المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منافع بيع البواخر - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٣

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 25

- ‌سنتنا الثالثة

- ‌صفحة من تاريخ خليج فارس

- ‌الراديوم

- ‌زكاة النصح

- ‌عصام الدين العمري

- ‌رحلة إلى شفاثا

- ‌نظرة في الاحساء

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 26

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌بيت علم في العراق

- ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌رجال السفينة العراقية

- ‌إقامة أتون طاباق عمومي

- ‌سورة الخيل

- ‌مشارفة سد الهندية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 27

- ‌كدرُلعومَر في أقاصيص العرب

- ‌الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة

- ‌أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌الكلكسة

- ‌تطواف في جوار بغداد والمدائن

- ‌نصرانية غسان

- ‌الفكر سياح

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌ألفاظ عوام العراق

- ‌مريم

- ‌العدد 28

- ‌الجرامقة

- ‌الشيخ عثمان بن سند البصري

- ‌الشيخ السكير

- ‌تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية

- ‌رؤية أدبية

- ‌ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 29

- ‌جزيرة العرب

- ‌لغة العرب

- ‌الكرد الحاليون

- ‌خلد أثراً

- ‌أفعال تتعلق بأهل السفن

- ‌أسرة بدروس آغا كركجي باشي

- ‌كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري

- ‌سياحة في النوم

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارقة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 30

- ‌سياسة لا حماسة

- ‌المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك

- ‌أيها العربي

- ‌أمراء السعود في جزيرة العرب

- ‌الشيب والشباب

- ‌مستقبل قضاء الحلة

- ‌الحياة خيال

- ‌الأكراد الحاليون

- ‌حكم

- ‌الهيلاج ومعانيها

- ‌بحر النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف

- ‌لا همز في كلامهم

- ‌الدول

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 31

- ‌كتب تواريخ بغداد

- ‌على الأرض وفي السماء

- ‌أقسام إمارة السعود

- ‌الأدب خير نسب

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌السائح الغربي في العراق العربي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 32

- ‌طاق كسرى

- ‌خاتمة البحث في إمارة السعود

- ‌برس نمرود

- ‌أيها الأمل

- ‌طوب أبو خزامة

- ‌المال حاكم

- ‌الذرعة

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 33

- ‌خرافات عوام البغداديين

- ‌الزواج عند يهود بغداد

- ‌الرّماحية

- ‌الطيارون في الشرق

- ‌ارتفع أسعار الأرضين في بغداد

- ‌النخل في العراق

- ‌بقايا بني تغلب

- ‌الكلمات الكردية في العربية الموصلية

- ‌التجارة في بغداد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المراجعة والمكاتبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 23

- ‌الباب الوسطاني

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌منارة سوق الغزل

- ‌نُبوةُ أديب

- ‌أنا والدنيا

- ‌إمارة الرشيد

- ‌حالة التجارة في بغداد في سنة 1913

- ‌اللسان

- ‌الرطب والارطاب

- ‌صادق وفتحي

- ‌مكتبات النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 34

- ‌منافع بيع البواخر

- ‌بيت النمنومي أو بيت جرجية

- ‌الحيدرية

- ‌وقفة تجاه السن

- ‌الأسطول الطيار

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌باب المذاكرة والمكاتبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها

الفصل: ‌منافع بيع البواخر

‌العدد 34

‌منافع بيع البواخر

1 -

باب البحث

نشأت هذه المسألة منذ أن شرعت الحكومة الحاضرة ببيع البواخر العثمانية التي تمخر مياه دجلة بين البصرة وبغداد وهي التي قام بتأسيسها المرحوم رشيد باشت والي بغداد السابق الشهير با (لكوز لكلي) نحو سنة 1273هـ (1856م) ثم زاد عليها المرحوم مدحت باشا ثم أخذت بالانحطاط إلى درجة أن بلغ بمدير البواخر المرحوم سري أفندي أن يبيع بعض الأدوات والأنقاض لإيفاء رواتب الموظفين (راجع لغة العرب 3: 561 في الحاشية) ثم بتبدل بعض المأمورين أخذت بالانتعاش حتى تولاها (آمر) قومندان بحرية البصرة الميرلوا (أمير اللواء) أمين باشا حوالي سنة 1309هـ (1891م) فتحسنت حالها وبلغت شاواً مهماً ووفر من وارداتها ما قدمه إلى الأستانة لشراء باخرتين تضافان إلى الموجودات وقتئذ فأخذت الأستانة المبلغ ولم تشتر بواخر حتى ضج العموم ولكن بلا جدوى؛ فاشترت الأملاك الخاصة بالسلطان السابق حضرة عبد الحميد خان هذه البواخر الأربع وهي الموصل والفرات والرصافة والبغدادي مع إدارتي البصرة وبغداد وحوض البصرة وما يتبع ذلك من آلات وأدوات في معمل البصرة بمبلغ هو (كما يخطر لي أقل من سبعة آلاف ليرة) وذلك حسب تخمين المخمنين من الملكية والعسكرية. فلما صارت للأملاك السنية توفرت وارداتها وأصبحت كما كانت في زمن أمين باشا فزادت عليها باخرتين وهما (حميدية وبرهانية) ثم أخريين (وهما البصرة وبغداد) فصارت ثمانياً حتى كانت أيام الانقلاب فعادت مع بقية أملاك المخلوع إلى

ص: 617

المالية فأخذت الحكومة منها باخرتين وثلاثاً اتخذتها لنقل الأشياء العسكرية ولتأديب العشائر في أطراف المنتفق وبقيت خمس سائرة وقد حصل من ذلك ريع صافٍ سنة 1325 وسنة 1326 مالية نحو عشرة آلاف ليرة سنوياً وفي سنة 1227 تولى شؤونها جناب سيروب أفندي إسكندر فبلغ ريعها نحو 20 ألف ليرة وفي سنة 1328 تولاها جناب سويان بك المدير الحالي فبلغ الريع 23 ألف ليرة وأما في سنة 1329 فقد حصل تأخير في سيرها وتعطل بعضها فاقتضى صرف مبالغ لأعمارها ولذا كان الريع الصافي نحو 18

ألف ليرة. وهذه هي البواخر التي عليها مدار البحث وتذمر الصحف.

2 -

تظاهرات الأهالي ضد بيعها

نزعت الحكومة الحاضرة قبل نحو ثلاث سنوات إلى بيع هذه البواخر: 1 - لأنها رأت ريعها قليلاً بالنسبة إلى رأس المال الذي يمكن الحصول عليه من بيعها: 2 - لأن الحكومة لا يمكنها القيام بالأعمال التجارية لعدم اعتمادها على عمالها أو لعدم وجود عمال أمناء يقومون بالأعمال كما يجب دون إزعاج الرعايا أو الضرر في المال (ولنا كلمة في هذا الباب نؤجلها إلى مقالة أخرى): 3 - لاسترضاء حكومتنا حكومة بريطانيا العظمى توصلاً إلى اتخاذ ذلك ذريعة للحصول على معاونتها (وإن ذلك من الآمال البعيدة) فقررت بيعها فلما بلغ الأمر مسامع الأهالي قامت القيامة وجرت المظاهرات العمومية في بغداد والبصرة والموصل وأرسلت برقيات الاحتجاج إلى المراجع العالية قائلين: إنهم مستعدون لشراء هذه البواخر بالثمن الذي تعطيه للحكومة الأجنبية أو الشركة حتى أن البعض كان يقول متحمساً: أما ندفع الثمن إعانة ونترك البواخر لحكومتنا المحبوبة ظناً منه أن القول يثمر أو يسمن أو يغني من جوع؛ غير عالم أن المبلغ باهظ. والحق معهم لأن التلفظ بالمليون أمر سهل ومن لم ير في عمره الألف ماذا عليه لو قال مليون؟ فتأخرت الحكومة عن البحث في ذلك ووردت البرقيات بترك الخوض في هذا البحث ظناً من الحكومة إن هذه الشرارة يتبعها الدخان فالنار وهذا الاحتجاج يتبعه التهديد، فشهر السلاح. فقال المتجمهرون: لله الحمد سكتوا فسكتنا غير مراجعين لضمائرهم الحرة الحية في إنهم غير مقتدرين على عقد شركة لذلك حسب قواعدهم المقررة المتعدد: التي لا تقبل سهواً أو غلطاً لأنهم لولا اعتقادهم بأن الشركات مضرة بالمال لعقدوها ولكنهم أن اقتنعوا بمنافعها يتنافسون على الرئاسة فيها وإداراتها حباً بالتصدر والشقشقة الفارغة. خذ لذلك بضعة أمثلة

ص: 618

جرت في العراق دليلاً على قولنا هذا:

3 -

شركة عربات (عجلات) بين حلب وبغداد

عقدت شركة لتسيير عربات (عجلات) بين حلب وبغداد تقطع المسافة بثمانية أيام والشركة مؤلفة من اثنين من أعيان الوطن وهما حضرة محمود أفندي شابندر زاده وعبد الجبار

أفندي خياط زاده وصرفا مبالغ على شراء عربات (عجلات) ودواب وبناء مواقع في الطريق وكان معهما مدير البريد الحالي جناب سعيد أفندي وتعهد الأخير بأعمال الشركة وذهب بنفسه إلى حلب مراراً وتكبد المشاق ولم تمض برهة لا تزيد على الشهرين حتى فسخت الشركة وأنحل عقد المجتمع ولا بد من أنهم تكبدوا أضراراً جسيمة ولا اعلم السبب لذلك وعندي أنه اسم الشركة لا غير.

ر4 - شركة تسيير السيارات بين كربلاء وبغداد

تألفت شركة سنة 1327 هجرية في زمن ولاية حضرة نجم الدين بك علي بغداد وكانت بتشويقه وكان عمادها حضرة محمود أفندي شابندر زاده لتسيير سيارات (أوتوموبيلات) بين بغداد وكربلاء إلى النجف وهي نافعة بدون شك وتهافت الناس عليها ووزعت أسهمها بأقرب مدة ووضع أصحاب الأسهم الدراهم في البنك (المصرف) العثماني حتى تخيل الوالي المشار إليه أن الأمر قد تم (وكنت معارضاً له أشد المعارضة لأني اعلم بأخلاق أبناء وطني) حتى اجتمع أرباب الأسهم اجتماعهم الأخير لانتخاب رئيس للشركة فحاز الأكثرية عبد الرزاق جلبي الحاج سعودي الصفار ومال البعض إلى جناب محمود أفندي الشابندر وحصل النزاع حتى قارب الأمر المهاترة فأنحل عقد الاجتماع وأسترد كل فرد ما سلم للبنك (المصرف) العثماني وطوى اسم الشركة.

5 -

شركة تسهيل النقليات

تألفت شركة لتسيير بواخر صغيرة بين بغداد وضواحيها ووزعت الأسهم وجمعت الدراهم وكان كل من المؤسسين بأتم النشاط ولم تمض أيام حتى أخذ كل منهم يرمي صاحبه بالرخاوة وبقيت معلقة وقد قام بعض أصحاب الأسهم لإقامة الدعوى على من تسلم منهم الدراهم في إنهم خداعون خدعوه وأخذوا ماله دون عمل وستظهر الأيام الغاية.

6 -

شركة بواخر في البصرة

لم يكن داء عدم الائتلاف خاصا ببغداد بل بأختها البصرة أيضاً فقد تألفت فيها شركة سنة 1306 هجرية رأس مالها عشرون ألف ليرة لتشتري باخرة بحرية كانت

ص: 619

معروضة للبيع اسمها (اداوة) واجتمع المبلغ واتفق أرباب الأسهم على توديع الرئاسة للمرحوم الحاج أحمد

جلبي النعمة فطلب المومأ إليه أمراً غريباً وهو أن تكون الرئاسة في أولاده بعده إلى ما شاء الله ولما لم يوافقه أحد على هذا الشرط ترك الأمر فانفرط عقد الشركة أيضاً. ولو أردنا استقصاء الشركات التي قامت وماتت دون جدوى لضاق بنا المجال على أن الأمر لم يبق عند العراقيين بل شملت هذه المزية السامية إخواننا السوريين أيضاً.

7 -

شركة معمل الزجاج في الشام

تألفت في دمشق الشام شركة قامت بأعباء إستحصال امتياز معمل للزجاج وصرفت المبالغ للحصول على هذه الأمنية التي حسدتها عليها البلاد العثمانية فبنت له بناء مهماً جسيماً عند الباب الشرقي وباشرت بالعمل فاحتاجت إلى رأس مال لإدارة المعمل فتوقف أصحاب الأسهم عن الدفع وبقى معطلاً وإذا دام الأمر فستضمحل الأدوات وتتلف الأسهم وتدخل في خبر كان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

8 -

مزية العرب

فكأن عدم الاتفاق سجية عربية خاصة بهذا العنصر الشريف والسبب شدة الذكاء لأن كلا منهم يرى في نفسه الكفاءة لإدارة كل عمل يوسد إليه. ويخطر لي هنا اعتراض أحد الأكاسرة على وفود العرب وتقريعه إياهم بأن ليس لهم ملك يجمع كلمتهم ويضم شملهم ويقوي شكيمتهم فأجابه أحدهم ذلك لأن كلا منا يرى نفسه أحق بالملك شرفاً وأصلاً وكرماً. (ومن الغريب أن البعض يرون هذا الجواب من جوامع الكلم وأنه فخر للعرب)

9 -

عود إلى بيع البواخر

ذكرنا في صدر هذه الأسطر احتجاج الأهالي على بيعها وإنهم أحق بها من غيرهم وإنهم أولو عزم على تأليف شركة لذلك وهم يتناسون ما وقع لهم من الأمور التي ذكرناها فلما سكتت الحكومة ظاهراً عن الأمر جاء الأمر وفق مراد الأهالي فسكتوا عنه وكأن لم يكن ثمة بحث فلا طالب للشركة ولا سائل عنها لأنهم يعلمون حق العلم إنهم لا يجتمعون على خير قط وظنوا إن إهمال الأمر قد تم ولم يعلموا أن تلك الشرارة التي تولى إيقادها الأجانب لمنافعهم لا يمكن أن تخمد ألبته وإنهم ينتهزون لها الفرص الملائمة لإشعال نارها إشعالاً لا تطفئه مياه دجلة والفرات. فلما حان الأمر المناسب قررت الحكومة إفراغ هذه البواخر

لشركة يكون نصفها للإنكليز

ص: 620

ونصفها الثاني مناصفة بين العثمانيين والألمان وقد قضى الأمر وسد باب البحث فلما بلغ الأهالي طرف خبر هذا الأمر أرادوا أيضاً القيام على الساعين به غير عالمين أن (ما كل مرة تسلم الجرة) وظنوا أن الحكومة تنسى المثل (من جرب المجرب حلت به الندامة) ولذا لم تعرهم إذناً صاغية حتى ولم تنشر صورة المقاولة ليعلم كل من الأهالي ما ستؤول عليه حالته مع الشركة المذكورة بل تركت الأمر مكتوماً لعلمها الحقيقي إن ليس على ولي القاصر أن يخبره بكافة ما يجريه له من الأمور وما يخدم به أمواله حسبما يقتضيه الحال والزمان، وهي المحقة بلا ريب.

10 -

سبب عقد الشركة

كل منا يعلم حال حكومتنا الحاضرة واضطرارها إلى المال وليس هنا من يجهل ما يلاقيه رجالها من التذلل والمسكنة والتمليق لاسترضاء البيوتات المالية في أوربا وما يلاقونه من عسف الأجانب ومنعهم عنهم الأموال التي هم في أشد الحاجة إليها لإيفاء بعض الديون وللمباشرة بالإصلاح الذي هم مضطرون إلى إجرائه وبدونه لن تعيش الدولة. هذا فضلاً عن أن استخراج كنوز الأراضي العثمانية التي لا تعد تفتقر إلى المال من كل الجهات سواء لتعدين المعادن أو لترقي الزراعة أو لاستعمال الآلات الحديثة لها. والمضطر لا جناح عليه مهما عمل شرعاً وعرفا دفعا للضرورة ومن منا لا يفدي عند اضطراره ما عز وهان للحصول على مراده ومن منا لا يصرف المبالغ للحصول على مال يسد به عوزه الضروري؟ أو يقوم به أود تجارته أو صناعته وخصوصاً بعد تأكده النفع من ذلك المشروع وإنه في زمن قريب يأمل أن يحصل من الفوائد ما يسد به المبلغ الذي سمح به وزيادة؟ أنصفونا أيها القراء.

11 -

البيع

وعلى ما تقدم رأت الحكومة الحاضرة أن القرض الكبير لا يتم لها إلا باسترضاء الحكومة البريطانية على أن استرضاءها ليس هو للقرض وحده بل لطلب معاونتها أيضاً في ما لها من المصالح السياسية. كمسائل الجزر، وتحديد التخوم، ومسألة المضايق، والديون العمومية إلى غير ذلك. فقد رأت، ورأيها الصواب، إن المفاداة بأمر البواخر وامتياز النهرين أهون

بكثير مما تؤمله. فمن ذا يلومها في ذلك؟ بعد أن يكون قد علم الكل أنها لم تبع ذلك بيعاً بل أحالته على شركةٍ لها فيها الريع لتبقى لها قسماً من السيطرة.

12 -

نتائج الشركة اقتصادياً

ص: 621

يقول بعض من يرى الأمور على ظواهرها أن هذه الشركة ستكون الضربة القاضية على تجارة البلاد العراقية وتعليلهم هو:

أولاً. لأن الشركة أصبحت في إدارة الإنكليز (لأن لهم أكثر الأسهم) وشركة لنج إنكليزية فسيقع بين الشركتين اتفاق وتكون أجرة النقل حسبما يريدون ولو ضاعفوها أضعافا تتأخر التجارة. قلنا: لو دققوا في الأمر لعلموا إن الرقابة تكون بين الأخوة الأشقاء وبين الوالد وولده ولا مساس لأمر الجنسية في التجارة على أن الحكومة لا بد وأن تكون قررت الأجور فلا يمكن تعديها والشركة بل الشركتان تعلمان أن من الأموال ما لا يمكن إرساله على بواخرها ما لم تكن الأجرة رخيصة كالحبوب مثلاً والأشياء التافهة الثمن فأن زادت الأجرة لا يرسل أحد من تلك الأموال شيئاً فكما أن أصحاب الأموال يفوتهم ربح أموالهم يفوتهم هم أيضاً ربح أجورهم فهم مضطرون إلى تنزيل الأجور عند قلة الحمول كما تفعل الآن شركة لنج والإدارة النهرية فنراهما تتفقان أحيانا عند تراكم الأموال. وتصل أجرة نقل الطن من بغداد إلى البصرة إلى نحو 25 إلى 32 شليناً ولكن عند قلة البضائع ينزلونها إلى سبعة شلينات بل أقل كما هو في موسمنا هذا. على أن بواخر اغا جعفر نقلت الطن بأقل من ثلاثة شلينات ونصف من بغداد إلى البصرة وذلك عشر الأجرة في أيام كثرة الأموال في أيلول وتشرين الأول وهو موسم التمر. فهل يمكن أن يقال أن أيام الزيادة هي اتفاق من الشركتين ضد التجارة؟

13 -

اضطرار الشركة إلى تكثير البواخر

على أن البواخر العثمانية التي تشتغل الآن في نهر دجلة هي خمس كما ذكرنا وثلاث لشركة لنج ونراها غير كافية لنقل الأموال الواردة من أوربا والهند إلى بغداد. ولذا نرى الأموال متراكمة اغلب الأوقات في البصرة حتى يضيق عنها نطاق الأماكن المعدة لحفظها ويبقى بعضها مدة ستة أشهر أو أكثر حتى يقل الوارد منها من ديار الأجانب فتأخذ بنقلها

وذلك مضر بالتجارة دون شك لأن التاجر الذي يتأخر ماله بالبصرة ستة أشهر ماذا يكون ربحه وخصوصاً إن وصله مال الصيف في الشتاء وبالعكس فيضطر إلى خزنه عنده ستة أشهر أخرى إن كان متمكناً وإلا يبقى عند (المصرف) البنك العثماني في الربى فما كسبه إذاً؟ والحكومة السابقة لم ترد زيادة بواخرها ولم تسمح لشركة

ص: 622

لنج بتشغيل بواخر أخرى غير الثلاث ولا ترخص أحداً بتشغيل بواخر (وأما مراكب أغا جعفر فإن ولاية البصرة سمحت له موقتاً على أن يكون لبلديتها ربع صافي ريعها برخصة الامتياز) وفضلاً عن ضرر التجارة تضررت شركات الضمان التلف اغلب الأموال المعرضة للأمطار لوجودها تحتها فالشركة التي ترى النفع لا بد وان تزيد بواخرها للأموال الداخلة إلى بغداد وأما الصادرات فلا تعد بالنسبة إلى الواردات إذ هي المهمة جداً. فهل يظن أحد أن شركة تجارية ترى النفع ظاهراً وأن الوابور (الباخرة) الذي تشتريه تستخرج ثمنه في مدة سنة واحدة على الأكثر ولا تعمل عدة بواخر؟ وقد تشبث مدير الإدارة الحالي جناب سويان بك بعقد مقاولة مع شركة لنج على أن تسير باخرة رابعة يكون نصف ريعها للإدارة النهرية العثمانية فقبلت ذلك بكل ارتياح لكن الحكومة لم تقبل فترك البحث.

14 -

أجور نقل الأموال الداخلة

أما أجرة نقل الأموال القادمة من البصرة إلى بغداد فهي 25 شليناً عن كل طن وهي الأجرة الاعتيادية لما يرد رأساً من أوربا والهند إلى بغداد. وأما ما يشحن من البصرة فلا بد من زيادة وربما بلغ 35 إلى 40 شليناً لأنه يتفق اضطرار التجار إلى جلب أموالهم فيدفعون ما تطلبه الشركات رغماً عنهم. على أن ذلك لا يوافق الشركات لأنهم يضطرون إلى تأخير المقاول عليه رأساً وذلك مضر بسمعتهم. وربما فعلوه طمعاً بالربح. فأجرة الأموال غالباً من البصرة إلى لندن 30 شليناً والمسافة لا تقل عن أربعين يوماً وهنا ربما وصلت إلى 40 والمسافة ثلاثة أيام إلى أربعةٍ. فما تزيد الشركة بواخرها أو ما يتهاجم عليها المساهمون الذين يعرفون قدر الشركات وفوائدها وإن زيدت - ولا بد من الزيادة - أفما تنتفع منها الولاية بل العراق كله انتفاعاً اقتصاديا؟

15 -

نقل الركاب على البواخر

عدا ما ذكرناه من نقل الأموال بين البصرة وبغداد وما بينهما من المراكز العديدة وهناك أمر أهم من ذلك وهو أمر نقل الركاب الذي يزداد ريعه في بعض الأوقات حتى يفوق أجور الأموال المنقولة. والمسافرون يلاقون الأمرين أيام قلة المياه إذ تتأخر البواخر الموجودة وأخص منها العثمانية ولا سيما الكبيرة منها (بغداد)(والبصرة) فتقطع المسافة التي بين الولايتين في نحو عشرة

ص: 623

أيام وربما كان أكثر لأنها تطلب مياهاً غزيرة. ولهذا أن بنيت بواخر جديدة فلا بد من أنها تكون موافقة للحال على ما هو أي أن تكون صغيرة الحجم وتطلب ماء قليلاً وتكون قوية وتجر جناب فلا تتأخر ويرتاح الركاب من ذلك.

ولا شك في أن الطريق إن سهلت يزداد التردد إلى الولايتين وإلى ما بينهما من المواقع وذلك من أقوى أسباب العمران.

16 -

منافع الإدارة

ذكرنا إن ريع الإدارة في السنين الثلاث الأخيرة كان يتراوح بين 18 و23 ألف ليرة. وكان قبلها نحو عشرة آلاف. على أن هذا الريع لا يكاد يذكر بازاء الدخل المؤمل لو كانت البواخر حسنة وسريعة لأن السريعة يكون مصرفها من جهة الإحراق أقل بلا ريب والريع أكثر؛ إذ تكثر النقليات ويزداد المسافرون. والبواخر العثمانية مع حداثة أعمالها نزلت إلى دركة سيئة نسبة إلى شركة لنج والسبب هو أولاً لأن الذي اشتراها وهو الموفد لذلك من الأستانة لم يكن يعلم درجة نزول المياه في دجلة أيام الصيف ولذا أخذت تتأخر خلافاً لبواخر شركة لنج.

ثانياً. لأن عملة البواخر العثمانية لا يخافون جزاء ولا يأملون مكافأة بخلاف غيرهم. أما الجزاء فإن الآمر ليس له كلام نافذ ولا يمكنه إخراج أحد من عمله ما لم يراجع المحاسبة فالدفتر دار فنظارة المالية. وأنت تدري إن الموظف (المأمور) الذي يعلم أن ليس لأمره قدرة على إخراجه من عمله إن قصر في خدمته كيف لا يتكاسل في عمله بخلاف المستخدمين في الشركات فإن إبقاءهم منوط بحسن خدمتهم فإن أحسنوا الخدمة داموا وإلا أخرجوا من وظائفهم بأدنى تقرير يدفعه عنهم الربان أو المدير أو غيرهما. ولذا تراهم محافظين على خدماتهم ومن ذا الذي لا يميز بين نظافة وخدمة بواخر شركة لنج والبواخر

العثمانية فبتحويل البواخر إلى الشركة المذكورة لا بد من أن تتحسن أحوالها ويدقق في أعمالها فلا يأمر وكيل الربان الباخرة بالوقوف في أثناء الطريق ليأخذ من العرب خروفاً أو نصف حقة من السمن ولو تأخرت الباخرة ساعة أو ساعتين وأحرقت ما تحرقه من الفحم مجاناً. ولذا يزداد الريع لعدم التبذير. وعليه أقول أني متأكد بأن ربع ما يرجع إلى الحكومة سيقابل عموم وارداتها الحاضرة بلا شك ولا شبهة

ص: 624