المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 28 ‌ ‌الجرامقة 1 - مقدمة البحث من الأجيال البائدة التي لا بقية - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٣

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 25

- ‌سنتنا الثالثة

- ‌صفحة من تاريخ خليج فارس

- ‌الراديوم

- ‌زكاة النصح

- ‌عصام الدين العمري

- ‌رحلة إلى شفاثا

- ‌نظرة في الاحساء

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 26

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌بيت علم في العراق

- ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌رجال السفينة العراقية

- ‌إقامة أتون طاباق عمومي

- ‌سورة الخيل

- ‌مشارفة سد الهندية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 27

- ‌كدرُلعومَر في أقاصيص العرب

- ‌الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة

- ‌أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌الكلكسة

- ‌تطواف في جوار بغداد والمدائن

- ‌نصرانية غسان

- ‌الفكر سياح

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌ألفاظ عوام العراق

- ‌مريم

- ‌العدد 28

- ‌الجرامقة

- ‌الشيخ عثمان بن سند البصري

- ‌الشيخ السكير

- ‌تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية

- ‌رؤية أدبية

- ‌ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 29

- ‌جزيرة العرب

- ‌لغة العرب

- ‌الكرد الحاليون

- ‌خلد أثراً

- ‌أفعال تتعلق بأهل السفن

- ‌أسرة بدروس آغا كركجي باشي

- ‌كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري

- ‌سياحة في النوم

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارقة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 30

- ‌سياسة لا حماسة

- ‌المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك

- ‌أيها العربي

- ‌أمراء السعود في جزيرة العرب

- ‌الشيب والشباب

- ‌مستقبل قضاء الحلة

- ‌الحياة خيال

- ‌الأكراد الحاليون

- ‌حكم

- ‌الهيلاج ومعانيها

- ‌بحر النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف

- ‌لا همز في كلامهم

- ‌الدول

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 31

- ‌كتب تواريخ بغداد

- ‌على الأرض وفي السماء

- ‌أقسام إمارة السعود

- ‌الأدب خير نسب

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌السائح الغربي في العراق العربي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 32

- ‌طاق كسرى

- ‌خاتمة البحث في إمارة السعود

- ‌برس نمرود

- ‌أيها الأمل

- ‌طوب أبو خزامة

- ‌المال حاكم

- ‌الذرعة

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 33

- ‌خرافات عوام البغداديين

- ‌الزواج عند يهود بغداد

- ‌الرّماحية

- ‌الطيارون في الشرق

- ‌ارتفع أسعار الأرضين في بغداد

- ‌النخل في العراق

- ‌بقايا بني تغلب

- ‌الكلمات الكردية في العربية الموصلية

- ‌التجارة في بغداد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المراجعة والمكاتبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 23

- ‌الباب الوسطاني

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌منارة سوق الغزل

- ‌نُبوةُ أديب

- ‌أنا والدنيا

- ‌إمارة الرشيد

- ‌حالة التجارة في بغداد في سنة 1913

- ‌اللسان

- ‌الرطب والارطاب

- ‌صادق وفتحي

- ‌مكتبات النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 34

- ‌منافع بيع البواخر

- ‌بيت النمنومي أو بيت جرجية

- ‌الحيدرية

- ‌وقفة تجاه السن

- ‌الأسطول الطيار

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌باب المذاكرة والمكاتبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها

الفصل: ‌ ‌العدد 28 ‌ ‌الجرامقة 1 - مقدمة البحث من الأجيال البائدة التي لا بقية

‌العدد 28

‌الجرامقة

1 -

مقدمة البحث

من الأجيال البائدة التي لا بقية لها اليوم الجرامقة. وقد اختلف العلماء في أصلهم ونسبهم كما ذهبوا مذاهب في لغتهم وتمدنهم. ولكي لا يقع ارتباك في تعريفهم نذكر أولاً رأي العرب فيهم ثم نذكر رأي الإفرنج ونختم البحث بما يعن لنا فنقول:

2 -

رأي العرب في الجرامقة

قال القلقشندي في كتاب نهاية الأرب، في معرفة انساب العرب:(الجرامقة هم أهل الموصل في الزمن القديم، من ولد جرموق بن آشور بن سام، فيما قاله ابن سعيد. وقيل: الجرامقة من ولد كاثر (أو جاثر) بن ارم بن سام فيما قاله غيره.) أه.

وقال السيد المرتضى في تاج العروس: الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل كما في الصحاح. وزاد غيره. في أوائل الإسلام. وقال الليث: جرامقة الشام انباطها، الواحد منهم جرمقاني، وهذا كالاسم الخاص. ومنه قول الأصمعي في الكميت: هو جرمقاني. ويقال أيضاً في الواحد منهم الجرمقي. وهكذا نسب أبو العباس أحمد بن اسحق الكاتب الشاعر) أه.

وقال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف ص 78: وكانوا (أي الكلدانيون) شعوباً وقبائل منهم: النونويون (أي النينويون) والآثوريون والأرمان والاردوان والجرامقة ونبط العراق وأهل السواد) أه.

ص: 169

وقال ابن الفقيه في مختصر كتاب البلدان ص 35: قال الكلبي: علوج مصر: القبط؛ وعلوج الشام: جراجمة؛ وعلوج الجزيرة: جرامقة؛ وعلوج السواد: نبط؛ وعلوج السند: سبابجة؛ وعلوج عمان: المزون؛ وعلوج اليمن: سامران (وفي رواية: الأبناء وهو الأشهر). أه

وذكر الطبري في تاريخه الكبير (1: 827) ملك الحضر وعده من الرامقة قال: وكان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وكان بها رجل من الجرامقة يقال

له الساطرون. . . والعرب تسميه (الضيزن) وقيل: الضيزن من أهل باجرمي وزعم هشام بن الكلبي: إنه من العرب من قضاعة وإنه الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الإجرام بن عمرو بن النخع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. . . إلى آخر ما ذكره عنه. وقال مثل هذا القول تقريباً ابن الأثير في 1: 278 من الطبعة الإفرنجية والذين سماهم الطبري وابن الأثير وابن خلدون بالجرامقة سماهم الأصفهاني في الأغاني 2: 37 بني جرم أو بني الأجرام.

وقال ابن خلدون (2: 68) لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة. وملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسب بنو جرموق بن اشوذ (أي آشور) بن سام وكانت مواطنهم بالجزيرة وكان ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة وأخرج بني عامر منها ولحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك. ويقال أن الخضر (ولعل صحيح الرواية: ملك الحضر) من عقبه. واستبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل وامتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط. . . ويقال أن يونس بن متي. . . من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه.) وقال المذكور في ص 69: ويقال: إن الجرامقة وهم أهل نينوى غلبوا على بابل ملك سنجاريف (سنحاريب) منهم. . . . ولما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروا ابنه نشبت نصر ثم من بعده بنيصر وغزاه ارتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية (الكيانية) فقتله وملك بابل وأعمالها وصار النبط والجرامقة رعية للفرس وانقرضت دولة النمارذة ببابل. هكذا ذكر ابن سعيد ونقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس.).

ص: 170

وقال ابن الأثير (5: 56 من الطبعة الإفرنجية و5: 28 من الطبعة المصرية) وما أهل الشام؟ - هل هم إلا تسعة أسياف؟ سبعة منهم إلى وسيفان علي. وما مسلمة (بن عبد الملك) إلا جرادة صفراء أتاكم برابره وجرامقته وجراجمته وأنباط وأبناء فلاحين وأوباش وأخلاط. . . .)

وفي تاريخ حمزة الأصفهاني (ص 39): (من بالشام وفلسطين من الجرامقة والجراجمة)

وذكر لغة الجرامقة ياقوت الحموي في 1: 26 قال: قال محمد ابن أحمد أبو الريحان البيروني: الإقليم. . . هو الرستاق بلغة الجرامقة سكان الشام والجزيرة. . على ما ذكر

حمزة بن الحسن الأصفهاني وهو صاحب لغة ومعني بها.). . .

وممن تعرض لذكر الجرامقة المسعودي في مروج الذهب (7: 119) قال: انتهى (المعتصم) إلى الموضع المعروف بالقاطول فاستطاب الموضع وكان هناك قرية يسكنها خلق من الجرامقة وناس من النبيط على النهر المعروف بالقاطول آخذاً من دجلة فبنى هناك قصورا. . . وقال أيضاً في (8: 91): (وكان غناء النبط والجرامقة بالغيروارات وإيقاعها يشبه إيقاع الطنابير.) أه

وقال ابن العبري (ص 131) الجرامقة هم قوم بالموصل أصلهم من الفرس.

وقال صاحب الأغاني (16: 76) بنوا الأحرار. . . هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن. وهم إلى الآن يسمون بني الأحرار بصنعاء ويسمون باليمن: الأبناء؛ وبالكوفة: الأحامرة، وبالبصرة: الأساورة، وبالجزيرة: الخضارمة؛ وبالشام الجراجمة) اه. وقد روى صاحب تاج العروس هذه النبذة بفرق ظاهر قال في مادة خضرم: الخضارمة: قوم من العجم خرجوا في بدء الإسلام فسكنوا الشام. وفي الصحاح: فتفرقوا في بلاد العرب. فمن أقام منهم بالبصرة فهم الأساورة (وفي الأصل المطبوع: الأساودة بالدال وهو خطأ واضح)؛ ومن أقام منهم بالكوفة فهم الأحامرة؛ ومن أقام منهم بالشام فهم الخضارمة (كذا والأصح الجراجمة)؛ ومن أقام منهم بالجزيرة فهم الجراجمة (كذا والأصح الجرامقة) ومن أقام منهم باليمن فهم الأبناء. ومن أقام منهم بالموصل فهم الجرامقة. أهـ

وذكر صاحب لسان العرب الجرامقة قال: جرامقة الشام: انباطها

ص: 171

واحدهم جرمقاني. ومنه قول الأصمعي في الكميت: هو جرمقاني. التهذيب: الجرامقة: جيل من الناس. الجوهري: الجرامقة قوم بالوصل أصلهم من العجم.) أهـ.

هذا جل ما جاء عند العرب عن الجرامقة وأنت ترى أن بعضهم لم يميز بين الجرامقة والجراجمة، ولا سيما اللغويين منهم ولهذا لاحظ علماء الإفرنج أن العرب لم يميزوا بين قوم وقوم. والأصح: إنهم لم يقولوا كلهم هذا القول بل بعضهم كما ظهر من ذكر أقاويلهم.

3 -

رأي الإفرنج في الجرامقة

كان رأي الإفرنج في أول عهدهم بالأبحاث الشرقية أن الجرامقة كانوا من الفرس؛ مستندين في ذلك على قول العرب أنفسهم وعلى ابن العبري وعلى الاسم نفسه لأن فيه الجيم والقاف

وقد قالت العرب لا تجتمع الجيم والقاف في كلمة عربية. - وممن كان على هذا الرأي جميع علماء الشرقيات إلى عهدنا هذا حتى قام العلامة نلدكي فخالف من سبقه وقال أنهم من أصل رمي أو نبطي. وما قال ذلك إلا وتأثره جميع المستشرقين لمكانة هذا الرجل الكبير من العلم ووقوفه على أخبار الشرق وتواريخه وقوفاً عجيباً. على أننا وإن كنا لا نخالفه في إنهم كانوا ارميين إلا إننا نثبت إنهم كانوا من العرب لا من النبط السريانيين والكلدانيين كما ارتأى. ودونك أدلتنا:

4 -

أدلتنا على أن الجرامقة كانوا عرباً

أول دليل نؤيد به رأينا أن الجرامقة كانوا عرباً نأخذه من معارضة عبارة الطبري بعبارة الأصفهاني صاحب الأغاني وكلاهما من المتقدمين. والدليل الثاني نأخذه من نسب أحد مشاهير الجرامقة الذي أورده هذان الإمامان في العبارة المذكورة وهي: (إن الحضر كان قصراً بحيال تكريت بين دجلة والفرات وإن أخا الحضر الذي ذكره عدي بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح من بني يزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وأمه جبهلة (ويروي جيهلة) امرأة من بني يزيد بن حلوان أخي سليح بن حلوان. وكان لا يعرف إلا بأمه هذه. وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة. وكان معه من بني الأجرام (وهم الذين سماهم

ص: 172

الطبري في 1: 827 وابن خلدون 2: 68 بالجرامقة) وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشام فأغار الضيزن فأصاب أختاً لسابور ذي الأكتاف وفتح مدينة نهرشير (ويروى بهرشير والأصح بهرسير) وفتك فيهم فقال في ذلك عمرو بن السليح بن حدي بن ألدها بن غنم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة:

لقيناهم بجمع من علافٍ

وبالخيل الصلادمة الذكور

فلاقت فارس منا نكالاً

وقتلنا هرابذ بهرسير

دلفنا للأعاجم من بعيد

بجمع م الجزيرة كالسعير

قالوا: ثم إن سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم فأقام على الحضر أربع سنين لا يستغل منهم شيئاً ثم إن النصيرة (ويروى النضيرة) بنت الضيزن (اتفقت مع سابور فدلته على عورة المدينة) ففتحها سابور عنوة فقتل الضيزن يومئذٍ وأباد بني العبيد وأفنى قضاعة

الذين كانوا مع الضيزن فلم يبق منهم باقٍ يعرف إلى اليوم وأصيبت قبائل حلوان وانقرضوا ودرجوا فقال في ذلك عمرو بن آله وكان مع الضيزن (الأبيات). . . قالوا: وكان الضيزن صاحب الحضر يلقب الساطرون وقال غيرهم: بل الساطرون صاحب الحضر كان رجلاً من أهل باجرمي والله اعلم)

فأنت ترى من هذا الكلام الذي بسطناه بجملته إن الأجرام أو بني جرم أو الجرميين هم الجرامقة بعينهم لأن بعضهم سماهم باسمهم العربي والبعض الآخر سماهم باسمهم المنقول إلى الصورة الأعجمية الفارسية. - وأما مسألة الساطرون وهل هو الضيزن أم لا؟ وهل هو عربي أم لا؟ فهاتان مسألتان أخريان لا نتعرض لهما الآن.

ودليلنا الثالث على أن الجرامقة هم بنو جرم هو: وحدة الاسم وإن اختلفت صورتاه. فجرم تلفظ (جرما) على اللغة الآرامية وهي لغة عوام ذلك العصر وجرما تلفظ (جرمق) بلغة الفرس وكانت يومئذٍ لغة سادة البلاد كما هو الحالة في العراقيين اليوم فإن لغتهم هي العربية ولغة الدولة الحاكمة عليهم هي التركية. قال المسعودي في كتابه الأشراف ص 91: جاء زرادشت بالكتاب المعروف بالابستا وإذا عرب أثبتت فيه قاف فقيل: الابستاق) اه وعلى هذا اوجه عربت كلمة جرمق هذه.

ص: 173

وحجتنا الرابعة ما ذكره صاحب الأغاني (في 11: 162) إن العباد (وهم أقوام شتى من نصارى العرب نزلوا الحيرة وكان أغلبهم من قضاعة) هزمهم سابور فصار معظمهم ومن فيه نهوض إلى الحضر من الجزيرة يقودهم الضيزن بن معاوية التنوخي فمضى حتى نزل الحضر وهو بناء بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا به. أهـ

ومن مؤرخي العرب الذين ذهبوا إلى العربية الجرامقة ابن خلدون. قال (في 2: 171): كان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذي يقول فيه الشاعر:

وأرى الموت قد تدلى من الحض

ر على رب أهله الساطرون

ولقد كان آمناً للدواهي

ذا ثرآء وجوهر مكنون

وقال المسعودي: هو الساطرون بن استطرون من ملوك السريانيين قال الطبري وتسميه العرب الضيزن. وقال هشام بن محمد الكلبي: هو من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن

العميد بن الأجدم (كذا في الأصل المطبوع وهو خطأ والأصح الأجرام) بن عمرو بن النخع بن سليم (كذا والأصح بن سليح). . من قضاعة. وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى. . وكان ملكه قد بلغ الشام.) أهـ.

وذكر ابن سعيد (راجع ابن خلدون 2: 249) إنه كان لبني العبيد بن الأبرص بن عمرو بن عمر بن اشجع بن سليح (وبنو سليح بطن من قضاعة من القحطانية) ملك يتوارثونه بالحضر آثاره باقية في برية سنجار وكان آخرهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور ذي الجنود من الأكاسرة معروفة أهـ.

وممن صرح بعربية الجرامقة ابن صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم قال في ص 45 عند ذكره أخبار العرب ونقلهم إياها: (ومن وقع بجبلي طيء فعنه أتت أخبار آل اذينة والجرامقة) فهذا نص صريح على ما نذهب إليه. ولا سيما إذا علمت أن من مساكن بني جرم بعض ديار طيء. قال ياقوت في مادة القرينين: موضع في ديار طيء يختص ببني جرم. وقال في مادة الموقف: قرية ذات نخل وزرع لجرم في اجأ أحد جبلي طيء. وقال في فردة: فردة جبل في ديار

ص: 174

طيء يقال له فردة الشموس. وقيل: ماء لجرم في ديار طيء.

وقال ياقوت في مادة جزيرة اقور: (لما تفرقت قضاعة في البلاد سار عمرو بن مالك التزيدي في تزيد وعشم ابني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وبنو عوف بن ربان وجرم بن ربان إلى أطراف الجزيرة وخالطوا قراها وكثروا بها وغلبوا على طائفة منها فكانت بينهم وبين من هناك وقعة هزموا الأعاجم فيها. (قلت: ارتأى بعض العلماء أن معنى الفرثيين: الأعاجم وأخلاط الناس فلعل المراد بالأعاجم هنا الفرثيون) فأصابوا فيهم فقال شاعرهم جدي بن الدلهات بن عشم العشمي.

صففنا للأعاجم من معد

صفوفاً بالجزيرة كالسعير

لقيناهم بجمع من علاف

ترادى بالصلادمة الذكور

فلاقت فارس منهم نكالاً

وقاتلنا هرابذ شهرزور

ولم يزالوا بناحية الجزيرة حتى غزا سابور ذو الأكتاف الحضر وكانت مدينة تويد فأفتتحها واستباح ما فيها وقتل جماعة من قبائل قضاعة وبقيت منهم بقية قليلة فلحقوا بالشام وساروا مع تنوخ). أهـ.

ولو أردنا أن نأتي بجميع الأسانيد التي أوردها مؤرخو العرب لضاق بنا المجال وقد اجزنا بما ذكرنا خوف الإطالة على غير جدوى.

وأحسن برهان نأتي به إثباتاً لما نقول هو شهادات أهل الغرب أنفسهم من رومان ويونان على إن أهل الحضر كانوا عرباً. فقد نقلوا في كتبهم على طرايانس قيصر أنه اخضع أمماً شتى لرومة حتى أن الرومانيين كانوا يسمعون كل يوم باسم جيل جديد يذعن لصولجانهم لم يسمعوا به سابقاً وقد أفضى الأمر إلى أن مجلس الشيوخ قرر أن يحبى طرايانس من مجالي الظفر والنصر بقدر ما يريد وعلى ما يريد. وقد كانت تهيأت رومة وإيطالية كلها لتستقبلاه بكل ما يليق به من الأبهة والعظمة والجلالة إلا إنه لم ير ذلك. والسبب هو أنه ذهب ليحاصر (الحضر) وهي (مدينة عربية) فلم يفلح واخفق سعيه وظن أنه سم فنهض مريضاً من تلك المحاصرة شاخصاً إلى بلاده لكنه لما وصل إلى سلندي (سليننتة في قليقية توفى فيها سنة 117

ص: 175

وقد ذكر المؤرخون مثل هذا الفشل للإنبراطور سويرس وقالوا أيضاً إنه اخفق في محاربته للعرب الذين كانوا في الحضر.

بيد أننا لا ننكر أن كثيرين من المؤرخين يذكرون أسم الفرث أو الفرس بدلاً من أن يقولوا (الحضر أو عرب الحضر) حينما يذكرون هذه الوقائع وقائع الرومان مع أهل الحضر. ولا بد لذلك من سبب وها نحن نشرحه:

يوم حارب الرومان عرب الحضر كانت هذه المدينة تحت سطوة الفرث الذين يسميهم العرب: الفرس (بفتح الفاء أي لا الفرس بضم الفاء أي ومنهم من يحمل الواحدة على الأخرى ويخلط اللفظين) أو كانت بلدتهم داخلة في أراضٍ يحكم عليها الفرث. وإذ كانت تلك المدينة على تلك الحالة جاز للمؤرخ أن يسميها بلدة عربية لأن اغلب سكانها عرب وبلدة فرثية أو فرسية لكونها كانت في أرض البرثيين أو كانت تحت حكمهم ومن هذا نشأ الاختلاف في التعبير على أن اغلب المؤرخين الأقدمين كانوا يروون الحوادث والوقائع ذاكرين أن العاهلين الرومانيين حاربا عرب الحضر لا غير.

5 -

اعتراضات المخالفين لرأينا.

قد يعترض علينا هذا الاعتراض وهو: إن أهل الحضر لم يكونوا عرباً لأن لغتهم كانت

فرثية وسريانية أو جرمقانية ومن لم تكن لغته عربية لم يكن عربياً. قلنا: سبق الكلام على أن الجرميين كانوا في قلب بلاد الفرثيين أو البرثيين. وكان أهل الحضر يتكلمون ثلاث لغات: الفرثية لغة سادات البلاد، والسريانية لغة عوام البلاد وأهاليها، والعربية لغة القوم أنفسهم. وعلى هذا لا يكون تناقض ولا يقوم علينا اعتراض ذو شان. وكانت حالة الجرميين يومئذ كحالة التلكيفيين في يومنا هذا. فإن منهم من يعرف التركية وهم الذين يريدون الدخول في وظائف أهل الحل والعقد، والعربية وهم الذين يعيشون بين أهالي البلاد لكونهم عرباً، والآرامية وهي لغة أقوامهم أو بني عنصرهم.

6 -

اللغة الجرمقانية هي فرع من اللغة الارمية

ليس في كتبنا التاريخية والمعاجم اللغوية ما يهدينا إلى معرفة حقيقة اللغة المسماة بالجرمقانية، فإن المستشرقين لم يبتوا حكماً في هذه المسألة إلى يومنا هذا وذلك لأن ابن الفقيه يقول في كتابه: مختصر كتاب البلدان ص 77: (الروم

ص: 176

ملكانية يقرءون الإنجيل بالجرمقانية) ثم يقول في ص 136 من كتابه المذكور (الروم كلهم نصارى ملكانية ويقرءون الإنجيل بالجرمقانية فلا جرم أنه يتكلم عن روم ديار الإفرنج والحال إنه لم يقرءوا الإنجيل بالجرمقانية بل باليونانية أو بالرومية فكيف تؤول عبارة ابن الفقيه هذا المعروف أيضاً بأبي بكر أحمد الهمذاني. - قلنا: جرمقانية روم الإفرنج مبنية على وهم الملكانية أو الملكائية فيهم لا غير. ولما كان ملكائية ديار الشام يقرءون الجرمقانية في ذلك العهد ويفهمونها ظن الكاتب أن كل ملكائي يقرأ الجرمقانية ويفهمها. ولما كان اغلب روم الإفرنج ملكائيين حمل شيئاً على شيء وهذا هو سبب الوهم لا غير. وإلا فإن الجرمقانية بمعنى فرع من فروع الأرمية أشهر من أن يذكر. قال العلامة في السريانية الإنكليزي بابن سميث في معجمه السرياني اللاتيني الكبير ما معناه (1: 585) جرمقي وجرمقيا هو الجرمي أو الجرمقي أي من كان أهله من (بيت جرمي) وهذا اسم صقع. وبالعربية الجرمقاني والجمع الجرامقة وذكر ابن بهلول: اللسان الجرمقي. . قال سوبرس في كتاب له في النحو في كلامه عن اللغتين الأثورية والجرمقية: إن مزيتهما أنهما تبدلان الباء والفاء واواً. اه بحذف ذكر الأسانيد التي ينقل عنها. ومن هنا ترى أن الجرمقانية هي كالأثورية أي فرع من اللغة الأرمية لا غير وبدون ريب.

7 -

ديانة الجرامقة

كانت ديانة الجرميين أو الجرامقة الوثنية وعبادة الأجرام السماوية طالما كانوا في ديارهم العربية. ومن أوثانهم المشهورة عندهم يومئذ الأقيصر وذو الخلصة وغيرهما. ولم نعثر في مؤلفات القوم على من تنصر منهم وهم في ربوعهم بل إنهم تنصروا لما انتقلوا إلى الجزيرة إلى الصقع الذي عرف من بعد نزولهم فيه باسم (باجرمي أو بيت جرمي أو ديار بني جرم أو بلاد الجرامقة) وقد دانوا بالنصرانية منذ أول عهد انتقالهم إليها وتمسكوا بها كل التمسك. وإن لم يكونوا كلهم عليها في وقت واحد وفي جميع الديار التي احتلوها، وكان صقع باجرمي واقعاً في شرقي دجلة بين دجلة والزاب الأصغر وجبال حمرين ونهر ديالى. والدليل على إنهم انتحلوا المسيحية منذ القرون الأولى جملة من أشتهر منهم بالإمامة والقداسة والشهادة في عهد سابور الملك (سنة 330) ومن الأسقفيات التي تذكر في برنامج ايليا الدمشقي: شهرقرد (المعروفة اليوم باسم شرقاط أو شرقاد)، ودقوقا،

ص: 177

والبوازيج، وداراباد، وخانيجار. وقد شهد الصوباوي أن القديس شمعون (المتوفى سنة 330) هو الذي انشأ مطرنة الجرميين. وكان لها المقام الرابع بين المطرانات النسطورية كما يتضح ذلك من الطقس الحبري الخاص بهم. وكان يلقب أحيانا مطران تلك الديار بلقب مطران الكرخ وشهرقرد وباسلوخ أو بيت سلوخ أو كرخ سلوخ وهي كركوك الحالية وفيها كان كرسي هذا المطران. - ولما ظهرت النسطورية صبأ اغلب أولئك الأقوام إلى المذهب الحديث ولما عرفوا غلطهم رجعوا إلى دين آبائهم القديم أي إلى الكثلكة. قال بطرك الموارنة السيد بولس بطرس مسعد في كتابه الدر المنظوم المطبوع سنة 1863 ص 91 ما حرفه:(كان رجوع سعدون (أي سهدونا) الأسقف وشعب الجرميين أو الجرمقيين (الجرامقة) في بلاد العراق في زمان بطريركهم يشو عيهب الغدلي (أي ايشو عيهب أو ايشوعياب أو يشو عياب الجذالي) نحو سنة 630) أهـ.

قلنا: وآخر مطران عرفنا اسمه من مطارنة الجرميين هو الأسقف سمعان الذي جلس على كرسيه في شهر شباط سنة 1318 وكان نسطورياً.

وقليلون منهم انتحلوا اليعقوبية ومن مطارنتهم قسطنطين الذي رافق يوحنا السابع سنة 969 إلى القسطنطينية.

وقال ماري بن سليمان في فصل الفطاركة ص 70: (وكاتب يوماً أسقف كشكر الآباء بالحضور وحضروا فاختاروا مروى الاركيذياقن وأهل الحيرة حنا نيشوع والجرامقة. وخالفهم يعقوب بن يزدين الكشكري واختار جيورجيس الراهب من عمر باحالا أهـ وهذا يدل على أن الجرامقة كانوا نساطرة في أيام حنا نيشوع الثاني.

فترى مما تقدم ذكره أن اغلب الجرمين أو بني جرم أو الجرامقة كانوا نصارى في ديار الجزيرة لكنهم لم يكونوا جميعهم مسيحيين، إذ كان بينهم مجوسيون ولا سيما في الحضر نفسها. يشهد على ذلك هيكل الشمس الذي كان موجوداً في تلك العاصمة في عهد العاهلين الرومانيين طرايانس وسويرس. - ولما ظهر الإسلام في بلاد العرب دان به كثيرون منهم ممن كانوا في تلك الربوع. قال ابن خلدون في تاريخه (2: 247) في بني جرم ومواطنهم: بنو جرم

بن ربان

ص: 178

بن حلوان بن عمران: بطن كبير (من قضاعة) وفيهم كثير من الصحابة. ومواطنهم ما بين غزة وجبال الشراة من الشام وجبال الشراة من جبال الكرك.

8 -

ديارهم الأصلية

ديار بني جرم الأصلية هي نفس ديار قضاعة لأنهم جذم منهم. على أنه قد جاء في كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني (ص 163) ما هذا حرفه: ديار جرم من بين العرب متفرقة منها باليمامة، ومنها بالبصرة، ومنها بالعقيق ومنها بحضرموت. وكان لها دار بصعدة في وادي يشور ولها دار ما بين صنعاء ومأرب، ولها بدينة واحور مسلم وخاصة لبني دينار وبني سبيلة) أهـ وقد ذكرنا قبيل هذا كلام ابن خلدون في هذا الصدد ولاحظنا في الحاشية إنه مخطئ في كلامه ذاك وأن ما يشير إليهم وإنهم موجودون في أنحاء غزة هم جرم طيء لا جرم قضاعة.

وقال صاحب الأغاني عن جرم قضاعة إن منازلهم كانت بالفلج (راجع 7: 118) وفي نواحي الشام مع محالفيهم كلب وعذرة (7: 118).

ص: 179