الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشطرا الحكم الكلي: الأثر، والمؤثر.
فالمؤثر: هو معرفات الحكم من السبب والشرط والمانع، وهي التي يطلق عليها (الحكم الوضعي).
والأثر: هو الحكم التكليفي من الوجوب والحرمة والإباحة
…
إلخ، فكأنه قيل: إذا حدث كذا وكذا سوف يحكم بكذا وكذا (1)؛ وكذا يقول القرافي (ت:684هـ): " إن معنى خطاب الوضع - أي معرفات الحكم - قول صاحب الشرع: اعلموا أنه متى وجد كذا، في وجود المانع أو عدم الشرط "(2).
وهذا الأمر (تحليل الحكم الكلي إلى شطرين) مما ينبغي العناية به واستحضاره عند تنزيل الأحكام على الوقائع بالمطابقة بين الحكم الكلي والواقعة قضائية كانت أم فتوية.
(1) كتابنا: " توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية " 1/ 108.
(2)
الفروق 1/ 162.
المطلب الثاني: صفات الحكم الكلي
إن الحكم الكلي يتكون من شطرين هما: معرفات الحكم (الحكم الوضعي)، والحكم (وهو الذي يطلق عليه الحكم التكليفي)، وهو الأصل في الإطلاق، المعرفات تابعة له؛ لأنه لا يتم بدونها،
وشطرا الحكم في حقيقتهما نظم واحد يطلق عليه: الحكم الكلي وهو أمر أو حظر أو إباحة على أوصاف عامة منزلة في الذهن، والأمر والحظر والإباحة صفات أحكام لا صفات أعيان، ولذا فإن للحكم الكلي صفتين هما: أنه عام، ومجرد (1)، وقد أشار إليهما ابن خلدون (ت: 808هـ) وهو يحدد وظيفة العلماء في التقعيد والتأصيل، فهو يقول: " إنهم معتادون النظر الفكري، والغوص على المعاني، وانتزاعها من المحسوسات، وتجريدها في الذهن، أمورا كلية عامة؛ ليحكم عليها بأمر العموم لا بخصوص مادة، ولا شخص، ولا جيل، ولا أمة، ولا صنف من الناس، ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات، و - أيضا - يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهي، فلا تزال أحكامهم وأنظارهم كلها في الذهن، ولا تصير إلى المطابقة إلا بعد الفراغ من البحث والنظر
…
".
كما أشار إلى صفتي الحكم من العموم والتجريد الشاطبي (ت: 790هـ) بقوله: " لأنها [يعني: الأحكام الكلية] مطلقات وعمومات، وما يرجع إلى ذلك "(2).
(1) كتابنا: توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية 1/ 111.
(2)
الموافقات في أصول الشريعة 4/ 93.
وهذا بيان لصفتي الحكم الكلي من العموم والتجريد:
أ - العموم:
والمراد به: عموم الحكم الكلي لكل الأشخاص والأزمان والوقائع التي تندرج تحته (1).
فهو عام للمكلفين، فلا يخص شخصا أو واقعة بعينها، ولا يشترط فيه سوى التهيئة الظاهرة، فهو محدد بالأوصاف والشروط المقررة، لا بأشخاص أو أعيان بذواتهم، وهذا يجعل الحكم الكلي صالحا للتطبيق على عموم الأشخاص والأعيان الذين تحقق فيهم الأوصاف والشروط المذكورة فيه، وإنما كان الحكم الكلي عاما حتى يشمل صورا كثيرة غير متناهية مما يدخل تحته.
يقول ابن تيمية (ت: 728هـ): " إن الأحكام الجزئية من حل هذا المال لزيد وحرمته على عمرو لم يشرعها الشارع شرعا جزئيا، وإنما شرعها شرعا كليا بمثل قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2)
(1) كتابنا: " توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية " 1/ 112.
(2)
سورة البقرة الآية 275
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (1)، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (2)، وهذا الحكم الكلي ثابت، سواء وجد البيع المعين أو لم يوجد، فإذا وجد بيع معين أثبت ملكا معينا ".
ويقول الشاطبي (ت: 790هـ): " إن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر "(3).
فالقاضي والمفتي عند تنزيل الحكم الكلي على شخص أو واقعة معينة، كأنه يخصه بهذا الحكم من عموم الصور والوقائع التي تندرج تحته.
ب - التجريد:
المراد به: افتراض الحكم الكلي عند تقريره كائنا في الأذهان على الأوصاف المجردة عن الأشخاص المعينين والأعيان المحددة.
(1) سورة النساء الآية 24
(2)
سورة النساء الآية 3
(3)
الموافقات في أصول الشريعة 4/ 92.