المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: بطلان نسبة هذا القول لأهل السنة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌شرب دم الضب للسعال الديكي

- ‌من الضرورات التي تبيح نقل الدم

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم قول أهل الميت للناس:(حللوا أخاكم) أو (أبيحوه) ونحوهما

- ‌حكم توزيع أوراق يبين فيها مكان الصلاة والعزاء

- ‌حكم القصائد التي فيها رثاء للميت

- ‌حكم الصبر والشكر والرضا عند المصيبة

- ‌حكم النياحة على الميت

- ‌حكم من أوصى بعدم النياحة فناحوا عليه

- ‌دمع العين وحزن القلب لا بأس به

- ‌الميت يعذب بالنياحة

- ‌ وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم

- ‌من بدع الجنائز

- ‌ الاهتمام بالزكاة كباقي أركان الإسلام

- ‌إخراج زكاة الفطر نقدا

- ‌النصاب من شروط وجوب الزكاة

- ‌إذا بلغ الباقي بعد النفقة نصابا ففيه زكاة

- ‌كلما حال الحول على المال ففيه زكاة

- ‌كيفية ضبط الحول

- ‌حكم زكاة أموال الصدقة

- ‌حكم زكاة أموال الصناديق الخيرية

- ‌المال المجموع من عدة أفراد للتعاون على الخير لا يزكى

- ‌حكم الزكاة في المبالغ المرصودةتعويضا عن نزع ملكيات العقار

- ‌حكم زكاة المال الموصى به

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تناول دواء لإيقاف العادة الشهرية في شهر رمضان

- ‌ السهر ليالي رمضان

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ كشف المنكبين في الصلاة

- ‌ الصلاة في النظارات الطبية

- ‌ حكم صلاة من يحمل صورة

- ‌ حكم الصلاة على الفرش المحتوية على الرسوم

- ‌منزلة العملمن الإيمان عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: بطلان نسبة هذا القول لأهل السنة

- ‌المبحث الثاني: هذا القول هو قول المرجئة القدماء

- ‌المبحث الثالث: الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب الوعيدية

- ‌الخاتمة:

- ‌القول المبين في الصحابةوحقوقهم على المسلمين

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: التعريف بالصحابة وأشهر المصنفات فيهم

- ‌المطلب الأول: التعريف بالصحابة:

- ‌المطلب الثاني: أشهر المصنفات المطبوعة في الصحابة:

- ‌المبحث الثاني: فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الأول: فضائل الصحابة رضي الله عنهم إجمالا:

- ‌المطلب الثاني: فضائل بعض الصحابة بأعيانهم:

- ‌المطلب الثالث: ترتيب الصحابة في الفضل:

- ‌المبحث الثالث: حقوق الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الأول: احترامهم والثناء عليهم:

- ‌المطلب الثاني: الدعاء لهم

- ‌المطلب الثالث: النهي عن الإساءة إليهم أو سبهم

- ‌المبحث الرابع: منزلة فضائل الصحابة وحقوقهم من الدين

- ‌المطلب الأول: محبتهم دين وإيمان

- ‌المطلب الثاني: محبتهم من محبة الله ورسوله

- ‌المطلب الثالث: التعريف بحقوقهم وفضائلهم من حق المسلم على أخيه

- ‌الخاتمة:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: الفتح على الإمام وفيه ستة مطالب

- ‌المطلب الأول: حكم الفتح على الإمام

- ‌المطلب الثاني: وقت الفتح على الإمام

- ‌المطلب الثالث: إلجاء الإمام المأمومين للفتح عليه

- ‌المطلب الرابع: تعدد الفاتحين على الإمام:

- ‌المطلب الخامس: الفتح من المرأة على الإمام

- ‌المطلب السادس: أثر الفتح على الإمام

- ‌المسالة الأولى: أثر الفتح على الموالاة في قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الثانية: أثر الفتح على الإمام في صلاة المأموم

- ‌المسألة الثالثة: أثر فتح المأموم في صلاة الإمام

- ‌المبحث الثاني: الفتح على غير الإمام

- ‌المطلب الأول: فتح المصلي على غير إمامه

- ‌المطلب الثاني: فتح غير المصلي على المصلي

- ‌المطلب الثالث: أثر الفتح على غير الإمام

- ‌المسألة الأولى: أثر فتح المصلي على غير الإمام

- ‌المسألة الثانية: أثر فتح غير المصلي على المصلي

- ‌المبحث الثالث: محل الفتح، والفتح من المصحف، وأثر الفتح في اليمين، مسائل متفرقة في الفتح

- ‌المطلب الأول: محل الفتح وما يكون فيه

- ‌المطلب الثاني: الفتح في الصلاة من المصحف

- ‌المطلب الثالث: أثر الفتح في اليمين

- ‌الخاتمة:

- ‌تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية والفتويةفي الفقه الإسلامي

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد:

- ‌ تعريف تنزيل الأحكام على الوقائع

- ‌مشروعية تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌حكم تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌ضوابط تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌الاجتهاد في تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌درجة الاجتهاد المطلوبة عند تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌ما يلزم للقاضي والمفتي عند الاجتهاد في تنزيل الأحكام على الوقائع:

- ‌تأهيل القاضي والمفتي بالخبرة والتجربة:

- ‌المبحث الأول: الحكم الكلي

- ‌المطلب الأول: أقسام الحكم الكلي وتحليله

- ‌المطلب الثاني: صفات الحكم الكلي

- ‌المطلب الثالث: تحديد الحكم الكلي وبناؤه على الأصول

- ‌المطلب الرابع: تفسير الحكم الكلي

- ‌المبحث الثاني: الواقعة القضائية

- ‌المطلب الأول: أهمية الواقعة القضائية وأقسامها

- ‌المطلب الثاني: تعريف الواقعة القضائية المؤثرة، وشروطها

- ‌المطلب الثالث: تنقيح الواقعة القضائية المراد به ووسيلته ومراحله المراد به:

- ‌المطلب الرابع: إثبات الواقعة القضائية

- ‌المطلب الخامس: تفسير الواقعة القضائية

- ‌المبحث الثالث: أصول تنزيل الأحكام على الوقائع

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الرابع: وسائل تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية وطريقة تقريره، ومراحله

- ‌المطلب الأول: وسائل تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية

- ‌المطلب الثاني: طريقة تقرير تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية

- ‌المطلب الثالث: مراحل تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية

- ‌الخاتمة:

- ‌المبحث الأول: التفرد

- ‌المبحث الثاني: حكم المرسل والاحتجاج به

- ‌المبحث الثالث: تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد

- ‌المبحث الرابع: قاعدة: فلان لا يروي إلا عن ثقة غالبية

- ‌خاتمة:

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءفي حكم الذهاب إلى السحرة من أجل المعالجة

الفصل: ‌المبحث الأول: بطلان نسبة هذا القول لأهل السنة

‌المبحث الأول: بطلان نسبة هذا القول لأهل السنة

العمل والإيمان قرينان لا ينفك أحدهما عن صاحبه، إذا وجد الإيمان وجد العمل، وإذا عدم العمل عدم الإيمان، لا يمكن بقاء الإيمان مع عدم العمل، وفي القرآن والسنة الشيء الكثير من بيان أن الإيمان لا بد فيه من العمل.

"بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق"(1).

ومتواتر أيضا: أنه لم يكن يحكم لأحد بحكم الإيمان إلا أن يؤدي الفرائض. (2).

وقد أخبر الله تعالى في كتابه في آي كثيرة منه أن هذا الإيمان لا يكون إلا بالعمل وأداء الفرائض بالقلوب والجوارح، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرحه في سنته، وأعلمه أمته، وكان مما قال الله تعالى في كتابه مما أعلمنا أن الإيمان هو العمل، وأن العمل من الإيمان ما قاله في سورة البقرة:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (3).

(1) الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 7/ 128.

(2)

انظر المصدر السابق 7/ 129.

(3)

سورة البقرة الآية 177

ص: 91

وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1).

وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (2).

وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (3)، وقال:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (4).

وأهل السنة متفقون على التلازم التام بين الإيمان والعمل بحيث يستحيل أن يوجد الإيمان ولا يوجد العمل، ولم يخالف في هذا إلا بعض فقهاء الكوفة كحماد بن أبي سليمان وغيره، فلم يجعلوا الأعمال الظاهرة لازمة لإيمان القلب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أن المرجئة ثلاثة أصناف:

(1) سورة البقرة الآية 277

(2)

سورة طه الآية 112

(3)

سورة الإسراء الآية 19

(4)

سورة طه الآية 75

ص: 92

"والثالث تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة، وهؤلاء غلطوا من وجوه ....

الثالث: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال، ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له، والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر (1).

ومما يبين خطأ هذا القول وعدم صحة نسبته إلى أهل السنة ـ وأن العمل أي عمل الجوارح ركن لا بد منه، فلا يصح إيمان المرء إلا به ـ أمور عدة منها:

الأول: تصريح أهل السنة بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وأنه لا بد من هذه الأمور الثلاثة جميعا، لا يكتفى ببعضها دون الآخر.

وممن حفظ عنه:

1 -

الإمام محمد بن إدريس الشافعي، قال:"وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر".

(1) الفتاوى لشيخ الإسلام 7/ 195، 204.

ص: 93

2 -

أبو ثور:. قال: "اعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال ما عقد قلبي على شيء من هذا ولا أصدق به، أنه ليس بمسلم.

ولو قال المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، ثم قال لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك، أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنا، حتى يكون مصدقا بقلبه مقرا بلسانه، فإذا كان تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان كان عندهم مؤمنا، وعند بعضهم لا يكون مؤمنا، حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنا، فلما نفوا أن يكون الإيمان بشيء واحد وقالوا: يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم، لم يكن مؤمنا، إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء، وذلك أنه إذا جاء بهذه الثلاثة الأشياء، فكلهم يشهد: أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح"

ص: 94

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قلت: يعني الإمام أبا ثور رحمه الله إنه لا يكون مؤمنا إلا إذا التزم بالعمل مع الإقرار، وإلا فلو أقر ولم يلتزم العمل لم يكن مؤمنا، وهذا الاحتجاج الذي ذكره أبو ثور هو دليل على وجوب الأمرين الإقرار والعمل"(1).

مراد أبي ثور بقوله: فإذا كان تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان كان عندهم مؤمنا، وبقوله: يكون بشيئين في قول بعضهم.

مراده: مرجئة الفقهاء أهل الكوفة.

وبقوله: وعند بعضهم لا يكون مؤمنا حتى يكون مع التصديق عمل

، وبقوله: وثلاثة أشياء في قول غيرهم.

مراده: جمهور أهل السنة.

هكذا يبين أبو ثور أنه لا بد من العمل، وأن من لم يعمل لا يكون مؤمنا عند بعض أهل السنة، وهم جمهورهم.

فمن لم يجعل العمل ركنا لا يتم الإيمان إلا به، فهو ليس من هؤلاء، هو من البعض الآخر الذين هم مرجئة الفقهاء.

3 -

محمد بن الحسين الآجري: قال في الشريعة: "باب

(1) الفتاوى 7/ 389.

ص: 95

القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل الجوارح، لا يكون مؤمنا إلا بأن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث" (1).

وقال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.

ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين" (2).

4 -

ابن بطة: قال: "باب بيان الإيمان وفرضه، وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث".

وقال: "اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه، وبكل ما جاءت به السنة، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا، وعلى

(1) الشريعة 2/ 611.

(2)

الشريعة 2/ 611.

ص: 96

الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال، لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها.

ولا يكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها، حتى يكون مؤمنا بقلبه مقرا بلسانه عاملا مجتهدا بجوارحه، ثم لا يكون أيضا مع ذلك مؤمنا حتى يكون موافقا للسنة في كل ما يقوله ويعمله، متبعا للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله، وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة وأجمع عليه علماء الأمة" (1).

الثاني: تصريحهم بأنه لا انفكاك بين الإيمان والعمل، وأنه يتمنع أن يوجد الإيمان في القلب ثم لا يوجد عمل الجوارح.

أ- قال الأوزاعي: "لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل".

ب- قال سفيان الثوري: "كان الفقهاء يقولون لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول

(1) الإبانة لابن بطة 2/ 760، وانظر 779 ت رضا نعسان.

ص: 97

وعمل ونية إلا بموافقة السنة" (1).

ج- قال ابن أبي زمنين: والإيمان بالله هو باللسان والقلب وتصديق ذلك العمل، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه" (2).

د- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالسلف يقولون: ترك الواجبات الظاهرة دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب، لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب الذي هو حب الله ورسوله وخشية الله ونحو ذلك لا يستلزم أن لا يكون في القلب من التصديق شيء"(3).

وقال: "العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن"(4).

وقال: "قد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا

(1) الإبانة 2/ 807.

(2)

أصول السنة لابن أبي زمنين 207.

(3)

الفتاوى 7/ 148.

(4)

الفتاوى 7/ 554.

ص: 98

ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات" (1).

وقال: "ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب (2)»

).

فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل، بالإيمان المطلق كما قال أئمة أهل الحديث قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصحابة (3) عن المصلي العابث: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" (4).

فهذا الحديث دليل بين على ارتباط العمل الظاهر بعمل القلب،

(1) السابق 7/ 621.

(2)

صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي الأشربة (5710)، سنن أبي داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد (4/ 274)، سنن الدارمي البيوع (2531).

(3)

الراجح أن القائل سعيد بن المسيب انظر السلسلة الضعيفة رقم 110.

(4)

الفتاوى 7/ 187.

ص: 99

فكما أن صلاح الجسد وفساده مرتبط بصلاح القلب وفساده فكذلك إيمان الجوارح مرتبط بإيمان القلب، فإذا آمن القلب آمنت الجوارح لا تتخلف كما لا تتخلف في الصلاح والفساد.

هـ- قال ابن القيم: "فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما: أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها.

هذا من المستحيل قطعا، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمره بها فليس في قلبه شيء من الإيمان.

ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم.

وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية" (1).

(1) كتاب الصلاة 43، 44.

ص: 100

وقال: " فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان"(1).

وقال في كتابه الفوائد: فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته (2).

وقال حافظ بن أحمد الحكمي: "ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (3)» .

ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا، بلا شك لم يعنوا مجرد التصديق" (4).

ومما يبين التلازم بين إيمان الأعمال الظاهرة وإيمان القلب:

- أن الإنسان إما أن يقول في أعمال الجوارح: إنها من الإيمان وإنها لا تنفك عما في القلب بحيث إذا وجد الإيمان في القلب

(1) الصلاة 54.

(2)

الفوائد 98.

(3)

صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد (4/ 274)، سنن الدارمي البيوع (2531).

(4)

معارج القبول 2/ 23.

ص: 101

وجدت، وإذا زالت زال ما في القلب.

- أو يقول: إنها لازمة لإيمان القلب لا تنفك عنه مرتبطة به توجد بوجوده، ويعدم الإيمان بعدمها، فهذا الخلاف خلاف لفظي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا قال: إنها من لوازمه وإن الإيمان الباطن يستلزم عملا صالحا ظاهرا كان بعد ذلك قوله: إن تلك الأعمال لازمة لمسمى الإيمان أو جزء منه نزاعا لفظيا"(1).

- أو يقول: إنها ليست لازمة لإيمان القلب بحيث يوجد الإيمان في القلب ولا توجد، فيلزمه قول جهم بن صفوان الذي هو أفسد قول قيل في الإيمان، وفساده معلوم بالضرورة من الدين (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقيل لمن قال: دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز، نزاعك لفظي، فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن، فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا.

وإن قلت: ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه: من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر، وترك جميع الواجبات الظاهرة، قيل لك: فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له

(1) الفتاوى 7/ 584.

(2)

الإيمان من مجموع الفتاوى 7/ 189، 558.

ص: 102

وموجب له.

بل قيل: حقيقة قولك: إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى، فليس بلازم له ولا موجب، ومعلول له، ولكنه دليل، إذا وجد دل على وجود الباطن، وإذا عدم لم يدل عدمه على العدم، وهذا حقيقة قولك، وهو أيضا خطأ عقلا كما هو خطأ شرعا" (1).

وقال مبينا أن مذهب جهم يلزم كل من لم يجعل الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن:

"وخامسها: وهو يلزمهم ويلزم المرجئة أنهم قالوا: إن العبد قد يكون مؤمنا تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء والصديقين، ولو لم يعمل خيرا لا صلاة ولا صلة ولا صدق حديث، ولم يدع كبيرة إلا ركبها، فيكون الرجل عندهم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان، وهو مصر على دوام الكذب والخيانة ونقض العهود، لا يسجد لله سجدة، ولا يحسن إلى أحد حسنة، ولا يؤدي أمانة، ولا يدع ما يقدر عليه من كذب وظلم وفاحشة إلا فعلها، وهو مع ذلك مؤمن تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء، وهذا يلزم كل من لم يقل إن الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن، فإذا قال: إنها من لوازمه وإن الإيمان الباطن يستلزم عملا صالحا ظاهرا كان بعد ذلك قوله: إن تلك الأعمال لازمة لمسمى الإيمان أو جزء

(1) الإيمان من مجموع الفتاوى 7/ 579.

ص: 103

منه نزاعا لفظيا" (1).

وقال: " والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها ولم يكن قولهم مثل قول جهم

لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا، فإنها لازمة لها" (2).

(1) المصدر السابق 583.

(2)

المصدر السابق 7/ 194.

ص: 104

الثالث: قولهم بأن أعمال الجوارح تصدق إيمان القلب فإذا لم تصدقه بالعمل فالقلب خال من الإيمان ليس فيه شيء.

فالمؤمن الصادق في إيمانه تعمل جوارحه لا تتخلف عما في قلبه، فالجوارح صورة صادقة لما في القلب، فتصديق القلب لا يصح إلا بالعمل (1).

1 -

قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال".

(1) كتاب الصلاة لابن القيم 45.

ص: 104

2 -

قال الآجري: "فالأعمال -رحمكم الله- بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبا لإيمانه، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه"(1).

3 -

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا، وإذا لم يكن عمل كذب أن في قلبه إيمانا؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم "(2).

الرابع: إطلاقهم الإرجاء على من قال: إن من ترك أركان الإسلام غير الشهادتين الصلاة والزكاة والصوم والحج مع إقراره بوجوبها ليس بكافر.

قال ابن رجب: "حتى إنه ـ أي إسحاق بن راهويه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من

(1) الشريعة 2/ 614.

(2)

الفتاوى 7/ 294.

ص: 105

أقوال المرجئة، وكذلك قال سفيان بن عيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر".

بل يرى إسحاق بن راهويه أن هذا من غلو المرجئة، قال ابن رجب:"نقل حرب عن إسحاق قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها إنا لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم، يعني في أنهم مرجئة".

فالضابط للمرجئة عند سفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه هو من يقول بثبوت الإيمان مع عدم العمل.

وهو كذلك عند شيخ الإسلام ابن تيمية قال: " من قال

ص: 106

بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه، فهذا نزاع لفظي، كان مخطئا خطأ بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام فيها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف" (1).

الخامس: حكمهم على من ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج بالكفر، ولو كان مصدقا بقلبه مقرا بلسانه، فهذا دليل بين على اشتراط العمل، وأنه لا يكتفى بالقول والتصديق، فلو كان العمل ليس شرطا في الإيمان لم يحكموا عليه بالكفر، وممن حفظ عنه:

1 -

نافع مولى ابن عمر، قال لما ذكر له معقل بن عبيد الله قول المرجئة:" إنهم يقولون نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي، وبأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح، فنثر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر ".

2 -

الحميدي.: قال: "أخبرت أن ناسا يقولون: إن من

(1) الفتاوى 7/ 621.

ص: 107

أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك في (1) إيمانه إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل المسلمين قال الله عز وجل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (2).

3 -

الإمام أحمد قال حنبل: "سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا (3) فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به".

4 -

ابن بطة قال: "فكل من ترك شيئا من الفرائض التي فرضها الله عز وجل في كتابه، أو أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، على سبيل الجحود لها والتكذيب بها، فهو كافر بين الكفر، لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن أقر بذلك وقاله

(1) في الفتاوى 7/ 209: فيه ولعلها الصواب.

(2)

سورة البينة الآية 5

(3)

أي ما سبق في قول الحميدي.

ص: 108

بلسانه ثم تركه تهاونا ومجونا أو معتقدا لرأي المرجئة ومتبعا لمذاهبهم، فهو تارك الإيمان ليس في قلبه منه قليل ولا كثير، وهو في جملة المنافقين الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن بوصفهم، وما أعد لهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار" (1).

وقال: "فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل، وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان، وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا عمل إلا بقول"(2).

5 -

شيخ الإسلام ابن تيمية قال: "ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح"(3).

وقال: "وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به

(1) الإبانة لابن بطة 2/ 764.

(2)

المصدر السابق 2/ 795، وانظر ص 789، 790 حيث جعل تارك العمل أسوأ حالا من المنافقين.

(3)

الفتاوى 7/ 611.

ص: 109

المعاصي كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر من ترك واحدة منها، وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن حبيب

" (1).

6 -

الشوكاني: قال في إجابته عن سؤال: "ما حكم الأعراب سكان البادية الذين لا يفعلون شيئا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادتين، هل هم كفار أم لا، وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟

وأقول: من كان تاركا لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضا لما يجب عليه من ذلك، من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة أن عصمة الدماء والأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام" (2).

السادس: أن كثيرا من أئمة أهل السنة يرون كفر تارك الصلاة، بل إن عددا منهم يحكونه إجماعا، منهم: عبد الله بن شقيق،

(1) الفتاوى 7/ 302، 610.

(2)

إرشاد السائل إلى دليل المسائل للشوكاني 33.

ص: 110

وأيوب السختياني، وإسحاق بن راهويه.

أ- عبد الله بن شقيق قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".

ب- أيوب السختياني قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه (1).

ج- إسحاق بن راهويه قال محمد بن نصر: "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر"(2).

فإذا كانوا يرون أن تارك الصلاة كافر فقد جعلوها شرطا في الإيمان، من لم يأت بها فهو عندهم كافر، والصلاة جزء من العمل، فكيف يقال مع هذا إن العمل شرط كمال؟

قال ابن القيم: "فيبقي النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه،

(1) تعظيم قدر الصلاة 2/ 925، رقم 978، وذكره ابن القيم في الصلاة 63.

(2)

تعظيم قدر الصلاة 2/ 929، رقم 990.

ص: 111