الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وسلم لم يسنه لنا (1)».
ولنا: أنه حد وجب لله فلم يجب ضمان من مات به، كسائر الحدود، وما زاد على الأربعين قد ذكرنا أنه من الحد وإن كان تعزيرا، فالتعزير يجب وهو بمنزلة الحد.
وأما حديث علي فقد صح عنه أنه قال: «جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين (2)» وثبت الحد بالإجماع فلم تبق فيه شبهة (3).
(1) صحيح البخاري الحدود (6778)، صحيح مسلم الحدود (1707)، سنن أبو داود الحدود (4486)، سنن ابن ماجه الحدود (2569)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 130).
(2)
صحيح البخاري الحدود (6778)، صحيح مسلم الحدود (1707)، سنن أبو داود الحدود (4481)، سنن ابن ماجه الحدود (2571)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82)، سنن الدارمي الحدود (2312).
(3)
المغني، 9/ 145.
رابعا: هل تجوز تجزئة عقوبة شارب الخمر
؟
الكلام في تجزئة عقوبة شارب الخمر مبني على الكلام في أن العقوبة هل هي حد أو تعزير، وقد سبق بيانه.
فعلى القول بأنها تعزير يقال بجواز التجزئة؛ لأن التعزير يدخله الاجتهاد، وكذلك القول فيما زاد عن الأربعين عند من يقول بأن الحد أربعون وما زاد عليها فهو تعزير.
وعلى القول بأنها حد وأن الحد لا يدخله الاجتهاد لا تجوز التجزئة.
ونظرا إلى أن الحكم بتجزئة العقوبة أو عدمها ينبني على قاعدة أصولية، وهي تمييز ما يدخله الاجتهاد وما لا يدخله، فإننا ننقل عن بعض علماء الأصول في ذلك، ومنها يتحدد ما فيه للاجتهاد مجال وما لا مجال فيه للاجتهاد.
قال الشاطبي: محال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وضح في كل واحد منهما قصد الشارع في الإثبات في
أحدهما والنفي في الآخر، فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي ولا إلى طرف الإثبات.
وبيانه أن نقول: لا تخلو أفعال المكلف أو تروكه إما أن يأتي فيها خطاب من الشارع أو لا. فإن لم يأت فيها خطاب فإما أن يكون على البراءة الأصلية أو يكون فرضا غير موجود، والبراءة الأصلية في الحقيقة راجعة إلى خطاب الشارع بالعفو أو غيره.
وإن أتى فيها خطاب فإما أن يظهر فيه للشارع قصد في النفي أو في الإثبات أو لا، فإن لم يظهر له قصد البتة فهو قسم المتشابهات، وإن ظهر فتارة يكون قطعيا وتارة يكون غير قطعي.
فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو في الإثبات، وليس محلا للاجتهاد وهو قسم الواضحات؛ لأنه واضح الحكم حقيقة، والخارج عنه مخطئ قطعا.
وأما غير القطعي فلا يكون كذلك إلا مع دخول احتمال فيه أن يقصد الشارع معارضة أو لا، فليس من الواضحات بإطلاق، بل بالإضافة إلى ما هو أخفى منه، كما أنه يعد غير واضح بالنسبة إلى ما هو أوضح منه؛ لأن مراتب الظنون في النفي والإثبات تختلف بالأشد والأضعف حتى تنتهي إما إلى العلم وإما إلى الشك، إلا أن هذا الاحتمال تارة يقوى في إحدى الجهتين وتارة لا يقوى، فإن لم يقو رجع إلى قسم المتشابهات، والمقدم عليه حائم حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن قوي في إحدى الجهتين فهو قسم المجتهدات وهو الواضح الإضافي بالنسبة إليه في نفسه وبالنسبة إلى أنظار المجتهدين. فإن كان المقدم عليه من أهل الاجتهاد
فواضح في حقه في النفي أو في الإثبات إن قلنا: إن كل مجتهد مصيب، وأما على قول المخطئة فالمقدم عليه إن كان مصيبا في نفس الأمر فواضح، وإلا فمعذور.
وقد تقرر من هذا الأصل أن قسم المتشابهات مركب من تعارض النفي والإثبات، إذ لو لم يتعارضا لكان من قسم الواضحات، وأن الواضح بإطلاق لم يتعارض فيه نفي مع إثبات، بل هو إما منفي قطعا وإما مثبت قطعا، وأن الإضافي إنما صار إضافيا؛ لأنه مذبذب بين الطرفين الواضحين، فيقرب عند بعض من أحد الطرفين، وعند بعض من الطرف الآخر، وربما جعله بعض الناس من قسم المتشابهات، فهو غير مستقر في نفسه، فلذلك صار إضافيا، لتفاوت مراتب الظنون في القوة والضعف.
ويجري مجرى النفي في أحد الطرفين إثبات ضد الآخر فيه، فثبوت العلم مع نفيه نقيضان، كوقوع التكليف وعدمه، وكالوجوب وعدمه وما أشبه ذلك. وثبوت العلم مع ثبوت الظن أو الشك ضدان، كالوجوب مع الندب أو الإباحة أو التحريم وما أشبه ذلك. وهذا الأصل واضح في نفسه غير محتاج إلى إثباته بدليل، ولكن لا بد من التأنيس فيه بأمثلة يستعان بها على فهمه وتنزيله والتمرن فيه إن شاء الله.
فمن ذلك أنه نهى عن بيع الغرر، ورأينا العلماء أجمعوا على منع بيع الأجنة، والطير في الهواء، والسمك في الماء، وعلى جواز بيع الجبة التي حشوها مغيب عن الأبصار، ولو بيع حشوها بانفراده لامتنع، وعلى جواز كراء الدار مشاهرة مع احتمال أن يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين، وعلى