الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هشيم، وحفص بن غياث: منكرا. فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة التبوذكي، وقالوا: هذا منكر " (1).
ويستفاد من كلام الذهبي أنه يراعى في موضوع التفرد اعتبار طبقة الراوي، فيحتمل التفرد في طبقة التابعين وثقات أتباع التابعين، وأما ما بعد ذلك، فالغالب أن يكون خطأ أو وهما من المتفرد، وقد يستنكره الأئمة.
(1) الموقظة (ص: 77، 78).
المبحث الثاني: حكم المرسل والاحتجاج به
.
المرسل هو: ما رواه التابعي كبيرا أو صغيرا - عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، وهذا هو المشهور.
وفي معرض رد الحافظ ابن عبد الهادي على السبكي في تقويته لبعض المراسيل الضعيفة تحدث ابن عبد الهادي رحمه الله عن المرسل، وقد تضمن كلامه على المرسل ثلاث نقاط:
1 -
حكم المرسل عند أئمة الحديث وتفاوت درجاته من حيث القبول والرد، قال رحمه الله:" ولو اطلع هذا المعترض على بعض كلام الشافعي وغيره من الأئمة في الاحتجاج ببعض المراسيل وترك الاحتجاج ببعضها لم يقل مثل هذا القول. . . وها أنا أذكر طرفا من كلام الأئمة على حكم المرسل ليطلع عليه من أحب الوقوف عليه "(1).
ثم ساق كلام ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل، باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها الحجة، حدثنا أحمد بن سنان قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول: هو بمنزلة الريح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن المديني، قال: قلت ليحيى بن سعيد: سعيد بن المسيب عن أبي بكر؟ قال: ذاك شبه الريح، وبه قال: حدثنا علي بن المديني قال: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.
وبه قال: حدثنا علي - يعني: ابن المديني - قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء، قلت: مرسلات مجاهد أحب إليك أو مرسلات طاوس؟ قال: ما أقربهما. وبه قال: سمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب
(1) الصارم المنكي (ص: 141).
أحب إلي من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكل ضعيف.
حدثنا صالح حدثنا علي قال: سمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء؛ لأنه لو كان فيه إسناد لصاح به، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات أبي إسحاق - يعني: الهمداني - عندي شبه لا شيء، والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير - يعني: مثله -. وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات ابن أبي خالد - يعني: إسماعيل بن أبي خالد - ليس بشيء، ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد بن أسلم، وبه قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسلات ابن عيينة شبه الريح، ثم قال: إي والله وسفيان بن سعيد، قلت: مرسلات مالك بن أنس؟ قال: هي أحب إلي، ثم قال: ليس في القوم أصح حديثا من مالك، وبه قال: سمعت يحيى - يعني: ابن سعيد القطان - يقول: كان شعبة يضعف إبراهيم عن علي، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة. (1).
هذا ما نقله ابن عبد الهادي ليدلل على تفاوت المراسيل من حيث القوة والضعف، وغالب ما أورده عن يحيى بن سعيد القطان،
(1) الصارم المنكي (ص: 141/ 143)، وينظر: كتاب المراسيل لابن أبي حاتم (ص: 3 - 7).
وقد تضمن كلامه عن يحيى بن سعيد تضعيف مرسلات عطاء، وأبي إسحاق، والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير، والثوري، وابن عيينة، وأن مرسلات مجاهد، وطاوس، وسعيد بن المسيب، ومالك أحب إليه منها.
قال الحافظ ابن رجب: " كلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب:
أ - من عرف روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره.
ب - من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك.
ج - من قوي حفظه ويحفظ كل ما سمعه، ويثبت في قلبه، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه، يكون بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ، وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثا، وقال: ليس هو من حديثك، إنما ذوكرت به فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه، وليس هو من حديثك.
د - أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه، بل يسميه، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيرا، يكنون عن الضعيف ولا يسمون، بل يقولون: عن رجل " (1).
(1) ينظر: شرح علل الترمذي (1/ 283).
2 -
أورد كلام الشافعي في حكم المرسل والاحتجاج به.
قال رحمه الله: " والمنقطع مختلف: فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين، فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روي كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم؟ فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله، وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا له، فإن وجد يوافق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يعتبر عليه: بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما
روى عنه.
ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص: كانت في هذا دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا منهم قبول مرسله، قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة ثبتت بها ثبوتها بالمتصل.
وذلك أن معنى المنقطع مغيب، يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي، وأن بعض المنقطعات - وإن وافقه مرسل مثله - فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا من حيث لو سمي لم يقبل، وإن قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال برأيه لو وافقه - لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء.
قال الشافعي: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا منهم يقبل مرسله؛ لأمور أحدها: أنهم تجوزوا فيمن يروون عنه، والآخر: أنهم تؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه، والآخر: كثرة
الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه " (1).
3 -
وضح الحافظ ابن عبد الهادي خلاصة ما تضمنه كلام الشافعي، ثم ذكر اختياره في حكم المرسل والاحتجاج به، قال رحمه الله: وقد تضمن - يعني كلام الشافعي - أمورا:
أحدهما: أن المرسل إذا أسند من وجه آخر دل ذلك على صحة المرسل.
الثاني: أنه إذا لم يسند من وجه آخر، نظر هل يوافقه مرسل آخر أم لا، فإن وافقه مرسل آخر قوي لكنه يكون أنقص درجة من المرسل الذي أسند من وجه آخر.
الثالث: أنه إذا لم يوافقه مرسل آخر ولا أسند من وجه، لكنه وجد عن بعض الصحابة قول له يوافق هذا المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن له أصلا ولا يطرح.
الرابع: أنه إذا وجد خلق كثير من أهل العلم يفتون بما يوافق المرسل دل على أن له أصلا.
الخامس: أن ينظر في حال المرسل، فإن كان إذا سمى شيخه سمى ثقة وغير ثقة، لم يحتج بمرسله، وإن كان إذا سمى لم يسم
(1) الصارم المنكي ص: 143، وينظر: الرسالة للشافعي ص: 461 - 465.
إلا ثقة لم يسم مجهولا ولا ضعيفا مرغوبا عن الرواية عنه، كان ذلك دليلا على صحة المرسل، وهذا فصل النزاع في المرسل، وهو من أحسن ما يقال فيه.
السادس: أن ينظر إلى هذا المرسل له، فإن كان إذا شرك غيره من الحفاظ في حديث وافقه فيه ولم يخالف، دل ذلك على حفظه، وإن خالفه ووجد حديثه أنقص إما نقصان رجل يؤثر في اتصاله، أو نقصان رفعه بأن يقفه، أو نقصان شيء من متنه، كان في هذا دليل على صحة مخرج حديثه، وأن له أصلا، فإن هذا يدل على حفظه وتحريه، بخلاف ما إذا كانت مخالفته بزيادة، فإن هذا يوجب التوقف والنظر في حديثه.
وهذا دليل من الشافعي على أن زيادة الثقة عنده لا يلزم أن تكون مقبولة مطلقا كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه، ولم يعتبر المخالف بالزيادة، وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليلا على صحة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضر ذلك بحديثه، ولو كانت الزيادة عنده مقبولة مطلقا لم يكن مخالفته بالزيادة مضرا بحديثه. .
السابع: أن المرسل العاري عن هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده.
الثامن: أن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به، ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل، وكأنه رضي الله عنه سوغ الاحتجاج به ولم ينكر على مخالفه.
التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف
الواسطة، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولا كان مرسله حجة، وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو مبني على أصل، وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ وفي ذلك قولان مشهوران هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والصحيح: حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إذا كان من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلا له، إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم تكن روايته تعديلا لمن روى عنه، وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو صحيح. (1).
العاشر: أن مرسل من بعد كبار التابعين لا يقبل، ولم يحك الشافعي عن أحد قبوله؛ لتعدد الوسائط. (2).
تضمنت الفقرة التاسعة ترجيح ابن عبد الهادي في حكم المرسل التفصيل، وهو: أن المرسل إذا عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فمرسله مقبول، ومن لم يكن عادته ذلك فلا يقبل مرسله، وذكر أن هذا الترجيح مبني على قاعدة أن من عرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة فإن روايته تعديل لمن روى عنه، ولكن يرد على
(1) ينظر: شرح علل الترمذي لابن رجب (1/ 80).
(2)
الصارم المنكي (ص: 145 - 1417).