الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن في تفصيل المشية
1 -
في الركض يستر الأرض مثل العندليب ولا يرفع اليدين أو يعوج الركبتين 2 - في المشية رجلاه تقعان أمام يديه وخارجاً عنهما أيضاً 3 - وذلك يتعلق بوسط قطاتيه وفخذيه.
(تمت وبالخير عمت)
بدوي عراقي
مشارفة سد الهندية
(لغة العرب) كثر الكلام في هذه الأيام، عن سد الهندية. فمنهم من استحسنه وتفاءل به خيراً للبلاد والعباد، ومنهم من رأى فيه ضرراً لنا ولديارنا، وفريق ذهب إلى أن النضار العثماني وأموال الدولة تدفن فيه دفناً. وجماعة قالت أنها تبذرها بذراً يثمر عن قريب المثل مائة ضعف أو ألف ضعف. إلى غير هذه من الأقوال والآراء. فأرادت إدارة مجلتنا أن تعرف الحق من الباطل. فأنفذت رجلاً بصيراً بالأمور عارفاً الحقائق محباً للوطن، ليشارف ذلك السد ويرفع إلينا رفيعة. وبعد أن عاد من مهمته كتب إلينا ما خالجه من الشواعر بهذا الخصوص ونحن ندرج هنا للقراء ما أنشأه وإليك ما قال:
سمعت منذ حداثة سني وما زلت اسمع إلى الآن أقوالاً مختلفة بشأن هذا السد وعن تصميم الدولة على بنائه وعلى تحقيق أمنيتها. وكانت هذه الأقوال كثيراً ما تتصادم بعضها ببعض. ويناقض الواحد ما يثبته الآخر، لا بل رأيت كثيرين ينتقدون السد وأشغاله الخالية والحالية انتقاداً يشف عن حزازات دفينة أو عن غايات وأهواء متباينة حسب الدافع الذي يدفعهم إلى القول. ومن الغريب أن كل ما سمعته من زين وشين (وبعض الأحيان كنت اسمع أشياء تصدر من مصدر جليل أو يعتمد عليه) لم يثبت في نفسي رأياً دون رأي بل أثار في صدري شوق التحقيق ولاعج الاستقرار. فقلت في نفسي: لا يحسن بي أن أتمسك بقول هذا دون ذاك بل يجدر بي أن أذهب بنفسي إلى محل الأشغال وأنظر ما فعله في السابق المهندس البارع الفرنسوي شندرفر وأقابله بما رسمه المهندس الشهير الإنكليزي السير وليم ولكوكس وحينئذ أستطيع أن أبين حكمي وأرى رأيي بعد أن أكون قد نظرت ما في الرسمين من الحسنات والسيئات. أما اليوم وقد أتممت ما كان قد دار في خلدي تبين لي الحق وصرح فجمعت في ذاكرتي ما سمعته في السابق وضممته إلى ما رأيته
واختبرته بنفسي، فتقوم من كل ذلك حقيقة أظنها قائمة على ركن مكين.
وقبل أن أتعرض لوصف السد ابدأ بأن أقول لكم إن إعادة الماء إلى نهر الحلة أمر مبتوت لا رجوع إليه ولا يحتاج الإنسان إلى أن يكون من العلماء أصحاب الفن لكي يوقف صاحبه على ما لم يره بنفسه. فمجرد النظر إلى تلك الأشغال الهائلة التي تجريها الحكومة بل
تختسها في الهندية تكفي لكي تريح عن فكركم كل شك في هذا الصدد.
ودونكم الآن الإفادات التي اقتبستها في المواطن التي تقوم فيها الأعمال، وقد قرنت بها الملاحظات والتأثرات التي وقعت في نفسي أو شعرت بها في مطاوي مشارفتي إياها:
في الموطن الذي تتم الأشغال اليوم يتفرع الفرات إلى فرعين: الفرع الأول وهو الفرع الأيسر اسمه (شط الحلة أو نهر الحلة) والفرع الثاني وهو الفرع الأيمن اسمه: (شط الهندية أو نهر الهندية). وكانت شعبة الحلة في الأزمان الخالية أعظم من الشعبة الثانية أختها. أما اليوم فالأمر بالعكس إذ كل ماء الفرات يتدفق في شط الهندية. وقد ذهب الباحثون في هذا الانقلاب مذاهب شتى معللين له أسباباً مختلفة. ولما كانت معرفتي لا تجاري معرفة أولئك المدققين من أهل الفن لقلة بضاعتي في هذه المادة اجتزئ بأن أذكر الأمور على أوجهها بدون أن أتوغل في البحث عن عللها وأسبابها ولهذا الضرب صفحا عنها.
بدأ تحول الفرات عن مجراه قبل نحو 40 سنة. فلما رأى أولو الأمر هذا الانحراف في الجري قاموا له وقعدوا، وشرعوا في سنة 1885 بإقامة سد غواص وكان المهندس له الفاضل شندرفر المذكور وبناه بالطاباق وجعله في عرض النهر ليقلل جريانه في شط الهندية ويكثر انحداره إلى شط الحلة لا سيما في إبان الصيهود (نقصان الماء) الذي يكون في أيام الخريف. ولو سعى أولو الأمر بالمحافظة على حالته التي رسمت له محافظة تامة لكانت تحققت الأمنية. إلا أنه لأسباب عديدة أهمل أمره. ولما تعاقب الزمان عليه أخذ بالانهدام والانهيار حتى لم يعد وافياً بالمقصود ولم تبق فيه فائدة. وأصبح ترميمه كثير النفقات وصعب التحقيق فاضطر أصحاب الحل والربط إلى إهماله بتاتاً وإلى إبداله بسد آخر أقوى وأمكن وأوفى فائدة بالمرام حسماً للأمر بدون أن يحتاجوا إلى أن يعودوا إليه كل حين مع
تحقيق الأمنية أن يجري الماء جرياً غزيراً في شط الحلة على طول مدة السنة وهذا هو فكر السير وليم ويلكوكس وهو الفكر الذي يخرج اليوم إلى عالم الوجود منذ سنة 1909.
أن أشغال السد تقدمت تقدماً عظيماً إذ إنها تنتهي في أواخر الخريف واليوم يجد المهندسون والعملة في إتمامها ولا يمكنني أن أخفي عليكم ما أقوله وهو: إني تعجبت غاية التعجب من فخامة هذا البناء المكين وضخامته وجلالته. وفي ظني إن هذا السد هو أعظم وأجل من
جميع الأسداد الموجودة في بلاد دولتنا العلية. ولقد عجبت من حسن محل الشغل الذي يستغرق أرضاً مساحتها 1. 500. 000 متر مربع ودهشت مما رأيت من عمالنا العراقيين المشتغلين هناك. فحقيقة هم أهل لأن أهنئهم بما رأيت منهم من شدة النشاط والنباهة والذكاء إذ كل ذلك يرى في كل ما يأنونه ويفعلونه مع أنهم لم يتخرجوا في مدارس أصحاب الفن ولا في مكاتب عليا بل ولا دنيا. فكيف بهم لو دخلوها وأتقنوا الفنون الراجعة إلى هذه الأعمال. وتحققت اليوم كما تثبت الأمر سابقاً إن لأبناء العراق من الذكاء الفطري والانتفاع من كل نور عصري ما قلما يرى في أهالي سائر البلاد إذ يتلقون بسهولة كل ما يشاهدونه بدون أدنى كلفة أو تعب. وسواء كانوا مرارين أو طيانين أو بنائين أو مشتغلين بالآلات فكلهم قد اكتسبوا في زمن قليل من حسن التصرف بأعمالهم وأشغالهم ما يقضي منهم بالعجب العجاب. ونحن ننسب تقدم هذه الطبقة من العملة إلى دراية مهندسي محل السير جون جاكصن وحسن آدابهم ورفقتهم بأبناء الوطن. كيف لا وقد أخذوا على أنفسهم بناء هذا السد وحسن معاملة أبناء هذه الديار لتكون الفائدة فائدتين: تعمير البلاد، ومجاملة العباد.
هذه الأمور ترى كلها روية حسية بل تكاد تمس بالأيدي ولهذا لا يمكن أن ينكر هذه الحقيقة البينة إلا من أعماه البصر وأغواه شيطان الفساد والحسد إذ المشاهد لا يستطيع إلا أن يقر صاغراً أمام هذه الإدارة العامرة التي أخذت على نفسها إبراز تلك الأمنية إلى حيز الوجود. ولقد شبهت محل الشغل بخلية عظيمة من خلايا النحل (أي بكورة زنابير العسل) إذ عددت فيها أكثر من ألفي عامل من كل صف وصنف بينهم من يحفر في الأرض، وآخرون يقطعون اللبن، وفريق يبني الجدران، ويقيمها على أسسها، وجماعة تسير الآلات المختلفة، وكثيرون يمشون
أو يدفعون عجلات السكك الخفيفة التي أنشئت لنقل التراب والمواد وأنواع المعدات. ورأيت في جميع المواطن ترتيباً عجيباً ونظاماً غريباً ولم أشاهد أبداً رجلاً قد انقطع عن شغله أو قد لها بغير وظيفته كما إني لم أبصر من أساء العمل أو أساء التصرف في ما بين يديه بل بالعكس رأيت كل شيء سائراً في مجراه الذي رسم له قبل الشروع به وباذلاً كل ما في وسعه ليحقق ما أطلع عليه فيتمه أو يحكم عمله على احسن ما يمكن أو أفضل ما يرام لكي يمنع كل تبذير في الوقت أو في المال أو في المعدات.
فلما اعتبرت كل ذلك قلت في نفسي: وكيف وجد أناس ينتقدون مثل هذه الأعمال. فقاتل الله أصحاب الأغراض ما أشد ضررهم على الوطن! يتكلمون بأشياء وعن أشياء لم يروها ولم يفقهوها! فليأتوا مثلي إلى هنا وليشاهدوها بعيونهم وليحكموا بعد ذلك بما توحي إليه أنفسهم. على أني أقول أنهم إذا شارفوها لا يتمالكون عن أن يعدلوا عن رأيهم الأول المعوج ويلقوا عنهم الآراء التي تلقوها عن بعض أصحاب المفاسد والغايات ويتمسكوا بما هو أقرب إلى الحق وأبين للعقل السليم. لا بل أقول بكل جراءة: إن كان في بناء السد بعض المغامز والشوائب (وهي ليست فيه) فيجب علينا مع ذلك أن نشكر الذين أنتجوا لنا هذه النتيجة وهي أن محل الشغل أصبح مدرسة تخرج فيها عملة عديدون من جميع الأصناف مهروا في صناعتهم كل المهارة وكانت البلاد في السابق خالية منهم، عارية من أمثالهم، ولا جرم أنهم يصبحون للعراقيين أمثلة حية لمحبة الشغل والجري على خطة معلومة وتحقيقها على الوجه الأتم المرضي مع إتقان العمل والصناعة التي تلقوها.
إن السد الحالي يبنى على أرض قارة تبعد نحو 700 متر فوق السد القديم وشكله شكل جسر قائم على عقود مألوفة وطوله نحو 250 متراً وعرضه بين الطوارين (أي بين التيغتين) 4 أمتار وعدد الأبواب التي فيه 36 وعرض كل منها 5 أمتار وهذه الأبواب تكون من المعدن وتنزل إنزالاً كما ينزل السيف في القراب وأقربتها من الآهين (الحديد المصبوب) وتنزل فيها بواسطة آلات خصوصية تقام على الأطورة (التيغ) من جهة صدر النهر تسمى مرافع (جمع مرفعة) ويكون ارتفاع منبسط الماء الذي يمر خلال هذا السد 6 أمتار في وقت
الفيضان ويدفع 2600 متر مكعب في الثانية. وعرض كل عمود من عواميد هذا السد متر ونصف وطوله عند قاعدته 13 متراً.
والسد كله مبني بالطاباق وبالملاط (الشيمنتو) ولقد صنع له أكثر من 12 مليوناً من الآجر واتخذت الأسس من اللياط والملاط (خراسان ولم يستعملوا فيه من الحجارة إلا حجارة هيت وذلك لتقوية بعض المنحدرات
وبنى على الجانب الأيسر من السد درقتان متتاليتان عرض كل منهما 8 أمتار وطولها 50 متراً لتتمكن السفن من العبور من جانب السد إلى الجانب الآخر منه. وقد أقيمت تانك الدرقتان لأنهم ضموا على بعد 50 متراً من أسفل السد الموصوف فويق هذا سداً آخر
مصمتا غواصا عرضه متران ونصف وانحداره متر ونصف في أيام الصيهود (أي نقصان الماء) والغاية منه إبداله من سد شندرفر الذي لا بد له من الاضمحلال.
وفي أيام الفيضان تفتح جميع أبواب السد فيجري الماء على هواء. ولا يبدأ بسد الأبواب إلا عند بداءة وحينئذٍ تفتح قليلاً بحيث يمسك الماء المنحدر إلى علو مرتفع ارتفاعاً كافياً ليدخل في شط الحلة. وقد قيل لي أن سطح الماء في ذلك الوقت يكون أدنى من المألوفة في أيام الفيضان بمتر ونصف. ويكون ثخن طبقة الماء الداخلة شط الحلة مترين ونصفاً وحينئذ لا يحتاج الزارع لسقي أراضيه في أيام الصيهود إلا إلى كرد أو إلى منضحة ترفع الماء إلى علو متر ونصف أو مترين لا غير. وفي وقت الفيضان يسقى أراضيه بدون آلة رافعة.
وعلى بعد 400 متر من أعلى هذا السد وعلى الضفة اليسرى من النهر ينفصل شط الهندية واليوم يتمم ما خذ مائة المعروف بالكيالة وهو بهيئة جسر معقود وفيه 6 فتحات عرض كل فتحة 3 أمتار. ويكون على يسار هذه الكيالة درقة تمكن السفن من عبور النهر إلى القناة وبالعكس. وتسد فتحات هذا الكيالة بأبواب من المعدن على نحو أبواب السد. وسمعت المهندسين يقولون إن هذه الكيالة تدفع مكعباً قدره (150) متراً مكعباً في أيام الفيضان و50 متراً مكعباً في أيام الصيهود وهذا يجعل الزارع أن يزرع في الشتاء أكثر من 150. 000 هكتار (جريب) من الأرض أي
12.
000 فدان من فدادين الطابو. وتحت كيالة الماء حفر المهندسون على بعد 4 كيلو مترات شعبة جديدة تكون مبدأ نهر الحلة وطول واديه أو عقيقه 30 متراً وعمق الخفر يزيد على 3 أمتار وقد قيل لي بخصوص ما بقي من القناة إن الحكومة تنتظر نضوب الماء من القناة لتبتدئ بكريها (أي بحفرها وتطهيرها) وهذا الكرى يشمل مكعباً كبيراً يوجب أشغال أكثر من 3. 000 عامل ويؤمل أنه ينتهي في هذا الخريف القادم مع سائر أشغال البناية.
إني لا أشك في أن الحكومة تسترجع في أول سنة من إطلاق الماء في السد مالاً طائلاً. وإن قلت لك إن وارداتها من شط الحلة أو قناة الحلة تكون خمس مرات أكثر مما يردها اليوم فلست مبالغاً أبداً بل أكون دوين الحقيقة. وعليه يرجع صقع الحلة على ما كان عليه سابقاً وتعود إليه ثروته الماضية.
فطوبى وقرة عين للملاكين الذين في الحلة، ولينتفعوا بالماء وليباركوا ربهم عليه وليتذكروا إن القحط الذي وقع فيهم منذ ربع قرن زال والحمد لله وليتعلموا إن إهمال الصغائر، تؤدي إلى الكبائر، وإن نتيجة الإهمال، خسارة الأموال.
واليوم قد تحولت إليهم أبصار، جميع سكان هذه الديار، وجميع أهالي العراق يودون أن يحصلوا على ماء غزير في مواطنهم كالماء الذي يجيئهم عن قريب. فلندع إلى الله أن ييسر للذين قاموا بأعباء هذه الأشغال أن يحققوا جميع ما نووه من معاهد السقي والري لهذه البلاد. ولنبذل كل ما في وسعنا لتمهيد العقاب التي تقوم بوجههم لنعد من الأقوام الراقية الحية.
ودعوني الآن في الختام أن أقول تيقظ أرباب الحكم وانتباههم لم ينقطع هنيهة من الزمان إذ لا زالوا يبذلون المال عن يد سخية حتى في أبان الحرب وحتى في معظم الصعوبات التي نشأت في هذه الأيام. وقد فعلت ذلك لترى بعين السرور نتيجة الأشغال. وفرح سكان هذه الديار وإنبعاثهم من الحالة التي وصلوا إليها بعد ذاك العز البعيد المنال. ولهذا يحق لنا أن نسطر لتاريخ هذه الدولة صفحة مكتوبة بماء الأنظار، لا بماء النضار، وإن يحصل العراق على تتميم ما في الصدور من الأماني ليصدق قول أهل الأمثال والمعاني: لهمم الرجال، تعنوا المياه والجبال!
مندوب مجلة لغة العرب