الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الوقائع الطردية ما هو طردي في موضع النزاع فقط، ويكون مؤثرا في نزاع آخر، وذلك كأن يدعي شخص جهالة العمل المتعاقد عليه في الجعالة، كما لو قال شخص: من رد ضالتي فله كذا، فإن هذا الادعاء في الجعالة طردي؛ لأنها تصح ولو مع جهالة العمل، لكن لو ادعى ذلك في الإجارة كان وصفا مؤثرا؛ لأن الإجارة يشترط لها معرفة المنفعة إما بوصف مشاهدة أو عرف.
تنبيه: ما قيل في أقسام الواقعة القضائية ينطبق في الجملة على الواقعة الفتوية.
المطلب الثاني: تعريف الواقعة القضائية المؤثرة، وشروطها
.
تعريف الواقعة القضائية المؤثرة:
هي الواقعة التي شهد لها الشرع بالتأثير في الحكم القضائي (1).
وإذا استطعنا معرفة الواقعة المؤثرة بتحقق شروطها، سهل علينا معرفة الطردية واستبعادها.
شروط الواقعة القضائية المؤثرة:
لا يتحقق تأثير الواقعة في الحكم القضائي إلا باستجماعها الشروط التالية (2):
(1) كتابنا: " توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية " 2/ 50.
(2)
المرجع السابق 2/ 59 - 66.
1 -
أن تكون الواقعة حقا مشروعا للمدعي فيه مصلحة من جلب نفع أو دفع ضر:
فلا بد لتأثير الواقعة في الحكم القضائي وصلوحها في تنزيل الأحكام من أن تكون معتدا بها شرعا، فالحقوق والأملاك وجميع الأسباب لا تؤثر بنفسها في الوقائع إلا إذا جعلها الشرع كذلك، فالشريعة حاكمة على كل شيء إفرادا وتركيبا.
والواقعة القضائية إذا كانت في شيء غير محترم شرعا، فإنها تفقد التأثير الإيجابي في الحكم القضائي عند الجمهور، وذلك كالمطالبة بمهر البغي، وحلوان الكاهن، والفوائد الربوية، وخالف ابن تيمية (ت: 728هـ) في ذلك، فهو يرى أن ثمن الخمر لا يحل للخمار، فلا يقضى لبائع الخمر بثمنها قبل القبض، ولو أعطى مشتريها الثمن لبائعها لم يحكم برده للبائع، بل يؤخذ ويصرف في مصالح المسلمين (1)، وهو قول له قوة، وعليه يجوز الدعوى بالمال غير المحترم في مثل هذه الحالة، ويحكم به لبيت المال.
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 666، 29/ 309.
وتجوز المطالبة بكل حق مباح - عين أو دين - للمدعي فيه نفع أو دفع ضرر ولو كان الضرر متوقعا لا واقعا إذا عرف وقوعه عادة (1).
ولا تكون الواقعة مؤثرة إذا كانت الدعوى حيلة لا حقيقة فيها للتنازع (2)، أو كانت الدعوى غير مفيدة للمدعي، بل كانت لعبا وتعنتا (3)، وأما دعاوى الحسبة فلا يشترط لتأثيرها مطالب له مصلحة خاصة.
2 -
لزوم الواقعة عند ثبوتها:
فالواقعة القضائية المؤثرة هي التي تلزم على فرض ثبوتها كالبيع والإجارة ونحوها من العقود التي تلزم عند صدورها.
أما الوقائع غير اللازمة كالهبة قبل القبض، فلا تأثير إيجابي لها في الحكم القضائي؛ لأنه لا يصح الإلزام بها قبل قبضها كما هو مذهب الجمهور، خلافا للمالكية.
(1) المدخل الفقهي العام 2/ 978، 981.
(2)
رد المحتار على الدر المختار 4/ 298، الفواكه البدرية في البحث عن أطراف القضايا الحكمية 146.
(3)
الذخيرة 11/ 7.
3 -
أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى:
لا يكفي في الواقعة القضائية مشروعيتها ولا لزومها، بل لا بد من تعلقها بالدعوى والمطالبة المرفوعة حالا أمام القاضي، وإلا كانت هدرا غير مؤثرة (1)، وهذا يشمل الواقعة الأصلية، وهي الواقعة المتنازع فيها، والواقعة التبعية وهي التي يؤدي ثبوتها إلى ثبوت الواقعة الأصلية المتنازع فيها، كالقرائن المتعلقة بالإثبات، والتي يستنبط منها ثبوت الواقعة المؤثرة أو نفيها، فكلها تعد متعلقة بالدعوى، ويخرج هذا الشرط الواقعة الطردية في موقع النزاع، وإن كانت مؤثرة في نزاع آخر غير منظور لدى القاضي حالا، كجهالة المتعاقد عليه في الجعالة، فإنه عند النزاع في الجعالة يكون طرديا، وعند النزاع في الإجارة يكون مؤثرا.
4 -
أن تكون الواقعة محررة:
وذلك بأن تكون الواقعة القضائية محددة وموصوفة، ومعرفا بها تعريفا ينافي الجهالة، فالواقعة إذا كانت مجهولة فلا تكون مؤثرة؛
(1) الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي 17/ 199، البهجة في شرح التحفة 1/ 36.
لأنها غير مفيدة في الدعوى؛ لجهالتها وعدم إمكان القضاء فيها ولا سماع البينة عليها.
فلا بد من تحديد العقار وبيان عدد النقود وجنسها، ونحو ذلك مما يلزم في تحديد المتنازع عليه في وصفه الخارجي، واستثنى العلماء بعض الصور تصح الدعوى بها مجهولة، وتكون مؤثرة مع جهالتها، وذلك كالوصية وعوض الخلع، ونحوهما مما يصح مجهولا، وينظر في بيانه وتفسيره.
وهكذا لا بد من بيان المدعى به في وصفه الشرعي، وذلك بأن يذكر شروط عقد النكاح مثلا إذا كانت الواقعة في دعوى نكاح ابتداء، لا استدامته، ولا يلزم ذكر شروط عقد بيع وإجارة؛ حملا لهما على الصحة (1).
(1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 11/ 277، كشاف القناع عن متن الإقناع 6/ 346، المغني 12/ 166.
ومتي جهلت الواقعة المؤثرة، ويئس من الوقوف عليها أو شق اعتبارها، كانت كالمعدومة، لا تأثير لها ولو كان الأصل بقاءها، فلو ادعى المدعي بأنه اشترى جزءا مشاعا من عقار حدده ووصفه، ولكنه لم يذكر مقدار هذا الجزء - ثلثا أو ربعا أو أمتارا معلومة مشاعة - فإن هذه الواقعة لا تعتبر حتى يدعي المدعي بجزء معين.
5 -
أن تكون الواقعة ممكنة الوقوع:
فلا تكون الواقعة القضائية مؤثرة، إلا إذا كانت ممكنة الوقوع، منفكة عما يكذبها شرعا وعقلا وحسا وعرفا، وغير متناقضة مع أمر سبق صدوره من الخصم ومن في حكمه، أما إذا لم تنفك عما يكذبها من أحد هذه الوجوه، فلا تكون مؤثرة.
فمثال ما كذب شرعا: الدعوى بأكثر من النصيب الشرعي في المسألة الإرثية، كأن تدعي الأخت في مسألة انحصر الوارث فيها في أخت وأخ شقيقين بأن لها النصف، وليس لها إلا الثلث؛ لأن للذكر مثل حظ الأنثيين في مثل هذه الصورة.
ومثال ما كذب عقلا: من يدعي بأن زيدا قتل أباه منذ عشرين عاما، وسن المدعى عليه دونها.