الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف
وجدنا مقالا للشيخ الشرقي في الجزء الممتاز من جريدة النجف ثم وجدنا له تكملة في مكان آخر بقلم الشيخ نفسه فأحببنا أن نجمع بين الأمرين، فالكلام كله إذن للشيخ الشرقي وليس لنا فيه كلمة واحدة.
ل. ع.
توطئة
قبل سبعة أهلة نشرت في العدد الممتاز لجريدة النجف، مقالا تحت عنوان (الحركة الفكرية في النجف) صادف استحسانا في نفوس العلماء هنا وهناك وقد رغب إليَّ بعض العلماء في تكميل ذلك المقال من بعض جهاته ونشره مع التكملة وها اناذا ممتثل ومجيب.
لا تمتاز النجف بأسلوب فكري خاص، وإنما أسلوبها هو الأسلوب الفكري القديم الماثل بتمامه في هذه الزاوية وليس فيها هيكل خاص بالحركة الفكرية وكلما هناك خميرة من حبوب كثيرة أنبتتها مزارع مختلفة فالحركة الفكرية هنا نتيجة لا علة واهم تلك الحبوب المكان والزمان.
1 -
المكان
على طف الحماد بين سواد الفرات وصحصاح الجزيرة مما يلي ظهر الكوفة أبراج سور وضعته الهندسية وضعة أسد رابض يطوق مدينة راكبة على متن الوادي متمتعة بأنف البرية وجمال الهضاب يناوحها الهبوب الناشف وحواليها الربوات البيض ومساحب السيل تطل من جهتي الشمال والشرق على مخيم واسع فيه القباب والبيوت والمساطب والغرف وحفائر منبوشة ودكاك وأكوام مبثوثة تلك جبانة النجف أو وادي السلام الذي ترفرف في سمائه أجيال من أرواح البشر وأجيال، وتطل من جهتي الغرب والجنوب على واد أفيح ربما دلت آثاره الجيولوجية على بحر أو بحيرة في التاريخ البعيد.
سماء صافية وجو نقي وشمس تتوهج على شمسين شمس السماء وشمس
الذهب تلك القبة الابريزية الموقرة التي ترى في الرواق العلوي. فالنجف هي خورنق اليوم وقريب منها
خورنق الأمس.
النجف المعري الذي تكتنفه أودية منورة الاقاح كان متنزها للساسانيين وللمناذرة وللعباسيين وكان حوله النصارى نصارى الحيرة بيع وأديرة في الزمن الغابر مبثوثة في بلاد العيون التي حول النجف وتسمى اليوم (بلاد القصور) بل حتى في النجف نفسها يذكر وجود دير وفي ذلك أكبر دلالة على جمال الموقع فاعتدال الجو وصفائه ورملة الأرض ونقائها وبهاء الشمس، إذ له الأثر البالغ في تكوين الروح النجفي ونشأته النفسية، وفي إلهامه وآرائه وخواطره.
2 -
الزمان
للشيعة مدن علمية تعاقبت في الظهور حسب الأحوال الاجتماعية والسياسية التي تنقلت بهذه الطائفة من مركز إلى مركز، فكانت (قم) ثم (الحلة السيفية) ثم (شيراز) ثم (اصفهان) ثم (كربلاء) ثم (النجف) كما أنه ربما كانت (جبع) وغيرها من بلاد جبل عامل من المراكز العلمية لهذه الطائفة. كل هذه المدن أخذت سلطتها الزمنية والدينية وصارت محطة علمية توزع تلاميذها على سائر أقطار الشيعة ويهاجر إليها رواد العلم وطلاب الأدب من أقصى البلاد وفي كل مدينة من هذه المدن آثار علمية كثيرة ف (قم) إلى اليوم تعرف عندهم بدار المؤمنين وفيها إلى الآن زوايا ومدارس وخوانق قديمة وحديثة.
وفي (شيراز) إلى الآن محلة كبيرة تعرف بمحلة العلماء والحكمة والعرفان الشيرازي معروف عند هذه الطائفة.
وفي اصفهان وبلاد عامل المدارس التاريخية والمحلات العلمية.
وكل تاريخ الحلة تاريخ أدب وعلم.
وأكثر الكتب الحية والتآليف الممتعة التي في أيدينا وفي دور كتبنا هي: للقمي أو للحلي أو للشيرازي أو للعاملي أو للأصفهاني أو للحائري أو للنجفي الغروي.
وقد انتقل النتاج الفكري من كل هذه المدن إلى النجف.
وفي النجف آثار علمية من القرن السادس للهجرة ولكنها في ذلك العهد كانت كزاوية لا كمدينة علم، وفي القرن التاسع والعاشر كانت فيها طائفة علمية كبيرة تتردد بين (النجف) وبين (الرماحية) وهي اليوم بلد دارس من مدن الفرات الأوسط بين النجف والسماوة وفي
القرن الحادي عشر كان العلم يتردد بين النجف وبين كربلاء ومن القرن الثاني عشر ابتدأت المركزية العلمية في النجف وأصبحت هذه المدينة جامعة علمية ضمنها كليات عديدة لكنها بصورة غير منظمة فهي مبثوثة ومبعثرة، فيها: كلية للآداب وكلية للغة وكلية للرياضيات والفلسفة وعلم الكلام وعلم الأخلاق وعلم الحديث وعلم الفقه، ولكن الصبغة العامة فيها والرونق الجلي فيها هما للعلوم الدينية، والنجف زاوية دينية قبل كل شيء فهي في العراق كالأزهر في مصر إلَاّ أن الأزهر أثرت فيه الحضارة المصرية والحركة الفكرية فحورته وهذبته ورتبته.
والنجف لم يجد من نفسية قطره ما يؤثر فيه فهو ما زال مؤثرا غير متأثر والروح العلمي الذي نشأ في الأزهر روح عربي، أما في النجف فالروح العلمي روح فارسي لأن الشيعة في تاريخها وشعائرها وسيرتها العلمية والأدبية فارسية اكثر منها عربية، وقد هاجر إليها وما زال يهاجر إليها طوائف وجماعات من سائر البلاد الفارسية هاجروا إليها بالأدب والمادة، هاجروا إليها بجسومهم وعقولهم هاجروا إليها بأذواقهم واميالهم فأثروا في مختلف الطبقات وأوجدوا حركة فكرية فارسية ولكنها متقمصة ثوبا عربيا رثا.
وقد نفعت النجف هذه الهجرة الفارسية وأضرتها معا، أما وجهة الضرر فقد كانت الحركة الأدبية والسير العلمي قبل الهجرة اصح مما هما عليه اليوم وأمتع فقد كانت كتب الدراسة وطريقة التدريس وأقلام التأليف وأسلوب التحرير والتقرير كلها عربية صحيحة وكان للأدب العربي العالي رونق ومكانة، ولكن بعد الهجرة فسدت اللغة وسقم التحرير والتقرير وضعف التأليف والأسلوب العربي فأصبحت السيرة العلمية سيرة فارسية صرفة ليس فيها غير طائفة متفككة من الألفاظ العربية تلوكها الألسن الفارسية بهجنة ولكنة، على أن فيها من
الدقائق والروابط والأساليب الفارسية ما يخرجها عن اللغة العامية فضلا عن الفصحى. وقد أهملت كثير من الأعضاء العلمية حتى غمضت وصارت أعضاء أثرية.
فاللغة والحديث والتفسير والتاريخ والأدب والفلسفة انسد باب الاشتغال فيها في النجف فضلا عن باب الاجتهاد والفقه العربي مسخ أسلوبه وانقلب انقلابا كبيرا.
أما النفع فمن جهات عديدة فلقد أنعشت النجف تلك المهاجرة بأمور كثيرة مادية واجتماعية وأوجدت لها مكانة تاريخية، لقد لطف الذوق الفارسي وأثرت تلك العقول في نفسية البلاد
فالنهضة الحديثة في النجف بما فيها من جهاد أو عناد سياسي وتجدد أدبي وتحرك إصلاحي كلها من نافخ فارسي وإذا كان للاحتكاك أثر أدبي فإن الاختلاط الفارسي بالنجف والنجفيين أوجد أشياء كثيرة منها هذه الحركة الفكرية الجديدة التي تتمخض في النجف منذ 19 عاما أي منذ تاريخ الانقلاب السياسي الإيراني والعثماني.
والأدب النجفي - وخصوصا الشعر - فيه خميرة من الأدب الفارسي ولكن كانت الجالية الفارسية والمهاجرة بالأمس انفع للحركة الفكرية في النجف اليوم لأمرين:
أولا - لأن التجدد في بلاد فارس والحركات السياسية والاجتماعية في إيران جذبت المفكرين والمتنورين من الجالية الإيرانية التي فضلت الإقامة في بلادها والعمل لها على المهاجرة وأصبح لا يهبط النجف من الطبقة الراقية أحد وكل من يغشى النجف فهو من الدهماء وطبقة السواد من أبناء الاكرة والتناء القرويين.
ثانيا - أن النجف اضطربت في مبادئها ونزعاتها السياسية وسايرتها السياسة البغدادية زمن القلاقل والزعازع، فلما أرادت سياسة بغداد أن ترسخ وتستقر وتشتغل في بنيان حكومة دائمة اختلفت مع النجف في بعض تعاريج السياسة وملتوياتها فقضت بغداد باعتزال النجف عن السياسة فاعتزلت النجف وقبعت في زاويتها. فالنجف في عزلتها اليوم فقدت عضوا كبيرا من أعضاء الحركة الفكرية.
3 -
المدرسة النجفية
إن مبدأ المدرسة العربية الإسلامية وبذرتها الأولى هي تلك الحلقة المقدسة التي كانت تجتمع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتتطارح بالحديث والسنة والإدارة والتاريخ والأدب، ثم توسعت تلك الحلقات والاجتماعات فكانت في مسجد الكوفة ومسجد البصرة وصارت المساجد مركزا للحركة الفكرية فالمساجد في غير أوقات العبادة مدارس. وهذه الطريقة القديمة محفوظة في النجف اليوم، فالجامع الهندي ومشهد علي (ع) المعروف عندنا بالصحن - وغيرهما في أوقات العبادة تجد الطلاب هناك حلقا حلقا مبثوثين وبعض الأساتذة على المنابر وكلهم يتطارحون في المباحث العلمية والأدبية.
ومشهد علي (ع) - الصحن - أول إنشائه كان بصفة مدرسة حول الرواق العلوي كما ذكره الرحالة ابن بطوطة في سنة 726 هـ وذلك على عهد عمارته الأولى العمارة البويهية
وهكذا هو في عمارته الحالية وهي العمارة الصفوية التي خططت في غرة القرن الحادي عشر فإنه بشكل مدرسة تدور عليها خلوات وأيونات في الطبقة السفلى ومثلها في الطبقة العليا وأمامها بهو (قاعة) للتدريس والاجتماع وهكذا كانت الخلوات مشحونة بالطلاب الغرباء ورواد العلم وما زالت بعض الخلوات أو الحجر تعرف بأسماء العلماء الذين كانوا يقطنونها مثل حجرة الاردبيلي في الطبقة العليا فوق الباب المعروف بباب القبلة. وقد كانت خزانة كبيرة للمدرسة العلوية أي (للصحن) قيل أنها كانت تشتمل على 400 ألف كتاب وأخيرا تبدلت الحال وصارت الخلوات التي في الطبقة السفلى مقابر للأموات التي تريد التقرب من مرقد الإمام (ع) وبقيت الخلوات التي في الطبقة العليا فارغة موحشة وما هي إلَاّ عشا للخفاش ولطيور الحمام المعروف بحمام الحضرة.
بادت تلك الخزانة ولم يبق منها غير مئات من نسخ القرآن المجيد وكتب الأدعية وشيء من الكتب المبعثرة مكدسة في بيت صغير في الصحن من جهة القبلة، وقد ذكر ابن بطوطة أن مشهد علي (ع) محفوف بالمدارس والزوايا والخوانق ومن القرن الثاني عشر كثر تشييد البنايات والأروقة حول المشهد
المقدس لسكنى الغرباء من طلاب العلم وربما كان فيها بغض التخصيص فيقولون هذه مدرسة الهنود، وهذه مدرسة الترك، وهذه مدرسة القزوينيين، وهلم جرا؛ وما هذه بمدارس لأنه ليس فيها مناهج ولا أساتذة ولا صفوف، وقد تعرف باسم أستاذ كبير مثل مدرسة الملا كاظم ومدرسة السيد كاظم وقصدهم من هذه النسبة أنه شيدها وما هي إلَاّ منازل للسكنى فقط.
والمدارس الحقيقية هي الجوامع والمشهد الصحن. وفي النجف 53 مدرسة بين قديمة وحديثة، أعتقها المدرسة المعروفة بمدرسة الصحن ويظهر أنها اقدم مدرسة في النجف وهي بناية قديمة بجنب الصحن من الجهة الشمالية وبابها مشروع من أحد أيونات الصحن وطرز هندسة عمارتها مغاير للعمارة الصفوية الماثلة في الصحن والرواق ويظهر أن عمارة المدرسة اقدم واقدم وهي اليوم فارغة ومتداعية ويعرف النجفيون بعض مدارس قديمة جدا درست ونهضت بمكانها دور للسكنى مثل دار في محلة المشراق تعرف بدار الملا شاكر ومثل عمارة في محلة العمارة تعرف بدار الاغاخانية وكثير غيرها.
وقد كانت المدرسة العربية الأولى بمثابة عنوان للأدب الناضج والنور الشائع في نفوس
الأمة بأسرها لا يخص طائفة دون أختها فمثل بيت الحكمة في بغداد كان بيت الأمة بأسرها وهكذا كانت المدرسة النظامية والمستنصرية وسائر مدارس بغداد والأندلس في دورها الأول ثم افترقت الأمة فتأسست مدرستان مدرسة للاشاعرة ومدرسة للمعتزلة من جهة ومن جهة أخرى مدرسة للظاهرية ومدرسة للباطنية كالتصوف بطرقه كلها وبحلقاته ومناحيه وزاد الافتراق فتأسست مدرسة للسنة في بغداد ومصر ودمشق ومدرسة للشيعة في قم وفي الحلة وشيراز واصفهان وبلاد عامل ثم زاد الافتراق فوق ذلك كله فتأسست مدارس لفرق السنة ومدارس لفرق الشيعة فكان في القرن الثاني عشر للهجرة مدرستان للشيعة في كربلا تتزاحمان، مدرسة الأخبارية ومدرسة الأصولية وكان الرجحان لمدرسة الأخبارية حتى بعث الله ذلك المجدد الكبير والمصلح الشهير العلامة المعروف بالآغا البهبهاني.
نبغ ذلك العبقري في بهبهان إحدى مدن الخليج الفارسي وبعد أن برز فيها
هاجر إلى كربلاء فنفخ من روحه الطاهر في مدرسة الأصولية فزاحمت المدرسة الأخبارية بل أحرجتها فأخرجتها من كربلاء والنجف وعلى يد ذلك العلامة تأسست المدرسة الأصولية الكبرى أو دار المعلمين في النجف وصارت تلك المدينة مدرسة عالية لتلك الطائفة فالنجف اليوم هي مدرسة الاغا البهبهاني وكل من نبغ فيها أو ينبغ من العلماء فهم تلاميذ الاغا البهبهاني.
4 -
طريقة التدريس في مدارسها
وطريقة التدريس في النجف قديمة تتردد بين الطريقتين اليونانيتين القديمتين وهي طريقة التحليل بأن يتناول الأستاذ الموضوع ويجزئه إلى أقسام ثم يتناول كل قسم ويحلله إلى أجزاء وهكذا يقسم ويحلل ويجزئ حتى يصل إلى أدق تلك الأقسام وحينئذ يتناولها ويبحث في الأسباب والعلاقات والمعاني والألفاظ.
وطريقة التفسير والشرح هي أن يضع الباحث أولا نص القضية فيدرسها ويأخذ بتفسيرها من جميع الوجوه الممكنة وفي الأخير يختار الوجه الذي يستنسبه والتفسير الذي يختاره.
ويغلب على الأسلوب العلمي في التحرير والتقرير أسلوب محاورات سقراط المعروفة وهي الطريقة المعروفة بطريقة السؤال والجواب أو طريقة: (فإن قلت كذا قلت كذا) وهي عبارة عن محاورات يفرضها الأستاذ بينه وبين طرف مفروض، يبدأ الأستاذ بطرح بعض
الأسئلة ثم يذكر الجواب الذي يتوقعه من ذلك الطرف المفروض ثم يتدرج إليه بالأسئلة حتى يصل به إلى الاستجواب عن الحقيقة التي يحذقها ذلك الأستاذ.
والدراسة في النجف على نوعين (سطوح) و (خارج)
أما طريقة السطوح فهي أن يتكلم الأستاذ والتلميذ على سطح كتاب مفتوح بينهما ويتعاطيان جملة منه خاصة.
وأما دراسة (الخارج) فهي أن يذكر الأستاذ عنوان المسئلة التي يريد أن يبحث فيها ويقرر عن ظهر قلبه عدة آراء وأقوال حولها ثم يختار ما يرتئيه والتلاميذ يلتفون حول منبره كالمستمعين لخطابه أو لمحاضرته وهم مثل الأستاذ يستظهرون تلك المسئلة وما فيها من آراء وأقوال وينتظرون ما يرتئيه الأستاذ فيقرونه عليه أو يناقشونه فيه.
وكتب الدراسة قديمة مثل كتاب (قطر الندى) لأبن هشام وشرح منظومة ابن مالك ومغني اللبيب لأبن هشام في النحو.
ومثل كتاب النظام والمكودي للصرف.
ومثل حاشية الملا عبد الله الشارحة لمتن التفتازاني في المنطق.
ومثل شرح المطول أو المختصر لسعد الدين في المعاني والبيان.
ومثل كفاية العلامة الخراساني، ورسائل الشيخ الأكبر الأنصاري في الأصول.
ومثل شرح اللمعة للشهيد العاملي طاب ثراه، والمكاسب للشيخ الأنصاري قدس سره في الفقه.
ومثل رجال أبي علي في الرجال.
ومثل كتاب الوسائل وكتاب البحار في الحديث والأخبار.
ومثل قاموس الفيروزابادي وصحاح الجوهري في اللغة.
وخلاصة الحساب للشيخ البهائي العاملي في الحساب.
ومثل أشكال اقليدس في الهندسة.
وكتاب المجسطي في الهيئة.
5 -
مسك الختام
أتراني قد المستك طرفا من الحركة الفكرية في النجف بما حللته لك من تأثيرات المكان
والزمان والحالة الاجتماعية؟ وإذا عرفت أن النجف زاوية دينية تعرف أن الجمود فيها أكثر من الحركة لأن الدين بتقاليده وشعائره قديم مصمت لا يقبل التجدد وكان اللائق بالنجف أن تحدث فيه النهضة الأدبية قبل النهضة السياسية ولكنها نهضت سياسيا ولم تنهض أدبيا لأن النهضة الأدبية توجد حركة فكرية ونموا في الأخلاق والعقول وتلطف وتجدد كثيرا من المبادئ التي يود بعضهم أن تبقى على غبارها ولا تتزعزع بركة القديم فيها.
وقد لطف القرن العشرون شيئا كثيرا وانتقلت عدواه إلى النفوس طائفة من المتجددة فتمردت أرواحهم على التقاليد وتعاطوا وجوه الإصلاح فهدموا شيئا
من البنيان القديم ووضعوا في البناء الجديد أحجارا ولكنهم ممتحنون بحالة اجتماعية ثقيلة إذ الشعب مزور ومنحاز عنهم فلا يجدون نوعا من التنشيط ولا طرفا من الإقبال على بضاعتهم فهم يتغذون بأدمغتهم وينتعشون بأرواحهم وتكاد تكون حياتهم في عزلة وانقطاع والأديب النجفي يعيش في ذلك وحده؛ يضيق البلد بالشاعر النجفي الذي طالما أطربك بعوده فينقبض في زاوية ينقطع إلى منعطفات الوادي بين الدكادك وحول التلال؛ الشاعر النجفي اليوم مثل المفكرين القدماء في بلاد العرب القاحلة يتلقى الوحي في العزلة أكثر مما يتلقاه في الاجتماع؛ يختلف الشاعر النجفي إلى مغارة في الوادي أو جبل أو ربوة أكثر مما يختلف إلى محفل أو ندوة؛ الشاعر النجفي مدفوع ومضطر إلى التشرد وبوده أن يغطس في المجموع ويتوسط الناس لتتحول إليه الوجوه؛ لأن الشاعر الحقيقي اليوم هو الشاعر الاجتماعي وليس في النجف إلَاّ أشباح للجديد وتلك الأشباح خائرة مرتعشة في مشيتها لا تتمكن من أن تنهض أو تنتعش.
اليوم في النجف أربع مدارس للجديد ابتدائية ومدرسة ثانوية، وفيها اليوم مطبعتان سقيمتان وفيها سوق للكتب تجلبها من مطابع إيران والهند ولا تكاد تجلب لها شيئا من المطابع العربية.
علي الشرقي
سقاية كنج عثمان
كان في قرب دار الإمارة المعروفة بالسراي سقاية على اسم كنج عثمان؛ وفي سنة 1915م أمر الأتراك بهدمها لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة؛ وابقوا منها قبره وحوطوه بدار
ولما أحتل الإنكليز بغداد وطأوا ذلك الطريق فأزالوا القبر المذكور وسووه مع القارعة وذلك في شهر أيلول من سنة 1917م
أما من كان كنج عثمان فراجعه في لغة العرب 3: 408 - 414
رزوق عيسى