الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الضرورات التي تبيح نقل الدم
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن الحماد العمر سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالإشارة إلى خطابك لنا الذي تسأل فيه عن مسألة وهي:
هل يجوز تزويد دم المسلم بدم غيره من بني الإنسان إذا احتيج لذلك كما في حالة النزيف أو الإصابة بالجراح ونحو ذلك، أم لا؟
والجواب على هذا السؤال يستدعي الكلام على ثلاثة أمور:
الأول: من هو الشخص الذي ينقل إليه الدم.
الثاني: من هو الشخص الذي ينقل منه الدم.
الثالث: من هو الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم.
أما الأول: فهو أن الشخص الذي ينقل إليه الدم هو من توقفت حياته إذا كان مريضا أو جريحا على نقل الدم. والأصل في هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، وقال سبحانه في آية أخرى:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)،
(1) سورة النحل الآية 115
(2)
سورة المائدة الآية 3
وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (1).
وجه الدلالة من هذه الآيات: أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من آخر بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل هذا الدم إليه، وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء.
وأما الثاني: فالذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار (2)» .
وأما الثالث: فهو أن الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم، وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهوديا كان أو نصرانيا إذا كان خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان. والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا مشركا هاديا خريتا ماهرا (3)» .
(1) سورة الأنعام الآية 119
(2)
أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني.
(3)
أخرجه البخاري.
قال ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) ما نصه: في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الديلي هاديا في وقت الهجرة وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة. لا يلزم من مجرد كونه كافرا ألا يوثق به في شيء أصلا؛ فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق، ولا سيما في مثل طريق الهجرة. وقال ابن مفلح في كتابه (الآداب الشرعية) نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه: إذا كان اليهودي والنصراني خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطبه، كما يجوز له أن يودعه ماله وأن يعامله كما قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (1)، وفي الصحيح:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا مشركا هاديا خريتا ماهرا (2)» وائتمنه على نفسه وماله. وكانت خزاعة عيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم (العيبة) موضع السر، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب
(1) سورة آل عمران الآية 75
(2)
صحيح البخاري الإجارة (2264)، سنن أبي داود اللباس (4083)، مسند أحمد (6/ 212).
الحارث بن كلدة وكان كافرا. وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه. وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي واستطبابه فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها. انتهى كلامه.
هذا مذهب المالكية. وقال المروذي: أدخلت على أبي عبد الله نصرانيا فجعل يصف وأبو عبد الله يكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريت له. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 3819 ـ 1 في 2/ 12/1388 هـ)