الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأتي بعده، لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلهم" (1).
هذا وإذا كانت رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد المرسلين؟!
فإذا رآه مسلم ولو لحظة: انطبع قلبه على الاستقامة، لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرق عليه وظهر أثره في قلبه، وعلى جوارحه، قال السافريني:"وليس في الأمة كالصحابة في الفضل والمعروف والإصابة"(2).
(1) ابن حجر، فتح الباري 7/ 7
(2)
السفاريني، لوامع الأنوار 2/ 312
المطلب الثاني: فضائل بعض الصحابة بأعيانهم:
أ - فضل أبي بكر رضي الله عنه: أجمع أهل السنة على أن أبا بكر الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام (1).
ومن ثم - فهو رضي الله عنه أفضل الصحابة على الإطلاق (2) وأكملهم وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بأمور الدين، وأشهدهم موافقة لأمر الله تعالى، (3)
(1) ابن حجر، فتح الباري 2/ 169
(2)
نفس المصدر السابق 5/ 346
(3)
نفس المصدر السابق 11/ 542
وأنه رأس أهل الجنة من هذه الأمة.
وقد أثنى الله تعالى على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سورة التوبة فقال سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (1).
وحين خطب أبو بكر رضي الله عنه قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال رجل: أنا قال: اقرأ فلما بلغ (إذ يقول لصاحبه) بكى أبو بكر وقال: أنا والله صاحبه (2).
وله - رضي لله عنه - مناقب كثيرة ومفاخر فاق بها أقرانه، لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالصديق. وهو أول الناس إيمانا قال صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا (3)» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي (4)» .
(1) سورة التوبة الآية 40
(2)
الطبري في التفسير 14/ 260، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 202 لابن أبي حاتم
(3)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 191، كتاب فضائل الصحابة باب قوله صلى الله عليه وسلم (ولو كنت متخذا خليلا)
(4)
رواه أبو دود في سننه، كتاب السنة، باب ما قيل في الخلفاء، انظر: سنن أبي داود مع شرخه عون المعبود11/ 406، 407
والأحاديث في فضائله كثيرة شهيرة يعسر استقصاؤها، فقد بلغت حد التواتر المعنوي كما نص على ذلك ابن حجر - رحمه الله تعالى - (1).
ب - فضل عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما:
لا خلاف بين أهل السنة على أفضلية عمر بن الخطاب بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
ومن أظهر الأدلة على ذلك:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنه: «أن عليا رضي الله عنه قال: عندما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه (رحمك الله)، إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كنت وأبو بكر وعمر، وقفت وأبو بكر وعمر، انطلقت وأبو بكر وعمر، فإني كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما (2)» (3).
ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، قوله عليه الصلاة والسلام: «يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان
(1) ابن حجر، فتح الباري 12/ 396
(2)
صحيح البخاري المناقب (3685)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2389)، سنن ابن ماجه المقدمة (98)، مسند أحمد (1/ 112).
(3)
أخرجه البخاري - مع الفتح - (7/ 22)
سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك (2)» (3).
وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كانت فيمن قبلكم من الأمم محدثون (5)» .
وما رواه أحمد في المسند، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب (6)» .
ج - الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر، عثمان أم علي؟
تفضيل الصديق ثم عمر مجتمع عليه بين أهل الحق، وأما المفاضلة بين عثمان وعلي ففيها خلاف، فالأكثرون ومنهم الإمام أحمد والإمام الشافعي، وهو المشهور عن الإمام مالك رضي الله عنه أن الأفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان رضي الله عنهم ثم
(1) صحيح البخاري الأدب (6085)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2397)، مسند أحمد (1/ 187).
(2)
الفج الطريق الواسع (1)
(3)
صحيح البخاري - مع الفتح - (7/ 40)، صحيح مسلم بشرح النووي (15/ 165)
(4)
صحيح البخاري - مع الفتح - 7/ 42
(5)
(4) فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر
(6)
المسند للإمام أحمد 4/ 154
علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين.
وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان، وممن قالوا به سفيان الثوري، ويقال: إنه رجع عنه، وقال به ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده، وقيل: لا يفضل أحدهما على الآخر، قاله مالك في (المدونة) وتبعه جماعة منهم يحيى القطان، ومن المتأخرين ابن حزم (1)
غير أن ما ذكر عن سفيان الثوري رحمه الله قد حكى غير واحد من العلماء رجوعه عن هذا القول، فقد قال الخطابي بعد أن ذكر قوله: - وقد ثبت عن سفيان أنه قال في آخر قوليه: (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم)(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (
…
فإن سفيان الثوري وطائفة من أهل الكوفة رجحوا عليا على عثمان ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره، وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعلي، وهي إحدى الروايتين عن مالك، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على علي، كما هو مذهب سائر الأئمة كالشافعي وأبي حنيفة
(1) ابن حجر، فتح الباري 7/ 16.
(2)
الخطابي، معالم السنة 4/ 280
وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه وغير هؤلاء من أئمة الإسلام (1)، ثم بين شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية) أن مسألة عثمان وعلى ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة (2).
وقد وردت بعض الأحاديث في فضائل عثمان رضي الله عنه منها:
عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان، وقال ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة (3)» .
وقد وردت أيضا بعض الأحاديث في فضائل علي - رضي الله
(1) ابن تيمية، مجموع الفتاوى 4/ 426
(2)
ابن تيمية، العقيدة الواسطية بشرح الهراس (242، 243)
(3)
صحيح البخاري - مع الفتح - (7/ 53)
(4)
صحيح البخاري - مع الفتح - (7/ 71)
عنه - منها:
ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان فقال: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي (1)» (2).
وقوله عليه - الصلاة والسلام -: «من كنت مولاه فعلي مولاه (3)» (4).
وقد نوه أئمة أهل السنة - رحمة الله تعالى عليهم - في عدة مواضع بفضائل الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - منها: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
…
إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وإن عليا رابعهم في الخلافة والتفضيل، وأتبرأ ممن ضللهم وكفرهم) (5)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومن أصول أهل
(1) صحيح البخاري المغازي (4416)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2404)، سنن الترمذي المناقب (3731)، سنن ابن ماجه المقدمة (121).
(2)
الترمذي - مع تحفة الأحوذي (10/ 215) وقال الترمذي: إسناده حسن صحيح.
(3)
سنن الترمذي المناقب (3713)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 368).
(4)
صحيح البخاري - مع الفتح - (7/ 304، 305).
(5)
طبقات الحنابلة (2/ 304).
السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ويفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، ويفضلون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)(1)، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ويشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة. ويقرون أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم (2).
وقد أشاد الحافظ ابن حجر رحمه الله بفضائل الصحابة وما كانوا عليه من كثرة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه، والمبادرة إلى طاعته، والمحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وفي حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين.
(1) ابن تيمية، العقيدة الواسطية مع شرح د. الفوزان (184 - 187)
(2)
ابن حجر، فتح الباري (1/ 556)