المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنعاك أبراج السماء ونجمها … ومن الملائك معشر ناعيك ونعتك مصر - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٣

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 25

- ‌سنتنا الثالثة

- ‌صفحة من تاريخ خليج فارس

- ‌الراديوم

- ‌زكاة النصح

- ‌عصام الدين العمري

- ‌رحلة إلى شفاثا

- ‌نظرة في الاحساء

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 26

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌بيت علم في العراق

- ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌رجال السفينة العراقية

- ‌إقامة أتون طاباق عمومي

- ‌سورة الخيل

- ‌مشارفة سد الهندية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 27

- ‌كدرُلعومَر في أقاصيص العرب

- ‌الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة

- ‌أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌الكلكسة

- ‌تطواف في جوار بغداد والمدائن

- ‌نصرانية غسان

- ‌الفكر سياح

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌ألفاظ عوام العراق

- ‌مريم

- ‌العدد 28

- ‌الجرامقة

- ‌الشيخ عثمان بن سند البصري

- ‌الشيخ السكير

- ‌تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية

- ‌رؤية أدبية

- ‌ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 29

- ‌جزيرة العرب

- ‌لغة العرب

- ‌الكرد الحاليون

- ‌خلد أثراً

- ‌أفعال تتعلق بأهل السفن

- ‌أسرة بدروس آغا كركجي باشي

- ‌كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري

- ‌سياحة في النوم

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارقة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 30

- ‌سياسة لا حماسة

- ‌المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك

- ‌أيها العربي

- ‌أمراء السعود في جزيرة العرب

- ‌الشيب والشباب

- ‌مستقبل قضاء الحلة

- ‌الحياة خيال

- ‌الأكراد الحاليون

- ‌حكم

- ‌الهيلاج ومعانيها

- ‌بحر النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف

- ‌لا همز في كلامهم

- ‌الدول

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 31

- ‌كتب تواريخ بغداد

- ‌على الأرض وفي السماء

- ‌أقسام إمارة السعود

- ‌الأدب خير نسب

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌السائح الغربي في العراق العربي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 32

- ‌طاق كسرى

- ‌خاتمة البحث في إمارة السعود

- ‌برس نمرود

- ‌أيها الأمل

- ‌طوب أبو خزامة

- ‌المال حاكم

- ‌الذرعة

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 33

- ‌خرافات عوام البغداديين

- ‌الزواج عند يهود بغداد

- ‌الرّماحية

- ‌الطيارون في الشرق

- ‌ارتفع أسعار الأرضين في بغداد

- ‌النخل في العراق

- ‌بقايا بني تغلب

- ‌الكلمات الكردية في العربية الموصلية

- ‌التجارة في بغداد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المراجعة والمكاتبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 23

- ‌الباب الوسطاني

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌منارة سوق الغزل

- ‌نُبوةُ أديب

- ‌أنا والدنيا

- ‌إمارة الرشيد

- ‌حالة التجارة في بغداد في سنة 1913

- ‌اللسان

- ‌الرطب والارطاب

- ‌صادق وفتحي

- ‌مكتبات النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 34

- ‌منافع بيع البواخر

- ‌بيت النمنومي أو بيت جرجية

- ‌الحيدرية

- ‌وقفة تجاه السن

- ‌الأسطول الطيار

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌باب المذاكرة والمكاتبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها

الفصل: تنعاك أبراج السماء ونجمها … ومن الملائك معشر ناعيك ونعتك مصر

تنعاك أبراج السماء ونجمها

ومن الملائك معشر ناعيك

ونعتك مصر والشام وبعدها

أمسى العراق بدمعه يرثيك

بالله يا لغة (النبي) تجملي

فلعل حادثة الرقي تليك

أهلوك قد نهضوا ليستلموا العلا

لله ما نهضت به أهلوك

نقضت لك الأيام عهداً موثقاً

فلعلهم بعهودهم موفوك

لم يغن عنك البدر عند طلوعه

كلا ولا الشمس التي تحكيك

كنت الشريفة والزمان ما عف

وملوك أهل الأرض غير ملوك

أنت العلاج لنا من الجهل الذي

أودى بنا وبديننا المنهوك

ما من أعادينا تصاب بلادنا

لكن تصاب بجهلنا والنوك

يا يومنا الحلكوك طال أنيننا

فيه فكيف بلينا الحلكوك

حتى م يا شعب العراق أرك في

لين الذليل وذلة المملوك

في أمس تسحب ثوب رق للعلا

واليوم تسحب بذلة الصعلوك

أمياه (دجلة) في العراق لعلما

يجري على إمهاله واديك

أجريت يا وادي الفرات بمهلة

أم كيف أنت بمائك المتروك

أعيون أودية العراق تريثي

إن العراق بجدبه يشكوك

يشكوك من ظماءٍ وأنت مفيضة

ذهباً عليه من منابع فيك

محمد الهاشمي

‌الكرد الحاليون

(لغة العرب) لاحظ الأدباء إن كتاب هذه المجلة هم ممن تفرغوا للأبحاث تفرغاً عرفوا واشتهروا ونبغوا فيه. وهذه المقالة التي نزفها للقراء دبجتها براعة الكاتب المجيد شكري أفندي الفضلي الذي عاش بين ظهراني الأكراد نحو 20 سنة وقد وقف على هذا الجيل أتم الوقوف حتى اطلع على عجرهم وبجرهم داخلهم وخارجهم خلوتهم وجلوتهم وقد تجول في تلك الديار كل التجول حتى إنه لم يفته أمر ولهذا لا تقرأ هنا إلا الصحيح الذي لا يشوبه ريب فنوجه نظر القارئ إلى مطالعة هذا البحث بتدبر.

1 -

المرأة

لا يقوم بناء مكين، إلا إذا كان هناك أساس متين، وحيث لا أساس رصين،

ص: 234

يكون الخراب السريع الأكيد اليقين، وما يقال في البيت المادي يقال في البيت الاجتماعي، الذي تضم حيطانه سكانه، وأساس البيت الاجتماعي هو المرأة؛ فحيثما ترى المرأة كاملة عدة النفس وهي الفضائل الصادقة، والعلوم المرقية، والآداب الطاهرة، وخدمة المنزل بدون وناء وفتور، تحكم إن هناك العمران الحقيقي والحضارة المنشودة. وقد ترى المرأة مزودة بعدة النفس إلا أنه لا يرى هناك ما أشرنا إليه من أمر هذه الحقيقة؛ والسبب هو حالة المربي الموجودة هي فيه، كما أنك لو أقمت داراً عامرة أو قصراً مشيداً في وسط فلاة لا ماء فيها، ولا نبات يوشيها، فإن ذلك المعهد قد يستقيم أعواماً مديدة، إلا أنه يبقى خالياً من كل ساكن لوجوده في موطن لا يعيش فيه حي ولا يأنس فيه أنيس.

وهذا الذي نقوله يؤيده الواقع في المرأة الكردية الحالية التي تختلف بيئتها عن بيئة سائر الناس ولا سيما عن نساء العرب. فالمرأة الكردية لا تحتجب كالعربية أو كالإعرابية قطعاً، بل تطوي بساط أيامها في مقامها الطبيعي حرة العمل والتصرف هادئة الضمير والوجدان تذب عن حقوقها على حد ما يذب عنها الرجل الكردي بدون فرق. وهي ترافق زوجها مدى العمر إذا راعى حقوق الزوجية. وتفارقه أو تهجره إذا أصر على هضم تلك الحقوق أو انتهاكها ولهذا زوجها يوافقها قلباً وقالباً ولا يتعدى عليها إلا في النادر. تراها تشاطر الرجل (سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً أو قريباً) في أمر المعاش وتخفف عنه أعباء

المتاعب والمصاعب بكمال النشاط والهمة وتبعث في نفسه دواعي الشجاعة وتسليه في حالتي السراء والضراء، الرجاء واليأس. - تعنى بتربية الأولاد من بنين وبنات أشد العناية ولا تفرق تربية البنين من تربية البنات، إلا أنها تراعي حقوق المكان والزمان وتعودهم الأشغال الشاقة منذ نعومة أظفارهم وتناسب بين شغل وشغل مناسبة لشق وشق - تقوم بإدارة البيت وتستقبل الأقرباء والأحباء والضيوف بذيل طاهر، وطرف قاصر، وجفن ساهر، وقلب سليم، وعقل قوي، كل ذلك حضر زوجها أو غاب، حياً كان أو ميتاً - تصغي للرجل والرجل يصغي إليها في تجاذب أطراف ما يجب عمله أو إهماله حفظاً لحياة الأسرة أو تسهيلاً لقضاء حاجياتها لأنها تشاهد وترى كل ما يجري في بيتها وتعرف جميع أحوال الذي تعيش فيه فتطابق حالتها عليه ولا تفرق عن الرجل في

ص: 235

الانتباه إلى ما يجب عمله وتركه. اللهم إلا في الأمور التي لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل، أو جرت بعيدة عنها على غير مرأى ومسمع منها - المرأة الكردية الشريفة الكبيرة العريقة النسب تقوم مقام الرجل في المعاملات: في اكرآء الدور والبساتين والخضر والحوانيت والخانات وتفجير العيون وتعمير الأرضين وأغلال الضيع بل تشارك الرجال في وظائف الحكومة المودعة لزوجها أو لأحد أقربائها وأنسابها وإن كان هذا الأمر نادراً. رأيت امرأة أحد قوام المقامات في كردستان واسمها (خانم) تدير شؤون القضاء فيراجعها المتوظفون في كل الأمور المتعلقة بالإمارة. وشاهدت امرأة أحد القضاة واسمها (آمة)(أي أمينة) تجمع الحرس وتجول بهم في الأزقة من الصباح إلى المساء أو بالعكس لحفظ البلدة من سطوة اللصوص وهجمات الأشقياء.

والمرأة الرحالة الكردية تمتطي الجواد كالرجل إذا أرادت السفر وتتسلح بالأسلحة المألوفة وتستعملها إذا اقتضت الحال، لركوب الأهوال - صادفت امرأة من عشيرة الشوان اسمها (كوخا نركس) قتل الهماوند أخاها فتزيت بزي الرجال وتسلحت وتنكبت بندقية وشكت في منطقتها مسدساً وامتطت جوادها وما زالت على متن فرسها حتى أخذت به وثأرت أخاها - والمرأة القروية تقطع المسافات البعيدة وتأتي المدن للبيع والشراء وهي تسعى سعياً حثيثاً على رجليها سواء كانت وحدها أم لا وقد تجلببت بالعزم والحزم وتحجبت بالمناعة والعفاف: رأيت في سفري إلى بعض ديار كردستان امرأة راجلة كانت تتبع قافلتها بجد

وسعي وكانت حبلى. وفي أثناء السير تأخرت عنا زمناً. ثم لما نزلنا على ماء لنتناول الغذاء إذا بالمرأة قد أدركتنا وبين ذراعيها وليد تباغمه، ولما ظعنا نهضت معنا وهي تجد في السير كالسابق فعلمنا أنها تأخرت لوضع الحمل. ولم يعقها عائق لا الحبل ولا الطلق ولا النفاس فقلت نعمت المرأة ولتكن النساء على هذا المثال من الجد والعناء، جاهلات الحمول والوناء. على أن المرأة المدنية لا تضاهي الكردية القروية في جميع الأمور لتغير أسباب المعيشة والبيئة والمربى.

2 -

الرجل الكردي

يمتاز الرجل الكردي بكونه يعود نفسه الأشغال الشاقة منذ صغر سنه ويرو جسمه رياضة دونها كل رياضة لأنه يكافح الموانع الطبيعية بقلب قد من

ص: 236

جلمود وبصدر أرحب من الفضاء وذلك بعد خروجه من مدرسة حضن أمه الحرة بقليل من الزمن - تراه إذا ضرب في الفيافي طواها طي البساط، وإذا رقي في الجبال طاولها همة وإباء واصلاً الجد بالنشاط. وإذا جاع في تلك المطاوي اكتفى بكسرة خبز وشربة ماء، وإذا احتاج إلى النوم افترش الأرض والتحف السماء - تراه يجد في السير راكباً أهوال الحياة بشوشاً فرحاً جلداً يستقبله الأمل ويشيعه الحزم والعمل، تراه لا يصعر خداً ولا يقطب جبيناً إذا قامت بوجهه العقبات أو حلت به النوائب والملمات. وإذا نظرت إليه وهو في السهول أو الحزون أو الجبال وأمعنت فيه النظر نظر شاعر مصور للأفكار، يخيل لك إنه سلطان، وإن السهول الواسعة هي له بمنزلة الديوان؛ وما حواليه من مظاهر الطبيعة بمقام الأعوان. يخيل لك إن الجبال المرتفعة تطاطئ له الرؤوس، وتقوم بين يديه قيام رجل واحد مرؤوس، لا نفاذ أمره والجري على خاطره، يصعد إلى قمم الأطواد بحذاء يتخذه من الشعر أو الخيوط وهو الرشك ويتجول به إلى حيثما يشاء وهو يقطع الصخر ويقطع الشجر لبناء بيته منهما. ويصطاد الحيوانات ويلتقط المواد النباتية ليتخذ منهما طعامه أو يتجر بهما معاً ويدأب في غرس الكروم والأشجار المثمرة ويزرع الحبوب المتنوعة في الحزون والسفوح مكتفياً بماء المطر والثلوج وينحدر إلى السهول فيفجر فيها الينابيع المعروفة عندهم (بالكهريز) ويخترق الأنهار ويحرث الأراضي ويرعى الماشية ويربي الحيوانات الداجنة ويستبدل الثمار والغلال بغيرها من نتاج الصناعة الإفرنجية ويبيع المواد الأولى ليشتري بها المواد المعمولة ويمشي المسافات الطويلة أو البعيدة على الثلوج المتراكمة في بلاده وليس في رجله إلا حذاء عريض اسمه (جاروخ) ويكافح البرد بقباء قصير يتخذه من الصوف اسمه (فرنجي) وهو الذي يسميه بعض العرب (كبنة)(وزان غرفة). - كان رجل كردي يلقب (بابردو

ص: 237

يهبط من السليمانية إلى بغداد في مدة لا تزيد أبداً على ثلاثين ساعة مع أن المسافة بين هاتين المدينتين هي عبارة عن تسع منازل للقوافل الاعتيادية. فإذا فرضنا إن هناك قطاراً يقطعها في عشر ساعات اتضح لك إن ذاك الرجل كان يسير سيراً يعادل ثلث سير القطار المتئد. هذا في المشي وأما في الانحدار من الجبال والتلول المرتفعة فكان ينزل منها راكباً فرسه مغيراً. ولا جرم أن الرجل العاقل إذا رأى انحدار تلك الاطواد وركوب الفرس عليها يذهب إلى جنون الراكب. والأمر مع ذلك أشهر من أن يذكر. ورأيت رجلاً اسمه (ججه)(وزان سبب) نزل من جبل (هروته)(وزان الوكة) الذي لا يقدر أحدنا أن ينزل منه راكباً لنشوزه كان ينحدر منه ججه راكباً جواده.

والكردي يحسن الرماية ببندقيته أحسن الرماية سواء كان واقفاً أو ماشياً أو راكباً ولا يخطئ الهدف إلا قليلاً. رأيت بعض الهورمانيين يرمون الجوز بالقنابل الجوزة بعد الجوزة والقنبلة بعد القنبلة وذلك على قدر مدى المرمى وبواريدهم من الطرز القديم لا تصلح شيئاً إذا وقعت في أيدي الرماة البارعين والكردي إذا حارب يثبت في حومة الوغى ويصبر على تجرع كأس الردى كأنه يتحسى الحساء. وقد يهجم وأمامه من الأعداء ما يساوي عدده أضعافاً وكثيراً ما ينجو سالماً غانماً بدون أن ينال بأدنى آذى. كان رجل اسمه (جوامير الهماوندية يقابل فئة وفيرة من الجنود المنظمة أو من مغاوير الرجال وليس معه من إخوانه إلا بقدر الأنامل وقد طبقت شهرة هذا الرجل العراق كله وكان الجميع يخافونه حتى صار العوام يضربون به المثل فيقولون (خوش ما صرت جوامير) أي ألعلك أصبحت كجوامير بشدة البأس والمراس.

هذه صفات الرجل الكردي الجبلي والقروي والبدوي وأفعاله. أما المدني فشأنه شأن العراقي في التجارة والعلم والصناعة وربما فاقه ذكاءٍ إذا عني بتربيته وهو لا يشبه القروي أو الجبلي أو الرحال بحال من الأحوال إلا شيئاً قليلاً.

ص: 238

3 -

الأسرة الكردية

إذا تزوج الرجل امرأة نشأ البيت أو قامت الأسرة والأسرة الكردية تنشأ طبقاً للسنن الطبيعية، بملء الحرية، ولهذا تراها في اغلب الأحايين تشبه الأسرة العربية البدوية، منزهة عما يكدر صفاء العيش، أو يعكر كأس الراحة. قل ذلك عن البيت الشريف أو الوضيع عن الغني أو الفقير. والسبب الرئيس لحصول هذا الأمن العظيم ناشئ من رضاه من امرأته، ورضاه من امرأته متولد من كونه انتخب هو بنفسه شريكة حياته بعد أن عرفها من مخالطته إياها بنفس عفيفة أبية، ولذا تراها تشاركه في مر الحياة وحلوها، في خيرها وضيرها تراها باقية غير محتجبة عن الرجال، كما كانت على تلك الحال قبل الزواج. كل ذلك لأن الوسط لم يلوث بفساد الأخلاق، وكثيراً ما يرى أو يكلم الزوج المستقبل زوجته المستقبلة وقدر منزلتها ولا خطبة بينهما ولا عقد ملاك. ولا تظن أن هذا يصعب على الرجل حتى في المدن لأن وسائل الملاقاة كثيرة متوفرة منها الأعراس ومواسم الأفراح والمتنزهات والزيارات إلى غيرها.

أما الأعراس فإن الأبكار والثيبات يأتينها من كل فج سحيق، وواد عميق، وإذ اجتمعن تمسك الواحدة منهم يد الأخرى على شكل نصف دائرة ويأخذن بالرقص فينشأ من شبه تلك الدائرة روضة من أزهار الحسن والجمال، مائسات بغنج ودلال، على إيقاع الطبل والزمارة (وهي زورنا بلغتهم وهي السرناي أو السريانة المعربة) ويسمون هذا الرقص (شاهي أو شائي). وفي تلك الأثناء تغنى الأغاني المؤثرة والشبان من حواليهن يشجعونهن بما ينثرون عليهن من النقود والملبس وهم لا ينثرون هذا النثار إلا على رأس من استحسنوها أو فاقت صواحبها أو أترابها بالرقص العفيف والطرف النظيف وفي بعض الأحيان قد يشترك الشبان مع الشابات فيطلق حينئذ على هذا الزفن المشترك اسم (رش بلك) وإذا تعب الرجل فقد يسقط بين امرأتين أو أكثر أو بالعكس وليس من يفكر بأدنى شر وليخسأ كل من يضمر السوء في نفسه

وأما التنزهات فهي خاصة بفصل الربيع وكثيراً ما تعقد مجالس الأنس

ص: 239

والنزهة حول المقابر أو المزارات المشهورة النازحة عن البلد أو القرية فيتقاطر هناك الألوف والألوف من إناث وذكور على اختلاف أعمارهم وطبقات مهنهم وأشغالهم ويبدأ الغناء والرقص فيبتسم الفضاء لهذا المشهد ومن ينظر إليه يبصر كتلة عظيمة حية تتموج بأنواع الألوان والحلي والثياب على بساط أخضر بديع الحسن وشته محاسن أيدي الطبيعة فانبتت فيه الأزهار المتارجة والرياحين العطرة والحشائش الربعية والأنبتة النضرة تحي النفوس وتزيد فيها السرور وتميت الحسود وتزيد فيه الحزن وأما الزيارات فإنها شائعة عندهم يلاقي فيها الرجال المرأة فيتسالمان ويتخاطبان ويتفاوضان ويتواعدان بكمال الحرية ولا يستثنى من هذه الأحوال المألوفة إلا بعض مقلدي المجاورين، مع إنك لو أنعمت النظر في ما يجري في الأعراس والمتنزهات والزيارات من الأمور والشؤون لا ترى حركة واحدة ولو طفيفة مخلة بالآداب أو بأوامر الدين لا في الرجل ولا في المرأة وهذا أبين برهان وأدل دليل على سلامة طبع الأكراد وعفتهم ونقاء قلوبهم وطهارة دخيلتهم وحفظهم للآداب العمومية. والأخلاق الرضية.

والخلاصة من هذا كله إنه لا مانع للكردي من أن يختار المرأة المناسبة له بعد هذه المجتمعات والملاقيات والمواجهات اللهم إلا أن يكون نقص في عقله أو شواعره أو مشاعره وعليه إذا أراد الكردي أن يتزوج ينتخب له في الغالب زوجة فيخطبها وتزف إليه بعد العقد والعرس الذي يمتد يوماً أو يومين أو ثلاثة وإذا زفت ذهب معها الأقرباء والأنساب والأصدقاء يحف بها النساء ووراءهن الرجال فيخرج الخطيب لملاقاتها إلى مسافة غير قليلة وعند دخولها الباب يضربها على رأسها بقصبة مصبوغة بأنواع الأصباغ، أو يلقي عليها ديكاً حياً فيتخاطفه أصحاب الموكب فيأخذ كل واحد منهم عضواً أو شيئاً منه إظهاراً للهيبة. وبعد أن يتم القران ويكمل النكاح ويمر زمان على الزوجين وتحمل المرأة ينتظر الولد بصبر جميل فإن ولدت ذكراً يفرح به أهل البيت أشد الفرح ويحرسون الأم أشد الحراسة مدة سبعة أيام ويلعبون حولها ويغنون من الصباح إلى المساء ويسمون هذه الأيام (شواره) وزان سحابة) وقد يفعلون مثل هذا الفعل للأنثى أيضاً إذا كانت عزيزة على الوالدين أو إنها البكر أو أنها لم تولد إلا بعد كثير من البنين

ص: 240

أما سبب هذه الحراسة فهو، ما عدا شدة فرحهم بالمولود وسلامة الأم من خطر الولادة، ذهابهم إلى أن الوالدة إذا لم تحرس أشد الحراسة عند الوضع وبعده ولم يكن في يدها آلة جارحة يتسلط عليها عفريت يسمونه (آل). ويقولون عن التي تموت في تلك الأثناء ما معناه: أخذها الأل؛ وإذا أشرفت على الموت يطلقون البنادق لتخويف العفريت المذكور. أما الحقيقة فإنها تموت من شدة الطلق أو ألم المخاض أو من نتائجه. - أما الولد فيتسلط عليه أنثى من إناث الجن أو العفاريت يسمونها (شوه) ويقولون عنها إنه لا يعيش لها ولد فإذا سمعت بولادة واحدٍ أسرعت لتأخذه وإذا أخذته ضمته على صدرها ضماَ شديداً لكثرة فرحها وشغفها به وإذا فعلت قتلته. ولهذا تسمع الكل يقولون إذا مات الوليد في تلك الأيام ما معناه: (أخذته الشوه).

ومن مزاعمهم وخرافاتهم وأكاذيبهم في هذا الموضوع ما يرويه الخلف عن السلف وهو: إن رجلاً صادف يوماً في طريقه مخلوقاً غريباً وفي يده كبد إنسان يطلب منه ماء ليغسل به الكبد فلما رآه الرجل المسافر علم إنه الآل. وإن الكبد هي كبد امرأة نفساء فلما تحققه انتهز غفلة منه وشك صدره بمخيط وللحال تكاثف جسمه ولم يبق شفافاً لطيفاً. ومن ثم لم يستطع أن يتوارى عن الأبصار. فلما رأى الآل نفسه في تلك الحال استكان للرجل وتذلل له واستحلفه أن يستل المخيط من صدره وعاهده أن يحقق جميع أمانيه ورغائبه. فقال له الرجل: إني افعل. نريد إن أعدت تلك الكبد إلى صدر الوالدة التي انتزعتها منها. فقال له الآل: أعاهدك عهداً صادقاً إني ألبي طلبك ثم ذهبا معاً وأعاد الآل الكبد إلى المرأة التي استل منها الكبد وكانت قد أشرفت على الهلاك فتعافت للحال فلما تم ذلك نزع الرجل المخيط من صدر صاحبه وللحال لطف جسمه وذهب فرحاً مسروراً. فحكاية حراسة الأم مبنية على هذه الخرافة المفتعلة.

ص: 241