الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الألوسي رحمه الله: " وقد استنبط الإمام مالك من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم يبغضونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر، ووافقه كثير من العلماء "(1).
(1) روح المعاني الألوسي، تفسير سورة الفتح 26/ 27
المبحث الرابع: منزلة فضائل الصحابة وحقوقهم من الدين
المطلب الأول: محبتهم دين وإيمان
محبة الصحابة من الدين، وعلامة من علامات الإيمان، والدليل على ذلك ما جاء في سورة الحشر، حيث ذكر الله تعالى فضل الصحابة، ثم أردفهم بذكر التابعين؛ فقال تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1){وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2){وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (3).
(1) سورة الحشر الآية 8
(2)
سورة الحشر الآية 9
(3)
سورة الحشر الآية 10
فالمؤمن ليس في قلبه غل للذين آمنوا، وكل من يكره الصحابة رضي الله تعالى عنهم ليس داخلا فيمن جاء بعد عصر الصحابة من المؤمنين، ومن ثم فقد أخرج الله بهذه الآية وغيرها شاتم الصحابة من الإيمان، وجميع الفرق الذين في قلوبهم غل لهم إلى يوم القيامة ليسوا من هذه الأمة؛ "ولهذا منعهم كثير من الأئمة الفيء وحرموه عليهم"(1).
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعني؛ فعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار (2)» .
وقد خصص القاسمي خاتمة كتابه "إيثار الحق على الخلق"(3) في حب من أحبه الله ورسوله وأمر بحبه من القرابة والصحابة، وبين في هذه الخاتمة كيف دلت النصوص الجمة المتواترة على وجوب محبتهم وموالاتهم وأن يكون معهم؛ ففي الصحيح:«لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا (4)» .
(1) حافظ حكمي، معارج القبول، ج: 3، ص 1203
(2)
رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، 9 باب علامة الإيمان حب الأنصار، حديث 17 ج1، ص14
(3)
محمد بن إبراهيم إيثار الحق على الخلق، ص 416
(4)
مسلم كتاب الإيمان، باب 93، وأبو داود، كتاب الأدب، باب 131
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب (1)» .
ويعضد ذلك من كتاب الله تعالى قوله عز وجل: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (2)، وقوله تعالى:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (3). وإجماع الأمة وتواتر الأخبار بشرع الصلاة عليهم في تشهد الصلاة واختصاصهم به أو بالإجماع على دخولهم فيه.
فيجب لذلك حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم والاعتراف بمناقبهم؛ فإنهم أهل آيات المباهلة والمودة والتطهير وأهل المناقب الجمة والفضل الشهير. وقد ذكر مناقبهم إمام أهل الحديث والسنة في عصره المحب الطبري وصنف في ذلك كتابه: "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى". ويا له من كتاب وافق اسمه مسماه وصدق لفظه معناه (4).
وفي تعظيم حق أهل البيت يقول رسول الله: ستة لعنتهم
(1) البخاري، كتاب الأدب، باب 96. . ومسلم، كتاب البر، باب 165، والترمذي كتاب الدعوات، باب 98
(2)
سورة الطور الآية 21
(3)
سورة الكهف الآية 82
(4)
القاسمي إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، ص 417
لعنهم الله. .، وذكرهم إلى أن قال:«والمستحل من عترتي لما حرم الله تعالى (1)» .
ومما يدل على أن محبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم دين وإيمان " أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقا وعلما وعملا وتبليغا؛ فالطعن فيهم طعن في الدين موجب للإعراض عما بعث الله به النبيين، وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع، فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله، ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى فقبل معه الضلالة وهذا أصله كله باطل"(2).
ولذا ليس غريبا أن ينص علماء العقيدة من أهل السنة والجماعة على أن حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان كما يقول الإمام الطحاوي (3).
وقد قال إمام عصره أبو زرعة الرازي من أجل شيوخ مسلم:
(1) رواه الترمذي، كتاب القدر، باب 17
(2)
ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج2، ص18
(3)
ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، بيروت، المكتب الإسلامي، ط6، 1400 هـ، ص528