الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاعلم أنه صحيح " (1).
وقال الخطيب البغدادي: " أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان، يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصروفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين "(2).
وقال ابن رجب معلقا على كلام الخطيب البغدادي: " وهذا الذي قاله الخطيب حق، ونجد كثيرا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح لكتب السنة ونحوها ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل " مسند البزار "، و " معجم الطبراني "، و " أفراد الدارقطني "، وهي مجمع الغرائب والمناكير "(3).
(1) الكفاية ص 142.
(2)
ينظر: الكفاية في علم الرواية ص 141، شرح علل الترمذي 1/ 409.
(3)
شرح علل الترمذي 1/ 409.
المبحث الرابع: قاعدة: فلان لا يروي إلا عن ثقة غالبية
.
عرف عن بعض الأئمة أنهم لا يروون إلا عن ثقة؛ لما عرف عنهم من التثبت والتحري وانتقاء الشيوخ.
وهذا الإطلاق الذي وصف به بعض الأئمة قيده ابن عبد الهادي
بأن هذا هو الغالب، وذلك لوجود روايتهم عن بعض الضعفاء، قال رحمه الله:" فإن قيل: قد روى الإمام أحمد بن حنبل عن موسى بن هلال وهو لا يروي إلا عن ثقة، فالجواب أن يقال: رواية الإمام أحمد عن الثقات هو الغالب من فعله، والأكثر من عمله كما هو المعروف من طريقة شعبة، ومالك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، وقد يروي الإمام أحمد قليلا في بعض الأحيان عن جماعة نسبوا إلى الضعف وقلة الضبط، وذلك على وجه الاعتبار والاستشهاد لا على طريق الاجتهاد والاعتماد "(1).
ثم ذكر بعض الأمثلة من رواية الإمام أحمد عن بعض الرواة الذين نسبوا للضعف وقلة الضبط مثل روايته عن:
- عامر بن صالح الزبيري.
- محمد بن القاسم الأسدي.
(1) الصارم المنكي ص40، 41.
- عمر بن هارون البلخي.
- علي بن عاصم الواسطي.
- إبراهيم بن أبي الليث صاحب الأشجعي.
- يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي. .
- نصر بن باب. .
- تليد بن سليمان الكوفي. .
- حسين بن حسن الأشقر. .
- أبي سعيد الصاغاني محمد بن ميسر.
ونحوهم ممن اشتهر الكلام فيه.
وقال أيضا عن شعبة وهو مما عرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة: " الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات، وقد يروي عن جماعة من الضعفاء الذين اشتهر جرحهم والكلام فيهم الكلمة والشيء والحديث والحديثين وأكثر من ذلك "(1).
ثم ذكر أمثلة لروايته عن بعض الضعفاء فقال: " وهذا مثل روايته عن:
- إبراهيم بن مسلم الهجري.
(1) الصارم المنكي (ص: 134).
- جابر الجعفي.
- زيد بن الحواري العمي.
- ثوير بن أبي فاختة.
- مجالد بن سعيد.
- داود بن يزيد الأودي.
- عبيدة بن معتب الضبي.
- مسلم الأعور.
- موسى بن عبيدة الربذي.
يعقوب بن عطاء بن أبي رباح.
- علي بن زيد بن جدعان.
- ليث بن أبي سليم.
- فرقد السبخي، وغيرهم ممن تكلم فيه ونسب إلى الضعف
وسوء الحفظ وقلة الضبط ومخالفة الثقات.
وهذا الذي قرره الحافظ ابن عبد الهادي - أن من قيل عنه من الأئمة أنه لا يروي إلا عن ثقة محمول على الغالب - هو الذي يدل عليه كلام الأئمة.
قال الشافعي: " ولا أعلمني لقيت أحدا قط بريا من أن يحدث عن ثقة حافظ وآخر يخالفه "(1).
وقال ابن معين: " أتريد أن تسأل عن رجال مالك؟ كل من حدث عنه ثقة، إلا رجلا أو رجلين "(2).
وقال أبو حاتم: " إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة إلا نفرا بأعيانهم "(3).
وقال السخاوي: " ممن كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر: الإمام أحمد، وبقي بن مخلد، وحريز ين عثمان، وسليمان بن حرب، وشعبة، والشعبي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومالك، ويحيى بن سعيد القطان "(4).
(1) الرسالة ص 377.
(2)
مقدمة الجرح والتعديل ص 17.
(3)
مقدمة الجرح والتعديل ص 128.
(4)
فتح المغيث 2/ 42.
ووجود الرواية عن الضعفاء عند من ثبت في حقه بتصريحه أو نص الأئمة أنه لا يروي إلا عن ثقة يرجع إلى أسباب منها:
1 -
أن يكون روى عنه لأنه ثقة عنده، أو لعدم ظهور ضعفه لديه.
وقد تقدم توثيق الإمام أحمد لبعض الرواة الذين روى عنهم وضعفهم غيره من الأئمة (1).
قال الذهبي رحمه الله في ترجمة " قيس بن الربيع الأسدي الكوفي ": " أحد أوعية العلم على ضعف فيه من قبل حفظه " ثم قال: " حدث عنه رفيقاه شعبة والثوري " ثم قال: " وكان شعبة يثني عليه "، وقال:" أحد الأعلام على لين في روايته، ثم قال: كان شعبة مع نقده للرجال يثني على قيس "(2).
وقال في ترجمة " عبد الله بن أحمد بن موسى الجواليقي المعروف بعبدان "(ت 306هـ) بعد أن ساق حديثا بسنده من طريق أبي المهزم يزيد بن سفيان التميمي البصري، قال:" وأبو المهزم يزيد بن سفيان متفق على ضعفه، والعجب أن شعبة يروي عنه ما أظنه تبين له حاله، والله أعلم "(3).
(1) ينظر ص 26 - 28، مثل: عامر بن صالح الزبيري، تليد بن سليمان، محمد بن ميسر.
(2)
سير أعلام النبلاء 8/ 41.
(3)
سير أعلام النبلاء 14/ 172، 173.
2 -
أن يكون روى عن رجل ضعيف؛ لأنه ما خبر حاله جيدا.
مثل رواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق، قال القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي ت 282 هـ:" إنما يعتبر بمالك في أهل بلده، فأما الغرباء فليس يحتج به فيهم، وبنحو هذا اعتذر غير واحد عن مالك في روايته عن عبد الكريم أبي أمية وغيره من الغرباء "(1).
3 -
أن يكون روى عن راو ضعيف عنده ليعتبر به، أو يستشهد براويته أو لأمر آخر.
وقد سبق قول ابن عبد الهادي: " وقد يروي الإمام أحمد قليلا في بعض الأحيان عن جماعة نسبوا إلى الضعف وقلة الضبط، وذلك على وجه الاعتبار والاستشهاد لا على طريق الاجتهاد والاعتماد "(2).
وقال العلامة المعلمي - تعليقا على تقييد الحافظ السخاوي المسألة بقوله: " إلا في النادر " - وقوله: " إلا في النادر " لا يضرنا، إنما احترز بها لأن بعض أولئك المحتاطين قد يخطئ في التوثيق، فيروي عمن يراه ثقة وهو غير ثقة، وقد يضطر إلى حكاية شيء عمن ليس بثقة، فيحكيه ويبين أنه ليس بثقة، والحكم فيمن روى عنه أحد هؤلاء المحتاطين أن يبحث عنه، فإن وجد أن الذي
(1) شرح علل الترمذي 1/ 85.
(2)
الصارم المنكي ص 40، 41.