الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسام إمارة السعود
تقسم إمارة ابن السعود أقساماً مختلفة على غير الوجه المعهود في ديار آل عثمان. وإنما نسميها بالأسماء المصطلح عليها اليوم في هذه الربوع طلباً للإيجاز وتقريباً للعبارة من الإفهام. ففيها من الايالات شيء كثير والأيالة مثل الناحية أو بعبارة أخرى مثل القائمية (القائم مقامية) أو المتصرفية ومن هذه الايالات ما هو بقدر المتصرفية ومنها ما هو بسعة الولاية ومنها ما هو دونها مما لا يقاس عليه وأشهر هذه الولايات هي.
1 -
العارض أو الرياض أو العروض
العارض عاصمة الإمارة. وقد سبقنا فقلنا إن العارض والرياض أو العروض أسماء لمسمى واحد في الإجمال لكنها تقع على بعض مواطن منها دون غيرها إذا أردت التدقيق في المعنى. (فالعارض) على الحقيقة هو وادي حنيفة المشهور في التاريخ وهو عبارة عن وادٍ واسع تقوم على حافاته جبال متوسطة الارتفاع تعرف عندهم باسم (العارض أو العروض) لاعتراضها في السماء قال الحفصي: العارض جبال مسيرة ثلاثة أيام. قال: وأوله (خزير) وهو أنف الجبل. وقال أو زياد: العارض باليمامة. أما ما يلي المغرب منه فعقاب وثنايا غليظة، وما يلي المشرق وظاهره فيه أودية تذهب نحو مطلع الشمس كلها العارض هو الجبل. قال: ولا نعلم جبلاً يسمى عارضاً غيره. - أما الرياض فهي روضات منسقة آخذة بعضها برقاب بعض على شكل مستطيل يوازي الوادي المذكور وكانت الإمارة تسمى سابقاً بالعارض وكان كرسي الإمارة في موضع يقال له (الدرعية) فلما كانت حرب إبراهيم باشا انتقلت إلى الرياض المذكورة.
وكانت الدرعية في سابق العهد في رخاء من العيش حسنة الأبنية عالية الجدران كثيرة الزرع والضرع ولما كانت كرسي الإمارة كانت تتوافد إليها الأعراب من اليمن والحجاز وتهامة وحضرموت والاحساء والبحرين وقطر وكان لها مواسم في أيام مخصوصة بحيث إن الداخل كان إذا دخلها في عهد الأعياد والمجتمعات بل حتى في سائر الأيام يرى جموعاً كثيرة مؤلفة من أنواع قبائل العرب وعشائرها. وحسبك دليلاً على ما نقول إن بعض المنازل والدور بيعت وشريت بأثمان تتراوح
بين الخمسمائة ليرة وبين الألف والخمسمائة
ليرة. وبلغت أجرة بعض الدكاكين في الشهر الواحد نحو ست ليرات وكفى بذلك برهاناً على تردد الأقدام إليها لطيب المعيشة فيها يومذٍ. (لغة العرب: كذا ولعل في ذلك مبالغة فاحشة).
ومن بلدان العارض (بلدة حريملة) تصغير حرملة ويلفظونها والبعض يكتبها خطاً (حريملا)، ويليها بلد (سدوس)(وزان عروس) وحوله آثار قديمة وأبنية عالية ضخمة فخمة عليها كتابات قديمة لا تعرف بأي قلم مكتوبة لأن الإفرنج لك يصأوا تلك الديار، وعلى كثير من جدر تلك المواطن كتابات منحوتة في الحجر ومثل هذه الرقم العادية في كثير من الكهوف والمغور المجاورة لسدوس. ومن غريب الأمر إن ياقوت لم يذكر شيئاً عن هذه المدينة مع أنها عريقة في القدم. فالظاهر إن الذين كانوا ينتابون تلك الربوع غير كثيرين. لكنه ذكرها في مادة حزوى وهو أسمها الحقيقي لأن (سدوس) هي اسم القبيلة التي أوت إليها مدة طويلة فسميت بهم. قال ياقوت:(حزوى. . . . موضع بنجد في ديار تميم. وقال الأزهري: جبل من جبال الدهناء مررت به. وقال محمد بن إدريس ابن أبي حفصة: حزوى باليمامة وهي نخل بحذاء (قرية بني سدوس) وقال في موضع آخر: حزوى من رمال الدهناء.) اهـ
ومن بلدان العارض: (ضرمة) ويلفظونها (اضرما) ثم (العمادية) و (أبو كباش) و (الجبيلة)(مصغرة) و (النير)(بكسر فسكون) و (عرقة)(بكسر فسكون) و (منفوحة) و (الخرج)(بفتح فسكون) وهو واقع في جنوبي العارض. وقد كان سابقا مسكن قبائل عائذ وآل فضل. أما اليوم فلم يبق من عائذ شيء هناك لتفرقهم في البلاد. وأما آل فضل فإنه يوجد منهم بقية وأكثرهم متحضرون.
2 -
الرياض
لما انتقل كرسي الإمارة من الدرعية إلى الرياض للأسباب التي ذكرناها وذلك بعد حرب إبراهيم باشا ووقعة الدرعية افرغ أمراء السعود كل وسعهم لتحصين الرياض أشد التحصين. أو لا يحق للرياض أن تكون روضات وجنات في وجنات ديار العرب وأرضها عبارة عن بساتين متناسقة. فإذا زدت على ذلك أن الطبيعة قد جعلتها من أحصن المواقع. بأن أطافت بها الروابي قلت إنها جمعت بين محاسن حلب الشهباء وبدائع دمشق الفيحاء،
لأنك تجد فيها
كما في تينك المدينتين أسواراً قائمة، وأبراجاً ماثلة؛ تذكرك بالعصور الوسطى أما العروض أو جبال اليمامة فإنها شمخت بأنوفها إلى فوق بل رفعت رؤوسها نحو السماء كأنها السنابل وقد حدقت بالأفق من جهة الجنوب. وهناك جبال أخرى تواري عن أنظارك رمال الدهناء.
والرياض هي اليوم من أحصن بلاد نجد لأن حيطانها ثخينة وأبراجها حصينة ذاهبة في السماء وقصر أمرائها من امتن القصور كأنه قلعة بديعة والناظر إليه من خارج يظنه سجنا لا قصراً. وفي الرياض مسجد جامع كبير يسع 4 آلاف مصل. وفي الرياض من جياد الخيل ما لا ترى لها أمثالا في سائر ربوع العرب.
3 -
الخرج
الخرج (بفتح وسكون) من البلاد التي تتعلق به قرى كثيرة منها (لسليبية)(مصغرة منسوبة) والبعض يقول السلبية (بكسر وسكون ونسبة) والبعض الأخر السبيلية (مصغرة منسوبة) واللغة الفصحى والشهري هي الأولى. ومن تلك القرى: الدلم (وزان سبب) وحوله واد عظيم وقرى صغيرة. و (اليمامة) وهي أشهر من أن تذكر. ومنها زرقاء اليمامة. و (رميثة)(مصغرة) ونعاج (وزان سحاب) والسيح (بفتح وسكون) وما عدا هذه القرى مدن وبلاد أخرى لا تحضرني أسماؤها.
4 -
الحوطة
الحوطة ويقال لها أيضاً (حوطة بني تميم) وهي مساكن هؤلاء الأعراب في عهدنا هذا ولا يدخلها أو يأوي إليها إلا من ينتسب إلى هؤلاء الأقوام وهي بلاد كبيرة ولها نخيل وبساتين جمة. وأهلها في غاية البسالة والشجاعة والعدد والعدد والصبر والجلد والتصلب في الدين الحنيفي. ولم ينقل عن أحد أنهم خضعوا لكلمة حاكم رأوا فيه ما يخالف الشرع المحمدي. وتمرها من أحسن تمور نجد وكذلك فواكهها. وعليها حصون متينة، وقلاع مكينة، وبناؤها متقن غاية الإتقان.
5 -
الحريق
بلد واسع كثير القرى والضيع وفيه بساتين ونخل كثير. وفي الزمن السابق كانت الحوطة
قصبتها. وفي ذلك العهد الذي نشير إليه كانت الحوطة تنافس الرياض وتجاريها في ميدان الحضارة والعمران إلا أن نطاق أرضها الخصبة ضيق لوقوعها بين صحراوين كبيرتين إحداهما الدهناء الواقعة في جنوبيها ولهذا لم تستطع أن تزاحم
أختها في كثرة السكان ومحاسن العمران.
6 -
نعام
هو على مثل الحريق من ازدحام القرى الصغيرة حواليها وتشابك البساتين في أراضيها وكثرة النخيل الذي يكثر في ضواحيها وبواديها. وفي أصحابها تصلب في الدين، وتعلق بأهداب الحق اليقين.
7 -
الافلاج
هي أول بلد من بلدان الدواسر. والدواسر قبيلة ضخمة ترجع في نسبها إلى وائل - ولها قرى عديدة منها: ليلى (بفتح اللامين وإسكان الياء الثانية) وهي مكان مشهور قديم. أما ماء قديم للعرب - والبدع (بكسر الأول) من مياههم القديمة في سابق العهد إلى هذا اليوم. - والأحيمر والبعض يسميه الأحمر وهو موقف أشبه شيء بالتل وحوله مياه عذبة. - والهدار (وزان شداد) وهو واد عليه بلد عامر. وهذه كلها بلاد آهلة بالسكان وفيها كثير من المياه العذبة القريبة الماء. وفيها بساتين جليلة ونخيل عديدة وأشجار متنوعة ومزارع واسعة.
8 -
الدواسر
ويقال بلاد الدواسر أو قرى الدواسر والمشهور وادي الدواسر. وقد عرفت من هم الدواسر. والمراد بوادي الدواسر هنا قرى متتالية تبلغ العشرين كلها واقعة على هذا الوادي العجيب الخصيب العظيم الرحيب واغلب سكانها من عشيرة الدواسر المشهورة العديدة وهي أضخم عمارة في ديار نجد وأهم مساكنهم فيها.
وأول وادي الدواسر السليل (تصغير سليل) وقراه كثيرة منها اللدام والحنابج وغيرهما. - ووادي الدواسر هذا هو آخر بلاد من جهة الجنوب. والمعمور من نجد من جوف آل عمر إلى وادي الدواسر مسيرة خمسة عشر يوماً من جهة الشمال إلى الجنوب. وأما من جهة
الشرق إلى الغرب فالمعمور منه مسافة ستة أيام. هذا هو المعمور المأهول وأما مساكن أهل البادية من العشائر والقبائل والعمائر فيبلغ طولاً مقدار شهر وعرضا نحو ذلك. فتدبر.
9 -
أودية نجد وعقابها ورمالها
أودية نجد كثيرة والكبار منها غير قليلة منها: وادي حنيفة، ووادي الدواسر، ووادي القصيم المعروف أيضاً باسم وادي الرمة، ووادي سدير وغيرها. - وفي نجد عقاب صعاب شداد كقيرة لا تحصى - والدهناء هي الرمال الحاجزة دون نجد من الجنوب، وهي أشهر من أن تذكر.
10 -
البلاد الشرقية الراجعة إلى هذه الإمارة
إن استقراء النواحي الشرقية مثل الاحساء وقطر وغيرهما يطول ولهذا نحيل القراء على كتابنا الذي صنفناه حديثا وأسمه تحفة الالباء في تاريخ الاحساء) وهو كتاب يبحث عن تاريخ الاحساء والبحرين والقطيف وقطر في 92 صفحة بقطع الثمن الصغير.
11 -
البلاد الشمالية
أما البلاد الشمالية فهي بلاد القصيم وهي عبارة عن إمارتين جليلتين يأتي البحث عن كل واحد منهما في محلها مع ذكر أمرائها على ما فعلنا في هذا الفصل.
12 -
البلاد الجنوبية
البلاد الجنوبية من هذه الإمارة هي البلاد المعروفة ببلاد عسير من قبائل حمير وغيرها. وسيأتي عنها الكلام في فصل خاص بها.
13 -
إدارة هذه الإمارة
تختلف إدارة هذه الإمارة عما نعرفه من إدارة الولايات الحديثة فهي لا تشبه إدارة ولايات العراق. مثلاً وليس هي على الحالة البدوية في أحوالها بل هي إدارة شرعية أي أن كل ما يجري فيها يتم على وجه موافق للشرع الشريف وأوامره ونواهيه ثم تختلف هذه الإدارة الشرعية باختلاف الناس الذين تناسبهم فأجراؤها على البدو أي الأعراب والقبائل الرحالة يكون على غير السنن المألوف بين الحضر الذين يسكنون المدن والقرى. ولهذا يحسن بنا
أن نقسم هذا البحث إلى موضوعين: الموضوع الأول يكون في الإدارة الحضرية والثاني في الإدارة البدوية وهانحن نذكر شيئاً نزراً عن كل منهما ليتصورهما القارئ بصورتهما أو ببعض صورتها فنقول:
14 -
إدارة الأقوام المتحضرة
لما كانت الأحكام الشرعية سهلة الجري على قطان البلاد لانحصارهم فيها ترى أن جميع المعاملات جارية في وجهها بدون مانع. ففي كل بلد ترى قاضياً عارفاً بالأمور الشرعية وأميراً يمثل السلطة العادلة في البلاد. أما القاضي فيستعان به للفصل في القضايا على اختلاف أنواعها. وأما الحاكم أو الأمير أو العادل فيستعان به لإنفاذ حكم القاضي في أي قضية كانت؛ فلو فرضنا إن قضية وقعت فأول ما يذهب بها إلى الحاكم. وهذا يدفعها رأساً إلى القاضي ويعين لها رجالاً لكي ينفذوا ما يقضي به هذا الرجل. فإذا برز الحكم ذهب الرجال المذكورين في الحال وحققوا ما بته من الأمر. هذا ما يجري في الأمور المختصة بأنواع
المعاملات من جزائية أو حقوقية أو شرعية. أما المسائل التي تتعلق بالسياسة فليس للقاضي فيها دخل بل هي راجعة إلى الحاكم أو العامل فقط. ولهذا الحاكم شبه مجلس إدارة يشاور أعضاؤه في بعض الأمور وله الخيار بعد ذلك في أتباع ما يشيرون به عليه أو لا.
ومما يتعلق أمره بالقاضي كل ما من شأنه إصلاح حال الناس فيدخل في هذا الباب مسائل الديون والقسمة والإرث والمعاملات التجارية وشؤون الفلاحة والمبايعات على اختلاف أنواعها وما أشبه هذه من قيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وملاحظات الواجبات الدينية وغيرها. وليس للحاكم أو لمن يقوم مقامه خرق شيء يأمر به القاضي أو يجزم به مما تقدم ذكره ولا يحق له أن يعارضه في شيء ما.
وأما الأمور الراجعة إلى الحاكم أو العامل فهي الأمور السياسية كحفظ البلاد وصيانة حقوق الإمارة سياسةً وإدارة فهو من الجهة الأولى منفذ للأحكام الشرعية ومن الجهة الأخرى محافظ على حقوق الحاكمية ويتعلق به جباية الأموال وتجنيد الجنود ونشر جناح الأمن وإصلاح ذات البين بين قبيلة وقبيلة ومحافظة القوافل ونحو ذلك. - أما أعضاء المجلس فهم عبارة عن كبار البلد وأعيانها يستعين بهم وبأقوالهم عند جباية الأموال وجمع الزكاة والعشر وتوزيع الضرائب واتخاذ الأسلحة إلى غيرها وذلك إذا مست الحاجة إلى هذه
الأمور.
15 -
إدارة أقوام البادية
لما كانت أحوال أهل البادية لا تشبه أحوال المتحضرين في أمور كثيرة ينتج أن شرائعهم تختلف عن شرائع أهل المدن. ولهذا تراهم يرجعون في شؤونهم إلى مصطلحات وسنن وعوائد ترتقي فيهم إلى قرون عديدة واغلة في القدم.
ومن جملتها (العارفة). والعارفة هو بمنزلة القاضي في المدن. فإذا احتاجوا إلى حسم مسألة ترافعوا إليه وحكموه فيها. - وأحكام العارفة غير منوطة بقانون ولا مربوطة برباط شرعي معروف بل هي عبارة عن طائفة من الأمور قد تواطئوا على تقريرها على وجهٍ يرضى المتخاصمين على ما أنتجه الزمان ومقتضيات الأحوال.
وما عدا العارفة يوجد قاضٍ شرعي دائم المقام بينهم من شانه إنه إذا أراد المتخاصمان رفع الدعوى إليه وارتضياه ذهبا إليه؛ إلا أن الأحكام إذا فصلت فصلاً باتاً على يد أحد هذين الاثنين (أي على يد العارفة أو على يد القاضي) لم يجز أو لم يحق بعد ذلك لأحد المتخاصمين أن يستأنف الدعوى عند الآخر الذي لم يذهب إليه. اللهم إلا إذ ظهر ظهور الشمس في رائعة النهار أن الحاكم أو العارفة قضى بما قضى لغرض أو ميل كان في نفسه فحكم بما يرجع إلى خير الخصمين فحينئذٍ يسوغ لأحد المتنازعين استئناف الحكم عند من لم يستفضه في أول الأمر. وإذا أبى أحدهما إلا الاستئناف فإن كان أنتظر في دعواهما راجعاً إلى العارفة فيسوغ له ذلك ولكن بشرط أن ترى تلك الدعوى عند عارفة أو قاضي قبيلة أخرى غير القبيلة التي تخاصما عند عارفتها أو قاضيها. وهذا كله لا يقع إلا نادراً لأن الشروط المفروضة على المتخاصمين ثقيلة الوطأة عليهما كأداء خسر لحاكم أو لعارف تلك القبيلة الثانية وتجشم نفقات يؤديها المغلوب للغالب وغير ذلك مما يثبط عزم الخصمين عن الترافع إلى عارفة أو قاضي قبيلة أخرى.
أما ما يتعلق بالأمور الدينية وقسمة التركة فمرجعها إلى القاضي بدون ريب. ومما يجب أن يعلم هو أن للحاكم أو للقاضي من هو أعلى منه بمنزلة أو مقاماً وهو شيخ القبيلة وفوق الشيخ الأمير أو الإمام بموجب خطورة الأحكام.
ولا بد أن يكون العارفة من بيت قديم معروف بهذا الشان كما أن الشيخ لا يكون شيخاً إلا
من بيت عرف بقدم الإمارة أو الشيخة.
وهناك أمر آخر وهو أن القبيلة البدوية إذا جاورت مدينة من المدن جرى عليها أحكام المدن. فإذا ظعنت سقطت عنها الأحكام. وهناك تفاصيل أخرى يطول شرحها تتعلق بالعارفة ربما عدنا إليها في فرصة أخرى.
16 -
العاصمة والأحكام الجارية فيها.
وقبل أن نمسح القلم من مداد هذا البحث يحسن بنا أن نختم هذا الفصل بما يتعلق بشؤون الإمارة بعد نشوئها وبما يناط بها. - فاعلم قبل كل شيء إن للولاية الواحدة عدة نواحٍ والنواحي مربوطة بالأقضية والاقضية بالمتصرفيات
وهذه بالولاية. فيكون لكل عالٍ حق إشراف على من دونه. ولكل من كان في منزلةٍ دنيا إتباع من هو أعلى منه.
أما في هذه الإمارة فكل جزء من أجزائها كبيراً كان أو صغيراً (أي أن كل مثل الناحية أو مثل المتصرفية) فمربوط بقاعدة الإمارة رأساً وليس لأحد على أحد أمر أو نهي. بل ترى جميعهم مربوطين برباط واحد يساويهم في القدر والمنزلة ويعلقهم بالإمارة على سبيل التكافل والتضامن فيراجع رئيس كل قرية أو مدينة عاصمة الإمارة بدون أن يراجع أحداً بمنزلة وسيلة أو ذريعة لإصلاح أموره وشؤونه عند الأمير الكبير.
هذا من جهة المصالح المعروفة بالمدنية أو الملكية. وأما ما يتعلق بالأمور السياسية فهذا شيء آخر ولا يحتاج إلى إدارة خاصة. لأنها وإن تنوعت فهي لا تبعد عن أمر واحد هو الغزو لا غير. فمتى أراد الحاكم أن يغزو استنفر قومه وإذا استنفرهم نفر معه الكبير والصغير، اللهم إلا ذاك الكبير العاجز، أو ذاك الصغير الضعيف، أو من كان ذا أشغال مهمة إذا تركها تضرر ضرراً عظيماً وكذلك يترك من يعنى بالفلاحة أو الزراعة. وإذا كان في البيت الواحد أخوان يذهب أحدهما ويبقى الثاني وكذلك قل عن أبني العم أو أبني الخال فإن أحدهما ينفر للقتال والآخر يبقى عوناً لأهل البيت.
والأمير في أبان الحرب لا يقوم بشيء من المؤن والذخائر الحربية لأن كل من يخرج للغزاة مكلف بأعباء نفسه من اتخاذ الأسلحة اللازمة والمتاع وكل ما يضمن له القتال مدة من الزمن. فإذا طالت المدة فالحاكم يجدد له الخيل والركاب والأسلحة إذا تلف منها شيء. وهو يمدهم بالأطعمة وبكل ما يحتاجون إليه من نفقات اليوم أو مما لا بد منه. واعتماداً
على هذا المبدأ تراهم يستعدون للقتال أو الغزو في هنيهة من الزمن كاملي العدة شاكي السلاح مهيأي الكراع
أما عشائر البادية فهي على هذا المثال من امتثال أوامر الأمير فإنه يكتب إلى شيوخها كتاباً ويعين لها موضعاً تجتمع فيه في يوم يضربه لهم فإذا حانت الساعة وجدها في انتظاره في الموطن المعين.
هذا ما يجري في هذه الإمارة من الاستعداد للحرب والغزو وهو ما كان يجري في سابق العصور الخالية فلم تغيره الأيام ولا كرور الأعوام لأنهم وجدوا
هذه الطريقة من احسن الطرائق في تلك الأصقاع وأوفقها لحالة القوام الموجودين فيها كيفما اعتبرت تلك الحالة وعلى أي وجه كان.
17 -
الديانة والاعتقاد
ديانة أهل هذه الإمارة الإسلام الصرف ولا يعرف هناك من يدين بغير هذا الدين الحنيف. فمعتقدهم إذا من احسن المعتقدات إذ هو الاعتقاد الصحيح القويم الذي لم يدخله باطل ولم يمازجه هوى أو بدعة. - وقد أكثر بعض خصومهم من التقول عليهم وشنعوا المذهب الوهابي أو الوهابية وذموا محمد بن عبد الوهاب أسوأ ذم حتى أن الجاهل يظن إن الوهابية اعتقاد حديث العهد هو غير الاعتقاد الذي عليه أهل السنة والجماعة أو هي مذهب خارج عن أحد المذاهب الأربعة المشهورة. والحال إن هذه كلها ظنون وأوهام رماهم بها خصومهم ليعدلوا بالناس عنهم في حين كانت العدوة السعودية عظيمة وبعبارة أخرى كان الأعداء يفعلون ذلك في العهد البائد عهد الاستبداد والطغيان حينما كان أولئك الرجال الخصوم يخشون من وجود مزاحم لهم يشاطرهم الألقاب الإسلامية؛ وليس غايتهم أبداً الطعن بمذهب الوهابية. هذا ما يشم من الأقاويل والأكاذيب التي لفقها بعض المؤلفين الذين استعبدتهم الغايات واستغوتهم الأطماع واستمالتهم الأهواء فمالت بهم إلى مهب كل هواء ومدب كل هوى. وإلا فالوهابية أو مذهب أهالي نجد هو مذهب قديم إذ ليس هو إلا مذهب الإمام أحمد بن حنبل (رضه) فهو هو المذهب الذي عليه أهل نجد كلهم قاطبة مع بعض المسائل التي أوردها لهم الشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. فهم إذا موحدون حنبليو المذهب، تابعون للسنة والجماعة وهم لا يميلون أبداً إلى البدع والخرافات، ولذلك تراهم لا
يسلمون بعبادة القبور ولا الإكثار من زيارتها للتبرك بها ولا يطلبون منها قضاء الحاجات لا لدفع ضر ولا لجلب خير، ولا يقيمون عليها الأبنية ولا ولا ولا من مثل هذه الأمور التي صدت كثيرين من المسلمين عن إتباع الحق المبين، ونكبت بهم عن الصراط المستقيم فأضعفت إرادتهم للخير وقوت فيهم الاتكال على الأوهام والتخيلات التي تدفعهم إلى أن يظنوا إنها تنفع وتضر بينما أن النافع هو الله والسامح بالضرر هو تعالى أيضاً وأن ما ينفقه أولئك الناس في سبيل تشييد الأبنية على القبور وما ضارعها هي الضرر وخسارة في المال والروح والاعتقاد.
فالوهابيون يعملون بما هو مسنون ومستحب بلا مبالغة ولا خروج عن الحد