الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها:
فاصبر على المركى تلقى حلاوته
…
فإن نيل العلى قسم من الأزل
وكن إذاً هدفاً في كل حادثة
…
(فربما صحت الأجسام بالعلل)
وأشدد لها عزم صبر غير مضطرب
…
واسلك لنيل مناها أصعب السبل
وأنهض لنيل العلى وأركب لها خطراً
…
ولا تكن قانعا في مصة الوشل
وكن أبينا نبيها غير مكترث
…
بحادث الدهر واسمع صحة المثل
إذا اعترك عناء الضيم في بلد
…
فانهض إلى غيره في الأرض وانتقل
وكن عن الخلق مهما اسطعت مجتنبا
…
فإن قربهم ضرب من الشلل الخ
ومن شعره المثبت في كتابه المذكور آنفاً، قوله مشطراً:
(ورب حمامة بالدوح باتت)
…
بهمٍ زائدٍ ومزيد حزن
على بعد الديار وفقد ألفٍ
…
(تعيد النوح فناً بعد فن)
(أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا)
…
فتأخذ أكثر الأشواق عني
فأشكوها وتشكو لي زمانا
…
(فمنها النوح والعبرات مني)
وقال يصف الروض وهي من كتابه المذكور أيضاً:
نسمة الروض ضوعتها الأزاهر
…
وذكت أطيب العبير المجامر
خففت راية الغصون فدقت
…
زمر الريح في فؤاد البشائر
وعلمتها بلابل الأنس لما
…
شق جيب الشقيق صوت المزامر
ما ترى الروض قد تكلل حسنا
…
قم وقلنا من نار حر الهواجر
وتنبه لرقة العيش واغنم
…
فرصة الوقت فالزمان مسافر
بين روضٍ ونرجسٍ وقاحٍ
…
وبدور وأنجم ودياجر
وله مجموعة شعر قد جمعت الغث والسمين من شعره وله مراسلات نثرية وشعرية قد عقد لها فصلاً في آخر كتابه الروض النضر وغير ذلك مما يطول شرحه وبهذا القدر كفاية.
كاظم الدجيلي
رحلة إلى شفاثا
وقصر الأخيضر وأحمد ابن هاشم
-
1 -
تمهيد
لما نشرنا في المجلد الثاني من لغة العرب صفحة 45 رأى شيخنا وأستاذنا
العلامة السيد محمود شكري أفند ي الآلوسي في قصر الأخيضر وأنه محرف الاكيدر وأقوال وأراء العلماء الذين زاروه أحببنا الوقوف على هذا القصر بنفسنا لنشاهد ما فيه من البناء ولما توقفنا لزيارته في رحلتنا إلى عربسات وجدنا مجالاً لأن نقول كليمات نزيد البحث فائدة وها نحن أولاً نثبت جميع ما شاهدناه وسمعناه من أقوال وأراء الشيوخ والمعمرين في تلك الأطراف فنقول:
2 -
من كربلاء إلى شفاثا
ركبنا من كربلاء في صباح يوم الجمعة 19 من شهر ربيع الثاني 1331هـ الموافق 28 آذار سنة 1913م - وخرجنا من أحد أبواب كربلاء المعروف عندهم بباب الحر وسرنا متوجهين إلى الشمال الغربي قاصدين شفاثا وبعد مسير 3 ساعات مررنا بهور (أبي
دبس) وكان عن يميننا على بعد 150 متراً وهو عبارة عن بحرة في منخفض من الأرض يبلغ انخفاضه 5 أمتار تقريباً ويصب فيها (نهر الحسينية) بقية مياهه ويبلغ محيطها نحو نصف ساعة وماؤها ملح وفي شماليها تقع (الرزازة) على بعد ساعة منها ثم سرنا في منهبط من الأرض ذي رمال كثيرة ليس فيه أثر طريق ولولا الدليل لما قدرنا على السلوك فيه - وكم سالك تاه ثمة ولم يوقف على أثرة حتى اليوم - وبعد مسافة ساعتين رأينا عن يسار الطريق على بعد 20 دقيقة تلولاً وأودية في وعر من الأرض وهو موضع يسمى عندهم (رأس دخنة) وهو منتصف الطريق بين شفاثا وكربلاء. وفي جنوبي رأس دخنة على بعد نصف ساعة يمر (وادي الأبيض)(وبالتصغير وتشديد الياء) وهو الذي سماه الأعراب النازلون قرب عربسات (وادي النعمان) ثم سرنا وبعد مسافة ساعة ونصف نزلنا للاستراحة والغداء عند قبر في أركانه الأربعة سعفات مركوزة يعرف عندهم باسم (قبر ابن
حمور) وهو من أهل شفاثا ومن اجوادهم المعروفين بالجود والكرم وقد قتل قبل 25 سنة ودفن هناك فقبره اليوم علم يعرف وهو منزل ركب كربلاء إلى شفاثا ويقابل قبر ابن حمور (رأس الملح) والملح هناك في بحرة كبيرة واسعة يبلغ محيطها للماشي على ما ينقل يومين. وملح أهل كربلاء وبغداد وما في غربي بغداد منها وملحها جيد ناصع اللون ذره اني.
ثم سرنا وبعد مسافة ربع ساعة قربنا عن يميننا من طريق شاطئ الملح المذكور وكان على بعد نحو 100 متر منا. وبعد مسافة ساعة رأينا عن يسار الطريق على بعد ربع ساعة إلى الغرب نخلات في البرية حولها عين تسمى
(العوينة) ثم على بعد ساعة دخلنا نخل شفاثا وما زلنا سائرين مقدار ساعة بين تلك النخيل الباسقة والأشجار العظيمة ذات الثمار اليانعة والمروج الخضراء النضرة والمياه النميرة الغزيرة التي خريرها يطرب السامعين حتى وردنا شفاثا (التي يسميها العوام شثاثة) بل قل: وردنا قصراً من قصور شفاثا اسمه (قصر العين أو العين الكبيرة) وعندها سوق أهل شفاثا ونزلنا ضيوفاً على الحاج شريف وهو أحد أجواد أهل شفاثا لأن أهل شفاثا يأنفون من بيع الخبز والتمر وما أشبه مما يؤكل وليس للغريب عندهم مأوى سوى المضيف (أي محل الضيافة) وإلا هلك جوعاً وكل أهل شفاثا شيعة وليس بين ظهرانيهم سني سوى المدير والقاضي وما أشبههما من أرباب الحكومة ومن كرم طباعهم أنهم يقبلون النصراني واليهودي ضيفاً على أنهم يعتقدون نجاستهما ولا تسل عما يقاسمونه من المشقة حينما يحل ضيفاً فيهم غير المسلم؛ بين أنهم لا يعرفونه أنهم يتنجسون منه وذلك منهم في منتهى الأدب والظرف. وفي شفاثا عيون كثيرة منها ماؤها جارٍ ومقدارها 30 عيناً ومنها ماؤها راكد وتبلغ 100 عين أما أسماء العيون الجواري التي هي في داخل شفاثا نفسها فهي: الأولى (العين الكبيرة) وهي أكبر عيون شفاثا ويبلغ محيطها زهاء 50 متراً ولا يدرك غورها والثانية (العين الحمراء) وحولها عين صغيرة تسمى (عين مريزة) والثالثة (عين السيب) والرابعة عين (أم التين) والخامسة (العين الجديدة) وجميع مياه هذه العيون الجواري يذهب ضياعاً بدون أن يستفاد منه واحد بالمائة.
وماء شفاثا معدني كبريتي لا يروي الغليل إلا قليلاً إذ يعطش شاربه بعد
5 دقائق وإذا أكثر من شربه في الصيف أنهك قواه وقويت فيه جراثيم الحمى المطبقة فظهرت فيه بعد قليل
ولا ينحسم داؤها منه إلا بعد مدة طويلة.
أما العيون التي حول شفاثا فهذه أسماء بعضها (عين الصحيفة) عين (أم الغر) عين (البركة) عين (أم الغويل) عين (أبو صخر) بالتحريك.
وفي نفس شفاثا 15 قصراً (والقصر عندهم المحلة التي يرأسها رجل من أهلها راجع لغة العرب 2: 541) وهذه أسماؤها وأسماء رؤسائها الحاليين: قصر العين (أي العين الكبيرة) ورئيسه الشيخ محسن العباس، قصر البوهوي ورئيسه الملا حسين، قصر ثامر ورئيسه حمزة الرميد، قصر أم رميلة ورئيسه السيد حسن، قصر الجنون ورئيسه خضر العبلي، قصر البو حسان (بتشديد السين وهو أحسن القصور) ورئيسه عباس الملا، قصر البو حسان أيضاً ورئيسه عبد العلي العزيزة، قصر اسالي ورئيسه الحاج فرحان، قصر الدرواشة ورئيسه حسين العبد، قصر البو جربوع ورئيسه صديان، قصر البو طريمش ورئيسه متعب الشامخ، قصر الخرائب ورئيسه عباس السليمان، قصر السمينة ورئيسه مشعل الفاضل، قصر الحساويين ورئيسه الحاج فيصل، قصر المالح ورئيسه عبد الله العاشور، قصر البوحردان (وزان عدنان) ورئيسه كلوب.
أما بناء دور شفاثا فجلها إن لم نقل كلها باللبن والطين لا غير ومسقفة بجذوع النخل ومغماة السطوح (أي مفروش على سطوحها الطين) وفي شفاثا سوق واحد صغيرة يباع فيها الحنطة والشعير والتمن (أي الأرز) والتمر والثياب (أي الأقمشة) على اختلاف أنواعها.
وقد أخبرني مدير شفاثا الحالي الحاج سليم أفندي رواية عن المعمرين من أعراب تلك الجهة أن شفاثا لم تكن قبل مائة سنة تقريباً سوى بربة فيها بعض النخيلات لا ساكن فيها غير أن البدو الرحل كانوا ينزلونها أحياناً وكانت مساكن أهل شفاثا إذ ذاك في عين التمر. ولما نضب ماء عين التمر وجرى ماء شفاثا الكبيرة رحل أهل شفاثا عن عين التمر ونزلوا حول عين شفاثا الكبيرة وبنوا دورهم الحالية وأخذوا يغرسون النخيل منذ ذلك الحين وكانت العين في أول أمرها صغيرة ثم توسعت مع الزمان حتى بلغت مبلغها اليوم.
أما اليوم ففيها من النخل المثمر (الحمال) مقدار 500 ألف نخلة (رأس) ويبلغ مسافة نخلها نحو خمس ساعات والنخلة مغروسة بجنب أختها لصقاً وفي الطرف الشمالي من شفاثا بين النخيل (قصر شمعون) وهو قصر قديم البناء قد تهدم أكثره راجع وصفه في المجلد 2:
540 من لغة العرب.
ولا يزال قوت أهل شفاثا التمر والدبس لأنهم لا يتعاطون مهنة غير مهنة غرس النخل حتى أنهم قبل عامين أخذوا يزرعون الحنطة، والشعير، وألقت (الجت) والخيار والبانجان، والباميا أو البانيا، والطماطة أو الباندوري. وما يجري مجراها من أنواع الخضر. وكذلك أخذوا يغرسون في بساتينهم شجر التين، والخوخ، والمشمش، والتوت (لنكي) والبرتقال، والليمون (النومي) وأهل كربلاء من العجم يسمونه الليمو بكسر اللام) والعنب والرمان وما أشبه.
وأهل شفاثا يكثرون من شرب الشاي الترياق (أي الأفيون) وترى في وجوههم صفرة تمازجها سمرة وأكثرهم قضيفو الأبدان ولهم عادات وأخلاق أخرى لا يسع المقام شرحها.
3 -
من شفاثا إلى الأخيضر
وفي صباح يوم السبت الساعة 2و20 دقيقة عربية ركبنا من شفاثا قاصدين الأخيضر وكان
وجهنا إلى الجنوب وقد ركب معنا مقدار 10 فرسان من أهل شفاثا وخمسة من الجند العثماني لأن الطريق مخوفة جداً لكثرة ما يوجد فيها من غزاة البادية وأكثر أولئك الغزاة من عشائر عنزة لا غير وقد يتفق أن يكمنوا لزوار الأخيضر في الأخيضر نفسه فيمسكوهم بأيديهم ويأخذوا جميع ما عندهم وما عليهم ويتركوهم عراة مجردين مكبين لليدين وللفم.
ثم مشينا بين النخيل والأشجار والأرياف مسافة عشرين دقيقة وخرجنا إلى البر المقفر القاحل الذي ليس فيه سوى الروابي والتلول والأودية وفي فصل الأمطار يفرش الربيع أزهاره وأوراده على هذه الطريق فتغدو بساطاً موشىً وشته أصابع الطبيعة البديعة - أما نحن فلم نشاهد فيها سوى الزهر المعروف بشقائق النعمان ويسميه أهل العراق (شجيرة النعمان) والبدو الرحل وأهل الشرقية (ديدحان) ومنه قول شاعرهم الملا ياسين من أبيات يصف فيها معشوقته: (يا ديدحانه أبراس وديان).
وبعد مسافة 20 دقيقة مررنا بعين تسمى (عين الصفيحة) وعندها قصر ينسب إليها وهي واقفة في غربي قصر شفاثا. وبعد مسافة 20 دقيقة رأينا عن يسار الطريق على بعد 300 متر منا تلاً كبيراً مستطيلاً يبلغ طوله زهاء 100 متر وعرضه قراب 40 متراً وارتفاعه نحو 6 أمتار يسمى (آبجة أي آبقة) وبعد مسافة ساعة مررنا (بالقصير)(تصغير قصر)
وهو عبارة عن بناء مستطيل قد تهدم جانب منه والباقي منه يبلغ طوله نحو 15 متراً في عرض 3 أمتار في ارتفاع 6 أمتار وبناؤه بالحجارة التي بنى بها قصر شمعون والبرد ويل والخراب والأخيضر. وهو على مرتفع من الأرض وفي أسفله وادٍ ينسب إليه وحوله
كثير من التلول والأودية.
ثم جاوزناه وبعد مسافة ساعة وردنا الأخيضر وقبل ورودنا القصر على بعد 10 دقائق تقريباً رأينا رعاة يردون ركايا واقلبة هناك وعندما شاهدونا أطلقوا علينا رصاصة ظانين أننا أعداء فأشار إليهم أحد أصحابنا عباءته وتلك إشارة الصديق فعلموا أننا لا نريد الإساءة إليهم فانصرفوا عن القصر وتوجهوا ذاهبين إلى الشرق ثم وردنا القصر قبيل الزوال ببضع دقائق.
4 -
وصف قصر الأخيضر نفسه وما حوله
دخلنا قصر الأخيضر فوجدناه ثلاثة قصور الواحد بجنب الآخر ولكل قصر منها بهو كبير ويحيط بتلك القصور الثلاثة سور عظيم مربع الأركان في كل جانب منه باب يعلو القامة بقليل و11 برجاً يبلغ محيط قطر كل برج منها زهاء 6 أمتار و60 سنتيمتراً وفي كل ركن من أركانه الأربعة برج كبير أيضاً يبلغ محيط قطره قراب 13 متراً وطول كل جانب مقدار 160 متراً وارتفاعه نحو 15 متراً أما بناؤه فبسيط جداً ليس فيه من فن التزويق ما يروق الأنظار وبناؤه بالحجارة الجبلية التي هي أشبه شيء بحجارة الجص إلا أنها صلبة جداً لم تؤثر فيها عوامل الدهر وقد وضع الرازة بين تلك الحجارة وفي بعض المواطن الطين. وهو ذو ثلاث طبقات بين الطبقة والطبقة نحو 3 أمتار ونصف متر. أما الطبقة الثالثة فقد تهدم أكثرها وكذلك قسم من الطبقة الثانية ولم يبق منها قسم ذو ثلاث طبقات سوى الجهة الشرقية من القصر وهي التي أخبرتنا أن القصر كان ذو ثلاث طبقات. أما السور فقد تهدم منه أعلى الجانب الغربي والجنوبي والشمالي وأكثره من الجانب الشمالي وأبوابه الثلاثة مردومة إلا الرابع وهو الباب الشمالي الذي منه إلى القصر فهو مفتوح وأمام القصر الشمالي على بعد 50 متراً منه بناء معقود مستطيل كالازج فيه
حجرات يبلغ طوله نحو 20 متراً وبقربه إلى الشرق أثر ساقية تأتي من الغرب قد فرش عقيقها بالحجر وعقد جانباها به أيضاً. وفي شرقي القصر أيضاً على بعد 100 مترٍ تقريباً
بناء تهدم أكثره يزعم الأعراب القاطنون هناك على رواية أجدادهم السالفين أنه كان في القديم حمام القصر وفي شمالي القصر على بعد 500 متر تقريباً واد يسميه الأعراب من أهل تلك الجهات (شعيب الأبيض) والبعض منهم يسميه (وادي الأبيض) وهو الوادي الذي يمر بجنوبي (عريسات)(ورأس دخنة)(وزان ظلمة) كما أسلفنا ويبلغ عرضه قراب 20 متراً وفيه تجتمع مياه الأمطار عند انهمارها وقد نقل لنا أعراب تلك الجهات أن هذا الوادي يكون في أيام الربيع مجمعاً لصنوف الأوراد والأزهار فكأنه مفروش بفراش من الزهر ويروى إنه يمتد إلى الشام أو دونها بقليل. وفي وسطه وجانبيه حفائر قريبة القعر نزوعة غروفة يسميها أعراب تلك الجهات (قلبان) وأحدها قليب (ولكنهم إذا أفردوا لفظوا القاف جيماً وإذا جمعوا لفظوه كافاً فارسية) وماء تلك الحفر نمير عذب. وقرب شعيب الأبيض إلى الشمال الغربي منه وادٍ إذا حفرت في وسطه عمق ذراع أو أقل من ذلك أمهت ماء سلسبيلا.
وفي شرقي قصر الأخيضر على بعد ساعة تقريباً عين تسمى (العين الخضرة) وفي شرقيها على بعد 4 ساعات تقريباً منارة في البرية كالبرج أو كالميل ملساء ليس فيها طريق إلى الصعود إلى أعلاها يسميها الأعراب (موجدة) يبلغ طولها نحو 8 أمتار وقد أخبرني فهد بك أحد شيوخ عنزة أنها واقعة في غربي العطشان على بعد 7 ساعات منه والأخيضر واقع في غربي كربلاء
على بعد 5 ساعات ونصف.
5 -
وصف داخل قصر الأخيضر
إذا دخلت من الباب الذي هو تجاه الشمال تفضي بعد مسافة 20 متراً تقريباً إلى إيوان معقود بالطاباق المشوي عقداً مقوساً وبناؤه أشبه ببناء الإيوان الموجود في (قصر الخليفة أو دار الخليفة) في سامرا بل قل كأنه هو. وهو عامر لم يتهدم منه شيء يبلغ ارتفاعه عن الأرض نحو 10 أمتار في عرض 8 أمتار من الأسفل ونظن أن بناء هذا الإيوان بعد قصر الأخيضر بقرن أو قرنين أو أكثر من ذلك لأن ليس فيه ما يشابهه قطعاً.
وفي الطبقة السفلى من القصر كثير من الأزاج المعقودة عقداً مقوساً يبلغ طول كل منها زهاء 20 متراً في عرض 4 أمتار في ارتفاع 6 أمتار وفيه كثير من السراديب والدياميس والبيوت والغرف والعلالي والصفف والأسراب وكلها معقودة عقداً وقد دخلنا في سرداب
قريب من باب القصر واقع في جهة اليمين عند الدخول ولما مشينا فيه مقدار 20 متراً سمعنا دوياً أشبه شيء بدوي المياه العظيمة التي تنصب من شاهق وقد سألنا الأعراب عن ذلك فقالوا نسمع مثله في أسفل سور القصر من البر أيضاً وقد حفرنا مرات عديدة فلم نجد شيئاً من ذلك والله أعلم.
وكل جدران القصر سواء جدران الغرف أو غيرها مطلية بالجص وفي ساحة البهو الذي هو عند الجانب الغربي من السور بئر فيها ماء وحولها بعض تالات مغروسة وهي ليست قديمة وقد حفرها رجل من عنزة اسمه علي لأنه أراد عمارة هذا القصر وقد سكن فيه مدة فيه فلم ينجح في مسعاه ثم تركه.
ولم نشاهد في القصر أثر كتابة أو علامة تدلنا على بانيه الأول أو عمن سكنه في القديم غير أن لنا رأياً فيه نبديه:
ليس قصر الأخيضر هو قصر الأكيدر الكندي والذي قاله ياقوت في معجمه في مادة: دومة الجندل لا ينطبق على الأخيضر. بل ينطبق كل الانطباق على قصر الخراب الواقع في شرقي عين التمر (المعروفة عند أهل شفاثا اليوم برأس العين) على بعد نصف ساعة منه وطرز بناء هذا القصر كطرز بناء الأخيضر غير أنه خراب فكأن الباني واحد بل ربما يكبر قصر الأخيضر بقليل وإليك ما قاله ياقوت في معجمه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أكيدر
على دومة وأمنه وقرر عليه وعلى أهله الجزية وكان نصرانياً. فأسلم أخوه حريث فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما في يده ونقض أكيدر الصلح بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأجلاه عمر (رضه) من دومة مع من أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة فنزل في موضع منها قرب عين التمر وبنى به منازل وسماها (دومة) وقيل (دوماء) باسم حصته بوادي القرى فهو قائم يعرف إلا أنه خراب) أهـ. والذي يؤيد رأينا أن قصر الخراب هو قصر الأكيدر نفسه قول ياقوت (قائم يعرف إلا أنه خراب) وهذا الاسم باق عليه إلى اليوم لا يعرف بغيره وقول ياقوت أيضاً (وبنى به منازل) وحول قصر الخراب كثير من الأنقاض والتلول ذات الآثار القديمة بخلاف قصر الأخيضر فليس حوله من ذلك شيء البتة وأقوى من ذلك قوله (قرب عين التمر) وقد علمت كما سلف أن بين قصر الخراب وعين التمر مسافة نصف ساعة وبين عين التمر وقصر الأخيضر مسافة تزيد على 6 ساعات ونصف فهل
يشك أحد بعد هذا في أن ياقوت يريد بقوله هذا قصر الخراب لا قصر الأخيضر فإذا عرفنا أن قصر الأكيدر هو قصر الخراب بعينه، فلا بد لنا أن نعرف قصر الأخيضر لمن كان في القديم ومن بناه وهذا أمر يحتاج إلى أدلة قوية لعلنا نأتي بها في وقت آخر. وبعد الزوال بساعتين ونصف ساعة ركبنا من قصر الأخيضر ورجعنا إلى شفاثا فوردناها قبل غروب الشمس بنصف ساعة تقريباً.
6 -
من شفاثا إلى أحمد ابن هاشم
وفي صباح الأحد خرجنا من شفاثا قاصدين أحمد ابن هاشم ووجهنا إلى الغرب وبعد مسافة 25 دقيقة مررنا بعين عن يمين الطريق تسمى (أم الغر) وقد مر ذكرها وبعد مسافة 5 دقائق عن يسار الطريق عين تسمى (عين البركة)(وقد سلف ذكرها) وبعد مسافة عشر دقائق عن يسار الطريق على بعد 30 متراً منه عين تسمى (أم الغويل) وبعد مسافة 20 دقيقة عن يسار الطريق أيضاً على بعد نصف ساعة منه تلول متقطعة مستطيلة من الحجر والتراب تسمى (البوب) وهي على طريق الرحالية وفي شماليها على بعد ساعة منها الملح.
وبعد مسافة 25 دقيقة مررنا بتل واقع عن يمين الطريق على بعد 100