الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه طلبات الخصوم وأصول تنزيل الأحكام على الوقائع على ضوء ما يتقرر له من الحكم الكلي الفقهي.
المرحلة الخامسة: فحص تنزيل الحكم على الواقعة.
إن على القاضي متى تحرر له تنزيل الحكم على الواقعة قبل إعلانه وترتيب الحكم عليه بتقرير الحكم القضائي أن يراجعه، وذلك بمراجعة الخطوات التي سلكها لتقرير تنزيل الحكم على الواقعة من تنقيح الوقائع، وتعيين الواقعة المؤثرة، وطرق إثباتها، وفحص أدلتها واستنباطها، وتقريرها بطرق الحكم، وتحديد الحكم الفقهي الكلي الملاقي لها، مع مراعاة أصول تنزيل الأحكام على الوقائع، وتفسير الوقائع والأحكام الكلية، مستعينا في ذلك بتقمص شخصية المخالف، وفرض الاعتراضات والإجابة عليها، فإن رأى ما يستوجب العدول أو التعديل قرره، أو تأكد عنده بعد ذلك سلامة ما قام به من تنزيل الحكم على الواقعة قرره وأظهره.
الخاتمة:
وفيها أبرز نتائج البحث والتوصيات المتعلقة به.
بعد الانتهاء من هذا البحث أذكر أبرز نتائجه والتوصيات التي أراها حوله.
أولا: أبرز نتائج البحث:
1 -
أن تنزيل الأحكام على الوقائع هو تطبيق الحكم الكلي على الواقعة في القضاء والفتيا وما في حكمهما من اكتمال ما يلزم
لذلك.
2 -
وجوب الاجتهاد في تنزيل الأحكام على الوقائع في الفتيا والقضاء، كما يجب تأهيل المفتي والقاضي لذلك.
3 -
الفصل في القضاء والفتوى بحكم صحيح يستدعي تطبيقا سليما مستوفيا للضوابط التالية:
أ - تحديد الحكم الكلي الواجب التطبيق المبني على أصل صحيح مع تفسيره.
ب - الواقعة المؤثرة المفسرة، وكذا النظر في إثباتها عند التقاضي.
ج - مراعاة أصول تنزيل الأحكام على الوقائع، وهي كالتالي:
- النظر في المآلات عند تنزيل الأحكام على الوقائع.
- مقصد الشرع وحكمة التشريع.
- الفروق بين الوقائع والأشخاص.
- الضرورات والحاجات.
- درء الحدود والقصاص بالشبهات.
ثانيا: التوصيات:
أوصي في ختام هذا البحث بما يلي:
1 -
وجوب الاعتناء بتأهيل القضاة ومن في حكمهم بالخبرة والتجربة مما يؤهلهم لتنزيل الأحكام على الوقائع.
2 -
وجوب الاعتناء بتدريس موضوع تنزيل الأحكام على الوقائع في الكليات والمعاهد المتخصصة التي يتخرج فيها القضاة والمفتون ومن في حكمهم.
3 -
الربط بين أصول الفقه وتنزيل الأحكام على الوقائع من خلال تدريس الحكم عند الأصوليين وبيان كيف يتم استثماره عند التطبيق على الوقائع في الفتيا والقضاء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صفحة فارغة
مسائل مصطلح الحديث
لفضيلة الدكتور محمد بن عبد الله القناص (1)
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الحافظ ابن عبد الهادي قد جادت قريحته، وسال قلمه في كتابه:" الصارم المنكي في الرد على السبكي "، فتناول مسائل عديدة في علوم الحديث، بسط القول فيها، وبذل جهدا كبيرا في تحريرها وتوضيحها، وقد من الله علي بقراءة الكتاب، وكان ذلك قبل بضع سنين، وكنت أسجل هذه المسائل والفوائد في طرة الكتاب، ثم رأيت أن ألم شعثها، وأضم متفرقها، وأستكمل دراستها في بحث مستقل، وذلك لسببين:
1 -
أن هذه المسائل متناثرة في ثنايا الكتاب، متفرقة في تضاعيفه، مما قلل الاستفادة منها والوقوف عليها، وجمعها في بحث واحد يسهل الرجوع إليها والاستفادة منها، والاطلاع على
(1) الأستاذ المساعد بكلية الشريعة وأصول الدين، جامعة القصيم.
اختيارات الحافظ ابن عبد الهادي في قضايا عديدة من قضايا علوم الحديث.
2 -
أهمية القضايا التي تطرق إليها الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه " الصارم المنكي في الرد على السبكي "، فهي قضايا جوهرية يحسن إبرازها وإظهارها، لا سيما والساحة العلمية تشهد إقبالا على هذا العلم الشريف، ورغبة في فهم قواعده وأصوله، وهذه النهضة العلمية في حاجة إلى تسديد مسيرتها وترشيد خطواتها، وآراء الحافظ ابن عبد الهادي واختياراته تسهم في تحرير العديد من مسائل هذا العلم، فهو من الأئمة الذين رسخوا في هذا الفن، وجمعوا بين الإلمام بقواعده وأصوله، والممارسة العملية التطبيقية، مما يجعل آراءه مسددة واختياراته موفقة.
وخصصت هذا البحث في مسائل مصطلح الحديث، وسوف أفرد قضايا مناهج المحدثين في بحث آخر، وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة.
المقدمة: وفيها بيان أهمية الموضوع، وسبب اختياره.
التمهيد: وفيه تعريف موجز بالحافظ ابن عبد الهادي وكتابه: " الصارم المنكي في الرد على السبكي ".
المبحث الأول: التفرد.
المبحث الثاني: حكم المرسل والاحتجاج به.
المبحث الثالث: تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد.
المبحث الرابع: قاعدة: فلان لا يروي إلا عن ثقة غالبية.
الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها.
وأرجو أن أكون قد وفقت من خلال هذا البحث المتواضع في إبراز اختيارات وآراء الحافظ ابن عبد الهادي في العديد من قضايا علوم الحديث، إلى جانب استكمالها وتوضيحها، وأسأل الله أن يجعل فيما قدمت نفعا، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، والحمد لله أولا وأخيرا، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
تمهيد:
تعريف موجز بالحافظ ابن عبد الهادي، وكتابه " الصارم المنكي في الرد على السبكي ":
ابن عبد الهادي: هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام المقدسي، الجماعيلي الأصل ثم الصالحي، الحنبلي، أبو عبد الله، شمس الدين، يقال له:" ابن عبد الهادي " نسبة إلى جده.
ولد سنة (705 هـ) بصالحية دمشق في جبل قاسيون على الراجح من أقوال العلماء، ونشأ في بيت علم وأدب، فكان أبوه وعمه وأجداده وإخوته من أهل العلم والفضل، فنشأ محبا للعلم مولعا به، وصرف إليه جل عنايته واهتمامه، وقد تلقى ابن عبد الهادي العلم عن أعلام من شيوخ عصره مما كان له الأثر الواضح في تكوين شخصيته العلمية إلى جانب ما أوتي من قوة الحفظ وحدة الذكاء والرغبة في التحصيل، حتى أصبح عالما بارعا، ومحدثا ناقدا، ومن العلماء الذين أخذ عنهم وتأثر بهم:
1 -
أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (654 هـ - 742 هـ)، فقد لازمه نحوا من عشر سنين، وقرأ عليه كتابه " تهذيب الكمال "، وتخرج على يديه في علم الرجال والعلل حتى صار إماما فيه، وظل يعترف بفضل شيخه عليه، وقد أشار ابن عبد الهادي إلى
ذلك بقوله: " وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرا في هذا العلم "(1).
2 -
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، شيخ الإسلام (661 هـ - 728 هـ)، فقد لازمه ما يقرب من خمس سنين، وأحبه حبا عظيما، وكان يتردد إليه كثيرا، وقد أشار إلى ذلك فقال:" وكنت أتردد إليه عندما كان يدرس بالحنبلية، وبمدرسته بالقصاصين، وقرأت عليه قطعة من الأربعين للرازي، وشرحها لي، وكتب لي على بعضها شيئا "(2)، وقد خصه ابن عبد الهادي بترجمة واسعة أسماها " العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ".
تلاميذه:
وتتلمذ على ابن عبد الهادي عدد من التلاميذ منهم:
إسماعيل بن محمد بن يونس المقرئ (ت 764 هـ)، علي بن أبي بكر بن أحمد بن البالسي المصري (767 هـ)، أحمد بن يوسف بن مالك الغرناطي أبو جعفر الأندلسي (ت 779) وغيرهم.
وقد وفق ابن عبد الهادي لنخبة من الأقران شاركوه في التلقي ومدارسة العلم، منهم: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 هـ - 748 هـ)، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، ابن القيم (691 هـ 751 هـ)، وصلاح الدين
(1) طبقات علوم الحديث (4/ 276).
(2)
العقود الدرية في مناقب ابن تيمية ص (326، 327).
أبو سعيد خليل بن كيكلدي العلائي (694 هـ - 761 هـ)، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح (ت 763 هـ)، وعماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (700 هـ - 774 هـ).
وحظي ابن عبد الهادي بمنزلة علمية مرموقة ومكانة رفيعة أهلته لتولي التدريس في أكبر المدارس الموجودة آنذاك ببلاد الشام ومنها: المدرسة الصدرية، والمدرسة الضيائية ويقال لها: دار الحديث المحمدية، والمدرسة العمرية، وهي من أشهر المدارس في عصره.
وقد أثنى على ابن عبد الهادي عدد كبير من العلماء الذين عاصروه، والذين ترجموا له، وشهدوا له بسعة العلم وكثرة الاطلاع، والتفنن في العلوم، والتبحر في علم الرجال والعلل.
وقال ابن كثير: " الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلم، حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين والتاريخ. . . "(1).
وقال الذهبي: " الفقيه البارع المقرئ المجود المحدث الحافظ النحوي الحاذق صاحب الفنون، وعني بفنون الحديث ومعرفة الرجال. . . "(2)، وقال صلاح الدين الصفدي: " لو عاش كان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسائل أدبية وفوائد عربية، فينحدر كالسيل،
(1) البداية والنهاية (18/ 466).
(2)
نقله ابن رافع في الوفيات (2/ 458) من المعجم الملخص للذهبي.
وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال، ويرد عليه ويقبل منه ".
هذه مقتطفات من ثناء الأئمة على الحافظ ابن عبد الهادي، وهي تدل على علو شأنه، وعظيم مكانته، وسمو منزلته.
وخلف ابن عبد الهادي مؤلفات كثيرة تزيد على سبعين كتابا في كثير من العلوم والفنون، وهي ما بين أجزاء حديثية صغيرة، ومجلدات كبيرة، وبعضها لم يكمله؛ لهجوم المنية عليه في سن الأربعين، ومن أشهر مؤلفاته: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، المحرر في أحاديث الأحكام، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، شرح كتاب العلل لابن أبي حاتم الرازي.
واتفقت الروايات على أن وفاته كانت في يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى سنة 744 هـ، وذكر ابن كثير أنه مرض قريبا من ثلاثة أشهر، وقال: وأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.
وأما كتابه " الصارم المنكي في الرد على السبكي "، ويسميه بعضهم:" الكلام على أحاديث الزيارة "، فقد رد فيه ابن عبد الهادي على كتاب أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756 هـ) المسمى:" شفاء السقام في زيارة خير الأنام "، أو " شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة "، والذي رد فيه تقي الدين السبكي على شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الزيارة وشد الرحال وإعمال المطي لمجرد زيارة القبور.
وقد أبرز ابن عبد الهادي في مقدمة كتابه " الصارم المنكي " مجمل ملاحظاته وانتقاداته لكتاب تقي الدين السبكي، وهي تتلخص فيما يلي:
1 -
تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة.
2 -
تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة، وتحريفها عن مواضعها، وصرفها عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة.
3 -
لم يكن المؤلف متجردا فيما كتب، بل اتبع هواه، وذهب في كثير مما قرره إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة، وخرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها، ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها.
وقد أخذ ابن عبد الهادي يرد على الكتاب بابا بابا، ويتكلم على الأحاديث التي استشهد بها السبكي ويبين عللها وضعفها، حتى وصل إلى الباب الخامس وهو في تقرير كون الزيارة قربة، فأدركته المنية قبل إكماله، وبقي في كتاب السبكي أبواب أخرى لم يرد عليها ابن عبد الهادي، منها: التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وحياة الأنبياء في قبورهم، والشفاعة. . . .