 191).

(3)

المحلى، 11/ 369.

ص: 66

ثلاث مرات فجلده، ثم أتي به في الرابعة فجلده، ووضع القتل عن الناس (1)».

وناقشه ابن حزم بأنه منقطع ولا حجة في المنقطع.

وقد مضى الجواب عن ذلك في الكلام على درجة هذا الحديث عند الاستدلال به على النسخ.

الدليل الثالث: ما رواه ابن حزم عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، أن «رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمته إلا يحب الله ورسوله (2)» .

وناقش ابن حزم هذا الحديث قائلا: " وأما حديث زيد بن أسلم الذي من طريق معمر عنه فمنقطع، ثم لو صح لما كانت فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أن ذلك كان بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل، فإذ ليس ذلك فيه فاليقين الثابت لا يحل تركه للضعيف الذي لا يصح، ولو صح لكان ظنا فسقط التعلق به جملة.

ولو أن إنسانا يجلده النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر ثلاث مرات قبل أن يأمر بقتله في الرابعة لكان مقتضى أمره صلى الله عليه وسلم استئناف جلده بعد ذلك ثلاث مرات ولا بد، لأنه عليه الصلاة والسلام من لفظ بالحديث المذكور أمر في المستأنف بضربه إن شرب ثم بضربه إن شرب ثانية ثم بضربه ثالثة،

(1) سنن أبو داود الحدود (4485).

(2)

صحيح البخاري الحدود (6780).

ص: 67

ثم بقتله رابعة هذا نص حديثه وكلامه عليه السلام، فإنما كان يكون حجة لو بين أنه أتي به أربع مرات بعد أمره عليه السلام بقتله في الرابعة، وهكذا القول سواء بسواء في حديث عمر الذي من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم " (1).

وأجيب عن ذلك بما يلي:

أولا: هذا الحديث أخرجه البخاري في الصحيح فقال: حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث، قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب:«أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله (2)» .

قال ابن حجر على هذا الحديث: وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتي به أكثر من خمسين مرة (3). انتهى. ثانيا: أن بعض الصحابة عمل بالناسخ، فأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند لين عن عمر بن الخطاب، أنه جلد أبا محجن الثقفي في الخمر ثماني مرار، وأورد نحو ذلك عن سعد بن أبي

(1) المحلى، 368، 369.

(2)

صحيح البخاري الحدود (6780).

(3)

فتح الباري، 12/ 78.

ص: 68