الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلم يدركوك بوضع القياس
ولم يلج الباب من قد قرع
…
ولم يعلم الأمر من قد علم
كأنك معني بمعنى الحياة
وفيك غموض خفي الصفات
أيعجز معناك أهل الحصاة
وقد بلغوا مبلغا مرتفع
…
من العلم والأدب المحترم
على بابك القوم قد هوموا
فضل الجهول ومن يعلم
فلو يعلمون وهم نوم
بفحوى معانيك ولم يرتدع
…
من القوم من لم يكن
بك الناس تبلغ أوج العلى
ويدرك من نزلوا من علا
فيجمع تلو إلى من تلا
ويدنوا الأذل إلى ذي الرفع
…
فيبلغ شأواً منيع القمم
لا أنت العناء وأنت الدعة
وأنت المضيق وأنت السعه
وأنت العلو وأنت الضعة
وأنت الأمان وأنت الفزع
…
وأنت عزيمة من يعتزم
غمضت كما تغمض الكهرباء
فما كان يبرح عنا الخفاء
ولم يبد فيما تسر بداء
لنا أو لمن سار سيراً سرع
…
فزلت به في الطريق القدم
محمد الهاشمي
طوب أبو خزامة
1 -
تمهيد
لما استولى الشاه عباس الصفوي على بغداد في نحو سنة 1033هـ -
1623م وذلك بعد حصاره إياها مدة ثلاثة أشهر وكان استيلاؤه عليها بخيانة ابن بكير رئيس الشرطة وبعد أن دخل الشاه المدينة وملكها أمر بقتل الخائن (ابن بكير أغا) فقتل ثم بقى الحكم للشاه ومن يوليه أمرها من رعيته إلى سنة 1048هـ. وذلك أن السلطان مراد خان العثماني قصدها بجيش جرار كامل العدد والعدد فحاصرها (في 8 رجب سنة 1048هـ 15 ت 2 سنة 1638م وكان يشتغل بنفسه في أعمال الحصار الشاقة تنشيطاً للجند. وسلط على أسوارها المدافع الضخمة التي نقلها إليها ولما فتحت المدافع فيها فتحة كافية للهجوم أصدر السلطان أوامره بذلك فهجمت الجيوش كالليوث الكواسر (كذا) في صبيحة 18 شعبان سنة 1048هـ - ك1 1638م ولم يثنها قتل الصدر الأعظم (طيار محمد باشا). . . بل استمر الحرب 48 ساعة متوالية ختمت بانتصار الجنود العثمانية) ولما دخل الجند العثماني بغداد وملك زمامها السلطان مراد خان ولى عليها من قبله والياً هو كجك حسن باشا (أو حسن باشا الصغير) وبعد أن تم ذلك رجع السلطان مراد إلى من حيث جاء وقد ترك المدافع التي أتى بها من الأستانة والتي غنمها من الشاه عباس لينتفع بها عند الحاجة إليها ولتصد عن بغداد هجمات العدو وإلى اليوم تراها مطروحة في قلعة (الطوب خانة) وقد أخبرنا أحد ضباط المدفعية أن الحكومة تريد نقلها إلى الأستانة لتوضع في محل التحف والآثار القديمة.
2 -
وصف (طوب أبو خزامة)
ومن تلك المدافع المار ذكرها مدفع (يسمى أبو خزامة) وهو اليوم في محلة الميدان في الجانب الشرقي من بغداد أمام باب (الطوب خانة) الشرقي (أي باب قلعة المدافع) على دكة تعلو الأرض نحو نصف ذراع يبلغ عرضها نحو 4 أمتار في طول 8 أمتار وفي كل ركن من أركانها الأربعة مدفع صغير مركوز في الأرض من فوهته ومربوط بأطراف هذه المدافع العليا سلسلة حديد بغلظ الزند توصل الواحد بالآخر فهي شبه سور (لطوب أبو
خزامة) والمدافع شبه أبراج ومشدودة بتلك السلسلة كثير من الخرق وفي رأس مدفع من المدفعين اللذين مما يلي الشرق فانوس وضعته الحكومة ليسرج في ليلة الجمعة.
وهذا الطوب (أعني طوب أبو خزانة) مصنوع من الصفر أي النحاس الأصفر (البرنج) والحديد وهو مضطجع على مرقد في وسط الدكة السالفة الذكر. والمرقد عبارة عن جذوع نخل لم تبلها الأيام لأنك تراها على حالتها الأولى في أول وضعها. وللمرقد المذكور دولابان من الحديد قد نزل نصفهما في الأرض لمرور الزمن عليهما ولما عليهما من ثقل الحديد وعند فوهة (طوب أبو خزامة) أربع قنابل ثلاث منها في الأسفل والرابعة قائمة عليها محيط كل منها 29 س ويبلغ طول (طوب أبو خزامة) 4 أمتار و44 س ومحيطه من مؤخره مترين و4 س ومحيطه مما يلي فوهته متراً و44 س وقطر فوهته 48 س ومكتوب على ظهره مما يلي فوهته بالحرف المركب البارز ما نصه: (مما عمل برسم السلطان مراد خان بن (كذا) السلطان أحمد خان) ووراء الكتابة المذكورة أربع سمكات صغار وأربعة أنجم ووراءها في الوسط عروتان مقوستان محيط ل منهما نحو 50 س فيهما خرق مشدودة - ترمز إلى ما يطلبه الزائرون من الأماني وكذلك قل عن الخرق المشدودة في السلسلة المتقدم ذكرها - وفي جنبه الأيسر (أعني طوب أبو خزامة) مما يلي العروة انخفاض محيطه 28 س وغوره نحو 3 س ووراء العروتين السالفتي الذكر أربع سمكات كالتي تقدم ذكرها وكذلك خمسة نجوم وهلالان صغيران ووراء الأسماك والنجوم والأهلة على ظهر الطوب الذي نحن بصدده مما يلي مؤخره مكتوب بالحروف المركبة البارزة ما نصه: (عمل على كتخداي جنود بردركاه عالي سنة 1047) معناه عمل على الذي هو رئيس الجنود في الباب العالي (أي باب السلطان وقد ساعدنا على قراءة الكتابة المذكورة وتعريها شكري أفندي الفضل وفي مؤخرة شبه ذنب ينتهي بكتلة مخروطة الشكل وفي فوهته مما يلي داخله صدع (أي شق طبيعي) غير سوي.
3 -
ما يرويه العامة في شأن أخذ بغداد و (طوب أبو خزامة)
يحكي الشيوخ من العامة أنه لما أخذ الشاه عباس بغداد واستقر بها منع كل فرد من الذهاب إلى الأستانة وبث الرص والعيون في جميع الطرق المؤدية إليها ثم أنه جعل حضرة الشيخ عبد القادر وحضرة المعظم (أي النعمان بن ثابت أحد أئمة المذاهب الأربعة) وحضرة
الشيخ معروف الكرخي والشيخ عمر السهروردي مرابط لخيله وبغاله ولما رأى أهل بغداد ذلك استشاطوا غضباً فخاطر رجل من بيت السويدي
بنفسه وصمم على الرواح إلى القسطنطينية وإذا أحس به أحد فإنه يفدي نفسه لهذا السبيل فتزيا بزي درويش إيراني وذهب إلى إسلامبول ولما وردها تخارس لأن أهلها أيضاً منعوا دخول كل من يأتي من نواحي العراق كي لا يسمع السلطان بخبر سقوط بغداد فيسوق إليها الجنود ثم أن السويدي لما دخلها (أعني الأستانة) بقي متخفياً مدة أيام إلى أن توصل إلى خطيب جامع السلطان فظل عنده بصفة طالب علم وخادم له. وفي ذات يوم مرض الخطيب وكان يوم جمعة فلما حان أوان الخطبة والخطيب مريض لم يطق القيام فضلاً عن المسير فتحير في أمره ولما رأى السويدي منه ذلك اغتنم الفرصة وقال له: أنا أنوب عنك خطيباً هذا اليوم فسر بذلك الخطيب لما علمه من علم السويدي وفضله ثم ذهب إلى الجامع ولما رقى المنبر نادى بأعلى صوته: أيها المؤمنون المسلمون إن الدين قد ذهب وإن بغداد قد ضبطها الشاه عباس وربط خيله وبغاله في حضرات أئمتها وفعل من المنكرات مالا يوصف ولا يخطر على بال إنسان. فلما سمع الحاضرون كلامه ضجوا بالتكبير وأخذوا بالصراخ والعويل فأخذه السلطان إلى داره وأستقصه القصة من أولها إلى آخرها. ثم بعد ذلك نادى منادي السلطان في الأستانة أن لا يصحبه من عسكره إلا الكهول والذين يغرز المشط في لحاهم فأخذ الشبان والكهول لا غير وبعد أن تجمع العسكر، سار به قاصداً بغداد. ولما صار قرب سامراء، أراد أن يجعل عليهم قائداً محنكاً، ويذهب هو إلى بغداد متجسساً فأخذ يسأل كل من يرى فيه اللياقة للقيادة: أين بغداد؟ فيجيبه القائد: على بعد يوم منا مثلا، فيأمر بقطع رأسه ثم يسأل الآخر فيجيبه على بعد يومين فيأمر بقطع رأسه أيضاً وهلم جرا حتى قطع رؤوس جماعة من القواد وقد تحير الباقون في جوابه ثم باتوا تلك الليلة وكان عند أحدهم ابن في الثامنة عشرة من عمره ولشدة حبه إياه لم يطق فراقه فوضعه في صندوق يستطيع أن يتنفس فيه وأخذه معه وكان إذا جن الليل يخرجه من الصندوق ويجلس هو وإياه يتسامران وفي تلك الليلة رأى الفتى وجه أبيه متغيراً فقال له: ما بالك يا أبتي؟ فقال إني. سأقتل غداً. فقال: ولم؟ فقال إن السلطان ألقى على القواد سؤالاً وهو: كم المسافة بين سامراء وبغداد
وكل من أجاب من القواد بقليل أو كثير أمر بقتله وغداً دوري ولم أدري ما
الجواب لأني اعلم أن السلطان قاتلي لا محالة إن زدت أو نقصت فقال الغلام: أهذا يهمك يا أبتي؟ فقال له الوالد: وكيف لا يهمني يا بني سؤال فيه القتل فقال له إذا دعاك السلطان غداً وسألك عن المسافة فخذ اللواء بيدك وأركض بفرسك وقل بغداد تحت حافر هذا الجواد ولا بأس عليك. ولما كان النهار دعا السلطان القائد المذكور وسأله عن المسافة بين بغداد وسامراء ففعل القائد كما قال له ابنه فاستحسن ذلك السلطان وقال: الآن وجدت ضالتي ثم دعا ذلك القائد وقال له صدقني من علمك هذا ولك الأمان فقال أن لي ابناً أحبه حباً شديداً ولفرط غرامي به لم أطق فراقه فوضعته في صندوق وإذا جن الليل أخرجنه وسامرته (لأنك منعت ذلك وقلت من أتى بصبي قطعت رأسيهما) وفي هذه الليلة رآني ولدي في ضيق فسألني عن حالتي فقصصت له القصة فدبر لي هذا الأمر فقال له السلطان أين ابنك؟ فقال هاهو في الصندوق فقال ايتني به فأتاه به فلما رآه إستسماه فقال له الحدث اسمي كنج عثمان (أي عثمان الحدث) فقال له السلطان ألم تسمع أني أمرت بقتل كل من لا يغرز المشط في لحيته فكيف جئت إلا تخاف القتل؟
فقال يا حضرة السلطان أنا لست كما ترى بل أنا شيخ من الشيوخ فقال له السلطان إن كنت صادقاً فخذ هذا المشط واغرزه في لحيتك ولشدة خوفه من السلطان تناول المشط وأثبته في لحم خده فقال له السلطان أين لحيتك فأنا لا نراها في وجهك فقال لحيتي في داخلي (بطني) فقال له السلطان: كيف عرفت ذلك فقال له إني سمعت أنك تقتل كل من أخبرك عن المسافة سواء كانت بعيدة أو قريبة فعلمت أنك لا تريد أن تعرف المسافة ولكنك تريد أن تمتحن همم الرجال وأفكارهم. فقلت لوالدي هذا القول لأن الجواد إذا سار لا يبعد عنه شقة فكأن بغداد تحت حافره فقال له أنت طلبتي فولاه السلطان القيادة وأعطاه اللواء الكبير ثم أن السلطان مراداً ترك الجيش في سامراء وسار قاصداً بغداد راجلاً ولكنه تزيا بزي درويش إيراني لكي لا يعرف أو لا يظن فيه ظن سوء ثم إنه ما زال سائراً على رجله حتى ورد أرض عجوز هناك وضافها فاحتفلت به العجوز وقامت بضيافته (كما هي عادة الأعراب في خدمة الضيوف) ولما سار السلطان من عندها أراد أن يكرمها مكافأة لضيافتها إياه فقال لها ما الذي تريدين من الأراضي والعقار فإني صديق السلطان
فقالت: إذا كنت صديق السلطان كما تقول فإن لي دواب لا يتركها الرعاة تسرح في هذه الأرض
فأطلب إليك أن تكلم السلطان بذلك. فقال: من أين إلى أين تريدين فقالت: (من حسحوس لدوب السوس) فقال لك ذلك ثم أنه أخرج من جيبه ورقة وكتب ما طلبت ووقع عليها ثم ناولها الورقة وقال لها أنا ذاهب إلى بغداد وسيأتي السلطان مع الجند بعدي فإذا جاء السلطان ودخل بغداد فأتى بورقتك هذه إليه وأعطيها إياه فسيجري ما تريدين.
ثم سار السلطان وما زال سائراً حتى دخل بغداد ولما دخلها ذهب رأساً إلى السراي وأخذ ينشد الأشعار الفارسية بأطرب الألحان (كما هي عادة الدراويش من الفرس) ولما سمع صوته الشاه دعاه إليه وقربه منه ثم أنه قال للشاه هل لك أن نلعب أنا وإياك في الشطرنج؟ فقال: نعم. ثم إن الشاه دعا بالشطرنج فأتى به وأخذا يلعبان وبعد ساعات غلب السلطان مراد مناوئه الشاه عباساً ثم إنه ضرب (شاه) الشاه بفرزانه وقال (الشاه مات) وقام مسرعاً وخرج من السراي وفي حينه دخل بيت العجوز وأعطاها مقداراً من الدراهم وقال لها ابتاعي لي نعجة وأتي بها الساعة فذهبت تلك العجوز واشترت له شاة وأتت بها إليه فذبحها السلطان مراد ووضع دمها في طست ثم إنه جلس على حجر رحىً في بئر ووضع طست الدم على رأسه ولما انتبه الشاه لقول السلطان مراد وهو: (الشاه مات) تيقن أن هذا الدرويش ليس هو في الحقيقة درويشاً ولا بد من أن يكون السلطان مراد خان أو أحد وزرائه ثم أنه دعا المنجم وقال له: أريد منك أن تعرف بحساب الرمل والتنجيم من هو هذا الدرويش أين ذهب ثم أن المنجم أخذ بالحساب وبعد
ساعة من الزمان قال للشاه: إن هذا الدرويش هو السلطان مراد وهو الآن جالس على جبل بين بحر من الدم وبحر من الماء؛ فتحير الشاه والحاضرون من قوله ثم إن الشاه أمره أن يعيد الحساب مرة أخرى لعله واهم به فأعاده مرة ثانيةً وثالثة ورابعة حتى المرة العاشرة والحساب ينتج تلك النتيجة. ثم إن الشاه طرده وصرف هواجسه في أمر السلطان العثماني وبعد يوم خرج السلطان مراد متخفياً من بيت العجوز في بغداد ليلاً وذهب إلى جنده ولما التقى بالعسكر قص عليهم قصته. ثم إنهم ساروا حتى وردوا بغداد فحاصروها وبقوا في حصارها مدة مديدة حتى تعسر عليهم فتحها وكاد السلطان مراد يخفق في مسعاه وينتقض ما أبرمه من الأمر فحرج صدره لذلك وصدور جميع من في المعسكر وفي ليلة من الليالي طاف الشيخ عبد القادر الكيلاني دفين بغداد على كنج عثمان (القائد العام) وقال لهم: مالي أراكم في ضيق
واضطراب؟. فقال له كنج عثمان: قد أعيانا فتح بغداد وقد نفدت قوانا وذخيرتنا فقال له الشيخ عبد القادر: إذا كان الغد اذهب إلى السلطان مراد وقل له أن أعمل مدفعاً كبيراً. ولما بزغت الشمس، ذهب القائد المذكور إلى السلطان وأخبره بالخبر. فقال له السلطان: من أين لنا أن نأتي بالحديد ونعمل مدفعاً وليس عندنا منه شيء؟ وفي الليلة الثانية أيضاً طاف الشيخ عبد القادر على كنج عثمان وقال له: ألم أقل لك اعملوا مدفعاً من الحديد؟ لم لم تعملوا ذلك؟ فقال له: يا مولاي ليس عندنا شيء من الحديد. فقال: خذوا انعل خيولكم ومرابطها الحديدية وصبوها. وعند الصباح اخبر كنج عثمان السلطان بذلك، فأمر السلطان بجمع النعال والمرابط ولما جمعت وأذيبت تحيروا في كيفية صبها ولم يهتدوا إلى قالب يفرغونها فيه. وفي الليلة الثالثة طاف أيضاً الشيخ عبد القادر على كنج عثمان المذكور وقال له: لم لم تصبوا ما ذاب من الحديد فقال له: يا حضرة الشيخ إننا لا نعرف كيفية صبه فقال له الشيخ: خذوا خشبة وابنوا عليها غلافاً من الطين شبه كوارة الطعام ثم صبوا ما ذاب من الحديد فيها وبعد أن يجمد ما افرغ في الكوارة اكسروها واستلوا منها الخشبة تكن حينئذٍ مدفعاً تاماً لا ينقصه شيء. وفي الصباح ذهب كنج عثمان المذكور إلى السلطان وقص عليه ما رآه في المنام فبادر السلطان إلى العمل حتى أتمه ولما لم يكن عندهم من البارود والقنابل شيء أخفقوا في مسعاهم وباتوا في هم واضطراب وفي تلك
الليلة وهي الرابعة طاف أيضاً الشيخ عبد القادر على كنج عثمان وقال له: لا يهمكم نفاد البارود والرصاص فاجعلوا بدل البارود التراب وبدل القنابل قطع الصخور وارموا بها العداء فإنها ستقع عليهم أشد وقعٍ من البارود والرصاص وإذا تعسر عليكم الفتح ولم تقدروا أن تثغروا ثغراً في سورها فسأقف لكم غداً على قمة قبتي بصورة بازِ أشهب فإذا رأيتموني صوبوا المدفع إلي واقذفوني بما فيه ثم ارموا رمية أخرى على السور تلثم منه ثلمة واسعة فادخلوا المدينة عنوة ولما أسفر الصبح عن وجهه أسرع كنج عثمان إلى السلطان واخبره بالخبر وحينما طرق سمعه ذلك باشر بالعمل كما أمر الشيخ عبد القادر وفي الضحى رأوا على رأس القبة (بازاً) أشهب فوجهوا إليه المدفع ورموه بقذائفهم وكانت من التراب والصخور ثم أنهم وجهوا المدفع إلى السور ورموه رمية أخرى وما خرجت تلك الصخور مع التراب من فم المدفع إلا وإنهدم من قواد السلطان مراد يفتك في الأعداء بسيفين بعد أن قطعوا
رأسه وما زال يقاتل على هذه الحالة حتى نظرت إليه امرأة من على طوار الدار فقالت يا للعجب رجل يقاتل بسيفين ورأسه مقطوع! ولما نادت بهذا النداء سقط من على ظهر الجواد إلى الأرض وخر صريعاً فدفن في موضع مصرعه وهو في المحلة المعروفة اليوم بمحلة (أبو سيفين) إحدى محلات بغداد وأكثر سكانها اليهود.
أما كنج عثمان فإنهم يقولون عنه أنه لما دخل بغداد وكان حاملاً لواء
الجند العثماني وقد قطعت يداه بقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله ولا ماسكٍ يمسكه حتى رآه أحد الناس فدهش به وعند ذلك هوت الراية إلى الأرض وقتل كنج عثمان ودفن في الموضع الذي سقط فيه وهو اليوم بقرب باب سراي الحكومة (أي دار الإمارة) مما يلي الشمال الغربي على بعد 9 أمتار منه وله حجرة عليها قبة وفي وسطها ضريح عليه مشبك من الخشب طوله متر و80 س في عرض 90 س في ارتفاع متر و10 س وعليه ستار أخضر اللون وقد ركز في أركان المشبك الأربعة أربعة أعلام خضر وفي رأسي علمين منها رمانة من النحاس الأصفر وفي رأسي العلمين الآخرين شبة كف من نحاس أيضاً. وفي أعلى الشباك المشرف على الطريق الكائن في جنب باب الإسطبل المعروف (بطولة الضابطية) أي إسطبل رجال المبذرقة مكتوب على خارجه بالقاشاني الأبيض يتخلله الأزرق ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم. إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رئيس الشهداء. كنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133هـ (1721م). ويزوره الناس من أهل السنة والجماعة وينذرون له النذور وتشعل الشموع على قبره في ليلة كل جمعة.
4 -
معتقد العامة في طوب أبو خزامه وكيفية زيارتهم إياه.
يعتقد العامة في طوب أبو خزامه ما يعتقدونه بالأنبياء والأولياء ويزعمون أنه ولي من أولياء الله تعالى فلذا تراهم يزورونه ويتبركون به ويطلبون منه تحقيق أمانيهم وتجد دائماً خرقاً معقودة بسلسلة الحديد والعروتين السالفتي الذكر وهذه الخرق ترمز إلى الأماني (أو المراد) ومن اعتقاداتهم فيه أنه لا يخيب قاصداً قط وفيهم كثيرون وينذرون له النذور ويسرجون حوله الشموع في ليلة كل جمعة وأكثر زواره وقصاده النساء وأكثرهن من أهل السنة والجماعة. ولا تقصده منهن إلا المرأة العقيمة فتمر أحشاءها عليه كي يعطيها ولداً.
أو المقلات التي لا يعيش لها ولد فتأتي إليه بالمولود وهو ابن سبعة أيام وتدخله في فوهته وتخرجه تفعل ذلك ثلاث مرات. ثم تتوسل إليه أن يطيل الله عمر ولدها وتنذر له النذور وتفي بنذرها أن أعطاها مرادها. ومنهن (أعني من النساء) من في عينيها رمد فتأتيه قاصدة إياه للاستشفاء ببركته فتدخل رأسها في فوهته وتخرجه ثلاث مرات ثم تغسل شيئاً أو من السلاسل التي حوله بقليل من الماء وتداوي بها عينيها ثم تنذر له نذراً وإن زال الرمد منها وإذا تم ذلك وفت بنذرها