الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقاؤه. فإن تزوج الكافر معتدة لغيره وأسلما قبل انقضاء العدة، فرق القاضي بينهما أيضا عند الجمهور؛ لأنه لا يجوز نكاح المعتدة بالغير بالإجماع؛ لكونها مشغولة بعدة غيره.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم التفريق؛ لأن إثبات حرمة نكاح المعتدة للغير للشرع غير ممكن شرعا؛ لأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، وإثبات الحرمة حقا للزوج غير ممكنة أيضا؛ لأن الزوج لا يعتقد حرمة ذلك (1).
(1) مجمع الأنهر 1/ 369.
المسألة الرابعة: إسلام أحد الزوجين قبل صاحبه:
اتفق جميع العلماء على أن الزوجين المشركين إذا أسلما دام النكاح بينهما. وكذلك إذا أسلم الزوج ولم تسلم الزوجة، وكانت يهودية أو نصرانية، سواء - في الصورتين - بعد الدخول بالزوجة أو قبله؛ لأن في الأولى لم يحصل بينهما اختلاف في الدين، وفي الثانية لأنه يجوز للمسلم نكاح الكتابية في الإسلام، فبقاؤه أولى من ابتدائه. فإن أسلم الزوج وكانت الزوجة غير كتابية، أو أسلمت هي ولم يسلم هو، سواء كان كتابيا أو غيره، فإن لم يكن قد دخل بها الزوج
حصلت بينهما الفرقة مباشرة عند الجمهور (1).
وحجتهم على ذلك: قياس غير المدخول بها هنا على غير المدخول بها في الطلاق، فإن غير المدخول بها إذا طلقت لم تجب عليها العدة، فكذلك هنا (2)، ولأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (3).
وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاؤها على نكاح مشرك (4)، وإن كانت مدخولا بها فأي الزوجين أسلم قبل انتهاء عدة المرأة من يوم إسلام أحدهما دام النكاح بينهما، فإن لم يسلم المتخلف إلا بعد انتهاء العدة تبين أن الفرقة وقعت من وقت اختلاف الدين بينهما (5).
وحجتهم على ذلك: حديث ابن عباس: «كان المشركون على
(1) شرح السنة 9/ 94، المغني 6/ 614، الإشراف 4/ 210.
(2)
الكافي 2/ 549.
(3)
سورة الممتحنة الآية 10
(4)
المغني 6/ 614.
(5)
صحيح البخاري 6/ 172، البيهقي 7/ 187، الإشراف 4/ 208، شرح السنة 9/ 94، الفروع 5/ 247.
منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركين أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركين أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه. . . (1)» الحديث.
وذهب المالكية إلى أنها إذا أسلمت قبله وكانت غير مدخول بها بانت منه مباشرة؛ لأنه لا عدة عليها، وإن كانت مدخولا بها وأسلم الزوج في عدتها دام النكاح بينهما، وإلا فلا، وإن أسلم هو قبلها وأسلمت بعده بنحو شهر ثبت النكاح بينهما، سواء كانت مدخولا بها أو لا (2).
وحجتهم على دوام النكاح على المدخول بها إذا أسلم في عدتها حديث ابن عباس السابق.
وحجتهم على القسم الأخير قوله تعالى في سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (3) فإن الخطاب فيها للرجال دون النساء (4).
وذهب الأحناف إلى أنه لا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها في الحكم. فإذا كانا في دار الإسلام وأسلمت المرأة وزوجها كافر، عرض عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى فرق القاضي بينهما، وإن أسلم الزوج وتحته غير كتابية عرض عليها
(1) صحيح البخاري 6/ 172، البيهقي 7/ 187.
(2)
حاشية العدوي 2/ 65 ـ 66، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 267 - 269.
(3)
سورة الممتحنة الآية 10
(4)
الموطأ 2/ 545.
الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإلا فرق القاضي بينهما.
فإن أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر، أو أسلم الزوج وتحته غير كتابية لم يعرض على أحد منهما الإسلام؛ لعدم ولاية الإسلام في ذلك المكان، بل تكون الفرقة بينهما بأن تحيض ثلاث حيض، أو تمر بها ثلاثة أقراء إن لم تكن من ذوات الحيض، فتبين منه بعدها.
وحجتهم على ذلك: أن الإسلام ليس سببا للفرقة؛ لأنه طاعة، وكذلك كفر من أصر عليه؛ لأنه كان موجودا قبل ذلك، ولم يمنع من صحة النكاح وبقائه، وكذلك اختلاف الدين ليس سببا للفرقة، كما لو كان الزوج مسلما، والزوجة كتابية، فتعين أن يكون سبب الفرقة هو إباء من لم يسلم بعد عرض الإسلام عليه، فلا دخل حينئذ لكون الزوجة مدخولا بها (1).
وذهب عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، وقتادة، وعمر
(1) المبسوط 5/ 45 - 46، البناية 4/ 316 - 320.
بن عبد العزيز، والحكم، وابن شبرمة، وأبو ثور، إلى أن الفرقة تقع بينهما بمجرد إسلام أحدهما وتخلف الآخر (1).
وحجة هؤلاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2). فإن في الآية بيان عدم حل المسلمات للكافرين، والمسلمين للكافرات، فتقع الفرقة بمجرد عدم حل أحدهما للآخر لأجل الإسلام (3).
(1) الإشراف 4/ 208، المغني 6/ 616، فتح الباري 9/ 420.
(2)
سورة الممتحنة الآية 10
(3)
المغني 6/ 616، فتح الباري 9/ 420، عمدة القارئ 20/ 272.