الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 33
- بتاريخ: 01 - 03 - 1914
خرافات عوام البغداديين
إن للعراقيين المسلمين عادات ليست من دينهم في شيء سنها لهم الهوى والشياطين من الإنس، الذين يؤثرون مصالحهم، ولو كتم وراء ما سنوه مخالفة لدينهم ومشاقة لله ولنبيه وقد كثرت البدع والخرافات واستفحل خطبها في المسلمين عموماَ والعراقيين خصوصاً وانتشرت بينهم انتشاراً سريعاً وأخذت البدع تكثر بعد وفاة صاحب الرسالة في القرون التي بعده حتى أن بني أمية أحدثوا أموراً ليس لها أصل في الإسلام والسيرة ولكن لا يخلو قرن إلا ويظهر فيه من يحارب البدع وينتصر للحدود الشرعية وكان الصحابة ينكرون على من يجيء بشيء لم يفعله صاحب الرسالة أو لم يأمر به ويزجرونه ويحقرونه وبلغ من تعصبهم في ذلك أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حج مرة وجاء لاستلام الحجر الأسود فقبله وقال أنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولو لم أر رسول الله قبلك لما قبلتك وقال صاحب الرسالة يحذر أصحابه من البدع فكان يقول لهم:(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم في أنبيائهم) وكان يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليهم) وكان يقول: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) مخافة من ظهور ما ليس من الدين ولقد أصبح العراقيون على خطر مهول من ذلك فقد نسبوا الضر والنفع للأحجار والجلاميد واستنجدوا بقبور علماء الدين وسألوهم أموراً لم يتمكن منها الأنبياء فضلاً عن العلماء (حالة حياتهم) ودعوهم وتضرعوا عند قبورهم وسألوهم دفع مرضهم وإيفاء ديونهم وإسداء الرزق إليهم.
ولما يرى غير المسلم ما عليه هؤلاء السخفاء يحسب أنه من الدين فينسب إليه السخافة والنقص فتشمئز نفسه من الدين الإسلامي وكأني بالإفرنجي الذي يطوف ببلادنا يرى ذلك الرأي فيغضب على الدين ويحنق عليه ويرميه بكل سوء على أنه لو أعاد النظر ورجع إلى عقلاء المسلمين وعلمائهم لوجدهم على بعد عن ذلك إذ يتميزون غيظاً على فاعليه. فحاشا الدين الإسلامي أن يرضى بما يفعل الجاهلون المفسدون أهل المخرقة والغش والبهرجة في الأفعال والأقوال وحاشاه أن يبيح لهم من ذلك شيئاً. وهانحن نبحث الآن عن بعض العادات التي يتمسك بها العراقيون وهي أشبه بما كان يفعله عبدة الأصنام في أيام
الجاهلية فنقول:
أصبح العراقيون يعتقدون أن النفع أو الضر يجوز أن ينسب إلى الجمادات كالشجر والصخر والتراب وغيرها فيقولون إن جلاميد الجنيد تبرئ من المرض الطارئ على بعض الأخطاء ويقولون أن بئر الجنيد هي السبب الوحيد لإنتاج العاقر إلى غير ذلك من الخرافات والسفسطات التي أخذوها عن بعض فرق المسلمين.
وهاك بيان ما يكثرون الترداد إليها من الجمادات المعروفة بينهم الموصوفة بالقدرة والتأثير عندهم.
1 -
جلاميد الجنيد
في مسجد الجنيد الذي يبعد عن نفس بغداد نصف أو ثلث ساعة ثلاث جلاميد موضوعة حيال قبر الجنيد الصوفي الزاهد المشهور وللعامة في تلك الجلاميد اعتقادات باطلة وكذا النساء المسلمات وبعض اليهوديات فإن لهن اعتناء عجيباً بتلك الصخور وذلك إن عاداتهن زيارة الجنيد كل يوم أربعاء فمن كانت منهن تشكو مرضاً في عضو من أعضائها تضع الصخور على محل الوجع أما مجتمعة وأما صخرة فصخرة على التوالي ويزعمن أن الوجع يزول ببركة هذه الصخور.
وإن كان الوجع بحيث لا تتمكن من وضع الصخور عليه تمسح عليها بكفها وتمسح بها على المحل المؤلم كما لو كان رمد في عينيها أو صداع في رأسها.
وإن كان الوجع داخلياً حملنها على كتفيها ودارت بها حول قبر الجنيد وإذا لم تستطع حملها حملتها مع امرأة أخرى فتضعها مباشرة على محل الوجع وإن كان في رضيعها داء حملتها هي نيابة عن الرضيع.
ولا فضل لهذه الصخور إلا لكونها في محل مدفون فيه الجنيد.
2 -
بئر الجنيد
وراء مسجد الجنيد من جهة الشرق بئر يزعم النساء أن الجنيد كان يتوضأ ويغتسل منها فمن كانت منهن عقيماً تعمد إلى تلك البئر فتدلي فيها ثلاث دلاء وتسفحها على جسدها فبذلك يكون نتاجها (على زعمهن) وكذا من كانت منهن مثاثاً (أي تعودت ولادة الأنثى)
فإنها تقول إذا سبحت بها: ألد ذكراً.
ولا يصح ذلك إلا يوم الأربعاء ويشترين الماء من تلك البئر بقيمة فاحشة ولهن به اعتناء عجيب.
3 -
بيوت بهلول
لبهلول المجنون الشهير قبر على مقربة من الجنيد وبمناسبة زيارتهن للجنيد يزرن قبر بهلول وله مسجد صغير أنشئ حديثاً وبعضهن تبني خلف مسجده بيتاً صغيراً من آجر والبيوت هناك تختلف فبعضها يعلو إلى ذراع وبعضها إلى نصف ذراع وبعضها يجعل من ثلاث قطع من الآجر تبنى ذلك من لها حاجة تسرها في نفسها وتنادي بهلولاً بهذه الكلمات (يا بلهول لا أخرب بيتي إلا تكضي لي حاجتي) معناها: تقضي حاجتي، لأن من عاداتهم إبدال القاف بالكاف الفارسية.
وينذرن له نذوراً مختلفة فمنهن من تنذر له شمعاً توقده فوق قبره أو في مكان من مسجده ومنهن من تنذر له طعاماً تطعم به صواحبها في مسجد بهلول إلى غير ذلك من النذور.
ومن كانت عاقراً تبني لها بيتاً هناك وبعض البنات تبني به بيتاً رجاء أن يكون لها خطيب جميل.
فإذا قضي أمر إحداهن هدمت بيتها ووفت بنذورها ولن تهدمه أبداً إذا لم تقض حاجتها ولكنه يبقى على حاله.
ومنهن من تعلق في البيت مهداً صغيراً تتفاءل أنها ستتزوج ويولد لها ولد وتضعه في المهد ومنهن من تضرب على وسطه كلة تتفاءل أنها تتزوج وتضرب لها كلة.
والبيوت تقام بلا طين ولا جص ولكنها أحجار يوضع بعضها فوق بعض فمنها ما هو مستطيل ومنها ما هو مستدير ومنها ما هو مربع وبعضها نصف مستدير تبنى على حائط من المسجد أو على قرب منه.
والتي تصيب مرادها تطلي باب المزار بالحناء بعد أن تفي بما نذرت.
4 -
طلاء أبواب المزارات بالحناء
من عادات المستفيضات عند نسائنا إنهن إذا زرن أحد الأئمة المدفونين في العراق وطلبن
منه حاجة فقضاها (على زعمهن) يقضين نذورهن ثم يعمدن إلى باب من طلبن منه فيطلينها بالحناء إشارة إلى أنه له تأثير عظيم وله يد في كل ما يطلب منه وإنه قضى لهن مرادهن ولذلك ترى أكثر أبواب المزارات والأئمة مطلية بالحناء أو عليها صورة كف مفتوحة الأصابع إشارة إلى إعطائه وسخائه وبعضهن تعمل غير ذلك.
5 -
نصب الراية
الراية عندهن قطعة من خام تخاط في رأس قصبة طويلة وقصيرة وتنقسم عندهن قسمين سوداء وبيضاء فالسوداء ينصبنها إذا طلبت إحداهن من أحد الأئمة أمراً فلم تقع على مرادها والبيضاء بعكسها فمتى قضى لها مطلباً تنصب الراية البيضاء إشارة إلى إنه قضى مرادها الذي طلبته والراية تنصب بأعلى شرفات البيت وإذا قضى لإحداهن مطلب عملت راية بيضاء وصعدت على سطحها تنادي بأعلى صوتها، والراية في يدها، (عرب واهليه خطار والفيه راية البيضا لفلان الإمام مبنية بيض الله وجهه) وتكرر هذه الجملة سبع مرات أو خمس مرات بحسب التصادف وتهلهل بعد كل صوت ثم تركزها على شرفة في بيتها ولا تأخذها حتى تقذفها الريح أو يهوي بها المطر أو تقع لسبب أخر.
6 -
القفل والمفتاح
في مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني العالم الزاهد الشهير رجل يدعى إنه شريف هاشمي وللنساء به اعتقاد غريب وذلك أن البنات إذا فات وقت نكاحهن أو تريث ولم يخطبهن أحد ذهبن إلى ذلك السيد وشكين له حالهن فيقول لهن ايتنني بقفل ومفتاح فإذا أتين بهما أقعدهن في باب الشيخ عبد القادر وأمرهن أن يرسلن طرف أثوابهن فإذا أرسلنه وضع عليه القفل وأغلقه ثلاث مرات ثم يأمرهن بالقيام فيقمن ويخطون على القفل ثلاث خطى ثم يقرأ عليهن ما شاء أن يقرأ ثم إنهن يعطينه شيئاً من الزبيب والحمص وهو حلوانه ولا يكون ذلك إلا يوم الجمعة قبل الظهر ويزعمن إن نكاحهن يقع بعد ذلك وقوعاً محققاً ويقرب زمانه ببركة ذلك السيد فإذا وقع ما أردن رجعن إليه وفتح القفل وأعطينه جزاءه وأكثر ما يستعمل ذلك عند نساء اليهود وبعض رجالهم وقد يستعمله بعض سخفاء المسلمين.
7 -
قصبة الصداع
إذا شكا أحدهم الصداع عمد إلى قصبة غليظة وقسمها طولاً إلى قسمين ثم شدها بخيط من شعر ووضعها بين المقابر ويقال أن في بطن القصبة أسطراً لم أطلع على مضمونها ويزعمون أنها تنفي الصداع.
8 -
إيقاف السعف
إذا حم أحدهم أو صدع أخذوا قطعة من سعف النخيل وأوقدوها وإذا اتقدت تعطي امرأة ثيباً وتسير بها قليلاً حتى تخمد نار السعفة فتنتهي من سيرها ويزعمون أن الحمى والصداع يسكنان بذلك.
9 -
شد الخرق
مما تعودته النساء إنهن إذا كان لإحداهن أمر يهمها عقدت خرقة وخيطاً بشباك أحد الأئمة فإذا بلغت أربها حلته ووفت نذرها وعقد الخرق قديم في عهد الجاهلية ومن أشهر ما كان يعقد به الخرق ذات انواط فراجعها في محلها.
10 -
تمثال الأيل
بين الكاظمية وبغداد بستان فيه تمثال أيل منحوت من الرخام أبيض الشكل له قرنان ذوا شعب وأغصان ولكنهما كسرا بتعاقب النساء عليه يبلغ علوه ذراعاً وثلث ذراع وله ذنب ملتصق بفخذيه وهو قائم على أربع واقف وقوف الأيل الذي أوجس نبأة ففزع منها وهو صنع عجيب يشابه في شكله بعض الآثار التي وجدت في بابل ولا يزال باقياً هناك والمرأة العاقر إذا أعيا أمرها تعمد إليه وتركب على ظهره وتبقى عليه بضع دقائق ثم تنول عنه وتذهب إلى شانها وتزعم أنه سبب لحبلها والمرأة التي لا يحبها زوجها حباً شديداً تركب عليه فتكون من أحب الأحباب إليه (على زعمهن).
11 -
العقد
تنقسم إلى أقسام فمنها عقدة الخطيب، ومنها خيط ينزع من طراز يوضع على قبور بعض الأئمة فيعقد في الرقاب وفي الأرسغ ويخيطه بعضهم بثوبه وبعضهم (بعقاله) وله شأن عظيم عند الأعراب. والنساء يتبركن به ويزعمن أنه يذهب الحمى والصداع وبقية
الأمراض.
قرأ أحدهم سورة الفلق حتى إذا بلغ إلى قوله: (ومن شر النفاثات في العقد) قال له بدوي لا يحسن القراءة وهمت إنما هي النفاثين. قال: هكذا الآية. قال: إني رأيت الخطباء ينفثون في العقد وليس بينهم امرأة ثة.
مسلم بغدادي