الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول المبين في الصحابة
وحقوقهم على المسلمين
لفضيلة الدكتور / عبد العزيز بن إبراهيم العسكر (1).
المقدمة:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
(1) الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(2)
سورة آل عمران الآية 102
(3)
سورة النساء الآية 1
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (1){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (2)
وبعد:
فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لهم منزلة عظيمة، وحقوق على الأمة الإسلامية كثيرة، وهذه الحقوق من الأمور التي تدخل ضمن الاعتقاد فيما يجب لهم رضي الله عنهم:
أـ فهم أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، إذ صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآزروه ونصروه، واتبعوا هديه.
ب ـ وهم أول الذين يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
(1) سورة الأحزاب الآية 70
(2)
سورة الأحزاب الآية 71
ج ـ وهم الذين نقلوا إلى الأمة الإسلامية هذا الدين خير نقل، في أمانة ووفاء لا مثيل لها فحفظوا القرآن الكريم على صدورهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يحفظوهن ويتعلموا ما فيها من العلم والعمل. ثم نالوا شرف جمعه في المصاحف التي بين أيدينا، فقد حفظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أقواله، وأفعاله، ونومه، ويقظته، وحركته، وسكونه، وقيامه وقعوده، واجتهاده، وعبادته، وسيرته، وسراياه، ومغازيه، ومزاحه، وزجره، وخطبه، ووصاياه، وأكله، وشربه، ومعاملته أهله، وتأديبه فرسه، وكتبه إلى المسلمين والمشركين وعهوده، ومواثيقه، وألفاظه، وأنفاسه، وصفاته، فكل كلمة تلفظ بها النبي صلى الله عليه وسلم في أي مناسبة من المناسبات: سجلها الصحابة في أذهانهم، وعقلوها بقلوبهم، وطبقوها على أنفسهم، وعلموها لمن بعدهم، فنبيهم هو القدوة، ورسولهم هو الأسوة:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1). (2).
د ـ إن القرآن الكريم شهد لهم بالجنة في أكثر من آية، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لعشرة من الصحابة بالجنة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد،
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2)
سورة الأحزاب، الآية 21.
وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وجب على الأمة أن تشهد له بالجنة، ولذلك لما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الشهادة للعشرة فقال: نعم أشهد للعشرة بالجنة. (1).
هـ ـ إن أهل السنة والجماعة يجمعون على حجية أقوال الصحابة ما لم تخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقررون أيضا خلافة الأربعة جميعا رضي الله عنهم واحدا بعد الآخر، قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. (2).
وـ وإن الله تعالى في كتابه الكريم أوجب على الأمة محبة الصحابة فقال سبحانه بعد ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (3). (4).
فمن لم يحبهم فإنما في قلبه الغل، والعياذ بالله.
وفي السنة النبوية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «آية
(1) طبقات الحنابلة (1/ 288).
(2)
عبد الله بن أحمد، السنة (235).
(3)
سورة الحشر الآية 10
(4)
سورة الحشر، الآية 10.
الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار (1)». (2).
وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا الحديث فقال: (خصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والقيام بأمرهم، ومساواتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم، والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويها بعظم فضلهم، وتنويها على كريم فعلهم، وإن كان شاركهم في معنى ذلك مشارك لهم في الفضل المذكور كل بقسطه)(3).
ز ـ إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، لا كان ولا يكون أحد مثلهم، فهم (أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم)(4).
(1) صحيح البخاري الإيمان (17)، صحيح مسلم الإيمان (74)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5019)، مسند أحمد (3/ 130).
(2)
البخاري مع الفتح (1/ 62).
(3)
ابن حجر، فتح الباري (1/ 63).
(4)
ابن القيم، أعلام الموقعين (4/ 139).
غير أن الأمة الإسلامية قد تعرضت في هذا العصر لمحن عصيبة، وفتن خطيرة، ومن هذه الفتن ما يشنه الغرب وأتباعه من العلمانيين وغيرهم حول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، من مكائد وشبهات، وذلك لتشويه صورتهم والطعن فيهم، متذرعين بما حدث بينهم من بعض الاختلافات، ليقوم هؤلاء المغرضون باستغلال الروايات الملفقة، وتحريف بعضها، والزيادة والنقص على البعض الآخر، وما هذا إلا للطعن في الإسلام، وتشكيك المسلمين في الدين، وزعزعة ثقتهم في المجتمع الإسلامي الأول مجتمع الصحابة الكرام.
ولما كان شعار العلمانيين الوقيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم فإن الذب والدفاع عنهم من أجل القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، فهم الصفوة الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونشر دينه في العالمين.
ولما كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ هم كتاب الوحي، ونقلته، ومنبع العلم الإسلامي وحملته، وحماة الشريعة الإسلامية وحفظتها فإن الطعن فيهم هو طعن في الشريعة لأنهم نقلتها، بل الطعن فيهم طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يفضي إلى أخطار جسيمة على الأمة الإسلامية من أهمها ما يلي:
أـ هدم طرق المعرفة الدينية والعلمية في الإسلام.
ب ـ الطعن في صحة الشريعة الإسلامية.
ج ـ نقض الأساس الحضاري الإسلامي المعاصر الذي يقدم دعواه في أحقية قيادة العالم بناء على النموذج المثالي للتطبيق الإسلامي في العصر الذهبي للصحابة والتابعين.
وبناء على ما ذكرت آنفا، تظهر أهمية البحث في هذا الموضوع، الذي اخترت له عنوان:
القول المبين في الصحابة وحقوقهم على المسلمين.
وقد قسمت هذا الموضوع إلى أربعة مباحث وخاتمة:
أـ ففي المبحث الأول: عرفت بالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وبينت ضوابط الصحبة كما حددها أهل العلم الثقات، ثم ذكرت أهم المصنفات في الصحابة، ليطلع عليها أبناء الأمة، ويتعرفوا على ما فيها من جهود طيبة، وليتأكدوا أن ما يثيره المغرضون من شبهات ليس لها أساس علمي، بل هو محض افتراء، وأخبار مكذوبة.
ب ـ أما المبحث الثاني: فقد تحدثت فيه عن فضائل الصحابة إجمالا، ثم بينت فضائل بعض الصحابة بأعيانهم، ثم ختمت المبحث بترتيب الصحابة في الفضل.
ج ـ وأما المبحث الثالث: فقد تناولت فيه حقوق الصحابة
ـ رضوان الله عنهم ـ ووجوب احترامهم، والثناء عليهم، والدعاء لهم، والنهي عن الإساءة لهم أو سبهم.
د ـ وأما المبحث الرابع: فقد وظفته في منزلة فضائل الصحابة وحقوقهم، وإثبات أن محبتهم من محبة الله ورسوله.
وأما الخاتمة: فقد خصصتها في بيان واجب الأمة في كل العصور تجاه الصحابة.
وقد راعيت في بيان حقوق الصحابة، وإزاحة الشبهات عنهم الأسلوب العلمي والسهولة واليسر.
كما اعتمدت في دراستي لهذا الموضوع المنهج التاريخي والتحليلي، وذلك بالرجوع إلى أمهات كتب السيرة والطبقات والحديث وغيرها من المصادر المعتمدة، ولهذا لم أنقل في تحريري لفضائل الصحابة وحقوقهم إلا ما ثبتت صحته، لإظهار الصورة الصحيحة للصحابة بعيدا عن التحريف سواء بالمبالغة في بيان فضلهم أو المبالغة في الانتقاص من قدرهم.
وأسأل الله تعالى العون والمعرفة، وأن يتقبل عملي بقبول حسن، إنه هو السميع العليم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.